عصف بالدوريات الكبرى.. هل ينهار الموسم الكروي بسبب كورونا؟
لم يشهد العالم تدهورا اقتصاديا منذ الحرب العالمية الثانية كالذي يمر به هذه الأيام، بعد تفشي فيروس كورونا، فيما يذهب البعض أنها الأزمة الأسوأ منذ الكساد الكبير في ثلاثيينات القرن الماضي، ومن ضمن القطاعات الأكثر تأثرا بها، النشاط الرياضي عموما والكروي بشكل خاص.
ومع التوقعات بتراجع النمو العالمي إلى 1.5 ٪ خلال عام وباء كورونا الأول، كانت الأمم المتحدة أكثر دقة حين حذرت من تهديد معيشة مليار ومائتين وخمسين مليون عامل حول العالم جراء تداعيات الوباء، وتوقعات أكثر تشاؤما بخسارة نحو 195 مليون عامل لمصدر رزقهم بشكل كامل.
القارة الأوروبية اتخذت قرارا بإنشاء صندوق لانتشال نفسها من الأزمة الاقتصادية المرتقبة، بميزانية قد تصل إلى ترليون يورو، مع تأكيدات دول الشمال الغني كفرنسا على وجود خلافات حول آليات عمل الصندوق، والدور المطلوب من دول الجنوب الأوروبي ذات الاقتصادات الأكثر تضررا.
ديفيد بلانشفلاور، المدير السابق لبنك إنجلترا (البنك المركزي في البلاد) توقع أن يخسر الاقتصاد البريطاني، نحو 20 بالمائة من الأيدي العاملة في بريطانيا، أي نحو ستة ملايين موظف، في حين تشير الأرقام الأكثر تفاؤلا إلى احتمالية خسارة مليوني عامل لوظائفهم.
النشاط الكروي
مع تصاعد أزمة كورونا، أكدت الحكومات أن أولويتها الإنسان، وليس النشاط الرياضي، غير أن المقولة لم تصمد طويلا أمام أسئلة والتزامات اقتصاد كرة القدم الذي لا يقل أهمية عن صناعة السيارات أو السلاح في القارة العجوز.
فبدأ الحديث عن انهيار المنظومة الاقتصادية للساحرة المستديرة، مع قرارات حاسمة وعنيفة بإيقاف كل مناحي الحياة، وليس بمعزل عنها النشاط الكروي في الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا.
في التاسع من مارس/آذار 2020، قررت إيطاليا البلد الأكثر تضررا أوروبيا إيقاف النشاط الرياضي، بعد أن أقامت مباريات بدون جمهور، تبعتها بقية الدوريات، ثم قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في السابع عشر من الشهر نفسه، بتعليق بطولة أوروبا 2020، ثم تعليق أو تأجيل جميع المسابقات القارية.
وتحتل صناعة كرة القدم مرتبة متقدمة في دعم الاقتصادات المحلية، فالدوري الإنجليزي نموذج يسهم بأكثر من 9 مليار دولار أميركي، بشكل مباشر أو غير مباشر في الاقتصاد البريطاني الخامس عالميا، فضلا عن كونه قوة ناعمة للمملكة المتحدة، حيث يتابعه أكثر من مليار شخص حول العالم، كما يوفر نحو مائة ألف وظيفة في عموم البلاد.
إسهامات النشاط الكروي لا تقتصر على خلق الوظائف، حيث أشار الموقع الرسمي للدوري الإنجليزي إلى مساهمته في أكثر من 4 مليار دولار في الضرائب المحصلة في موسم 2016-2017.
واستند في ذلك إلى دراسة أعدتها شركة إرنست&يونغ EY في يناير/كانون الثاني 2019، والتي خلصت إلى مشاركة الدوري الإنجليزي في نفس الموسم بأكثر من 9.4 مليار دولار أميركي في الناتج القومي المحلي للملكة المتحدة.
ومع اشتداد أزمة كورونا، وفي ظل غياب أفق منظور للحل، دخلت أغلب الأندية في مفاوضات ماراثونية مع لاعبيها لتخفيض رواتبهم، أو في أحسن الأحوال تأجيل المستحقات، في حين استسلمت بعضها، ومنحت العاملين فيها إجازة غير مدفوعة.
ومع ارتفاع في مؤشر بيانات الإصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا، أخذ مؤشر أرباح الأندية عسكيا في الهبوط.
فالدوري الإنجليزي المصنف الأول عالميا من حيث قيمته السوقية، تكبد خسارة تجاوزت 185 مليون دولار أميركي جراء التوقف أسبوعين فقط.
الدوري الإيطالي بدوره قُدّرت خسارته، بأكثر من ثلاثين مليون دولار، جراء التوقف جولة واحدة.
وحذر كل من المدير التنفيذي لرابطة الدوري الإنجليزي ريتشارد ماسترز، ورئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيفاس، من خسارة كلا الدوريين أكثر من مليار دولار لكل منهما حال الفشل في استكمال منافسات الموسم الحالي، مع خسائر أخرى تأتي تباعا للموسم المقبل.
في حين تواجه الدوريات الأصغر، والأندية الفقيرة شبح الإفلاس، لاعتمادها بشكل كبير على عوائد حضور الجماهير بشكل أساسي، ومقابل البث.
حقوق البث
تعد عقود البث جزءا لا يستهان به من إيرادات الأندية، إضافة إلى حقوق الرعاية وإيرادات حضور المباريات.
في 2 أبريل/نيسان 2020 نشر موقع statista دراسة، عن أثر وباء كورونا على النشاط الرياضي في العالم، توقعت احتلال الدور الإنجليزي المرتبة الأولى بين الدوريات الخمسة الكبرى، في مؤشر الخسارة.
وهذه الخسارة مقدرة بأكثر من مليار ومائتي مليون يورو، النسبة الأعلى منها لحقوق البث حال إلغاء المباريات، حيث تقدر خسارة إلغاء مباراة واحدة أكثر من 10 ملايين دولار.
فيما احتل الدوري الفرنسي ذيل قائمة المتضررين، بحوالي أربعمائة مليون يورو خسائر.
نزيف المكاسب لدى شركات البث حال توقف الموسم الحالي، سيتبعها فتح أبواب من الخسائر لدى الأندية، حيث ستطالب الشركات باسترداد جزء من عقودها مع الدوريات المحلية.
أندية الدوري الإنجليزي مثلا ستكون مطالبة برد أكثر من 900 مليون دولار أميركي لشركات البث.
العودة هي الحل
مع إقراره بحجم الكارثة الاقتصادية على الأندية والاتحادات، أقر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" حزمة مساعدات بمائة وخمسين مليون دولار، لمساعدتها على تخطي أزمة كورونا.
وصرح رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" ألكسندر تشيفيرين، أن استمكال البطولات في القارة الأوروبية هو السبيل الأفضل لوقف نزيف الخسائر الذي بدأ في مارس/آذار 2020، وتجري حاليا المناقشات بين رؤساء الأندية والحكومة على شكل العودة، الذي يأمل المتفائلون أن تأخذ مكانا في بداية يونيو/حزيران المقبل.
ألمانيا التي أعلنت سيطرتها على الوباء، رغم احتلالها المركز الخامس عالميا من حيث عدد الإصابات، قررت في السادس من أبريل/نيسان 2020 عودة بعض الأندية للتدريبات بشروط صحية صارمة، مع وعد باستنئناف "البوندسليغا" (الدوري الألماني) في التاسع من مايو/أيار المقبل.
إيطاليا التي أعلنت وصولها في الثاني من أبريل/نيسان 2020 إلى ذروة تفشي الوباء، ما يعني استمرار منحنى الإصابات والوفيات في الهبوط، قرر رئيس وزرائها "جيوسيبي كونتي" في 26 من ذات الشهر، السماح لرياضيي الألعاب الفردية بالعودة للتدريبيات في 4 مايو/أيار المقبل.
كما سيعود لاعبي الرياضات الجماعية للتدريبات في 18 من الشهر ذاته، مع خطط لعودة مسابقات الدوري الأول لكرة القدم خلال أسابيع، بشرط إخضاع جميع اللاعبين لفحص كورونا.
بريطانيا والاختبارات
بريطانيا لم تتأخر، حيث نُقل عن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، المتعافي حديثا من الإصابة بفيروس كورونا، تبنيه خطة لإعادة فتح النشاط الرياضي، بدون جمهور، بعد أن تم تعليق البطولات في الثالث والعشرين من مارس/آذار 2020.
القرار البريطاني ينتظر تأكيد السلطات الصحية، باجتياز البلاد المعايير الخمسة لإعادة الفتح التدريجي للاقتصاد والأنشطة الرياضية.
تركز تلك المعايير على ضمان عدم حدوث ارتفاع في الإصابات أو الوفيات، أو الأسوأ بوقوع موجة ثانية من انتشار الفيروس، مع التأكد من قدرة المنظومة الصحية على استيعاب أي إصابات جديدة.
تلك المعايير كانت مناط القرار في عدد من الدول الأوروبية، حيث وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 11 مايو/أيار 2020 موعدا لنهاية الإغلاق الكلي في البلاد، وهو التاريخ الذي ستكون فيه المنظومة الصحية الفرنسية قادرة على التعامل مع أي حالة جديدة بالفيروس.
السيناريو الأقرب والأكثر تداولا لحل أزمة النشاط الكروي، هو إطالة أمد انتهاء الموسم الحالي للدوريات، والعودة لاستكمال المنافسات، ولكن بشروط صحية صارمة، ومع إمكانية ضغط جدول المنافسات، لكن أغلب الظن أنها ستكون بدون جمهور مع تأكيد الحكومات على استمرار سياسة التباعد الاجتماعي لفترة ليست بالقصيرة، مع استمرار تفشي وباء كورونا.
وضع مأزموم
أزمة توقف النشاط الرياضي أو إلغاء ما تبقى من منافسات تتعدى الخسائر الاقتصادية، حيث وجدت الشركات الراعية وشركات البث والأندية نفسها في أزمة قانونية، فالعقود محددة في أغلبها بنهاية الموسم، في يونيو/حزيران المقبل.
ويعني التوقف المطالبة بجزء من هذه الأموال التي أنفقت في صفقات أو إنشاء مبان أو رواتب لاعبين، خاصة أن أزمة الوباء ضربت نهاية الموسم. كما أن اقتراح تمديد عقود الرعاية يتبعه إخلال بمواعيد تم الاتفاق عليها سلفا مع شركات أخرى.
أندية مثل ليفربول ونيوكاسل وواتفرود من المقرر أن تستبدل الشركة الموّردة لملابس فرقها.
عقود اللاعبين مثار جدل هي الأخرى، حيث ينتهي بعضها في يونيو/حزيران المقبل، وعلى الأندية حال تقرر مد أجل انتهاء الموسم، أن تدخل في مفاوضات لتمديد عقود اللاعبين مدة إضافية، فضلا عن حرمان الأندية من مخصصات سوق الانتقال، حال تم تمديد الموسم.
طرح العودة بدون جمهور، سيتبعه تعويض الجمهور من أصحاب تذاكر المباريات، وهو ما سيكون على حساب شركات البث التي لن تقبل ببث المباريات بشكل مجاني لغير المشتركين، كما أنه سيحرم الأندية الأصغر من عائدت حضور الجماهير وهو جزء ليس باليسير من إيرادات الأندية الأصغر اقتصادا.
خطط الرجوع بأي ثمن قد تتمكن من إنقاذ الموسم الحالي، لكنها حتما ستؤثر على الموسم المقبل المليء بالمناسبات الرياضية الكبرى، كما أنها ستؤثر على القيمة السوقية للدوريات وما يتبعها من تخفيض عقود البث والرعاية، واستمرار الأزمة الاقتصادية.
المصادر
- When and How Will the U.K. Coronavirus Lockdown End?
- Coronavirus (COVID-19) disease pandemic effect on the sports industry - Statistics & Facts
- Premier League Economic and social impact January 2019
- The Premier League and our clubs generate significant social, cultural and economic impact that is felt far beyond a matchday.
- فيروس كورونا: دليل تداعيات الوباء على الاقتصاد العالمي
- What will coronavirus mean for the British economy?
- رغم الخلافات.. قادة الاتحاد الأوروبي يقرون إنشاء صندوق للتعافي الاقتصادي من كورونا
- كورونا يعصف بكرة القدم ويُكبد أنديتها خسائر كبيرة