إثيوبيا تنسحب من مفاوضات سد النهضة بواشنطن.. ما خيارات مصر؟

12

طباعة

مشاركة

انسحاب إثيوبيا من جولة المفاوضات الأخيرة بخصوص سد النهضة، التي عقدت في واشنطن 28 و29 فبراير/شباط 2020، أثار التساؤلات عن السيناريوهات المتاحة أمام مصر، بعدما عولت القاهرة كثيرا، للوصول إلى اتفاق يحافظ على جزء من حقوقها في مياه نهر النيل.

حسب التحليلات والآراء التي قدمها خبراء مصريون وعرب وأجانب، فإن القاهرة ليس لديها الكثير من الخيارات، وأن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وضع بلاده في مأزق بتوقيعه على "اتفاق المبادئ الإطاري" لسد النهضة، مع رئيس وزراء إثيوبيا السابق، والرئيس السوداني السابق في 2015.

"الاتفاق الإطاري" منح إثيوبيا الحق في التلاعب بالقاهرة، دون أدنى اعتبار لاتفاقية تقاسم مياه النيل بين دول حوض النيل عام 1929، والاتفاق الثنائي لمياه النيل بين مصر والسودان عام 1959، وغيرهما من الاتفاقيات التي سبق لإثيوبيا التوقيع عليها، وفقا للخبراء.

اتهامات متبادلة

القاهرة اعتبرت تغيب إثيوبيا عن جولة المفاوضات الأخيرة في واشنطن "متعمدا بهدف إعاقة مسار المفاوضات"، حسبما قال بيان مشترك لوزارتي الخارجية والري، مؤكدة رفضها "إعلان إثيوبيا ملء خزان سد النهضة على التوازي مع الأعمال الانشائية للسد، وليس ارتباطا بالتوصل إلى اتفاق يراعي المصالح (..) ولا يحدث أضرارا جسيمة".

مصر أعلنت تمسكها بالاتفاق الذي وقعته بالأحرف الأولى في واشنطن، قائلة: إن "اتفاقا عادلا ومتوازنا (..) تم استخلاصه من واقع جولات المفاوضات على مدار الأشهر الأربعة الماضية (انطلقت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي برعاية واشنطن)".

وتابعت: "الاتفاق يمثل الحل للقضايا العالقة إذا صدقت الوعود الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالمصالح المصرية. ملكية إثيوبيا لسد النهضة لا تجيز لها مخالفة قواعد القانون الدولي (..) أو الافتئات على حقوق ومصالح الدول التي تشاطرها نهر النيل".

البيان المصري الذي اعتبره البعض شديد اللهجة، جاء يوم واحد فقط من بيان إثيوبي أعرب عن "خيبة الأمل في رعاية واشنطن اتفاقا بشأن سد النهضة، وقعت القاهرة عليه بالأحرف الأولى، في اجتماع لم تحضره أديس أبابا قبل أيام".

وفي لهجة تحد وإصرار، أكدت أديس أبابا في بيانها أنها "ستبدأ في ملء السد بالتوازي مع البناء وفق مبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب في أي ضرر وستواصل التفاوض لوضع لمسات أخيرة على الاتفاق النهائي".

من جانبها، أعلنت الخرطوم في بيان لوزارة الري، "تقديم ملاحظات إلى واشنطن، حول مسودة الاتفاقية الشاملة بشأن السد"، مشددة على "ضرورة التوصل لاتفاق شامل، قبل بدء عملية الملء الأول".

مقاطعة إثيوبيا

على مدار الأيام الماضية، لم يكن لدى المعنيين بملف سد النهضة، إلا تقديم إجابات عن سؤالين فقط، الأول هو لماذا غابت إثيوبيا عن الجولة النهائية، وعلاقة ذلك بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته لأديس أبابا قبل أسبوع من القرار الإثيوبي، والتي أكد فيها أن التوصل لاتفاق حول السد سوف يستغرق شهورا طويلة.

وجوابا على ذلك، علق خبراء مصريون وأمريكيون، مهتمون بملف سد النهضة، في تصريحات نقلتها عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، منهم كاميرون هادسون، الخبير في الشؤون الإفريقية بالمجلس الأطلسي، والذي قال لـ"شبكة الجزيرة": إن واشنطن لم تستثمر في أي قضية إفريقية كما استثمرت في مباحثات سد النهضة، وهو ما جعل القرار الإثيوبي بمثابة الصدمة للمسؤولين الأمريكان.

وعلى خلاف الرأي السابق، تحدث خبير المياه والسدود المصري المقيم في ماليزيا، محمد حافظ لـ "الاستقلال"، قائلا: إن "أمريكا تلاعبت منذ البداية بالسيسي، ومباحثات واشنطن لم يكن الهدف منها إلا منح فرصة للجانب الإثيوبي من أجل الانتهاء من عملية البناء والتجهيز، استعدادا لمراحل التشغيل الأولية في 2023، وبالتالي تكون مصر أمام الأمر الواقع، وعليها أن تقبل ما يتم فرضه عليها".

وبرأي حافظ، فإن مصر أبدت ليونة في مباحثات واشنطن، ومنها عرض شراء الكهرباء التي ينتجها سد النهضة، بأعلى من الأسعار العالمية، مقابل الحفاظ على حصة مصر من المياه، إضافة لوجود تسريبات عن قبول مصر بخفض حصتها السنوية من 55 مليار متر مكعب، إلى ما بين 37 مليار متر مكعب، وهو ما رفضته إثيوبيا التي أصرت على 31 مليار متر مكعب فقط، وعدم ربط سد النهضة بالسد العالي.

وأردف: "بالتالي عندما لم تجد إثيوبيا مفرا من التوصل لاتفاق، اتخذت قرارا بعدم حضور الجولة الختامية، متحججة بأن الاتفاقية ملك للبرلمان القادم، الذي من حقه الموافقة عليها أو رفضها، وبالتالي تأجيل كل شيء إلى ما بعد 29 أغسطس/ آب المقبل، لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة تعبر عن هذا البرلمان".

وأضاف حافظ: "المبرر الإثيوبي مفضوح، لأن موعد الانتخابات البرلمانية معلوم مسبقا، وبالتالي فإن رهن المباحثات بالانتخابات ليس إلا مبررا لتنفيذ ما تبقى من مشروعات البنية الأساسية ليكون السد جاهزا للتشغيل، قبل الانتخابات المقبلة، لأن ذلك يصب بالنهاية في مصلحة رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي يواجه أزمات سياسية عديدة، وبالتالي فإنه ظهر أمام الشعب الإثيوبي باعتباره بطلا تحدى الولايات المتحدة".

ووفق رأي خبير المياه والسدود المصري، فإن "السيسي مشارك في عملية الخداع التي تحدث للشعب المصري، منذ توقيعه على اتفاق المبادئ في الخرطوم عام 2015، وإلا لماذا يُصر حتى الآن على عدم عرض اتفاق المبادئ على البرلمان من أجل الموافقة عليه، ويُصر على التعامل مع الموضوع بشكل يثير الشك والريبة؟ حتى مع القرار الإثيوبي الأخير بعدم الذهاب لواشنطن، فإن السيسي أصر على الذهاب لواشنطن رغم أن الطرف الأساسي في الاتفاق غير موجود".

ويدعم الرأي السابق ما نشره زيميدنه نيجاتو الباحث الأمريكي من أصل إثيوبي في تغريدة على تويتر قال فيها: "رغم الضغوط الأمريكية على آبي أحمد، فقد رفض التوقيع على اتفاقية بشأن سد النهضة لا تخدم مصالح إثيوبيا، علينا تذكير الأمريكيين بأن هناك 112 مليون إثيوبي يتطلعون لحياة أفضل، ودفعوا جميعا لبناء السد على النهر الذي ينبع من بلادهم".

خيارات مطروحة

أما السؤال الثاني، فيتعلق بالخيارات المتاحة أمام القاهرة بعد الخطوة الإثيوبية، حتى تحافظ على حقوقها التاريخية والقانونية في سد النهضة، وهل يمكن لمصر أن تتخذ خيارات خارج الصندوق، مثل التوجه العسكري، أم أن هناك خيارات قانونية أخرى يمكن أن تفسح المجال أمام القاهرة للحفاظ على حقوقها المائية، مثل اللجوء للتحكيم الدولي، أو على أقل تقدير، إلغاء "اتفاق المبادئ" الذي وقعه السيسي في الخرطوم عام 2015؟.

وفقا لمعظم الباحثين والمتابعين، فإن الخيار العسكري، قد فات أوانه، أو هو كما وصفه خبير الشؤون الإفريقية بـ"مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية" هاني رسلان في حوارات صحفية عديدة، بأنه خيار مكلف وليس له معنى، موضحا أن "الحل العسكري أو حتى مجرد التلويح به غير مفيد، ويضر بالموقف المصري، ويعطى لإثيوبيا الذريعة للإساءة إلى مصر وتشويه موقفها".

وبعيدا عن الرأي السياسي لرسلان، فإن رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي السابق بمجلس الشورى المصري، رضا فهمي، كشف لـ"الاستقلال"، أن هذا الخيار ليس مطروحا لدى القوات المسلحة، حتى في وقت رئاسة الرئيس الراحل محمد مرسي.

وأوضح فهمي أنه شارك في جلسات مجلس الأمن القومي، بصفته رئيسا للجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى، وسمع من السيسي عندما كان وزيرا للدفاع، وسمع من مدير المخابرات الحربية وقتها محمود حجازي، والذي تولى بعد الانقلاب العسكري رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، أن "الجيش غير مستعد لعملية عسكرية ضد إثيوبيا، لطول المسافة، ولحسابات أخرى متعلقة بالجانب العسكري".

ووفق فهمي: "عندما كان يتم طرح الحل العسكري كخيار موجود حتى لو كان خيارا أخيرا، فإن السيسي كان يضع أمامه الكثير من العراقيل، ما شكك المشاركين بالاجتماعات في القدرة القتالية للجيش المصري، نتيجة تخوفات السيسي المتكررة، والتي ظهر بعد ذلك أنها كانت جزءا من مخطط الانقلاب، كي لا يكون الرئيس الذي اتخذ قرار الحرب للدفاع عن مياه النيل، هو نفسه الرئيس الذي يتم الترتيب للانقلاب عليه".

وأضاف فهمي: أن "السيسي منذ البداية قدم مياه النيل هدية لإسرائيل وإثيوبيا من أجل دعم مركزه دوليا وإقليميا بعد الانقلاب العسكري، رغم أن باقي الجهات المعنية بملف سد النهضة ومياه النيل كان لديها حلول على المدى القريب والمتوسط والبعيد، لحلحلة ملف السد بما يحافظ على المكتسبات المصرية، وهو ما كشفته بعد ذلك الوثيقة المسربة عن الخارجية المصرية، بأنها نصحت السيسي بعدم التوقيع على اتفاق المبادئ مع إثيوبيا والسودان عام 2015، ولكنه لم يستجب لها".

التحكيم الدولي

وبناء على ما طرحه الرئيس السابق للجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى المصري، فإن "الخيارات المتاحة أمام مصر لن تخرج عن التحكيم الدولي، أو تفعيل البند التاسع والعاشر من اتفاق المبادئ، وهي البنود التي تنص على إمكانية وجود وسيط شرط اتفاق الأطراف الثلاثة".

وفيما يتعلق بالتحكيم الدولي، فإن معظم خبراء القانون الدولي المصري، يستبعدون هذا الخيار، وهو ما أكده مفيد شهاب، وزير المجالس البرلمانية الأسبق ورئيس "الجمعية المصرية للقانون الدولي"، ورئيس فريق التحكيم المصري في مفاوضات "طابا" مع إسرائيل.

وأرجع شهاب خلال ندوة عقدت مؤخرا بعنوان "التسوية السلمية للنزاعات الدولية.. نموذج أزمة سد النهضة الإثيوبي"، عدم لجوء مصر للتحكيم الدولي، لأن مصر عليها أولا، طرح المسألة على الجمعية العمومية للأمم المتحدة للحصول على إدانة ضد موقف إثيوبيا، ثم طرح المسألة أمام مجلس الأمن أو الحصول منه على توصية - غير ملزمة – باللجوء إلى التحكيم الدولي، وهي أمور توقع شهاب عدم حدوثها تحت أي ظرف.

وفجَّر شهاب الذي دافع عن تحركات السيسي، مفاجأة بإعلانه أن مصر وافقت على حق إثيوبيا في إنشاء سد النهضة، خلال الفترة بين 2007 و2009، ولكنها اشترطت مواصفات لا تضر بالأمن المائي، كما أكد أن الوساطة الأمريكية كانت حول كيفية تنفيذ إعلان المبادئ.

وحسب قوله: "فإن اختصاص القانون الدولي وفقا للملحق السادس من ميثاق سان فرانسيسكو عام 1945، في حل النزاعات بين الدول، اختياري وليس إلزاميا، كما أن الضعف الذي أصبح عليه المجتمع الدولي، جعل علاج النزاعات الدولية والإقليمية بشكل ودي أو من خلال التحكيم أمر في غاية الصعوبة.

أوراق خارجية

الحلول الأخرى التي طرحها الخبراء والمحللون، تشير إلى أن الأوراق التي يمكن أن تستخدمها مصر، ليست في يديها، وإنما في يد الآخرين، ومنها اللجوء لمجلس الأمن أو الاتحاد الإفريقي، أو التحكيم الدولي، وكلها أمور لا تتحكم فيها مصر منفردة، وهي الحالة التي وصفها مقال رئيس تحرير "رأي اليوم" اللندنية، عبدالباري عطوان، بـ"الخيارات المحدودة".

وأشار عطوان إلى أن رهان مصر على تدخل أمريكا لصالحها ضد إثيوبيا، بعد تراجع أديس أبابا، لا يجب التعويل عليه، في ظل الدعم الذي تحظى به إثيوبيا من إسرائيل، إضافة إلى أن الرئيس ترامب، يعتبر إثيوبيا مركز نفوذ أمريكي هام في القرن الإفريقي، وأن مكانة أديس أبابا، كقوة إقليمية تفوق وضع القاهرة بكثير.

ووفق قوله، فإن الخيار الثاني المتعلق بإعلان مصر انسحابها من "الاتفاق الإطاري" الذي لم يصوت عليه البرلمان المصري، سوف يدفع إثيوبيا لاتّخاذ نفس القرار، وهو ما يجعل مصر أمام خيارين فقط، أولهما أن تترك المعسكر الأمريكي والإسرائيلي، وتنضم للمعسكر المناوئ لهما، أو تقوم بنسف سد النهضة، و"تثوير الجماعات العرقية والإسلامية الصومالية داخل إثيوبيا والصومال (إقليم أوغادين)، ودعم إريتريا في خلاف الحُدود، أو ما تبقّى منه".

وعلى عكس الرأي السابق، يرى العالم المصري وأستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة عباس شراقي، أنه في حالة إصرار الجانب الإثيوبي على عدم الحضور، فإن مصر قد تحصل على تأييد أمريكي في اللجوء لمجلس الأمن إن لزم الأمر.

وأردف: كما أن اتفاقية إعلان المبادئ تنص في البند العاشر على تسوية النزاعات الخاصة بالسد من خلال المشاورات أو التفاوض، ثم اللجوء إلى الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول، مما يلزم إثيوبيا على الاستمرار في المفاوضات للتوصل لاتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل السد.

ووفق تصريحات شراقي، فإن التعنت الإثيوبي يجعل من حق مصر اللجوء للمنظمات الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي، ولكن نظرا لضيق الوقت، فقد فضَّل شراقي اللجوء لمجلس الأمن، ولكنه اشترط من أجل ذلك قيام مصر بتقدم ملف كامل عن انتهاكات إثيوبيا للاتفاقيات القديمة لعام 1891 واتفاقية عام 1902 وعام 1993 بين مصر وإثيوبيا، وعرض تقرير لجنة الخبراء الدوليين لعام 2013 والذي أكد ضعف الدراسات الهندسية للسد، مما يجعله خطرا على مصر والسودان، وتهديدا للأمن والسلم في المنطقة.


المصادر