أزمة نفط مزدوجة.. هذه أبرز الحلول المتاحة للنهوض بالاقتصاد الليبي
يعاني الاقتصاد الليبي من تدهور تراكمي لما تشهده البلاد من صراعات عسكرية، ليضاف إليه مؤخرا أزمة مزدوجة تمثلت بوقف إنتاج النفط وتراجع أسعاره، الأمر الذي تزامن مع الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم نتيجة تفشي فيروس كورونا.
وتراجع إنتاج ليبيا النفطي لمستوى قياسي، إلى متوسط 97.5 ألف برميل يوميا، مع استمرار أزمة غلق الحقول النفطية وخطوط الإمدادات منذ يناير/ كانون ثاني ٢٠٢٠، حيث فقدت البلاد إنتاج 1.12 مليون برميل نفط يوميا، بنسبة تراجع بلغت 92 بالمئة.
وذكرت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية في بيان نشرته يوم 12 مارس/ آذار 2020، أن إجمالي الخسائر التراكمية بلغت حتى اليوم الذي سبقه، 3 مليارات دولار، تمثل فاقدا تراكميا للإنتاج تجاوز حجمه 54.7 مليون برميل من النفط.
وتمثل صادرات النفط الخام ما يعادل 96 في المائة من إجمالي الصادرات الكلية للاقتصاد الليبي، كما تسهم عائدات النفط في الإيرادات المالية للبلاد بنسبة 95 في المائة.
وحذر مصرف ليبيا المركزي في منتصف شهر فبراير/ شباط ٢٠٢٠، من أن استمرار هذا الإقفال للمصدر الأبرز لإيرادات الدولة، يهدد الأوضاع المالية والاقتصادية والسياسية، مشيرا إلى أن إجمالي إيرادات النفط في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٩ بلغ 2.47 مليار دينار (1.75 مليار دولار).
وأضاف المركزي الليبي أن إجمالي إيرادات النفط الخام للبلاد في يناير/ كانون الثاني ٢٠٢٠ بلغت صفرا، مشيرا إلى أنه لم يدفع أي رواتب للعاملين في الدولة منذ ذلك الشهر.
ووفقا لمصادر تحدثت لـ "صحيفة الاستقلال"، فإن الاحتياطي المثبت لليبيا من النفط الخام وصل إلى 48 مليار برميل في نهاية 2014، وهذا يشكل 38 في المائة من احتياطي القارة الإفريقية كما أنها التاسعة في امتلاك احتياطي النفط عالميا.
واعتمدت حكومة الوفاق ميزانية العام الحالي 2020 دون ذكر أرقام، إلا أن وزير الاقتصاد الليبي، علي العيساوي، ذكر في حديثه مع وكالة الأنباء الفرنسية أن الموازنة بلغت نحو 38.5 مليار دينار (27.40 مليار دولار)، مسجلة تراجعا عن ميزانية 2019 بنحو 8.8 مليار دينار والتي بلغت قيمتها 46.8 مليار دينار (33.31 مليار دولار).
وفي محاولة لخلق موارد تمويلية، تحدث وزير الاقتصاد عن إصدار هذا العام السندات الليبية الأولى على شكل صكوك إسلامية، بدعم من صندوق النقد والبنك الدوليين.
الأثر الاقتصادي
يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراته، الدكتور عمر زرموح، أن ما يحدث من وقف لإنتاج النفط هو أمر متعمد من قبل شخص عسكري (اللواء المتقاعد خليفة حفتر)، يريد أن يستولي على الحكم بالقوة متجاهلا إرادة الشعب في بناء دولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة، ولذلك فإن مقاومته تنطلق من هذا الطموح.
وتشن قوات حفتر منذ 4 أبريل/نيسان ٢٠١٩، هجوما للسيطرة على طرابلس، مقر الحكومة الشرعية؛ ما أجهض جهودا كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين.
وأضاف زرموح، في حديثة مع "الاستقلال"، أن الاقتصاد سيتأثر بوقف إنتاج النفط الذي يعد مصدر النقد الأجنبي بالنسبة للبلاد، نتيجة عدم تنوع الاقتصاد الليبي.
ويتطلب تحقيق هذا التنوع تنمية طويلة الأجل قد تصل إلى عشرات السنوات. وأردف زرموح أن النظام في العهد السابق فشل على مدى 42 عاما في خلق قاعدة اقتصادية متينة وتنمية مستدامة.
وأشار أستاذ الاقتصاد، إلى أن توقف إنتاج النفط سيوقف إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، مضيفا أن ليبيا تعتمد بدرجة كبيرة على الاستيراد الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة عجز ميزان المدفوعات وتراجع احتياطات البلاد من المال الخارجي، كما سيؤدى إلى تفاقم عجز ميزانية الدولة التي تعتمد هي الأخرى على هذا المورد بدرجة كبيرة.
وأوضح أن إيرادات النفط تعتمد على عنصرين هما كمية النفط المصدر وسعره، مشيرا إلى أن إنتاجه تراجع من 1.2 مليون برميل يوميا إلى 97 ألف برميل يوميا بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط إلى ما يقارب النصف، وبالتالي فإنه بافتراض بقاء الإنتاج عند 1.2 مليون برميل يوميا فانخفاض السعر يجعلنا وكأننا ننتج نصف الكمية.
وتابع: "لذلك هي مأساة مزدوجة في جانبي السعر والكمية وسيكون لها عدة تبعات منها التأثير على ميزان المدفوعات والميزانية العامة للدولة وسينعكس ذلك على التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول الحقيقية وبالتالي سوف تؤثر على رفاهية الشعب الليبي".
وأكد زرموح، أن تراجع أسعار النفط لا يخيفه كثيرا كون ليبيا عضوا بمنظمة أوبك وبالتالي ما سيسري على البلدان المصدرة للنفط سيطبق على ليبيا، كما أن دول المنظمة يمكنها أن تجتمع وتخفض سقف الإنتاج وبالتالي تعيد الأسعار إلى حد ما.
وفيما يتعلق بطرح سندات ليبية، يرى أستاذ الاقتصاد، أن أي دولة تقترض من مصرفها المركزي لتغطية العجز في الميزانية مقابل سندات وأذونات خزانة يكون لاقتراضها أثر سيء، يتمثل في التضخم.
وقال: إنه يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات وسياسات للحد من هذا التضخم مثل العمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بالإضافة إلى العمل على كبح عرض النقود.
خطان متوازيان
وتابع: أنه "يجب أن لا تكون سياسة ليبيا الاقتصادية في شكل ردود أفعال، بل على الدولة أن ترسم سياستها الاقتصادية من خلال مواردها المتاحة على مدى سنة كاملة وتنفيذها على هذا الأساس دون التأثر بالاضطرابات التي تحدث في السوق العالمي للنفط".
وبرر ذلك بأن ليبيا "لو جعلت سياستها تتبع الاضطرابات في السوق العالمي فإن هذا يعني أنها تستورد الاضطرابات الحاصلة فيه، بينما يجب أن يكون دور السياسات الاقتصادية هو أن تسعى لخلق الاستقرار وتمتص الهزات الاقتصادية التي تحصل في الخارج لا أن تستوردها".
وأكد أيضا أنه بالمثل، في إطار عمل السياسة الاقتصادية للدولة على خلق الاستقرار، ألا تستجيب لإيقاف إنتاج النفط عنوة فتضيق على الشعب في حين أنها تمتلك احتياطيات ممتازة.
ولكن من جهة أخرى فليس من الحكمة أن تقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام مسألة إيقاف الإنتاج النفطي وتعول على الاحتياطيات بل يجب أن تسعى لإعادته للوضع الطبيعي بشتى السبل، وفق تقديره.
وطالب الحكومة بأن تعمل في خطين متوازيين، فمن ناحية أن تسعى إلى تنشيط وإعادة حقول النفط إلى وضعها الطبيعي، وفي نفس الوقت تستخدم جزءا بسيطا من الاحتياطيات لتخفف على الشعب قدر الإمكان في مواجهة مثل هذه المشاكل.
من جانبة قال الباحث الاقتصادي، حازم ساسي: إن الاقتصاد الليبي ريعي وهش، ينخر فيه الفساد من جهة والاقتصاد الخفي من ناحية أخرى ويفتقر إلى الشفافية منذ سنوات طويلة، مؤكدا على أن استمرارية هذا النهج خلال السنوات القليله المقبلة قد يجبرها على اتخاذ إجراءات لم تكن لتضطر لها كالاقتراض من صندوق النقد الدولي أو خفض قيمة العملة في السوق الرسمية.
وأضاف ساسي، في حديثة مع "الاستقلال"، أنه على مدار 50 عاما وتحديدا منذ سنة 1963 إلى عام 2012، جرى وضع 11 خطة تنموية، 4 منها لم تنفذ و5 خطط منها لم تعتمد أو لم تتعد مرحلة الإعداد.
وأوضح أن الدولة لم تنفذ برنامجا تنمويا طوال تلك الفترة، بالإضافة إلى أن إحدى تلك الخطط التنموية كخطة (1981 -1985) توقف تنفيذها مع بداية عام 1982 بسبب انخفاض سعر النفط.
وأكد الباحث الاقتصادي، على أن استمرار انخفاض أسعار النفط مع التأكيد على أن عدم قدرة الدولة على الوصول إلى الحد الأقصى من الإنتاج سيؤدي إلى زيادة الدين العام، مشيرا إلى أننا سنرى عجزا كبيرا في ميزانية الدولة في نهاية 2020، بالإضافة إلى أنه جرى خفض ميزانية العام الجاري بالفعل.
إصدار الصكوك
وأوضح ساسي، أن إصدار الصكوك يعتبر من الأدوات المناسبة لتخفيف العبء على الدولة وخصوصا في ظل الظروف المذكورة سابقا، ولكن في نفس الوقت من الصعب الحديث عن إصدار صكوك في ليبيا في الوقت الحالي.
فعلى الرغم من إصدار العديد من القوانين واللوائح المنظمة لإصدار الصكوك، فإن هناك معوقات تجعل من الصعب إصدارها على أرض الواقع في الوقت الراهن.
وتابع: "على صعيد الأطراف المنظمة فإن سوق الأوراق المالية الليبي سيعاني من صعوبات كثيرة عند إدارة تلك العمليات وذلك لضعف كفاءته، كما أن المصارف الحالية سواء التقليدية أو الإسلامية تفتقر إلى الموارد البشرية ذات الخبرات الطويلة في مجال إصدار الصكوك وهذا قد يشكل صعوبة أخرى".
وفيما يخص المستثمرين، يرى ساسي أنه سواء كان المستثمر محليا أو أجنبيا فإنه من الصعب جذبه في الوقت الراهن والعمل على زيادة ثقته بالسوق الليبي وذلك نتيجة عدم الاستقرار السياسي وتدني مؤشر الحريات الاقتصادية والحوكمة والجودة العالمية، والذي يقع بالدرجة الأولى على الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار.
وطالب ساسي، الحكومة الليبية في حال أصدرت الصكوك بضرورة توفير البيئة المناسبة لذلك من إعفاء ضريبي لسنوات معينة وتوفير برامج منح للصكوك من أجل تحفيز المصدرين من خلال تعويض جزء من تكاليف المراجعة الخارجية المتكبدة وغيرها من التسهيلات المشجعة.
وأشار ساسي، إلى أنه لا يمكن الحديث عن تحسن اقتصادي في ظل الظروف القائمة، دون العمل على بناء السلام وتعزيز الحكم الديمقراطي.