صراعات الساسة.. كيف رسمت مصيرا قاتما للاجئين الإريتريين في إثيوبيا؟

12

طباعة

مشاركة

بقلق ممزوج بالخوف، يترقب اللاجئون الإريتريون القاطنون في مخيم هيتساتس على المرتفعات الشمالية في إثيوبيا، انقضاء جائحة كورونا والمحاذير التي نتجت عنها.

فمنذ أوائل مارس/آذار 2020 أعلنت السلطات الإثيوبية رغبتها في إغلاق مخيم هيتساتس الذي يؤوي آلاف اللاجئين الهاربين من جحيم القمع في إريتريا، والذين لا يجدون ملجأ سواه، على بؤسه وتردي أحواله، وتم تأجيل التنفيذ إلى وقت لاحق بعد أن أكدت إثيوبيا أولى حالات كوفيد 19 في منتصف الشهر نفسه.

هذه التغييرات تهدد بالخطر مصير عشرات الآلاف من اللاجئين الإريتريين في إثيوبيا، نتيجة الظروف القمعية في بلادهم ولا سيما الخدمة الوطنية مفتوحة المدة، حيث بلغ عدد المسجلين لدى مكتب المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في إثيوبيا حتى أبريل/ نيسان 2020، 148.981، فضلا عن غير المسجلين.

وتعزو الحكومة الإثيوبية التغييرات في سياستها تجاه اللاجئين إلى أنه ليس كل طالبي اللجوء يستحقون منحهم هذه الصفة، وأن بعضهم يلجأ هربا من الظروف الاقتصادية المتردية في إريتريا.

لكن ترى منظمة هيومن رايتس ووتش، أن هذه الحجة غير مقبولة لأن الظروف التي كان يتم على أساسها الاستقبال التلقائي للقادمين من إريتريا لم تتغير، وأن هذه التغييرات في النهاية تشكل خطرا على حياة هؤلاء.

إثيوبيا تغلق الأبواب

نتيجة حالة اللاحرب واللاسلم التي عاشتها إريتريا وإثيوبيا 2000-2018 فقد تحولت الأخيرة إلى إحدى الوجهات الأساسية لآلاف اللاجئين الفارين من الأولى، واعتمدت أديس أبابا القبول التلقائي لطالبي اللجوء الإريترييين.

ولذا فقد كان الإعلان عن غلق المعسكر تعبيرا عن تغيرات جوهرية طالت سياسة قبول اللاجئين الإريتريين في إثيوبيا.

وبعد أن تبنى البرلمان الإثيوبي في يناير/كانون الثاني 2019 تنقيحات تدريجية لقانون اللاجئين سهلت حياتهم، شهد كل ذلك انعطافة حادة مطلع العام 2020، إذ غيرت الحكومة الإثيوبية بشكل غير رسمي سياسة اللجوء الخاصة بها.

وذكرت مفوضية اللاجئين الأممية ومنظمات إغاثية أن موظفي وكالة إثيوبيا لشؤون اللاجئين والعائدين لم يسجلوا إلا بعض فئات الوافدين الجدد من الحدود الإريترية.

ووسط الحيرة في البحث عن مغزى هذه التغييرات فاجأت السلطات الإثيوبية الجميع بإعلانها إغلاق مخيم هيتساتس للاجئين وتخيير سكانه الذين يفوق عددهم 15 ألفا بين الانتقال إلى مخيمي ماي عيني أو عدي هاروش في إقليم تغراي الإثيوبي أو الحصول على تصاريح للإقامة في المدن. 

ووفقا لما صرحت به آن إنكونتر، ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إثيوبيا لفرانس برس 16 أبريل/نيسان 2020، فإنه ليس في المخيمين الأخيرين ما يكفي من المرافق والمأوى لتدفق كبير مثل هذا، وبنيتهما التحتية تعاني من الضعف الشديد.

في حين يؤكد آخرون أن التوجه إلى المدن يحمل الكثير من مخاطر عدم الحصول على فرص العمل والقوت اليومي حرفيا. 

وأعلن مسؤولون إثيوبيون أن ضعف المخصصات المالية هو السبب وراء إغلاق مخيم هيتساتس، لكن يذكر لاجئون أن المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أبلغتهم شفهيا بأن ميزانيتهم ​​لعام 2020 كانت مؤمنة.

كما ذكرت إنكونتر أن هناك تخفيضا "لكن هذا لن يبرر إغلاق المخيم"، ما استدعى إلى الأذهان من جديد التساؤلات حول الكامن وراء هذه التغييرات. 

مشكلة اللاجئين

وفي بحث عن إجابة للتساؤل المذكور يعزو مختصون هذه التغييرات إلى عوامل ترتبط بالسياسة الداخلية للبلاد وتشابكاتها الممتدة إلى الجارة إريتريا.   

ويشيرون في هذا الإطار  إلى العداء الصريح بين أسمرة والجبهة الشعبية لتحرير التغراي الحاكمة في الإقليم.

وكان أبرز مظاهر الصراع، هجوم قادة من الجبهة المذكورة على الرئيس الإريتري ودعوة رئيسها ونائب رئيس إقليم تغراي، ديبرصيون جبريميكيل، في خطاب بمناسبة الذكرى 45 لتأسيس جبهته أواخر فبراير/شباط 2020 الإريتريين "وحتى الجيش" إلى القدوم إلى بلاده.

وقال جبريميكيل: "لن نغلق الحدود مع إريتريا، والشعب الإريتري ليس مكانه المعسكرات بل بين إخوته في المدن".

وهو ما اعتبر ردا على هجوم سابق للرئيس الإريتري أسياس أفورقي على حكام إقليم تغراي في مقابلة على فضائية بلاده يوم 6 فبراير/شباط، منددا بما وصفه "بتصاعد أعمال إنشاء "مخيمات اللاجئين"، ومحددا الهدف منها بـ"استنزاف القوة الإريترية" بالإضافة إلى "خلق معارضة قائمة على الانتماء العرقي والعشائري".

وخاضت إريتريا برئاسة أفورقي وإثيوبيا بقيادة الزعيم التاريخي للجبهة التغراوية مليس زيناوي حربا عنيفة بين عامي 1998-2000، ما تزال نتائجها ماثلة في عدد من الملفات التي استحال فيها العداء بين الطرفين إلى عداوة شخصية، حيث لم يتم إعادة بلدة بادمي التي تسيطر عليها التغراي إلى السيادة الإريترية وفقا لأحكام لجنة ترسيم الحدود الدولية. 

ووفقا لصحفيين إثيوبيين فإن السياسة الرسمية الإثيوبية باحتضان فصائل المعارضة الإريترية، ضمن حرب الوكالة بين الطرفين، قد شهدت أفولها مع مجيء آبي أحمد إلى سدة رئاسة الوزارة وتحالفه مع نظام الرئيس أفورقي في أسمرة.

إلا أنه من الأسرار المعلنة الدعم الذي تقدمه الجبهة الحاكمة في تغراي لفصائل إريترية مسلحة تعسكر ضمن أراضيها، كما أنها منحتها الضوء الأخضر للعمل على التجنيد وسط اللاجئين الإريتريين.

بالإضافة إلى ذلك يربط مراقبون بين هذا النشاط ووجود مجموعة من قيادات المعارضة الإريترية المنشقة عن نظام أسمرة في تغراي الآن، مشيرين إلى وجود ترتيبات تجري لتكوين جسم معارض مسلح يكون بديلا للنظام الإريتري في حال اتخذت الأمور بين الطرفين منحى تصعيديا أكثر خطورة.

وهو ما يدفع أسمرة إلى التخوف من معسكرات اللاجئين في إقليم تغراي الذي يبعد عنها 100 كيلومتر فقط، ومن استفادة الجسم المزمع إنشاؤه من العسكريين الهاربين من البلاد في بناء ذراع مسلح قد يشكل خطورة على النظام لامتلاكه قنوات اتصال مع عناصر في الجيش والقوى الأمنية الإريترية، بحكم الارتباطات القومية والتنظيمية السابقة للقيادات المذكورة.

وتوجد في إقليم تغراي المحادي لإريتريا 4 معسكرات للاجئين الهاربين منها، أحدثها هيتساتس المنشأ في مايو/أيار 2013، والذي يقطنه 26650 لاجئا وطالب لجوء من إريتريا، حيث تعد تلك المخيمات البائسة للكثيرين نقطة عبور إلى دول أخرى، سواء عبر التوطين مع المفوضية الأممية أو عبر الطرق غير الرسمية وشبكات التهريب.

صراعات الداخل

ليس ملف اللاجئين نقطة الخلاف الوحيدة بين الجبهة الحاكمة في تغراي والسلطة المركزية في أديس أبابا، إذ تقابل مدينة مقلي الإثيوبية التضييقات في الملف المذكور باتهام رئيس الوزراء آبي أحمد بالإذعان لطلبات حليفه الإريتري.

وتشعر الجبهة الشعبية الحاكمة في تغراي بقدر كبير من الضغوط الممارسة عليها منذ مغادرتها السلطة التي أحكمت قبضتها عليها لما يزيد على ربع قرن، حيث تم تحميلها كل خطايا المرحلة الماضية.

كما يتصاعد شعورها بالاستهداف وبخطر التهميش السياسي الذي تتعرض له، وأن كلا من أديس أبابا وأسمرة تقفان وراء ذلك.

وكان آبي أحمد وقع اتفاق سلام تاريخيا مع أفورقي منتصف 2018، أقرت أديس أبابا بموجبه بالالتزام بأحكام اتفاقية الجزائر عام 2000 لإنهاء الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، وهذا إضافة إلى أحكام لجنة الترسيم الدولية بين الطرفين.

لكن اللافت أن الاتفاقيات التي تم إعدادها لم توقع حتى الآن، وهو ما يُعزى إلى قضايا عالقة بينهما، منها مطالبات أسمرة بتغييرات ثورية في سياسة اللجوء وأوضاع اللاجئين الإريتريين ولا سيما في إقليم تغراي.

وهو ما يفسر التغييرات الأخيرة نتيجة حاجة أحمد الذي يعاني مشاكل داخلية جمة إلى إنجازات على الصعيد الخارجي، ترفع رصيد شعبيته وتعيد زخم سنته الأولى في الحكم.

ووفقا لتقرير نشره المختصان في الشأن الإثيوبي نزار مانيك وناتاليا باسزكوفيتز منتصف مايو/ أيار 2020، فقد ذكر لهما مسؤول استخباراتي إثيوبي رفيع متقاعد أن الرئيس الإريتري طلب من أحمد تغيير سياسات اللجوء.

ويذكر التقرير أن الإجراءات الإثيوبية للتضييق على اللاجئين وإغلاق المعسكر بدأت بعد قمة الرئيسين في يناير/كانون الثاني من هذا العام (2020).

وفي ظل صراعات الفاعلين السياسين داخل إثيوبيا وامتدادات تحالفاتهم المتضادة إلى الجارة إريتريا يعيش سكان مخيم هيتساتس واللاجئون الإرتريون الباحثون عن الأمان حالة من اللايقين إزاء المستقبل وإزاء حاضر لا يد لهم في نزاعات كباره.