قصة المظروف السري.. من يخلف قابوس بن سعيد في حكم عمان؟
بين حين وآخر تتردد شائعات عن وفاة سلطان عمان قابوس بن سعيد، وشغور كرسي الحكم، غير أن تلك الأخبار عادة ما تكون شائعات تنفيها الجهات الرسمية.
لعل الحالة الصحية المتدهورة للسلطان قابوس، واعتياده عدم الظهور هو ما ساعد على تناقل تلك الشائعات، وانتشارها على نطاق واسع.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه دوما من سيخلف ابن سعيد في الحكم في ظل عدم وجود ولي للعهد؟ وما هي قصة المظروف السري المدون به اسم الخليفة المرتقب؟ ومن المخول بفتح هذا المظروف طبقا للدستور العماني؟.
رحلة بلجيكا
مطلع الأسبوع الجاري عاد السلطان قابوس من بلجيكا إثر رحلة علاجية لعلاج سرطان القولون، لكن عودته كانت مبكرة حيث كان من المقرر أن يعود نهاية يناير/كانون الثاني الجاري، وهو ما أثار التكهنات بشأن صحته.
من جانبهم، احتفل العمانيون بعودة السلطان، وأصدر ديوان البلاط السلطاني بيانا أكد خلاله أن ابن سعيد في حال مستقرة، ويتابع برنامج العلاج المقرر، وأظهرت مقاطع فيديو مصورة عمانيين يُطلقون الرصاص الحي في الأجواء، فرحا بسماع خبر استقرار صحة السلطان.
#متداول بعد البيان الصادر من ديوان البلاط السلطاني المواطن خميس الساعدي يطلق ببندقيته في الهواء ابتهاجا بصحة مولانا السلطان قابوس حفظه الله. #قابوس_بن_سعيد#السلطان_قابوس_بخير pic.twitter.com/XZObROZvRR
— سعيد الشامسي (@shamsi_16m2) December 31, 2019
تلك الاحتفالات أعقبت شائعات روجها خليجيون، وناشطون إماراتيون على وجه الخصوص، بالإضافة إلى صحف سعودية، تتحدث عن وفاة السلطان قابوس، وعن خلافات بين أقاربه، عمن يتولى الحكم من بعده.
الأسبوع الماضي، أطلق ناشطون عُمانيون حملة إلكترونية، تحت هاشتاج #الذباب_الإلكتروني، اتهموا فيها أبوظبي بتوظيف مغردين للإساءة إلى مسقط"، والعمل على بث ما قالوا إنها إشاعات عن وفاة السلطان قابوس بن سعيد، وعن خلافات تدب بين العمانيين لاختيار خليفته.
ومع أن تلك الأخبار عن وفاة السلطان قابوس عادة ما تكون غير صحيحة، إلا أن ذلك لا ينفي تدهور صحته، مع عمر أكمل العقد الثامن، وشرع في العقد التاسع، قضى منها نحو 50 عاما على كرسي الحكم.
ما بعد قابوس
عادة ما تكون مرحلة ما بعد قابوس حديث الشارع ووسائل إعلام عربية وغربية، سواء في تحديد شخصية الحاكم، أو في آلية اختياره.
صحف بريطانية تحدثت عن الترتيبات في سلطنة عمان، لتحديد خليفة قابوس، ونشرت الجارديان تقريرا يتناول الترتيبات الواضحة التي تجري في سلطنة عمان، "لتحديد حاكم جديد للسلطنة بعد قابوس بن سعيد الذي يعاني من تدهور أوضاعه الصحية".
التقرير قال: "لقد حكم قابوس البلاد لنحو 50 عاما، لكن مرضه العضال أدى إلى تأخر حالته الصحية مؤخرا بشكل حاد، وهو ما أدى إلى النقاشات الواضحة لتحديد خليفة له".
وتشير الصحيفة إلى أن "قابوس عاد منذ أسبوع من بلجيكا حيث كان يتلقى العلاج من إصابته المتكررة بسرطان القولون الذي كان يعاني منه لسنوات، رغم أنه كان من المقرر سابقا أن يبقى في المستشفى حتى نهاية يناير/كانون الثاني الجاري".
وتناولت قناة "آر تي بي أف" البلجيكية موضوع زيارة السلطان قابوس العلاجية باهتمام واسع وقالت القناة: "شهدت بلجيكا، في نهاية هذا الأسبوع، وصول شخصية هامة إلى أراضيها، إنه سلطان عُمان قابوس بن سعيد الذي يتولى السلطة في هذا البلد الخليجي منذ عام 1970".
وأضافت القناة: "وضع قابوس بن سعيد فريد من نوعه في العالم، فسلطنة عُمان هي الملكية الوحيدة على هذا الكوكب التي لا يوجد بها ولي للعهد، كما أنها واحدة من الدول القليلة التي يتمتع فيها الحاكم بالسلطة المطلقة، وفقا للدستور الأساسي الذي أقره السلطان بنفسه، ومع ذلك، فمن بين دول الخليج، يعد هذا استثناء، سواء من الناحية السياسية الداخلية أو العلاقات الدولية".
ولفتت القناة إلى أن "مسار ورؤية سلطان عُمان يميزانه بالفعل عن نظرائه في دول الخليج، فقد تزوج من بنت عمه لبضع سنوات، لكن سرعان ما طلقها، ولم ينجب منها أطفالا ولذلك لا يوجد ولي عهد للعرش، وهو وضع لا يمكن تخيله تقريبا بالنسبة للبلدان العربية الأخرى".
آلية الاختيار
تتضمن إجراءات اختيار خليفة لقابوس أن تتفق العائلة على اختيار وتحديد هوية السلطان من البلاط السلطاني، وينص القانون الأساسي العماني على أن تختار العائلة خليفة بعد 3 أيام من وفاة السلطان.
وفي حال فشل العائلة في التوصل لاتفاق لاسم الخليفة، فإن مجلس الدفاع الوطني ورئيس المحكمة العليا ورئيس الغرفة العليا والدنيا من مجلس الشورى يفتحون معا مظروفا سريا مغلقا يحوي اسما اختاره السلطان قابوس كخليفة له على عرش السلطنة.
وتقول المادة السادسة من القانون الأساسي العماني الآتي: "يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال 3 أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة".
ويتكون مجلس الدفاع في سلطنة عمان الذي يرأسه السلطان، من 8 أعضاء وهم: وزير المكتب السلطاني، المفتش العام للشرطة والجمارك، رئيس جهاز الأمن الداخلي، رئيس أركان قوات السلطان المسلحة، قائد الحرس السلطاني، وقادة الأسلحة الثلاث. وتم زيادة، رئيسي مجلس الدولة والشورى ورئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه.
المظروف السري
تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي على أن يكون الحاكم من ذرية السيد تركي بن سعيد، وهو الجد الثالث للسلطان قابوس، وتقول المادة: "نظـام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويشترط فيمن يختار لولاية الحكم من بينهم أن يكون مسلما رشيدا عـاقلا وابنا شرعيا لأبوين عمانيين مسلمين".
وليس للسلطان قابوس أي أخ أو أبناء، وقد طلق زوجته، بعد زواج لم يدم طويلا، لذلك ليس هناك وريث واضح، كما أنه لم يختر وليا للعرش طوال سنوات حكمه، على خلاف ما هو معهود في الأنظمة العربية الملكية، لكنه سجل رغبته في تحديد خليفته في خطاب سري مغلق موجّه لمجلس عائلة آل سعيد الحاكمة والتي يتداول أبناؤها حكم البلاد منذ منتصف القرن الثامن عشر".
وتتحدث تقارير صحفية أن السلطان قابوس قد ترك ظرفا سريا مغلقا بقصره في مسقط، وظرفا آخر في قصره بصلاله، والمظروفان يحملان نفس الاسم الذي اختاره السلطان قابوس ليكون خليفة له، وذلك لضمان عدم التلاعب بالاسم أو تغييره.
الخليفة المحتمل
حسب وول ستريت جورنال، فإنه من المتوقع أن ينتقل الحكم لأبناء عمه، وهناك 4 أسماء يتوقع أن تتضمنها الرسالة التي سيتركها السلطان قابوس في قصره، في حال لم يتم الاتفاق على اسم معين.
وأبرز المرشحين للحكم أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد، من مواليد 1 يونيو 1954، وله خلفية عسكرية، حيث تخرج من الكلية الملكية البريطانية "سانت هيدست" عام 1977.
ويتولى أسعد بن طارق، في الوقت الحالي، منصب الممثل الخاص للسلطان، ونائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، وانتقل بمرسوم سلطاني، من السلك العسكري إلى الخدمة المدنية بدرجة وزير عام 1993.
أما المرشح الثاني فهو تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد، وهو ابن المرشح الأول، وأصغر المرشحين وأقواهم منافسة، وهو من مواليد 1981، ويتولى حاليا منصب الأمين العام المساعد للعلاقات الدولية، في مجلس البحث العلمي، ويعد الأشد حضورا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية.
المرشح الثالث ابن عمه شهاب بن طارق آل سعيد، من مواليد 1956، ويعمل مستشارا للسلطان قابوس منذ 2004، ورئيسا لمجلس البحث العلمي العماني، وشغل منصب قائد البحرية العمانية، بين عامي 1990 و2004.
المرشح الرابع هو ابن عمه هيثم بن طارق آل سعيد، من مواليد 11 أكتوبر/تشرين الأول 1954، لواحدة من زوجات أبيه الثلاث، ويعد أخا لطارق وشهاب، المرشحيَن الاثنين لخلافة السلطان قابوس، وشغل هيثم مناصب عديدة في وزارة الخارجية، من بينها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية، ويشغل حاليا منصب وزير التراث والثقافة.
ويتحدث بعض المتابعين عن مرشح خامس هو فهد بن محمود آل سعيد، ولد في عام 1944، وهو أكبر المرشحين المحتملين عمرا، يشغل نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء.
يشار إلى فهد أحيانا باعتباره خليفة محتملا، إلا أن حظوظه في الحكم قليلة جدا، فهو ينحدر من فرع آخر من آل سعيد، وهو ابن محمود بن محمد بن تركي آل سعيد، ما يجعله ابن عم بعيد نوعا ما من قابوس.
وهو إلى جانب ذلك متزوج من امرأة فرنسية، ما يعني أن أولاده سيحرمون من الخلافة، وفق النظام الأساسي للحكم، بيد أن لديه خبرة في الحكم أكبر من المرشحين الآخرين، وشغل مناصب وزير الخارجية ووزير الإعلام والثقافة، ودرس القانون وتخرج من جامعة السوربون بفرنسا.
ويقوم فهد بن محمود بتمثيل السلطان قابوس، في اجتماعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي لا يحضرها السلطان في أحيان كثيرة، كما يمثله في كثير من الزيارات الخارجية، واستقبال الضيوف وتمثيل السلطان في التحدث إليهم.
ومع هذا فإن الكلمة الأخيرة سيقولها المظروف السري، لحسم التكهنات وتسمية حاكم أحد أهم بلدان الخليج العربي، عقب شغور كرسي الحكم، لنظام سلطاني شكل نموذجا مختلفا عن بقية الممالك المجاورة، التي تشابهت فيها الظروف السياسية والاجتماعية، واختلفت فيها آلية اختيار السلطان وتوريث الحكم.
المصادر
- الغارديان تتحدث عن انتكاسة بصحة السلطان قابوس
- ما حقيقة مرض السلطان قابوس ومن المرشح لخلافته؟
- Ailing Sultan’s Absence Leaves Oman in Limbo
- من يخلُف السلطان قابوس على عرش عمان؟
- قابوس.. العجوز الذي تخشى موته إيران وأمريكا
- النظام الأساسي لسلطنة عمان
- صحف بريطانية تناقش خليفة السلطان قابوس
- تصاعد المخاوف حول الوضع الصحي لسلطان عُمان
- من سيخلف السلطان قابوس في حكم عمان؟..تعرف على المرشحين المحتملين
- Oman readies baroque succession process as sultan's health worsens