أردوغان يستثمر بالمدن الطبية.. لماذا تقف المعارضة في طريقه؟
.jpg)
تتوقع صحف تركية أن تتصدر أنقرة وجهات السياحة العلاجية العالمية بعد نجاحها الكبير في التصدي لجائحة كورونا ومد يد المساعدة لدول متقدمة كثيرة بينها أميركا وبريطانيا.
نموذج جديد تنتهجه تركيا في الاستثمار بالمشافي وما بات يعرف بالمدن الطبية، في وقت يريد الرئيس رجب طيب أردوغان تحويل إسطنبول إلى قاعدة طبية عالمية.
فما سر اهتمام أنقرة بذلك في الوقت الذي بدأ فيه رئيس بلدية إسطنبول المنتمي لأحزاب المعارضة وضع العراقيل أمام هذه المشاريع سيما مشروع مستشفى باشاك شهير الأكبر في تركيا ومن أكبر مشافي أوروبا.
الكاتب شهاب كافجي أوغلو قال في مقالة نشرتها صحيفة يني شفق: "طفت على السطح أهمية المدن الطبية، سيما بعد انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19)".
وأضاف: "شكلت تركيا نموذجا يحتذى به في هذا النوع من الاستثمار وأحدثت مستشفيات المدينة أكبر الأثر على موظفينا، خاصة بفضل قدرتها وجودة الخدمات المقدمة بالتقنية العالية".
لقد انهارت الكثير من الأنظمة الصحية في البلدان المتقدمة، وفي كثير منها شوهدت الجثث ملقاة في ممرات المشافي أو في البيوت دون علم بها، وفي أحسن الظروف تلقي العلاج في باحات المشافي وممراتها، على عكس تركيا التي سطرت ملحمة طبية جراء النظام الطبي الهائل الذي تتمتع به كمية ونوعا، وفق الكاتب.
تطور المستشفيات
عرج الكاتب على اتهامات المعارضة للأنظمة الطبية التي تعمل في هذه المشافي بادعاء وجود تمييز ومحاباة لمرضى دون غيرهم، وما إذا كان هناك واقعية في هذا الطرح.
وتابع: "لقد بدأ حزب العدالة والتنمية الاهتمام بالنظام الصحي منذ العام 2003 ونجح بإحداث تحول كبير في مسار هذا القطاع منذ تلك الفترة".
وأردف: أنه "في آخر 17 عاما ومع بناء المستشفيات، انخفض متوسط عمر المستشفى من 49 إلى 13 عاما، بينما زاد عدد الأسرة المؤهلة كما بدأ بناء المستشفيات بمعدات يمكنها حل جميع المشاكل الصحية وتلبية الاحتياجات كما عزز وجود المدن الطبية من جودة الخدمة الصحية".
فقط منذ العام 2017 بنت حكومة أردوغان 13 مدينة طبية، "ومع نهاية العام 2020، ستلحق بالمشافي 5 مدن طبية جديدة ليصبح المجموع 18 مدينة طبية بناها العدالة والتنمية قبل 3 أعوام".
وجرى إنشاء العديد من مشاريع البنية التحتية وشق المواصلات مع بناء المشافي الطبية عبر نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
في هذا النظام، يتم تقاسم اتفاقيات التعاون بين الدولة والقطاع الخاص، وتقاسم الاستثمار والمخاطر والمسؤولية والربح لتوفير الخدمات العامة، ومثل هذه المشاريع لا تلقى تمويلا إذا انعدمت المصداقية.
في نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يتم تعديل فترة البناء بشكل عام بحيث لا تتجاوز الثلاث سنوات ونصف ويتم تغطية تمويلها من قبل المقاول.
كما أن تكاليف التمويل لا تظهر في رصيد ديون الدولة بعكس النموذج الاعتيادي الذي يتم فيه ترتب الديون على ميزانية الحكومة، ويتم تسديده على فترات محددة، وإذا كان لا يمكن تخصيص ميزانية كافية، فلا يمكن متابعة البناء ولا يمكن استكماله خلال الفترة المخططة، وفق الكاتب.
تجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المستشفيات القائمة التي كان متوسط عمرها 49 عاما قبل الانتقال إلى هذا النظام كانت أيضا في حالة ضعف سواء من جوانبها الوظيفية أو قدرتها على مقاومة الزلازل.
وفيما يجب توافر 107 آلاف سرير في المشافي، كان هناك فقط 7 آلاف سرير بحالة جهوزية، وكانت معظمها على شكل طوابق، وفي وقت كانت هناك حاجة إلى تجديد 100 ألف سرير خارج الخدمة، كان من الضروري إضافة 50 ألف سرير آخرين بسبب الزيادة السكانية.
لم يكن من الممكن تجديد الأسرة وجعل المستشفيات مقاومة للزلازل خلال هذه الفترة الزمنية مع الموارد المخصصة من الميزانية العامة وقد أصبحت هذه الاستثمارات ممكنة باستخدام طرق مالية بديلة كالتمويل المشترك.
وبالتالي، جرى، بحسب الكاتب، تقصير فترة بناء المستشفى وتم تجديد جزء كبير من مستشفيات المدينة والمستشفيات الأخرى وتخفيض متوسط العمر إلى 13 عاما.
زلات المعارضة
وقال الكاتب في مقاله ردا على طرح المعارضة: إن مستشفيات المدينة عامة تقدم خدمات عامة، كما يتلقى المواطنون خدمات صحية مجانية من جميع المستشفيات ضمن نطاق التأمين الصحي المعمول به.
ويضيف: "أنهم يتلقون معاملة طبية لائقة وبدون أي دفع تكاليف إضافية عبر هذه النوعية من المستشفيات. وهذه الادعاءات التي تصرح بها المعارضة غير منطقية أو واقعية".
ويذكر هنا أن المبالغ المدرجة في ميزانية المدن الطبية تغطي الإيجار وجميع تكاليف الصيانة والخدمة. وفي حالة كانت المشافي أو إحداها قد نفذ بواسطة الميزانية العامة للدولة فإن نصف أرباح المستشفى هذه تعود لصالح الدولة على الأقل.
في إسطنبول، التي من الواضح أنها تشهد رقيا كبيرا في كافة المناحي ومنها القطاع الصحي، لخصوصية المدينة وكثافتها السكانية، يجري تحوير المدينة لتكون قاعدة طبية كبيرة.
هذا ما أشار إليه الكاتب أحمد هاكان في صحيفة حرييت، حيث يقول: إن تركيا بدت قاعدة طبية كبيرة وخاصة إسطنبول، ومن عوامل القوة هذه؛ المعدات والقدرات الصحية الكافية وأيضا الطواقم الطبية المتميزة ونجاحاتها في كافة مراحل العلاج.
ومن الضروري استغلال هذه النجاحات وحديث وسائل الإعلام الأجنبية سواء الفرنسية أو الألمانية لتغدو تركيا مركزا عالميا للسياحة العلاجية.
وقد أكد أردوغان رؤيته للتوجه بذلك حيث صرح مؤخرا "كان الكثيرون يقولون سنذهب إلى أميركا لتلقي العلاج والآن يأتون إلى تركيا".
بدوره، اعتبر عبد القادر سيلفي في مقالة نشرتها صحيفة حرييت أن أكبر أخطاء رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو هي محاولته عرقلة افتتاح مستشفى باشاك شهير عبر إيقاف مشاريع الطرق والمترو الذي يصل بالمدينة الطبية الأكبر في تركيا، في خطوة لا يمكن وصفها إلا بأنها تفكير هامشي، على حد وصفه.
ولكن موقف رئيس بلدية إسطنبول تغير بعد جائحة كورونا (عرقلة بناء الطرق كانت قبل الوباء) وحاول الإدلاء بتصريحات تنقذ موقفه السابق، لكن هذه التصريحات لم تكن مقنعة كثيرا، سواء بمحاولة التأكيد على أهمية المدن أو التنصل من قراراته وأن هذه المشاريع متوقفة قبل عام من انتخابه رئيسا للبلدية، وفق الكاتب.
وفقا لبيان إمام أوغلو، جرى إنفاق 580 مليون ليرة تركية على بناء الطرق الموصلة إلى المشفى في وقت يلزم نحو 300 مليون ليرة أخرى.
هذا المبلغ ليس عبئا لا يمكن أن تتحمله بلدية إسطنبول، فهل يمكن التطرق لهذا الأمر عندما يتعلق بصحة الآخرين، يتساءل الكاتب.
وعقب هذه الخطوة المتخذة من إمام أوغلو كلف أردوغان وزيره للنقل والمواصلات بإنشاء الطرق المؤدية من وإلى المستشفى وهو (أي رئيس البلدية) ضيع على نفسه فرصة أن يكون إلى جانب الرئيس كتفا بكتف حين افتتاح المشفى، وعلى أقل تقدير سيعرف الناس من بنى هذه الطرق وعمل على تدشينها، وفق الكاتب.