مؤتمر ميونخ للأمن.. هل ينهي الأزمات الملتهبة بالمنطقة العربية؟

12

طباعة

مشاركة

بمشاركة أكثر من 500 شخصية عالمية بين رئيس دولة ووزراء خارجية ودفاع، ومختصين بارزين في مجالات الأمن والتخابر والمعلومات، أنهى مؤتمر ميونخ للأمن فعاليات دورته الـ 56، وسط حديث متزايد عن قضايا الشرق الأوسط وفي القلب منها، الأوضاع الملتهبة في سوريا وليبيا واليمن والخليج العربي.

المنطقة العربية وأزماتها كانت أحد الملفات الهامة في أعمال المؤتمر التي جرت فعالياته بين يومي 14 و16 فبراير/ شباط الجاري، إلا أن مخرجات المؤتمر وخاصة ما يتعلق بالملف الليبي، تشير إلى أن المؤتمر لم يكن مهتما بإنهاء النزاع في ليبيا أو سوريا، بقدر أهمية ألا ينتقل هذا النزاع ليهدد الأمن الأوروبي والغربي.

الأمر نفسه تكرر مع قضايا الساحل والصحراء التي غاب عن مباحثاتها ومناقشاتها قادة وممثلو دول الساحل والصحراء، ليظل مصيرهم السياسي والعسكري، مرهونا بتوافقات الدول الكبرى المتحكمة في هذه المنطقة، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة وأخيرا ألمانيا.

ورغم أن المؤتمر يأتي بعد أيام من انتهاء منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، وأن معظم الذين شاركوا في دافوس، هم أنفسهم الذين شاركوا في ميونخ، إلا أن الخلاف الأوروبي الأمريكي، حول دور الأخيرة في النزاعات الدولية، كان واضحا في كلمات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ودفاعه الرافض لانتقادات الرئيس الألماني وباقي القادة الأوروبيين، عن انسحاب الولايات المتحدة من النزاعات الدولية التي كانت سببا فيها، دون أن تساهم في حلها قبل الخروج منها.

غربلة دولية

وفقا لبرنامج المؤتمر، فإن الهدف من دورة 2020، هو "غربلة" المواقف الغربية حول القضايا الأمنية والسياسية التي يعيشها العالم، وتشهد تنافسا واضحا في تناقض المواقف بين الدول الكبرى، ما كان سببا في تنامي الأزمات والفشل في حلها، وبالتالي اهتم المؤتمر بمعالجة قضايا مثل المشروع العسكري الأوروبي والتعاون الدفاعي، وحالة النظام الدولي الليبرالي، ومناقشة الوضع الملتهب في ليبيا وسوريا والخليج العربي، وأزمات دول شرق آسيا، ومصير التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في القارة الإفريقية.

وبحسب موقع "مؤتمر ميونخ للأمن"، فقد شارك في أعمال المؤتمر كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ووزراء الخارجية والدفاع والطاقة في الولايات المتحدة، بجانب وفود من الكونجرس من كلا الطرفين، بما في ذلك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرج، ورؤساء بوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، ووزراء خارجية العديد من دول العالم بمن فيهم وزراء خارجية روسيا والصين واليابان ومصر وتركيا وإيران، والسعودية وقطر والكويت.

ووفقا لتقرير حالة الأمن الذي أصدره المؤتمر، فإن هناك اتفاقا في أوروبا على أن واشنطن تراجعت عن دورها التقليدي كحارس للنظام الدولي، وتركت المجال لقوى أخرى، مثل روسيا وإيران وتركيا، وبالتالي كان التحدي الأكبر في المؤتمر هو تقديم إجابة عن "كيف يمكن لأوروبا أن تؤكد نفسها كلاعب عالمي بحد ذاتها"، خاصة وأن صوت الاتحاد الأوروبي ليس مسموعا أو مؤثرا في القضايا العالمية بالقدر الكافي.

ووصف رئيس المؤتمر فولفجانج إيشنجر، دورة 2020 لمؤتمر ميونخ للأمن، بأنها "الأهم خلال العشرين سنة الماضية"، خاصة وأن المحور الرئيس للمؤتمر هو التباحث حول مستقبل الغرب وتراجع دوره سواء على مستوى العالم أو داخل الغرب نفسه، وأسباب هذا التراجع، وسبل معالجته.

وأعرب إيشنجر عن شعوره بالإحباط نتيجة عجز المجموعة الدولية عن حل أزمات عالقة أبرزها الوضع في سوريا وليبيا، ووجه انتقادات للاتحاد الأوروبي، قائلا: إن "دوله عجزت عن تحمل مسؤولياتها تجاه أزمات تشتعل بجوارها وهو أمر غير مقبول ويدعو للقلق".

هنا ليبيا

وفقا لجدول الأعمال خارج جلسات القاعة الرئيسية، كانت الأزمة الليبية حاضرة بقوة في المناقشات الجانبية، كما عقد وزراء خارجية مجموعة العمل التي شكلها مؤتمر برلين حول ليبيا قبل أسابيع عدة، جلسة مباحثات لمناقشة التطورات التي طرأت على الملف الليبي منذ انتهاء أعمال مؤتمر برلين وحتى اللحظة.

وقد شارك في الاجتماع الخاص بليبيا ممثلون لـ13 دولة فاعلة في الشأن الليبي وهم: "تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا والجزائر والصين ومصر وتونس والكونغو والإمارات"، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، بينما غابت عن الاجتماع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

وشدد البيان الختامي للاجتماع، على ضرورة الالتزام بقرار وقف إطلاق النار في ليبيا، وتطويره إلى وقف دائم، والالتزام بالتنفيذ الكامل لنتائج مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، مرحبا بمصادقة مجلس الأمن، في 12 فبراير/شباط الحالي، على قرار يدعو إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في ليبيا ضمن نتائج مؤتمر برلين الدولي.

كما تناول الاجتماع خروقات حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وأن المجتمعين جددوا تصميمهم على المساهمة في تطبيق الحظر على نطاق واسع، ورحّبوا بالتقدم المتعلق في مراقبته بشكل فاعل أكثر.

ووفقا لوكالة الأنباء الألمانية، فإن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، سبق اجتماع الأحد 16 فبراير/ شباط الجاري، حول ليبيا، بتصريحات واضحة عن استعداد دول الاتحاد الأوروبي للمساهمة في تنفيذ الاتفاق الأممي لوقف إطلاق النار في ليبيا.

مضيق هرمز

كما كانت الأزمة الليبية حاضرة في المؤتمر، فإن الوضع الملتهب بمنطقة الخليج العربي، كانت مثار مناقشات واسعة للحضور، إلا أن الأهم في هذا الملف، ما جاء على لسان وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي، والذي أطلق تحذيرا واضحا من اقتراب اندلاع مواجهات عسكرية وشيكة في مضيق هرمز، وأرجع ذلك للعدد المتزايد من السفن الحربية الآتية من دول مختلفة بهدف تأمينه.

وبحسب تأكيدات الوزير العُماني، فإن "هناك الكثير من السفن الحربية في هرمز، ومبعث قلقنا هو أن خطأ قد يحدث". كما أكد أن هذا الأمر "يجعل المنطقة نقطة الاشتعال الأخطر في الخليج خلال الشهور المقبلة".

بينما أكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح في المؤتمر نفسه، أن المنفذ الوحيد لكل من الكويت والبحرين وقطر، هو مضيق هرمز وإذا أُغلق "فسنكون جميعا في مشكلة" ولذلك فإن من المهم مواصلة تأمين الملاحة البحرية.

وتأتي تحذيرات وزيري خارجية الكويت وسلطنة عُمان، على خلفية القوة العسكرية التي شكلتها أوروبا لحماية التجارة في الخليج العربي، بقيادة فرنسا، ومشاركة عدد من الدول الأوروبية الأخرى، بالإضافة لقوات عسكرية تابعة للصين، وروسيا، واليابان لنفس الغرض.

ووفقا لموقع "دويتشه فيله" الألماني، فإن التحركات النشطة لكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمسؤولين الألمان، في الملفات الساخنة بالشرق الأوسط، والأزمة النووية الإيرانية، تعكس رغبة الاتحاد الأوروبي في أن يصبح أكثر نشاطا في الصراعات الدولية، لاسيما في ظل الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب، والتي يبدو أنها تحاول النأي بنفسها عن جميع الصراعات، وهي السياسة التي وصفها الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، في خطابه الافتتاحي للمؤتمر بالتوجه "الأناني" والهدام للنظام العالمي.

المصالح أولا

تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في معظم جلسات المؤتمر التي شارك فيها، تشير لوجود لغة جديدة تتحرك ألمانيا من خلالها، وهي حماية المصالح في أي مكان وبأي طريقة، وهي اللغة التي توقفت أمامها "دويتشه فيله"، واعتبرتها تطورا لم يسمعه العالم من الألمان لفترة طويلة، كما أنها لغة جديدة تهدف لتوضيح التوجه المستقبلي فيما يخص الصراعات الدولية، وهو ما عبّر عنه الوزير الألماني في أكثر من موضع، وبكلمات مختلفة، منها قوله: "إن بلاده مستعدة للمساهمة بشكل أقوى، وحتى عسكريا في إنهاء الصراعات المختلفة"، ولكنه أضاف: أن هذا الوجود العسكري يجب "أن يكون ضمن منطق سياسي واضح".

وفي موضع آخر قال ماس بشكل أكثر تفصيلا: "مصالح ألمانيا يجب الدفاع عنها في العراق أو في ليبيا أو في منطقة الساحل، ولكن أيضا على طاولات المفاوضات في نيويورك أو بروكسل"، وهو ما اعتبرته الوكالة الألمانية المقربة من حكومة ميركل، بأن هذه الجمل "قد تحدد سياسة ألمانيا الخارجية والعسكرية ربما لسنوات مقبلة، ليس فقط في ليبيا، بل في مختلف الصراعات والأزمات حول العالم".

نيران صديقة

التراجع الأمريكي في ملفات هامة لها تأثير واضح على الأمن الأوروبي، كانت سببا في التشابك الخطابي بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والزعماء الأوروبيين، الذين اعتبروا انسحاب أمريكا من الملفات الساخنة في ليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة لتصعيدها مع إيران، جعل الساحة مهيأة لكل من روسيا وتركيا وإيران والصين، لأن يكون لهم الكلمة الأولى في هذه الملفات التي لها تأثير سلبي مباشر على الأمن الأوروبي.

ولعل أبرز الاتهامات التي جاءت في هذا الإطار كانت على لسان الرئيس الألماني، الذي لم يكتف بوصف سياسة واشنطن بالأنانية فقط، ولكنه حذر من أن السياسية العالمية بشكل عام تتجه إلى ""ديناميكية الهدم"، واتهم بشكل صريح كلا من واشنطن والصين وروسيا بإثارة حالة من انعدام الثقة والأمن في العالم ما يهدد بسباق تسلح نووي جديد.

وانتقد الرئيس الألماني تصرفات القوتين العظيمتين روسيا والصين، ولكنه أضاف أيضا: "إن أقرب حلفائنا، الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الحالية ترفض نفسها فكرة المجتمع الدولي".

وقال شتاينماير متهكما: "عظيمة من جديد"، حتى لو على حساب جيرانها وشركائها. وتابع: "روسيا... جعلت من القوة السياسية والتغيير السافر لحدود القارة الأوروبية أداة سياسية مجددا". وأضاف: "الصين... تقبل القانون الدولي على نحو انتقائي وعندما لا يتعارض ذلك مع مصالحها".

وقال الرئيس الألماني: إن أوروبا بحاجة إلى تعزيز سيطرتها على أمنها، بما في ذلك عبر زيادة الإنفاق العسكري، وأنه يتعين على ألمانيا أن تعزز الإنفاق الدفاعي للمساهمة أكثر في أمن أوروبا والحفاظ على تحالفها مع الولايات المتحدة، خاصة وأن مصالح الولايات المتحدة تميل نحو آسيا أكثر من أوروبا.

وباللغة نفسها تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون، والذي طالب شركاءه الأوروبيين بأن يفكروا بطريقة أوروبية لإبراز السيادة الجريئة على الساحة الدولية، وعلى حد وصفه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر: "لا يمكننا دائما المرور عبر الولايات المتحدة.. علينا التفكير بطريقة أوروبية أيضا".

واعتبر ماكرون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جعل العبء الأكبر على بلاده التي تعد الوحيدة من بين دول الاتحاد الأوروبي في النادي النووي، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وهو ما يجعل حكومة باريس "توازن بين إستراتيجيتها للدفاع النووي"، بحسب ماكرون. وفي موضع آخر وردا على أسئلة بعض الحاضرين قال ماكرون: "أنا مقتنع بأننا بحاجة إلى أوروبا أقوى بكثير في الدفاع".

المفتاح الأمريكي

وأمام الهجوم الأوروبي على "أنانية" الولايات المتحدة، جاء وزير الخارجية بومبيو، ليؤكد على استمرار سياسة البيت الأبيض بالبحث عن المصالح الأمريكية، وأنه لولا أمريكا لم يكن للغرب أن ينتصر في أي مواجهة داخل أوروبا أو خارجها، وخاصة في العمل العسكري المشترك ضد تنظيم الدولة، أو في حملتها الدبلوماسية على إيران. وكذلك لإخبار قادة العالم بأن الغرب "ينتصر" تحت قيادة واشنطن، وفقا لتصريحات بومبيو لوسائل الإعلام الأمريكية التي رافقته في رحلته إلى ميونخ.

وقال بومبيو: إن بلاده تتصدى للتحديات التي تواجه الأمن العالمي، ولكن الولايات المتحدة "حدقت جيدا في هذه التهديدات الخطيرة التي تواجهها، ولم تتردد.. نحن نحمي مواطنينا.. نحن نحمي حرياتنا.. نحن نحمي حقنا السيادي في اختيار الطريقة التي نعيش بها".

وعدد بومبيو إنجازات بلاده في الملفات التي أزعجت الغرب، وتم مناقشتها قبل أعوام في نفس المؤتمر للبحث عن حل لها، واعتبر أن بلاده أنجزت هذه الحلول، ووفقا لقوله: "لقد عملت الولايات المتحدة على حرمان جمهورية إيران الإسلامية من الملاذ الدبلوماسي والقدرة المالية على تأجيج حملاتها الإرهابية - في كل من الشرق الأوسط والقارة الأوروبية، كما أخرجنا (قتلنا) زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، وقد أخرجنا ( قتلنا) زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هذا الشهر فقط، فهل هذه أمريكا "ترفض المجتمع الدولي"؟

وبحسب تعبير بومبيو، فإن "الناس لا يتدفقون على إيران أو كوبا من أجل حياة أفضل، وإنما ويريدون الدراسة في كامبريدج ، وليس كاراكاس".


المصادر