"الفرقة 27" و"قلب الذيب".. لماذا غضب التوانسة من دراما رمضان؟

12

طباعة

مشاركة

في شهر رمضان من كل عام، يضبط بعض التونسيين ساعاتهم على مواعيد بث المسلسلات بمختلف القنوات التلفزيونية الخاصة والعمومية.

هذا العام وبسبب إجراءات كورونا، وحظر التجول ليلا، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حديثا طويلا عن دراما رمضان، خاصة تلك التي تناولت قضايا تاريخية أو ذات العلاقة بالشأن الوطني.

متابعون أشادوا بالمسلسلات، وآخرون انتقدوها، ووجهوا لها اتهامات بالمبالغة وتزوير التاريخ والإساءة للحركة الوطنية والمقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، فيما تساءل طرف ثالث عن القيمة المادية المنفقة من قبل التلفزيون الرسمي على اقتناء أعمال درامية لا ترتقي لتطلعات الجماهير. 

"الفرقة 27"

"أول عمل درامي يكرم حماة الوطن من الجيش التونسي ويثمن انتصاراتهم في مكافحة الإرهاب من خلال الفرقة 27 التي تتشابك فيها أقدار أعضائها بين حياتهم الشخصية وواجبهم الوطني"، بهذا النص قدم التلفزيون الوطني في قناته الأولى للمسلسل الدرامي الذي بثته طيلة النصف الأول من شهر رمضان.

تدور أحداث العمل الدرامي حول  شخصية صقر، صقر خريج أكاديمية الجيش التي التحق بها مكرها بسبب والده، صقر الراغب في الهجرة ومغادرة وطن لا شيء يربطه به غير عائلته.

فجأة يجد صقر نفسه ضمن الفرقة 27 التي كان يقودها ميدانيا صديقه زياد، والفرقة تضم النخبة من قوات الجيش الوطني لمحاربة بارونات التهريب والاقتصاد الموازي الذين استقووا على الدولة.

خلّف المسلسل موجة انتقادات واسعة شملت المشاهدين والمختصين في المجال الفني على حد سواء بسبب مستواه الذي وصف بـ"الضعيف"، وهو ما شمل مختلف مكوناته من إخراج، ونص، واختيار للممثلين، إضافة للديكور وحتى الموسيقى التصويرية.

كما تحولت عدد من المشاهد الدرامية إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل بسبب الحوارات الثقيلة، واستعمال اللغة الفرنسية بأخطاء بديهية، بالإضافة إلى مشاهد "الأكشن" التي لم تحترم ذكاء المشاهد.

تكلفت وزارة الدفاع الوطني بالدعم اللوجيستي من معدات حربية وأزياء عسكرية، بل شارك في التصوير جيش البر وتحديدا فيلق القوات الخاصة للجيش الوطني إضافة للأكاديمية العسكرية وجيش الطيران.

شبهة فساد

ورغم الميزانية الضعيفة التي قدرت بـ 400 ألف دينار (137 ألف دولار)، فإن البعض اعتبر أن المسلسل الممول من التلفزيون الوطني يعد من قبيل إهدار المال العام، كما تحدث آخرون عن شبهة فساد باعتبار أن مخرج وسيناريست العمل يسري بوعصيدة والممثل إكرام عزوز عبر شركة "مرايا للإنتاج" هما منتجا العمل.

الإعلامي سمير الوافي دون عبر فيسبوك قائلا: "بحوالي 900 ألف (دينار) تقريبا اشترت التلفزة الوطنية مهزلة عنوانها (الفرقة 27) أنتجها وأخرجها وكتبها ومثل فيها أيضا عبقري متعدد المواهب شديد النبوغ اسمه يسري بوعصيدة…أساء به إلى الجيش الوطني بسيناريو سخيف مليء بالأخطاء".

مضيفا: "ولم تتفطن التلفزة التونسية إلى فساد البضاعة المغشوشة إلا بعد أن وقع الفأس والرأس…واقترب رمضان وعولت عليه ليكون عملها الرئيسي…وتجنبا للخسائر الفادحة والنقد الحاد والمحاسبة الجماعية غيرت توقيته إلى موعد متأخر…واشترت في آخر لحظة مسلسل (قلب الذيب) بحوالي مليونين (دينار) لبثه في وقت الذروة وإنقاذ موسمها الرمضاني… والتغطية على مهزلة (الفرقة 27) التي تورط فيها من ارتكبها ومن صادق على شرائها من المال العام…!!!).

في المقابل أرجع مخرج مسلسل "27" يسري بوعصيدة بعض نقائص العمل إلى ظروف التصوير والإنتاج، إذ لم يتمكن من تصوير سوى ثلث المسلسل ما جعل الحلقات لا تتجاوز مدة بثھا النصف الساعة.

المخرج أشار إلى أن المسلسل تكلف مليونين و600 ألف دينار ولم تمنحه التلفزة التونسیة سوى 400 ألف دينار من میزانیة رصدتھا تقدر بـ 850 ألف دينار لذلك اعتبر إنجاز العمل وعرض الحلقات "معجزة" بالتوازي مع تدھور الظروف الاقتصادية وجائحة كورونا.

وأضاف المخرج التونسي في تصريح صحفي أنه غامر بالتجديد على أكثر من مستوى خاصة الإخراج فتأثره بالمسلسلات الأمیركیة جعله يخرج عن السائد في الدراما التونسیة.

"قلب الذيب"

في أول تجربة إخراجية له، اختار الممثل والمخرج التونسي بسام الحمراوي، فترة الاستعمار الفرنسي ما بعد الحرب العالمية الثانية نهاية أربعينيات القرن العشرين، لتجسيدها في المسلسل الدرامي الذي اختار له عنوانا "قلب الذيب".

شهد المسلسل قبل أيام من عرضه، صراعا قضائيا بين الشركة المنتجة التي باعته للتلفزة الوطنية، وقناة الحوار التونسي التي ادعت أحقيتها ببث المسلسل.

هذا الصراع رفع من درجة اهتمام التونسيين به وانتظار موعد بثه خاصة في ظل التزام الجميع بالبقاء في البيوت بسبب حظر التجول المستمر من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة السادسة صباحا. 

منذ الحلقة الأولى للمسلسل، اتهم عدد من المختصين بالعمل الدرامي بالوقوع في أخطاء تاريخية واضحة، حيث كتب المؤرخ المتخصص في التاريخ المعاصر الدكتور عميرة علية الصغير، مقالا وضح فيه هذه الأخطاء التي وصفها بـ"الفادحة" في مقال بعنوان  "قلب الذيب أو الجهل بالتاريخ".

أكد الصغير أن التونسيين ساهموا في دعم الجزائريين في حرب التحرير التي اندلعت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بينما لم يثبت تاريخيا أن قدم الجزائريون دعما عسكريا من ناحية التسليح أو مقاومين للثورة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي. 

وتحدث أستاذ التاريخ المعاصر عادل بن يوسف، في تصريح لإذاعة "أي إف إم" عن تعدد الأخطاء التاريخية في "قلب الذيب" منها عدم صحة مشهد إعدام مواطن تونسي في ساحة عامة عام 1948، مبينا أن تنفيذ حكم الإعدام في حق المتورطين في قضايا وطنية بالساحات الوطنية توقف بداية من سنة 1925. 

ومن الأخطاء الأخرى الحديث عن مقاومة مسلحة في إطار الحركة المنصفية بعد عزل "المنصف باي" في حين أن هذه الحركة لم تشهد مقاومة مسلحة، وفق تأكيد أستاذ التاريخ.

كما طالت الانتقادات الصورة التي أظهرها المسلسل لشخصيات المقاومين التونسيين، سواء من صعدوا الجبل أو حتى المقاومین السیاسیین حيث ظهر جمیعھم كسذج وآراؤھم انفعالیة لا یحملون أية مشروع ویظھرون كشخصیات تافھة أحیانا.

كما أثار مشهد الانتقام من مستعمر فرنسي ردود فعل سلبية، وكذلك خيانة أحد المقاومين لرفيقه وهو بطل المسلسل "حبيب" بعد أن أجبر حبيبته من الزواج منه، بعد أن نقلها من قريته إلى العاصمة تونس فرارا من ملاحقة الفرنسيين.