وصفه بـ"الضعيف والفاسد".. لماذا انقلب الإعلام الروسي على بشار الأسد؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الإعلام الروسي، رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن اللافت في هذه المرة هو الجهة المحسوبة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذراعه اليمنى في تحركاته العسكرية غير الرسمية بالخارج

الهجمة الشرسة على الأسد تبنتها "الوكالة الفيدرالية" التابعة للمقرب من بوتين الملياردير يفغيني بريغوجين المعروف بـ"طباخ الكرملين"، الذي يتزعم مليشيات "فاجنر".

"الوكالة الفيدرالية" نشرت 3 تقارير في أقل من 3 ساعات، تحدثت عن فساد نظام الأسد، وانعدام فرص فوزه في انتخابات 2021، وأرجعت السبب إلى أن أكثر من ثلثي السوريين يرفضونه.

"رئيس ضعيف"

في 13 أبريل/ نيسان 2020، نشرت "الوكالة الفدرالية" تقريرها الأول بالحديث عن أن الفساد الذي يستشري في حكومة النظام السوري يعيق التعاون بين موسكو ودمشق، واصفة رئيسه بشار الأسد بأنه "ضعيف ولا يتحكم في الوضع في البلاد فيما مسؤولوه يعيثون فسادا".

وقالت الوكالة الروسية: إن زيادة النظام السوري ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن السوريين، وتبريره ذلك بأن حقلي "حيان" و"الشاعر" توقفا عن العمل بسبب سيطرة المسلحين على مدينة السخنة قرب حقول الغاز. واصفة هذه الادعاءات بـ"الكاذبة" بناء على معلومات من مصادر سورية تحدثت للوكالة.

وأفادت بأن إغلاق شركات إنتاج الغاز يؤثر سلبا على اقتصاد البلاد الذي ساعدت روسيا في استعادته. ورفعت الحكومة السورية سعر الغاز المنزلي إلى 4 آلاف ليرة سورية للأسطوانة الواحدة، ووصلت تكلفته في "السوق السوداء" حتى 15 ألف ليرة (الدولار يساوي 1300 ليرة).

وأرجعت "الوكالة الفدرالية" سبب زيادة الرسوم الجمركية والوضع الاقتصادي المتدهور إلى الفساد في حكومة رئيس الوزراء عماد خميس. ولفتت إلى أن الأسد لا يتحكم بالوضع في البلاد وأن المسؤولين يسيطرون ويسرقون عائدات استخراج النفط والغاز. ونقلت عن رئيس منصة موسكو للمعارضة قدري جميل قوله: إن "الفساد مشكلة كبيرة في سوريا، لا يستطيع الأسد التعامل معها". 

وأشارت إلى أنه قبل الحرب، وقعت سوريا اتفاقيات إمداد بالكهرباء مع الأردن وتركيا ولبنان والعراق، لكن تنفيذها حتى عام 2019 كان مستحيلا. لذا، أعاد خميس التفاوض على العقود مع هذه البلدان لمصلحته الخاصة.

وخلص التقرير إلى أن أنشطة رئيس وزراء النظام تؤثر تأثيرا سلبيا على اقتصاد البلد. ولا يمكن للشركات الروسية المشاركة في ترميمه وأن تعمل بشكل طبيعي بسبب الفساد في الحكومة.

وأضافت: "غير أن هذا يبدو أنه لا يعني المسؤولين السوريين، إذ يواصلون نقل أموال النفط إلى الغرب، الذي يخنق سوريا بعقوباته، وفي ظل هذا، يفقد بشار الأسد مكانته، لأنه غير قادر على السيطرة على الوضع".

"شعبية متراجعة"

في هجوم آخر طال رأس النظام السوري، نشرت الوكالة الروسية ذاتها في 13 أبريل/ نيسان 2020، تقريرا آخر تضمن نتائج استطلاع للرأي بين السوريين قالت: إنه أظهر أن "شعبية بشار الأسد تتراجع على خلفية الفساد والمشاكل الاقتصادية في البلاد".

وحسب استطلاع أجراه "صندوق حماية القيم الوطنية" تبين أن 32 في المئة فقط من سكان سوريا أعربوا عن استعدادهم لدعم بشار الأسد في انتخابات 2021. وأوضح رئيس الصندوق، ألكسندر مالكيفيتش أن "الانخفاض الملموس في تراجع نسبة التأييد لبشار الأسد مرتبط بتجذر الفساد والمحسوبية في مستويات السلطة العليا والدائرة المقربة من الرئيس"، بحسب الوكالة الروسية.

وأكد مالكيفيتش أن ذلك "أسفر عن مستوى معيشة منخفض للغاية، مع رصد البطالة وانقطاع التيار الكهربائي ونقص السلع الغذائية"، مشيرا إلى أنه "ليس لدى الحكومة الحالية إجابات فعالة لمتطلبات المواطنين". وذكرت الوكالة أنه "يسود إحساس بالتشاؤم في سوريا".

وطبقا لـ"صندوق حماية القيم الوطنية"، فإن الاستطلاع شمل أكثر من 1400 عينة سورية عبر الهاتف في 12 نيسان/ أبريل 2020، أظهر أن الناس ينتظرون إصلاحات وسياسيين أقوياء جددا في السلطة قادرين على تجاوز الأزمة".

وخلص استطلاع الرأي الروسي إلى أن "القيادة الحالية لم تلبّ هذه التطلعات حتى الآن، ومن الواضح أن الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية، ومحاربة الفساد، وخلق مناخ موات للأعمال، أمور غير متاحة في الظرف الراهن".

"فساد العائلات"

وتناولت الوكالة الروسية في تقريرها الثالث، موضوع فساد العائلات النافذة في سوريا، مؤكدة على ضرورة أن تشن حرب على الفساد حتى تسليم الاقتصاد السوري إلى روسيا.

وأوضحت أن النظام السوري لم يهيئ جميع الشروط اللازمة لأعمال موسكو رغم الدعم الروسي المتواصل له، إذ نقلت عن المحلل السياسي إيفان أركاتوف قوله: إن "حال الأعمال الروسية في سوريا لا يزال دون المستوى المطلوب. المسؤولون المحليون يضعون مجموعة متنوعة من القيود والعقبات".

واتهم الخبير الروسي في حديثه "المسؤولين السوريين بتلفيق حجج لعدم تطوير الأعمال الروسية رغم توفير الظروف بعد وقف إطلاق النار في إدلب، والقضاء على تنظيم الدولة".

ونوه إيفان أركاتوف إلى أن "الفساد في سوريا، خاصة على المستوى الحكومي، هو أحد أكبر المشاكل بالنسبة لروسيا، نحن نستثمر مبالغ كبيرة من المال في الاقتصاد السوري، لكننا لا نشهد نتائج. يبدو أن كل الاستثمارات التي توظفها روسيا في سوريا تذهب إلى جيب شخص آخر".

وأشار التقرير إلى أن "سوريا بلد غير متجانس. وهناك عدة عشائر من العائلات في السلطة، وعشيرة الأسد ليست الوحيدة في السلطة. هناك عشيرة مخلوف وهي أسرة غنية ومؤثرة. كثيرا ما يؤخذ رأيها في الاعتبار عند إعداد القرارات السياسية والاقتصادية في دمشق".

وتوصل الخبير الروسي إلى أن الأسد غير قادر على التعامل مع الأوضاع، "هو يفتقر إلى الإرادة السياسية والتصميم على مواجهة النظام العشائري القائم. والنتيجة واضحة: يتعين على روسيا أن تعيد النظام إلى الاقتصاد السوري غير الصالح بسبب الفساد".

وفي الوقت الذي تطرق فيه إيفان أركاتوف إلى أنه "إذا كان الفساد أسوأ من الإرهاب حسب أقوال الأسد"، فإن الخبير الروسي شدد على ضرورة أن "تحزم روسيا الفساد في سوريا بنفس الطريقة التي هزمت بها الإرهاب".

"رسائل روسية"

وتعليقا على تقارير الوكالة الروسية، والهدف من نشرها، رأى الباحث وائل علوان في مركز "جسور" للدراسات أن "هذه رسائل إعلامية وسياسية لضمان سيطرة أكبر للقرار الروسي داخل مفاصل الحكم في سوريا وتمهيدا للتنازل الروسي المطلوب في مقابل مصالحها التي لا تتنازل عنها، لا سيما مع اضطرارها للمضي في الحل مع اقتراب شبح تنفيذ قانون سيزر، وبعد التفاهمات على ما تبقى من إدلب مع الجانب التركي".

"قانون حماية المدنيين" أو ما يعرف بقانون "سيزر" أقره مجلس النواب الأميركي بالإجماع في 24 يناير/كانون الثاني، وينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات أخرى.

وقال علوان لـ"الاستقلال": "كي نفهم مختلف المواقف والتصريحات من الجانب الروسي المتعلقة بالأسد لا بد من العودة لأساسين ثابتين في الموقف الروسي من سوريا، الأول: هو هدف روسيا المرتبط بحفظ مصالحها السياسية والاقتصادية بشكل قانوني ومتوافق عليه دوليا، والأساس الثاني: هو أن جميع التفاصيل في الملف السوري هي أوراق تفاوضية ضمن الكثير من القضايا المعقدة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية".

وبناء على ذلك، يضيف علوان: فإن "مصير الأسد هو شيء تفاوضي بالنسبة لروسيا، وهو من أول الأشياء التي من الممكن أن تتنازل عنها روسيا في الحل السياسي لسوريا والذي تتفاوض فيه مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة".

وتابع: "لقد بقيت المفاوضات بطيئة ومتعثرة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية منذ مطلع فبراير/شباط 2016 حتى الآن، وذلك لأن الطرفين كانا يستثمران الوقت لتصفية الكثير من القوى والأهداف العسكرية وإعطاء الوقت بشكل أكبر لتغيرات المنطقة كي ترتسم بشكل أوضح".

وأردف علوان: "لكن تدرك روسيا أنها في مقابل إعادة الإعمار وضمان عدم التدخل الأميركي المباشر ضد النظام في سوريا، هي بحاجة لتقديم تنازلات أهمها الأسد، في حين أنها تحرص بشكل أكبر على الهيكيلة الأمنية التي يقوم عليها النظام في سوريا وعلى امتلاك روسيا للنفوذ والصفقات في القوات المسلحة".

من جانب آخر، لفت الباحث السوري المعارض إلى أن "أخطاء الأسد المتكررة الداخلية والخارجية دفعت الروس إلى إثبات التحكم الكامل بالقرار في سوريا من خلال التصريحات لوكالات مقربة من الكرملين، أو حتى بالأسلوب الذي يتعامل به كبار المسؤولين في روسيا مع الأسد في زياراتهم لسوريا كولاية تابعة لروسيا لا كدولة مستقلة تتمتع بالاستقلال والسيادة".

"الأسد للبيع"

وفي المقابل، رأى الخبير العسكري والأمني السوري أحمد الرحال أن التقارير الروسية تحمل رسائل للغرب وليست لرئيس النظام السوري بشار الأسد، مشيرا إلى أن روسيا مستعدة للإطاحة به.

وقال في تغريدة على تويتر: "هناك من قرأ بالتقارير الروسية التي تم نشرها بإحدى المحطات الروسية واستهدفت شرشحة (فضح) بشار الأسد والمقربين منه، لكنها ليست رسالة لبشار الأسد بل هي رسالة للغرب مفادها بأن بشار الأسد أصبح مطروحا للبيع من روسيا وعليكم تقديم العروض المغرية لروسيا للإطاحة به".

ورغم تراجع "الوكالة الفدرالية" عن المواضيع التي هاجمت فيها نظام الأسد بعد 3 أيام من نشرها، بدعوى أنها تعرضت للاختراق ولا علاقة لها بما نشر، إلا أن مواقع روسية أخرى تبنت المواضيع واستمرت بنشرها، الأمر الذي فسره مراقبون على أن "طباخ الكرملين" أراد إيصال رسالة للأسد، ويبدو أنها وصلت، قبل أن يدّعي تعرض الموقع للاختراق.

ولعل ما يؤكد تفسير المراقبين عن الهدف من نشر الوكالة للتقارير ثم الحديث عن اختراقها، هو أن موضوع فساد رئيس النظام السوري بات أمرا متداولا في الإعلام الروسي، إذ نشرت صحيفة "جوسنوفوستي" تقريرا في 17 أبريل/ نيسان 2020، كشفت فيه عن شراء الأسد لوحة فنية معاصرة بحوالي 30 مليون دولار.

وأوضحت الصحيفة أن بشار الأسد اشترى لوحة الفنان البريطاني ديفيد هوكني من دار "سوذبي" للمزادات، عن طريق وسيط سري. وأفادت بأن "رأس النظام السوري ينوي إهداء اللوحة الفنية لزوجته أسماء لوضعها بأحد قصورها الفارهة".

وأشارت "جوسنوفوستي" إلى أن هذه الخطوة "مؤشر جديد" على فساد كبار القادة السوريين، الذين يعيشون بالرفاهية، من بيع موارد يملكها الشعب السوري. واستعرضت الصحيفة تقارير سابقة تحدثت عن زيادة ثروة عائلة الأسد وعائلة قريبه رامي مخلوف خلال السنوات الأخيرة.

وأكدت الصحيفة نقل العائلتين المليارات من أموالهم إلى خارج سوريا وخاصة إلى روسيا، واشتروا شققا فاخرة بملايين الدولارات، وأن فساد السلطة أوصل البلاد إلى حالة من الفوضى بحجة محاربة تنظيم الدولة، والوضع مستمر رغم انتهاء التنظيم.

وتابعت: "سوريا تحتل المرتبة 157 في مؤشر الرخاء الاقتصادي، وهبوط سعر العملة وارتفاع الأسعار يصب الزيت على النار".