واشنطن بوست: فهم آلية انتشار كورونا يتطلب مراجعة هذا الأمر
قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية: إن فيروس كورونا الجديد، غير الكثير من مجريات الأمور، بعد أن دفع العديد من البلدان إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تغيير مظهر العالم وجوهره.
وأكد إحسان ثارور محلل السياسة الخارجية في الصحيفة الأميركية أن جزءا كبيرا مما يثير القلق بشأن تفشي فيروس كورونا عبر العالم هو عدم اليقين.
وأضاف: "نجد أن خبراء الطب وواضعي السياسات والسياسيين يركزون على نفس مجموعة الأسئلة: إلى أي مدى سينتشر؟ إلى متى سيستمر؟ كم من الناس سيقتل؟"، مبينا أن عدم اليقين والارتباك يسيطران على المشهد العالمي في مواجهة الوباء.
نتائج الفيروس
انطلاقا من منشئه في مدينة ووهان الصينية، انتشر الفيروس بسرعة كبيرة في أكثر من 60 دولة. ويبلغ إجمالي عدد الحالات التي أصيبت حتى الآن حوالي 100،000 حالة، مات منهم أكثر من 3000 شخص بالفعل، بالإضافة إلى أنه يوجد في جميع أنحاء العالم حوالي 300 مليون طفل يواجهون إغلاق المدارس وهو عدد مرشح للزيادة.
وتزداد خسائر العالم جراء الانتشار المتسارع للفيروس حيث تقطع شركات الطيران رحلاتها وسط مخاوف متزايدة من انتشار العدوى وحظر السفر، كما أن صناعة الرحلات البحرية تواجه أزمة عالمية، في حين لا تظهر المخاوف في سوق الأوراق المالية إلا القليل من علامات التراجع.
وسط ذلك، تخطط الحكومات لتمويل حوافز الطوارئ للتغلب على الخسائر الاقتصادية المتزايدة الناشئة عن سلاسل التوريد المتعثرة والأعمال التجارية المفقودة، كما أنه جرى إلغاء الأحداث الرياضية الكبرى أو سيجري عقدها خلف أبواب مغلقة، بدون حضور الجماهير.
وللمرة الأولى منعت الصلاة في أقدس المواقع الدينية بالعالم في مكة وكنيسة القيامة والمهد في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويؤكد التقرير أنه لا يوجد شيء جديد حول حجم الاضطراب هذا.
تاريخ وبائي
وقال فرانك سنودن أستاذ فخري في تاريخ الطب بجامعة ييل، في مقابلة مع مجلة نيويوركر: "لا يوجد مجال رئيسي للحياة البشرية لم تتأثر به الأمراض الوبائية بشكل عميق".
وأضاف أن الأوبئة لها آثار هائلة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فهي تحدد نتائج الحروب، كما أنها من المحتمل أيضا أن تكون جزءا من بداية الحروب في بعض الأحيان.
وتابعت "واشنطن بوست": "إنها طريقة مروعة لإعادة صياغة طريقة تفكيرك في تاريخ البشرية، ليس كسلسلة متتالية من العصور ولكن من مشاهد الموت المروع والانهيار المجتمعي".
وذكرت أنه "في القرن السادس، تسبب الطاعون الذي اجتاح الإمبراطورية الرومانية في مقتل ما يتراوح بين 30 و50 مليون شخص - ربما ما يصل إلى نصف سكان العالم في ذلك الوقت، إلى الحد الذي وصفت فيه المصادر القديمة مشهدا بشعا في ما كان يُعرف آنذاك بالقسطنطينية، حيث كانت جثث الآلاف من الناس مكدسة بإحكام في مقبرة جماعية".
وأردفت: أنه "في المساحة الصغيرة بينهم، جرى الضغط على الصغار والرضع، مداسين بالقدمين مثل عاصري العنب، بالإضافة إلى أن موجات الأوبئة التي هزت الإمبراطورية على مدى 400 عام، لعبت دورا هاما في زوالها في نهاية المطاف".
الموت الأسود في القرن الرابع عشر أدى إلى وفاة ما يصل إلى 200 مليون شخص في شمال إفريقيا وآسيا وأوروبا (حوالي 30 إلى 60 في المئة من سكان أوروبا لقوا حتفهم).
وقتل الاستعمار الأوروبي الكثير من الناس في القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر - ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى انتشار الأمراض التي لم يكن لدى السكان الأصليين في الأميركتين حصانة فيها -، وفقا لدراسة نشرت في ٢٠١٩.
كاشف البشرية
الأوبئة هي تجارب مشتركة تطبع نفسها بشكل لا يمحى على المجتمعات، بحيث يمكننا القول: إننا ما زلنا نعيش في ظل وباء إنفلونزا عام 1918، الذي أودى بحياة حوالي 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وخفض متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة بنحو 12 عاما .
وتوضح الصحيفة أن ذلك يحدث "في الوقت الذي يتمسك فيه العلماء بالإدارة السرية الغامضة للأزمة، ثم من قبل الحكومة الأميركية التي لا تقول الحقيقة في مواجهة تفشي المرض، ليس من الواضح لبعض المؤرخين ما إذا كانت إدارة ترامب قد استجابت لهذا الدرس".
وقال فرانك سنودن أستاذ فخري في تاريخ الطب بجامعة ييل لمجلة نيويوركر: "الأوبئة هي فئة من الأمراض التي يبدو أنها تمسك المرآة للبشر وتلعب دور الكاشف للبشرية".
في الواقع، في سياق وباء فيروس كورونا المتجدد، رأينا بالفعل عددا لا يحصى من الحوادث المقلقة لكره الأجانب الموجهة غالبا نحو أشخاص من أصل شرق آسيوي، لا يوجد شيء جديد حول هذا الاتجاه ، وغالبا ما أدت الفاشيات والأوبئة في الماضي إلى إيذاء الفقراء والضعفاء.
وكتبت هانا ماركوس، مؤرخة العلوم في جامعة هارفارد، في صحيفة "نيويورك تايمز": "يجب أن نتوخى الحذر من الطرق التي أدت بها تفشي المرض تاريخيا إلى اضطهاد الأشخاص المهمشين".
وتابعت: "كان أحد أفضل النتائج الاجتماعية الموثقة للطاعون في أوروبا في أواخر العصور الوسطى هو العنف الذي غالبا ما كان موجها ضد اليهود الذين اتُهموا بالتسبب في الطاعون عن طريق تسمم الآبار".