تزامنا مع دعوات للفوضى.. لماذا أثار رئيس تونس غضب البرلمان؟
في أكثر من مناسبة يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيد، أن الشعب قادر على سحب الوكالة "ممن خان الأمانة والوكالة"، في سياق انتقاده لمقترح لتعديل القانون المنظم لعمل البرلمان يمنع انتقال النائب من حزب لآخر خلال نفس المدة النيابية.
ليست المرة الأولى التي يتوجه فيها قيس سعيد بخطاب للشعب، يهاجم خلاله الطبقة السياسية بشكل عام والنظام السياسي في البلاد بشكل عام منذ سن دستور عام 2014.
سلسلة من خطابات سعيد في مناسبات مختلفة أثارت جدلا واسعا في تونس، وانتقادات من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب بسبب ما اعتبروه استهدافا لهم.
سعيد قال في كلمة ألقاها في سيدي بوزيد في ذكرى ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول: ''كل يوم يفتعلون الأزمات.. حين قلت الشعب يريد فهو يعرف ماذا يريد، يبقى فقط أن نمكنه من الآليات القانونية لتحقيق ما يريد''.
وأضاف: ''المؤسسات السياسية لا تعمل ويحملونني المسؤولية.. هناك مؤامرة وستتصدون لها، أنتم تعرفونهم بالاسم وتعرفون من يقف وراءهم في الظلام'' وفق تعبيره.
هذه المرة تأتي خطابات الرئيس في الزمن والمكان غير المناسبين، حسب رأي منتقديه، إذ تعيش تونس كبقية دول العالم في ظل مواجهة جائحة كورونا وتأثيراتها السلبية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، كما تصاعدت في نفس الوقت دعوات من مطالبة بالإطاحة بالبرلمان والحكومة وتغيير النظام السياسي في البلاد.
حديث الثكنات
خلال شهر رمضان، اختار الرئيس التونسي في أكثر من مناسبة، الحديث من داخل عدد من المؤسسات الأمنية والعسكرية، تعليقا على الأحداث السياسية الراهنة.
آخر ظهور للرئيس التونسي كان في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد، وجه فيه كلمة للقوات المسلحة ورسائل للطبقة السياسية، في مشهد لم تشهده تونس من قبل، بحضور وزير الدفاع عماد الحزقي وضباط الجيش الوطني.
في كلمته التي امتدت 16 دقيقة، كانت مزيجا من الافتخار بالمؤسسة العسكرية وتاريخها وتعقيبا على حاضرها ودورها وما ينتظره منها، وردودا على الانتقادات التي تطاله وترويجا لما يراه من نظريات انتخابية وقانونية تلائم عملا برلمانيا ناجعا، وفق رؤيته الخاصة.
بعد الإشادة بالجيش انتقل الرئيس ليوجه رسائله الصريحة والمبطنة للبرلمان، واستهلها ببيت شعر للمتنبي يقول فيه: "من البلية عذل من لا يرعوي عن جهله"، مستطردا: "من البلية أيضا خطاب من لا يفهم".
ليشرح لاحقا المقصود بقوله: "البعض ذهب به الظن ليجعل من تقاسم مآدب الإفطار مع القوات المسلحة العسكرية والأمنية مقدمة لما يتوهمون. هؤلاء الواهمون اعتادوا العيش على الكذب والرياء والافتراء".
حديث الرئيس يعتبره البعض ردا على من يفسرون تحركات سعيد محاولة منه لحشد المؤسسة العسكرية والأمنية خلفه في صراعه مع البرلمان.
وفي معرض رده على هذه الاتهامات أو التخوفات قال سعيد: "إنه كما المؤسسة العسكرية، حريصون على الشرعية، بل أكثر حرصا على هذه الشرعية من الحالمين الواهمين الكاذبين المفترين".
مضيفا: "الرئاسة ملتزمة بمرجعها وهو القانون، على نقائصه أحيانا وعلى ثغراته. الرئاسة ستظل ملتزمة بهذا المرجع وإن وجهت له النقد لأنها تؤمن بأن القانون لا يُغيّر إلا بالقانون".
كما توجه قيس سعيد بالرد على من يتهمونه بـالدعوة للفوضى قائلا: "إنهم مخطئون فلم ولن أكون من الدعاة للخروج عن الشرعية"، حيث فسر بعض النواب كلماته في ولاية قبلي (جنوب شرق تونس) حينما تحدث عن سحب الوكالة (الثقة) من المنتخبين إن أخلوا بالتزامهم مع الناخبين، بأنها دعوة للانقلاب على البرلمان الشرعي.
خطاب تحريضي
تصريحات قيس سعيد المتكررة خلال الأيام الأخيرة قوبلت بانتقاد شديد من قبل مختلف الكتل النيابية، حيث صبت أغلب مداخلات النواب من مختلف الكتل في خانة التنديد بما وصفوه بـ"التهديدات الجدية على خلفية الخطابات التحريضية" التي تطال عددا منهم في كل مرة، بالإضافة إلى توجيه انتقادات لما رأى فيه النواب تهميشا وتحقيرا للبرلمان.
رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف وصف خطاب رئيس الجمهورية في ولاية قبلي بـ"الخطير جدا" متهما سعيد بمحاولة تبرير دعوات العنف والدم ضد مؤسسات الدولة والسلط المنتخبة.
وقال مخلوف: "في الوقت الذي انتظر فيه البرلمان ظهور سعيد للتبرؤ من دعوات الفوضى والدم التي تصدر من جزء من أنصاره وممن أداروا حملته الانتخابية، فوجؤوا بخروجه لينظّر لنا في الشرعية والمشروعية…صحيح أن جل الناس ليست لديهم دراية بالقانون الإداري والدستوري لكن أريد أن أذكره بأن الشرعية والمشروعية تكون في المقررات الإدارية والمشروعية وتخضع لرقابة القضاء الإداري".
كما اعتبر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة أن نائب الشعب ليس مطالبا بالعمل على نيل إعجاب رئيس الجمهورية وليس مطالبا بتبني أفكار قيس سعيد الذي رأى مخلوف أنه حاد عن برنامج زيارته إلى قبلي وأراد تبرير دعوات العنف والدم والتمرد على مؤسسات الدولة.
وقال مخلوف: "أتوجه إليك (أي سعيد) إنذار أخير قبل تطبيق أفكارك عليك والمطالبة بسحب الشرعية منك لأن كل دعواتك وخطاباتك تفتقد كثيرا للمشروعية".
رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي اتهم رئيس الجمهورية بالتحريض على النواب واصفا خطابه بـ"الخطاب العدواني والبائس"، محملا إياه مسؤولية السلامة الجسدية لنواب الشعب قائلا: "نعتبر هذا التحريض على نواب الشعب تحريضا عدوانيا وبائسا يجب التنديد به وإيقاف نزيف تحريض التونسيين بعضهم على بعضهم".
النائب عن حركة النهضة عماد الخميري من جانبه انتقد ما وصفه بحملة "التحقير والترذيل" التي تستهدف النظام السياسي، الذي اختاره التونسيون بعد الثورة.
وأضاف النائب عن حركة النهضة: "هذه الحملات ممنهجة وتلتقي مع أجندات داخلية وخارجية لا تريد لتونس الاستثمار في النجاحات التي حققتها في عدة ملفات على رأسها الانتقال الديمقراطي ومقاومة كورونا".
كما ندد الخميري في مداخلته في البرلمان بالدعوات "الغريبة والممنهجة التي تستهدف المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها مؤسسة مجلس نواب الشعب ورئاسة مجلس نواب الشعب ككل".
"جبهة للإنقاذ"
خطاب الرئيس الهجومي تزامن مع دعوات للتحرك في الشارع من أجل حل البرلمان وإسقاط الحكومة، بعضهم أعلن تأسيس "جبهة للإنقاذ"، وحثوا القوات المسلحة وقوات الأمن على التحرك من أجل الانقلاب على المؤسسات الدستورية.
هذه الأطراف استغللت خطابات الرئيس قيس سعيد واعتبرتها إشارات منه لدعوة مؤيديه للنزول إلى الشارع والمشاركة في هذه التحركات، باعتبارها تستهدف جميع الطبقة السياسية ما عدا رئيس الجمهورية.
المحامي المثير للجدل وأحد الداعين لاعتصام الرحيل 2 دون على فيسبوك داعيا رئيس الجمهورية للانضمام لاعتصام الرحيل وتسخير الجيش لحماية المتظاهرين.
في نفس الوقت، دعا الناشط ثامر بديدة إلى الاعتصام في باردو، مطلقا عليه حراك الإخشيدي، وأصدر بيانا بعنوان أنصار الرئيس قيس سعيد دعا فيه إلى تفويض رئيس الجمهورية لأخذ زمام الحكم وضمان استمرارية الدولة بعد إسقاط الحكومة وحل البرلمان والأحزاب السياسية، كما دعا رئيس الدولة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة بفرض حالة الطوارئ وإغلاق الحدود.
في نفس السياق، نشر المدون نبيل الرابحي، ما يسمى بـ"خارطة الطريق لإسقاط الحكومة"، حيث تحدث عن عزل الحكومة سياسيا وشعبيا وإعلاميا لإجبار رئيس الحكومة على تقديم استقالته مع تنقيح الدستور وقانون المحكمة الدستورية، وقيام رئيس الجمهورية بتكليف شخصية لتشكيل حكومة إنقاذ وطني مع تنقيح القانون الانتخابي.
في المقابل اعتبر الناشط السياسي أمان الله الجوهري أنه "لا يمكن القول إن قيس سعيد هو من يقف وراء العريضة التافهة التي تداولها والتي تدعو لما يسمونه "ثورة الجوع".
الجوهري قال: "هي في الحقيقة دعوات لانقلاب عسكري وإلغاء الحياة السياسية لكن من الواضح أننا أمام استجابة لتحريض سيادة الرئيس على الدستور وعلى الديمقراطية والمؤسسات السياسية التي ترتكز عليها.. بيان "ثورة الجوع" هو اقتراح لخطة عملية نحو إرساء النظام السياسي الذي يدعو له قيس سعيد ويسميه التأسيس الجديد".
وأضاف الجوهري في حديث للاستقلال: "هذا البيان خطير فقط لأنه يستمد مشروعيته من الخطابات التحرضية التي يلقيها قيس سعيد كلما سمحت له الفرصة، ومن مشروعه للفوضى السياسية وإلغاء الديمقراطية والعودة بنا للبداوة وتركيز كل السلطة بين يدي حاكم يشبه الملوك".
وطالب الجوهري الرئيس بأن "يوضح موقفه من هذه الدعوات، وإلا فهو مسؤول عن نتائجها. هذا في مرحلة أولى، وفي في مرحلة ثانية، عليه أن يخبرنا بوضوح ماهي خطته لتغيير نظام الحكم إن كانت لديه طريقة أكثر ديمقراطية من ثورة الجوع".
المصادر
- بعد خطابه بسيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2019: قيّس سعيّد «يستعدي» النواب من جديد
- قيس سعيد من خطاب الأزمة إلى أزمة الخطاب
- خطابات قيس سعيد أمام المؤسسة العسكرية ... الأسباب والدلالات
- اعتبروا خطابه “تحريضا على البرلمان”.. نُواب مُستاؤون من قيس سعيد: أنت أيضا معني بسحب الوكالة
- سعيّد: 'الشعب قادر على سحب الوكالة ممن خان الأمانة ومقترح تعديل الفصل 45 هو خرق جسيم'