عاصمة الجرائم والمافيا.. كل ما تريد معرفته عن واقع كابول الجديد
على غرار مدينة "نابولي" الإيطالية المعروفة بأنها عاصمة للمافيا والسرقات والمخدرات، أصبحت أكبر مدينة أفغانية يقطنها نازحون فارون من الحرب، تعاني كذلك مثلها من المجرمين والعصابات.
هذا ما رصدته صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في تقرير لها من العاصمة الأفغانية حمل عنوان "كابول.. عاصمة السرقة والجرائم"، إذ لا يمر يوم من دون أن تشهد العاصمة أنواعا مختلفة من الجرائم.
علي سينا
وأشارت "لوفيجارو" إلى أبرز قصة قتل وقعت في هذه العاصمة التي أنهكها الحرب والإرهاب والبؤس والجريمة، فعلى الرغم من تسعة عشر عاما من محاولات نشر الديمقراطية بالمدينة، التي يعود تاريخها إلى ألف عام، أصبحت كابول واحدة من أخطر المدن في العالم.
وقالت الصحيفة: "في أحد أحياء الطبقة العاملة بكابول، وفي منزل متواضع بنهاية ممر، توجد غرفة نوم علي سينا في الطابق العلوي. في الواقع، هي لم تعد غرفة بل مجرد مكان فارغ من كل شيء تم إغلاق بابه منذ أيام".
ونوهت بأن كل أثاث الغرفة والممتلكات تم التبرع بها، حيث "كان من الصعب للغاية الاحتفاظ بها"، كما يقول عبد الشكور، الأخ الأكبر لهذا الشاب.
في المكان الذي يبدو "مقدسا"، تبقّى شيء واحد فقط، تشير الصحيفة، "صورة كبيرة جدا لعلي سينا وهو ينظر إليك على خلفية زرقاء وتحت الصورة الضخمة، كتب: شهيد. شهيد".
إن هذا "الشهيد" لم يختر الموت، تواصل لوفيجارو، "وإذا كان يقاتل من أجل قضية ما، فإن هدفه هو العيش فقط، فهذا اليتيم، ترك للتو دراساته بمجال الصحافة من أجل الحصول على شهادة في المحاسبة، التي تعد أكثر أمانا وربحية".
هدفه كان استئجار شقة، ثم "تطوير اقتصاد البلاد"، كما يقول شقيقه، مضيفا: "لقد فكر علي كثيرا في المستقبل: مستقبله، ومستقبلنا، ومستقبل أفغانستان".
وأوضحت أنه "على النافذة، لم يبق من ممتلكات سينا غير الترمس (وعاء لحفظ المشروبات باردة أو ساخنة لفترة طويلة) وفنجان وجهاز كمبيوتر محمول، حيث في مكان قريب، في هذه المتاهة، طعنه لصوص وهو في طريقه إلى المنزل قادما من الجامعة.
وجرى طعنه بعد أن "رفض إعطاءهم هاتفه والكمبيوتر المحمول الذي لم يفارقه أبدا، والذي كلفه 50 ألف جنيه أفغاني (حوالي 600 يورو) وهو مبلغ ضخم"، يقول عبد الشكور.
عقب طعنه، تجاوزت عمته، التي أخبرها الجيران، الفناء حافية القدمين غير آبهة بالوحل الجليدي، وبألم يفوق البرد، أرادت أن تحمل جثة علي – الذي كان لا يزال يتنفس- ليساعدها المارة في النهاية، لكن رفضت العيادة الأولى التي ذهبا إليها استقباله بسبب نقص الأدوية، ومات بعد ساعات قليلة في مستشفى ثان، وعمره 22 سنة.
عنف جامح
ونوهت الصحيفة الفرنسية بأن كابول تعاني من الجريمة، فالشبكات القوية، التي غالبا ما تستفيد من الدعم السياسي، تنظم عمليات السرقة والاغتيالات والاتجار بجميع أنواعها، إذ اختار العديد من اللصوص الجنوح للجريمة للتغلب على الفقر.
وأكدت أنه في الإجمال حددت الشرطة 1500 مجرم، يُعتقد أنهم يمتلكون بشكل غير قانوني نحو 30 ألف قطعة سلاح. ومما يشجع هذه الآفة على الانتشار، الإفلات من العقاب الذي يتمتع به العديد من قادة العصابات، والعجز الذي تعاني منه قوات الشرطة التي تقاتل حركة طالبان وتنظيم الدولة، والتوسع الحضري العشوائي لمدينة تضاعف عدد سكانها ثلاث مرات في خلال سنوات قلائل.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن 80٪ من المناطق الحضرية في العاصمة الأفغانية، هي مدن أكواخ تضم نازحين من جميع أنحاء البلاد وقد انفجر عددهم في العامين الماضيين.
وفي مواجهة هذا العنف الجامح، اتخذت تدابير جذرية منذ عام، فخلال فترة ولايته الخاطفة، من ديسمبر/ كانون أول 2018 إلى يناير/ كانون 2019، حاول وزير الداخلية الغامض، عمرو الله صالح، بإحصاء قائمة كاملة من المشتبه بهم وحشد فريق من القوات الخاصة لمساعدة الشرطة، وحظر النوافذ المعتمة للسيارات "الفاميه".
كما حظر تحرك المدنيين عبر موكب شاحنات صغيرة مع حراس مسلحين وهو أمر يحظى به قادة المافيا على حد سواء مع بعض النواب.
وحاول خليفته، مسعود أندرابي، تنفيذ هذا الأمر، كما جعل نائب وزير الأمن والمحارب القديم في القوات الخاصة، كوشال السادات، محاربة اللصوص أهم أولوياته. لكن كل هذه الإجراءات كانت بلا جدوى، تكتب "لوفيجارو"، فخلال شهر يناير/ كانون الثاني، أحصت الشرطة ما لا يقل عن 120 جريمة في كابول.
وإلى جانب الحالات التي لم يبلغ عنها قط، فإن العديد من المواطنين يشعرون بالقلق، فالأخبار السيئة أكثر انتشارا، والمواطنون يعبرون بشكل متزايد عن سخطهم. في اليوم التالي لوفاته أصبح علي رمزا، حيث انتفض الأصدقاء على تويتر وفيس بوك، وأطلقوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتسبب هاشتاق #Kabul_Is_Not_Safe (كابول ليست آمنة) و#Kabul_City_of_Thieves (كابول مدينة لصوص) بضجة بين سكان العاصمة الأفغانية، خاصة بعد نشر فيديو لعلي وهو يضحك بصوت عال أثناء مشاركته دراجة مع صديق له قبل وقت قصير من وقوع المأساة.
وردا على ذلك، أعلنت الحكومة عن تدابير جديدة، حيث سيتم نقل معظم شرطة كابول وقيادة جميع مراكز الشرطة إلى المقاطعات، والاستعاضة عنها بخريجين شباب، كما جرى تخصيص ثلاثمائة مركبة جديدة لمراكز شرطة الحي، وتنظيم دوريات ليلية، ينضم إليها في بعض الأحيان شخصيات من الشرطة وفريق اتصالاتهم.
وقال روضة الله، 20 عاما، من على سريره في المستشفى: "هذا لا يكفي"، حيث أصيب هذا الشاب في البطن وهو يتعافى من عملية جراحية كبرى. هذه هي المرة الثالثة التي يتعرض فيها للسرقة خلال شهر يناير/كانون ثاني فقط.
وقال: إن "الإجراءات التي اتخذت بعد وفاة علي مؤقتة فقط. لا تهتم السلطات بنا، حتى أصبح المشي في العديد من الأحياء يعني مخاطرة بحياتك".
وبينت "لوفيجارو" أنه على الرغم من أن المستشفى، الذي تديره المنظمة الإيطالية للطوارئ غير الحكومية من المفترض أن يستقبل جرحى الحرب فقط، أصبح يستقبل المزيد من المرضى بسبب إصابات مرتبطة بالجرائم.
ونقلت عن ديجان بانيك، المنسق القُطري للمنظمة "في عام 2019، طلب 700 من ضحايا الجرائم على الأقل أن يعالجوا هنا، وبسبب نقص الأسرّة المتاحة، جرى إرسال نصفهم إلى المستشفيات العامة".