الحرب بالوكالة
الحرب بالوكالة هي الحرب التي تنشأ عندما تستخدم القوى الكبرى المتصارعة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر خشية من الصدام المباشر فيما بينها، ومن ثم تؤدي إلى تهديد السلم الدولي والعالمي لأن أغلب هذه الدول الداعمة للحرب بالوكالة هي دول نووية وسيكون الثمن غالي على البشرية جمعاء في أي صدام مباشرة بينها.
عادة ما تستخدم الجماعات العرقية والدينية والانفصالية والأقليات في هذه الحرب بحجة الحصول على الحقوق المغتصبة من قبل دولهم، أو بحجة الاستقلال، وتكوين الكيانات السياسية لهم سواء على شكل دويلات أو أقاليم...
بدأت الحروب بالوكالة في التاريخ المعاصر بعد نهاية الحرب الباردة عام ١٩٩١، التي كانت دائرة بين الاتحاد السوفيتي سابقا وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت منتصرة بهذه الحرب، واستطاعت أن تفكك الاتحاد السوفيتي إلى دويلات مستقلة لكن بقيت روسيا موحدة، وتسعى لعودة أمجاد الاتحاد حتى لو بصيغة أخرى جديدة.
لقد توسعت اليوم الحرب بالوكالة بطريقة سريعة جدا وخاصة في المنطقة العربية، التي تعتبر ساحة صراع دولي تمارس فيها الحرب بالوكالة، ومن أبرزها هي الحروب القائمة الآن في كل من سوريا وليبيا واليمن ولبنان والعراق وممكن أن تتسع أكثر فأكثر.
ففي سوريا كان الصراع في بداياته بين الشعب والنظام عام ٢٠١١، وبسبب تراخي المجتمع الدولي أو انحيازه للنظام في سوريا خشية من استيلاء الإسلاميين السنة على السلطة وهم يمثلون الأغلبية فيها، فيبدو أن هذا لا يروق لأغلب الأطراف الدولية، فبدأت بالتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن السوري فدخلت إيران وروسيا بصورة مباشرة في دعم نظام بشار الأسد.
وكذلك التحقت فرنسا ثم الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصراع، أما الدول العربية فكانت في بدايات الصراع داعمة للشعب السوري وثورته ضد النظام ثم تراجعت عن هذا الدعم وبدأت تلمع صورة النظام والقبول به كممثل شرعي للشعب السوري، بينما نجد تركيا قد دعمت الثورة السورية منذ البداية ولحد الآن.
من هنا نجد الحرب بالوكالة قد تجسدت كاملة في سوريا.
أيضا الصراع اليوم في ليبيا، نجد أن الحرب بالوكالة قد أصبحت واضحة وجلية فنجد أطراف تدعم الحكومة الشرعية المتمثلة بحكومة الوفاق برئاسة السراج مثل تركيا وقطر، بينما نجد الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وروسيا تدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب الحكومة الشرعية في طرابلس.
كذلك في اليمن الذي دمر بسبب هذا النوع من الحروب، فنجد إيران داعمة لمليشيات الحوثي على حساب الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، ونجد الإمارات والسعودية داعمة لمليشيات المجلس الانتقالي على حساب الحكومة الشرعية أيضا.
إذا أغلب الحروب بالوكالة الآن هي على الأراضي العربية وهذا بسبب الضعف العربي وحالة التمزق والتبعية للقوى الدولية على حساب المصالح العليا للأمن القومي العربي بل حتى على حساب المصالح الوطنية.
هناك شروط يعتمدها اللاعبين الكبار في دعمهم للحرب بالوكالة، ومن أهم هذه الشروط هو أن تكون هذه الحروب بعيدة جغرافيا عنهم خشية من ارتداداتها عليهم، لهذا نجد أمريكا وروسيا وفرنسا وغيرهم حريصون على أن تكون المنطقة العربية هي ساحة الصراع لهذا النوع من الحروب لأنها بعيدة عنهم ولا تمس أمنهم القومي.
ومن خصائص الحرب بالوكالة يمكن أن نجملها بما يلي:
- تكون بأقل خسائر على الأطراف الدولية الداعمة لها خصوصا في الموارد البشرية، لأن أبناء الدولة الواحدة تجدهم يتصارعون فيما بينهم أو حتى بين الدول العربية نفسها وكلا يعمل لحساب طرف دولي آخر، بينما يكتفون ببعض الدعم اللوجستي أو تقديم المشورة والدعم المعنوي لحلفائهم.
- هذا النوع من الحروب يكون التدخل الدولي فيه بثمن بخس، من خلال فتح القواعد العسكرية على أراضي الدولة التي تنشأ فيها الحرب إضافة للهيمنة على القرار السياسي والأمني والاقتصادي بسبب تكلفة الحرب.
- شرط الفائدة لا يمكن للدول الداعمة للمتحاربين أن تدعمهم بلا فائدة، مرجوة من هذا الصراع فممكن تكون الفائدة اقتصادية أو سياسية، وممكن دينية، وإلا لا يمكن أن تدخل في هذا الصراع الدولي من أجل سواد عيون المتحاربين وخاصة في المنطقة العربية.
- لا يمكن أن يعترف المتحاربين بالوكالة بدعم الأطراف الدولية لهم، فتجدهم ينكرون هذا الدعم بحجة الاستقلالية ونزاهة هذا الصراع بينهما، خصوصا الأطراف الدينية، الجامية في ليبيا والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران أنموذجا.
- عندما تتحقق أهداف الدول الكبرى الداعمة لهذا النوع من الحروب تجد أن هناك نوعين من التفاوض لإنهاء هذه الحرب، طرف المتورطين مباشرة في الحرب، وهم الذين يظهرون علانية في وسائل الإعلام لكنهم أشبه بالأصم الذي يحاور أصم مثله. بينما يتفاوض الداعمون الدوليون سرا ثم يسلموا نسخة التفاوض إلى المتصارعين مباشرة ليتفقوا رغما عنهم على ما اتفق عليه الداعمين الدوليين. وبهذا يكونوا مجرد حطب ووقود لحرب استنزفت مواردهم ودمرت دولهم وقد فقدت دولهم سيادتها وممكن أن يحاكموا كمجرمين حرب.
- لا يشترط أن تكون الدول الكبرى هي فقط من يدعم الحرب بالوكالة، فمن الممكن أن تكون دول صغيرة تدعم هذا النوع من الصراع.
من مميزات الحرب بالوكالة أنها لا تختلف عن الحرب بالأصالة من حيث استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بإستثناء أسلحة الدمار الشامل، إلا أنها تختلف من حيث الأهداف فعادة ما تكون أهداف الأطراف المشاركة مباشرة فيها غير أهداف الداعمين لها فلكل طرف أهدافه ومصالحه.
لكن هل الحروب بالوكالة تغني عن الحرب بالأصالة؟ هذا يكون حسب حال الأطراف المتحاربة بالوكالة خصوصا في توازن القوى وعدم حسم الصراع وهذا ما يسعى إليه الداعمين في ديمومة هذه الحرب لحين تحقيق مصالحهم فإذا ما تحققت مصالحهم فيبدأوا بممارسة الضغط على الأطراف المتحاربة لإيقاف هذه المعركة.
لكن عادة ما تكون الحرب بالوكالة هي مفتاح لدخول الحرب مباشرة وبالأصالة بين الداعمين لها، خاصة إذا ما أستطاع أحد أطراف المتحاربين بالوكالة من حسم الصراع والقضاء على خصمه أو استسلامه.
وهنا نجد أن هذه الدول الداعمة لهم تدخل الحرب مباشرة وتكون ساحة الصراع أوسع من حيث الخسائر المادية والبشرية، خصوصا في مثل المنطقة العربية ذات الأهمية القصوى للدول الكبرى، لما تمتلكه من موارد مهمة كالنفط والغاز وغيرهما من الموارد الطبيعية إضافة لموقعها الإستراتيجي للتجارة العالمية مثل البحر المتوسط والخليج العربي.
وتعتبر إيران والولايات المتحدة من أهم الدول الداعمة للحروب بالوكالة، التي استنزفت المنطقة العربية ودمرتها بسبب ضعف أنظمتها السياسية، التي تسعى جاهدة للبقاء في السلطة بأي ثمن.
أخيرا عندما نتحدث عن الحرب بالوكالة هذا لا يعني أن جميع الأطراف المتحاربة هم على الباطل أو مرتزقة، بل لابد من وجود طرف على حق وطرف على باطل، وعادة ما تكون الحكومات الشرعية هي صاحبة الحق في هذا الصراع، ليبيا أنموذجا.