أوصاهم بالصبر.. لماذا رفض المغرب إجلاء مواطنيه العالقين بالخارج؟

12

طباعة

مشاركة

ما زال آلاف المواطنين المغاربة عالقين خارج حدود الوطن، خصوصا في أوروبا بسبب القرار الذي اتخذته الرباط في 13 مارس/ آذار 2020، بإغلاق المجالات الجوية والبحرية والبرية في وجه كل بلدان العالم، في إطار التدابير الاحترازية من انتشار فيروس كورونا.

خرج هؤلاء من المغرب بغرض السياحة، لكن الحكومة لم تسمح أيضا للمهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج بمغادرة المملكة، رغم أنها قررت السماح للأجانب بذلك، بمن فيهم المغاربة الحاملون لجنسيات أخرى.

وكالة "إيفي" الإسبانية للأخبار كشفت أن عدد المهاجرين المغاربة العالقين داخل المغرب يتراوح بين 300 و700 شخص أغلبهم يقيمون في كل من إسبانيا وفرنسا، ومنهم نساء حوامل وأمهات ومرضى يعانون مرض السكري، ويحتاجون إلى إجراء تحاليل في العيادات التي يتابعون فيها العلاج.

أزمة في البرلمان

منصف السعيد، محام مغربي أصبح وجها رسميا للأزمة التي خُلقت بعد إغلاق الحدود، عندما وجد نفسه عالقا منذ مارس/ آذار 2020 هو ووالدته في مدينة سبتة الخاضعة للنفوذ الإسباني، ولا يستطيع الدخول إلى المملكة، فانتهى به المطاف في الشارع بعدما عجز عن دفع تكاليف الإقامة في فندق.

المحامي الذي اشتهرت قصته على موقع "فيسبوك" قرر الدخول في إضراب عن الطعام وذلك بمراسلته السفير المغربي في الخزيرات (أكبر مدن منطقة جبل طارق)، يقول فيها إنه لم يتلق أي دعم رغم الوعود الكثيرة بذلك فقرر الدخول في إضراب عن الطعام إلى أن تجد الدولة لملفه حلا.

قضية السعيد إلى جانب الآلاف الآخرين العالقين خارج البلاد منذ تفشي فيروس كورونا خلقت أزمة داخل البرلمان، بين مؤيد لقرار إجلاء جميع المغاربة العالقين خارج أرض الوطن، ومعارض للقرار بدعوى أن الأمر حساس ويُمكن أن يعرض المغرب لكارثة صحية لا تُحمد عقباها.

لجنة الخارجية بمجلس النواب (البرلمان) عقدت اجتماعا عاجلا في 15 أبريل/ نيسان 2020، لبحث أزمة إجلاء المغاربة العالقين في الخارج، والذين يصل عددهم إلى 18 ألفا و226.

الاجتماع حضرته نزهة الوافي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة.

تدخل سريع

وقال خالد البوقرعي، نائب برلماني عن حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي، في حديثه أثناء أشغال اللجنة: "المغرب يحتاج إلى نقطة ضوء في هذا الملف، أسوة بباقي الدول، التي تعاملت بمسؤولية مع مواطنيها، وفي مقدمتهم فرنسا، التي رحلت رعاياها من المغرب، ومن مختلف بقاع العالم، كما فعلت أميركا، ودول غربية عدة".

بوقرعي طالب الحكومة بـ"تدخل سريع، خصوصا أن لا أحد يعلم إلى متى سيستمر الوضع الحالي، الذي يعيشه العالم، والعالقون لا يمتلكون جميعا الإمكانيات، التي تجعلهم يصمدون لمدة قد تطول إلى أشهر إضافية".

مشيرا إلى "الوضع المقلق لآلاف الطلبة المغاربة في الخارج لأن بعضهم كانوا قبل الأزمة يعملون خارج أوقات الدراسة لتسديد تكاليف الإقامة، لكنهم اليوم محتجزون، بعدما أقفلت الجامعات، وحتى أسرهم لم تعد قادرة على تحويل الأموال إليهم نظرا للظروف الاقتصادية الحالية".

رأي البوقرعي خالفه البرلماني عن "فيدرالية اليسار" وزميله في اللجنة عمر بلافريج، الذي اعتبر أن "مشكلة ترحيل المغاربة العالقين في الخارج لا تتعلق بما هو مادي، كما يعتقد بعض ممن يقولون إنهم مستعدون لأداء تذاكر رحلات الإجلاء، وإنما بما هو صحي، كما أن فتح هذا الباب سيجعل 3 ملايين مغربي يرغبون في الدخول إلى البلاد، بينما المنظومة الصحية للمملكة لا تتحمل هذه الأعداد.

الحكومة: اصبروا

نزهة الوافي وباعتبارها الوزيرة الوصية على القطاع اعتبرت أثناء أشغال اللجنة أن "الطلبة الموجودين الآن خارج المغرب لا يمكن اعتبارهم من بين العالقين في الخارج جراء أزمة جائحة كورونا، لأنهم في إقامة محددة بالزمن، أو غير محددة، وغالبا ما يستمرون في العيش في البلد الذي يدرسون فيه".

الوافي كشفت أن "هناك خلية يقظة تسعى على مدار الساعة، للتعامل مع مشاكل المغاربة العالقين بالخارج، في كل قارات العالم"، مؤكدة أن "الوضع صعب جدا، لأن كل بلد من بلدان الاستقبال اتخذت تدابير مختلفة عن الأخرى، كما أن هناك تنسيقا مع مختلف القطاعات الوزارية، قبل اتخاذ قرار الترحيل، ولا يجب اتخاذ قرارات متسرعة تسمح بدخول العالقين، سيأتي يوم ترحيلهم وينتهي الكابوس".

من جهته وجه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة كلمته للمغاربة العالقين بالخارج، في حديثه خلال جلسة مساءلته الشهرية أمام مجلس النواب، قائلا: "البلاد في وضع استثنائي وتعمل على ترتيبات، وتحضيرات، واستعدادات للعودة ونطالب المواطنين المعنيين بالأمر بالصبر معنا".

وتحدث العثماني عن التدابير، التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من أزمة المغاربة العالقين في الخارج، من خلال التكفل بهم وإيوائهم، وتوفير الدواء لبعض الحالات، وتجنيد أطر طبية لضمان الرعاية الصحية لهم، كما أكد أن الحكومة تكفلت بمصاريف دفن عدد من المغاربة بالخارج.

أرقام متضاربة

رئيس الحكومة أكد أن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون "معبأة ليل نهار" لتتبع وضعية مغاربة الخارج سواء المقيمين هناك، أو العالقين نتيجة هذه الظروف، وقدر عددهم بنحو 7500، في الوقت الذي أفادت فيه وزارة الخارجية أن الرقم يناهز 18 ألفا.

وفي اجتماع اللجنة الذي حضرته الوزيرة المعنية، انتقد البوقرعي النائب عن نفس حزبها، وابتسام عزاوي النائبة البرلمانية عن حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض تضارب أرقام الحكومة بخصوص عدد المغاربة العالقين بالخارج بسبب كورونا.

وقال البوقرعي: "نحن مؤسسة الدولة ولسنا متأكدين من الأرقام نسمع كل مرة رقما مختلفا"، قبل أن يزيد موجها كلامه للوزيرة: "تطلبين منهم الصبر لكنهم يريدون نقطة ضوء ولم يعودوا قادرين على الصبر، بحسب تصريحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي".

النائب عن الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي، لفت إلى أن إجلاءهم لن يكلف أكثر من التكفل بإقامتهم خارج البلاد، مقترحا إرجاعهم ووضعهم في الحجر الصحي. قبل أن يشير إلى أن 80 بالمائة منهم عبروا عن استعدادهم لدفع مصاريف العودة.

النائبة البرلمانية من المعارضة اعتبرت "جواب رئيس الحكومة غير مرض، كما هو جواب الوزيرة"، وتابعت: "هذه مرحلة الصراحة والوضوح ويجب أن نخبرهم متى ستتم إعادتهم".

صوت حقوقي

أزمة المغاربة العالقين خارج الوطن دفعت عددا من الجمعيات المغربية إلى مراسلة الحكومة لإيجاد حل سريع للقضية، إذ وجهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان طلب تدخل عاجل إلى سعد الدين العثماني، تطالبه بتسهيل عودة المغاربة العالقين خارج التراب الوطني، وخصوصا العالقين في المدينتين المغربيتين التابعتين للنفوذ الإسباني، سبتة ومليلية.

الجمعية قالت إنها تلقت اتصالات وطلبات تدخل، ورسائل مفتوحة من عدد من المواطنين المغاربة العالقين في عدد من دول العالم، في ظل الحالة الاستثنائية التي يعيشها العالم، بما فيه المغرب، إثر تفشي جائحة كوفيدـ 19، والتي فرضت على الدول اتخاذ إجراءات شاملة وغير مسبوقة، خصوصا إغلاق الحدود، ووقف حركة التنقل ما بين الدول، وقرارات إلغاء الرحلات من وإلى المغرب، ما حال دون عودتهم إلى أرض الوطن.

وأوضحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن معاناة المواطنين المحاصرين في عدد من الدول: إسبانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا وتركيا تتفاقم، في ظروف لا إنسانية، تهدد حياتهم بسبب الحالة العامة المرافقة للوضع الوبائي السائد.

الجمعية أشارت إلى تأثير الأزمة على وضعهم النفسي، والصحي، والمادي والاجتماعي، "الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، خصوصا مع وجود نساء حوامل، ومرضى، وأطفال، وأرباب أسر، بينما لم تقم السلطات المغربية بأي تدخل، أو تجاوب ورد على محاولاتهم الاتصال بالمسؤولين المغاربة".

وطالبت الجمعية نفسها العثماني بـ"التدخل العاجل، واتخاذ إجراءات عاجلة، تهم وضع المغاربة العالقين في عدد من الدول، وتمكينهم من الرجوع إلى مدنهم، خصوصا أنهم مستعدون لنفس الشروط، التي تم فيها تنقيل الطلبة المغاربة في مدينة ووهان الصينية، قبل أسابيع، والترخيص لهم بالعودة إلى الوطن، وذلك قياسا بالترخيص الممنوح للمواطنين الأوروبيين من أجل العودة إلى بلدانهم".

صوت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم يكن وحيدا إذ وجهت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أيضا، نداء إلى الملك محمد السادس من أجل إطلاق رحلات جوية من وإلى المغرب، بهدف "تنظيم رحلات استثنائية للمغاربة العالقين بالخارج مع إخضاعهم للحجر الصحي 14 يوما، قبل السماح لهم بزيارة عائلاتهم".

ودعت الرابطة ذاتها، في بيان إلى تنظيم رحلات استثنائية للمهاجرين المغاربة العالقين في المغرب، والذين يعيشون أوضاعا مأساوية بسبب ما وصفته بـ"الوضع الخطير، الذي يعيشه العديد من المغاربة العالقين في الدول الأجنبية، والذين كانوا في رحلات عمل، أو سياحة، أو علاج".

كما أن السفارات المغربية بالخارج لم تتمكن من ضمان السكن، والتغذية للعديد من المغاربة في دول أوروبا، خاصة سويسرا، كما أن العالقين بالمغرب من المهاجرين المغاربة يعيشون ظروفا مادية، ونفسية خطيرة".