إذا تعطل موسم الحج بسبب كورونا.. هذا ما ستخسره السعودية
تضع السعودية يدها على قلبها متوجسة من إلغاء موسم الحج لعام 2020، بسبب جائحة الوباء القاتل (كوفيد19) الذي يجتاح العالم منذ شهرين. كيف لا وهو يضع في جيبها نحو 12 مليار دولار كل سنة؟
المبلغ المذكور ربما لا تحصله المملكة هذا العام، بعد تلميحات بإمكانية إلغاء موسم الحج الذي يتزامن مع أزمة اقتصادية تخنق سوق النفط العالمي التي تعتبر السعودية، الرائدة عالميا في تصديره.
الموسم الذي يشارك فيه أكثر من مليوني حاج سنويا، لم يلغ بعد، لكن السعودية على لسان وزير الحج والعمرة، محمد صالح بنتن، طلبت من دول العالم الإسلامي "التريث قبل إبرام عقود الحج".
تلك إشارة تشي بإمكانية تأجيله؛ خاصة مع استمرار تعليق العمرة إلى أجل غير مسمى، كإجراء احترازي يهدف إلى الحد من انتشار الفيروس الذي أصاب أكثر من 3 ملايين شخص حول العالم، وأودى بحياة 200 ألف.
ويعتبر الحج شديد الأهمية بالنسبة للسعودية. ليس من ناحية نسبة ما يمثله من إيراد قياسا إلى مجمل الميزانية (حوالي 1.5%)، بل من ناحية المليارات التي يضخها سنويا في الاقتصاد الاستهلاكي.
مؤشرات إلغاء
كل التصريحات الصادرة عن الجهات العاملة في المجال الصحي العاملة، تؤكد صعوبة عودة الحياة إلى طبيعتها خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة في تلك المناسبات التي يجتمع فيها الملايين في مكان واحد، كالحج مثلا.
فالإجراءات الاحترازية والتوجيهات الوقائية ستستمر في العالم إلى فترة ما بعد انحسار الفيروس، وهو أمر لا يبدو على المدى القريب في ظل غياب المؤشرات المطمئنة.
الأمر أيضا يُسقط نفسه على موسم الحج، على الرغم من أن السعودية أعلنت عبر تلفزيونها أنها "مستعدة بشكل كامل لخدمة الحجاج والمعتمرين"، وأنها "اتخذت الإجراءات التي تحرص على سلامة الجميع".
أضف إلى ذلك تعليق الصلاة في ساحات الحرمين منذ 18 مارس/آذار الماضي، وما تبعه من منع التجوال في مكة المكرمة والمدينة في الثاني من الشهر التالي، فضلا عن إغلاق الحدود والتي لا يُعرف متى سيعاد فتحها.
إذن فمؤشرات الإلغاء تبدو قريبة، وهو ما يشرحه المحلل السياسي السعودي، شاهر النهاري، الذي يقول: إن "هناك العديد من الإجراءات التي تتطلب من الراغبين في آداء الفريضة النزول للسفارات والهيئات المختصة".
ذلك يعني أن تلك الهيئات المهتمة بشؤون الحج في دول العالم الإسلامي، ستشهد تزاحما من أجل الانتهاء من الأوراق المطلوبة، وهو ما يتنافى مع قواعد السلامة من الإصابة بالفيروس القاتل.
ويتساءل "النهاري" في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية: "ماذا لو زادت فترة الحجر الصحي لشهر أو اثنين؟، معتبرا أن "ما قامت به المملكة من إجراءات لتعطيل ترتيبات الحج يدل على عدم الرغبة في زيادة المصابين".
وعلى الرغم من أنه يصعب تفسير تصريحات وزير الحج باعتبارها إلغاء لموسم الحج، "إلى الآن لم تتضح الرؤية بعد (فيما يتعلق بهذا الأمر)"، وفق ما أعلن المجلس التنسيقي لشركات ومؤسسات حجاج الداخل بالسعودية
وأكد المجلس أن "هناك 3 أشهر فاصلة حتى موعد الحج القادم، وكل السيناريوهات مطروحة، وتتوقف على مدى انتشار أو انحسار فيروس كورونا في العالم".
تأثيرات متوازية
المحلل والخبير الاقتصادي، حسام عايش، يؤكد أن إلغاء موسم الحج له تأثيرات اقتصادية، فحوالي 3 إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي تأتي من هذا الموسم.
ويضيف في تصريح لـ "الاستقلال" أنه في ظل هذه الظروف الراهنة التي تتراجع فيها أسعار النفط، ويرتفع فيها العجز بالموازنة، وتنخفض الإيرادات النفطية (...) فإن توقف موسم الحج يضاف لسلسلة الإيرادات الضائعة.
ويشير عايش إلى أن السعودية وضعت في موازنتها حوالي 49 مليار دولار من الإيرادات الضريبية، "وبالتأكيد كانت تتضمن ما سيأتيها من الحج، ناهيك عن العمرة، إذ كانت تتوقع أن يبلغ عدد المعتمرين في مارس/آذار 2020 حوالي 30 مليون معتمر".
ويوضح أن الإيرادات تتراوح بين 5 و8 مليار دولار، وربما ترتفع إلى 10، وهي بأمس الحاجة إليها، وإذا ما أُلغي الموسم فإن لذلك تأثيرات بنفس حجم إيرادات الناتج المحلي الإجمالي، وأيضا ستؤثر على الكثير من القطاعات كالسكن والنقل والمواد الغذائية.
وبرأي المحلل والخبير الاقتصادي، فإن الكثير من القطاعات السعودية التي تعتبر الحج موسما رئيسيا بالنسبة لها في كل عام، ستصاب بالكثير من الخسائر الناجمة عن إلغائه.
ضرر المواطن
ولا يجد عايش شكا في أن موسم الحج يلعب دورا في زيادة دخل قطاعات اقتصادية معينة، "لكن من الصعب أن نقول إن الإستراتيجية السعودية فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى مبنية على إيرادات الحج والعمرة".
ويستدرك: "لكن الدخل المتأتي من الحج والعمرة بشكل أساسي، يساهم في وجود قطاعات خدمية واقتصادية وأخرى يعتمد عليها مواطنون كثر (...) الأمر الذي سيؤثر في تحسن دخل هذه الفئات دون الحاجة للحكومة".
وإلغاء الحج سيدفع الحكومة السعودية إلى تعويض المعتمدين على موسم الحج، الأمر الذي سيزيد من عجز الموازنة، وربنا يؤدي إلى مزيد من البحث عن مصادر دخل إضافية كاللجوء إلى القروض، وبالتالي فإن حجم الاقتراض سيرتفع متجاوزا 200 مليار دولار.
ويضيف عايش: "سنشهد زيادة كبيرة في الديون، خاصة إذا رفعت السعودية حجمها لتصبح 50% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أنها ستتجاوز 350 مليار دولار".
ويشير إلى أن هذا الحجم الكبير والهائل من الديون يقترب من الصندوق السيادي السعودي الذي انخفض بحدود 480 مليار دولار، لاسيما بعد جملة الأزمات التي طالته والإنفاق على حرب اليمن.
رؤية 2040!
ومما لا شك في أن انهيار أسعار النفط، وتراجع الطلب العالمي عليه، والفائض الكبير من المعروض، ستؤثر على الحصة السعودية في السوق العالمي، وعلى الإيرادات المتأتية من هذا المصدر.
وسيؤثر ذلك بالتحديد في القدرة على الوفاء بالتزامات "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان. وهنا يعرب المحلل الاقتصادي عن احتمال "تعديل هذه الرؤية لكي تكون (في عام) 2035 أو 2040".
ويضع عايش هنا شرط رواج سوق النفط في السنوات اللاحقة، علما بأن صندوق النقد الدولي حذر -في دراسة له- من أن سوق النفط ستكون ذروته في أربعينيات القرن الحالي".
وفي هذه الحالة، فإن على الدول الخليجية ومنها السعودية، أن تقلل نفقاتها الجارية التي تذهب بحوالي 40 أو 50% منها للإنفاق على رواتب القطاع العام، لذا فعليها أخذ الأمر بعين الاعتبار مستقبلا.
ويخلص المحلل والخبير الاقتصادي رؤيته بالتأكيد على وجود مستقبل صعب، إذ إن "النفط آخر قطاع يمكن له أن يتعافى من نتائج أزمة كورونا، وبالتالي فإن عودة الإيرادات إلى المستويات السابقة ربما يتأخر إلى عام 2020.
الجدير ذكره أنه لم يسبق للمملكة العربية السعودية أن ألغت الحج في العهد الحديث، لكن ذلك وقع مرة واحدة في عهد الصحابي عمر بن الخطاب، وفق مراجع تاريخية.