بلسان أعجمي.. هكذا أجاد أردوغان تلاوة القرآن وتلعثم فيه قادة عرب

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

انتشر مقطع حديث للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يتلو القرآن في مسجد تم افتتاحه مؤخرا في مدينة كامبردج البريطانية. لقيت التلاوة إشادة الكثيرين، سواء بما تحمله من دلالات عن زعيم سياسي يتلو القرآن، أو بما تحمله التلاوة من تفاصيل، تتعلق بجمال الصوت وإتقان التلاوة ومراعاة أحكام التجويد.

ليست تلك المرة الوحيدة التي تلا فيها أردوغان القرآن، فقد اعتاد تلاوته عند افتتاح المساجد وفي مجالس العزاء، وفي عدد من المناسبات الاجتماعية والمحافل المحلية والدولية.

لا يتكلم أردوغان اللغة العربية، لكنه ظهر متقنا للتلاوة، وتمثل ذلك الإتقان في عدة مستويات، أحدهما في سلامة النطق بالعربية أثناء التلاوة، والآخر في المهارة بتطبيق أحكام التجويد، وخاصة صفات الحروف ومخارجها، الأمران اللذان يعدان العقبة الأكبر لدى المتحدثين بغير العربية.

يكشف ذلك المستوى من الإجادة في قراءة القرآن، عن جهد هائل في الوصول لذلك المستوى، وعن استمرار ارتباط أردوغان بثقافة القرآن، رغم الانشغال بالملفات السياسية والاقتصادية التركية، والأزمات التي تعصف بالمنطقة.

وكشف عن مدى ذلك الارتباط بينه وبين كتاب الله، حينما قال في مؤتمر شعبي لحزب العدالة والتنمية عقد في مدينة "سريت" في مايو/آيار 2015: "أنا أكبر بالقرآن وأعيش بالقرآن".

عربٌ أعاجم

تجرنا تلك المهارة في القراءة من زعيم غير عربي، إلى استحضار قراءات أخرى لزعماء عرب يتحدثون العربية، ولكنهم لم يكونوا قادرين على القراءة، لا في النطق بعربية سليمة ولا في الإتقان بأحكام القراءة، ولا في أي مستوى من مستويات الإجادة، رغم أنهم يقرؤون من أوراق أمامهم، وليس عن ظهر قلب، كما هو الحال مع أردوغان.

الملك السابق للمملكة العربية السعودية عبدالله بن العزيز، ظهر ذات مرة وهو يتلو آية قرآنية في أحد خطاباته، غير أنه لم يكن قادرا على قراءتها من الورقة على نحو صائب.

وسبق أن أخطأ الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي وهو يقرأ آية قرآنية قال فيها (إن الحق كان زهوقا)، وكأنما هذا الخطأ أتى ليعبر عن حالة نفسية وسلوكية يتبناها الزعماء العرب تجاه شعوبهم التي طالبت بحقوقها.

لا يقتصر ذلك المستوى المتردي من القراءة على الزعماء العرب، بل على المسؤولين المعينين في مراكز يفترض أن يكونوا فيها متقنين لقراءة النص العربي كحد أدنى، فضلا عن قراءة آيات لها علاقة وثيقة بمركزهم المهني، وهو ما يكشف عن فساد تلك المنظومة التي تفتقد أبجديات لغتها وأدبيات ثقافتها، فضلا عن العلوم الثانوية الأخرى.

من ذلك طريقة قراءة قاضي دائرة الإرهاب في مصر، حسن فريد، المعين من قبل نظام السيسي، حيث قرأ نصا عربيا ضمن حكم صادر عن المحكمة، بطريقة أثارت استهجان الكثيرين، كما بدا غير قادر على قراءة آية قرآنية تتحدث عن الحدود الشرعية في القرآن، وهي جزئية من صميم عمله كقاض، وقرأها على نحو أثار استغراب الحضور في القاعة، بمن فيهم عضو المحكمة الذي يجلس بجواره، والذي كرر النظر إليه باستغراب.

ويعد القاضي حسن فريد من القضاة الذي أسندت إليهم وزارة العدل المصرية دائرة ما يسمى الإرهاب، وأصدر العشرات من أحكام الإعدام والسجن لقيادات طالت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، في مقدمتهم مرشد الجماعة محمد بديع ورموز ثورية بينهم الناشط علاء عبد الفتاح.

أما المستشار محمد حسام عبد الرحيم، رئيس مجلس القضاء الأعلى في مصر، فارتكب عدة أخطاء فادحة عند قراءته بعض آيات القرآن الكريم، في الاحتفالية التي حضرها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بدار القضاء العالي، للاحتفال بعيد القضاء، وتدل نوعية تلك الأخطاء التي تصنف كأخطاء بدائية، عن حالة الجهل ببدهيات اللغة.

رسالة أردوغان

وعن الرسالة التي يريد إيصالها أردوغان من خلال قراءته القرآن في المحافل التي عادة ما يكون حاضرا فيها، يقول الكاتب والصحفي التركي حمزة تكين: "أولا يجب الإشارة إلى أن الطاقم الإعلامي الخاص بالرئيس أردوغان لا يقوم بتصوير الرئيس أثناء تلاوة القرآن، بل تصور من قبل أشخاص بهواتفهم، عادة ما يكونوا حاضرين في الجلسات أو في المساجد، ثم ينشرونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

أما الرسالة التي يريد إيصالها أردوغان من خلال ذلك الموقف فهي موجهة لأصدقائه ومن هم حوله، في المقام الأول، وهي رسالة واضحة، يمكن استنتاجها من خلفية أردوغان الفكرية والدينية الثابتة والواضحة.

فأردوغان، وفق تكين، بذلك التصرف يؤكد لمن معه على تمسكه بالقرآن وبرسالة القرآن، كي يزيدهم تمسكا ويقينا، وهي في ذات الوقت رسالة للآخرين أننا ثابتون على ديننا ومتمسكون بمرجعيتنا، ولن نتراجع عن هذا التمسك مهما حاولتم تشويهه، وبالتالي فهذه رسالة أكيدة وواضحة، في هذا السياق.

يضيف تكين: بالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك يعد تربية للأجيال، فأن يقوم رئيس دولة بهذا العمل هو تربية للأطفال والشباب، بالتمسك بالكتاب وبالرسالة وبهذا الدين، ورسالة أن "تعلموا قراءة القرآن كما أقرأه أنا"، وتعلموا أيضا القراءة العربية، وكيفية قراءة القرآن، كونكم لستم من العرب، وهي إلى كونها رسالة للشباب التركي، رسالة أيضا للمسلمين من غير العرب،  كما هو الحال في آخر مرة قرأ فيه القرآن في بريطانيا.

وتابع تكين: "النقطة الثالثة أيضا، أن أردوغان يرغب بأن يكون أول شخص يقرأ القرآن عند افتتاحه، للحصول على الشرف العظيم، وليكون بين قراء القرآن في المساجد التي يتم افتتاحها، وهذا الأمر، بالطبع خاص به، وخاص بشخصه، وهو أمر ديني وشرعي.

يضيف تكين: "تؤكد مواقف أردوغان تلك مواقفه وتنسجم مع تصريحاته حول الإسلام، وخاصة في أمريكا والدول الأوروبية، حيث يؤكد على رسالة الإسلام، ويدافع عن الإسلام، ويرفض لصق تهمة الإرهاب بالإسلام، أو وصف الإرهابيين بالإسلام حصرا، وهذه هي أهم المعاني هي التي يمكن أن تُقرَأ من ذلك التصرف.

الإسلام ليس إرهابا

أردوغان قال في كلمته عند افتتاح المسجد في مدينة كامبردج البريطانية: "الإسلام دين السلام، ولا يمكن ربط الإسلام بالإرهاب"، وطالب بالتوقف عن فعل ذلك الأمر، وأضاف: "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المسلم إرهابيا، واستخدام البعض مصطلح الإرهاب الإسلامي أمر غير مقبول".

أردوغان أكد أن بريطانيا رغم كونها مهد الديمقراطية إلا أنها تشهد مؤخرا، تمييزا عنصريا وتعاني من الإرهاب، ويتم استهداف المسلمين من قبل متطرفين.

ولفت أردوغان إلى دور المساجد في إرساء رسالة السلام والعدل والمساواة بين المسلمين قائلا: "إن الهجمات التي تستهدف المساجد ودور العبادة بلغت مستويات لا يمكن أن يستوعبها عقل، ومسجد كامبريدج يمثل ردا قويا مشاعر الكراهية تجاه الإسلام". ودعا في خاتمة كلمته إلى وجوب أن يتعود الأطفال على زيارة المساجد ويتم حثهم على العبادة.

في أكثر من محفل ومناسبة يحث أردوغان الأتراك على تعلم قراءة القرآن وتعلم اللغة العربية، واستجابت عدد من المؤسسات التركية لتلك الدعوات، ففي آخر فعالية لها، نظمت كلية الإلهيات في جامعة مرمرة الحكومية مهرجان اللغة العربية بدوريه الثانية بحضور مئات الطلاب، تحت شعار "العربية لسان الوحي"، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام.

وفي كلمته الافتتاحية أشاد عميد كلية الإلهيات بدور الدولة التركية في تعليم الطلاب الأتراك اللغة العربية، وأشار إلى أنه تم إرسال 250 ألف طالب إلى عدة دول عربية من أجل تعلم اللغة العربية.

وأكد رئيس قسم اللغة العربية خليل كتشال في حديث للأناضول على أهمية اليوم العالمي للغة العربية معتبرا أن العربية لغة تعم جميع المسلمين وليس العرب فقط.