جميع المرشحين من قلب النظام.. من يخلف بوتفليقة في الجزائر؟
خمسة مرشحين خاضوا رئاسيات الجزائر، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، لن يجد النظام الحالي من بقايا العهد البائد، غضاضة في تولي أحد هؤلاء الخمسة منصب الرئيس الجديد خلفا للمستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
تزامن يوم الاقتراع مع خروج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع داعين لمقاطعة الانتخابات، رافضين للمرشحين الخمسة، ومشككين في نوايا النظام الذي أقر هذا الموعد متجاوزا لمطالب الحراك الرافضة لاستمرار رموز نظام بوتفليقة.
وبينما يرى مراقبون للمشهد أن قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، هو من حدد اسم الرئيس الجديد، فإن نفي صالح المتكرر للأمر، يجعل الجميع في حالة ترقب وانتظار لشخصية الرئيس التي ستعلن مع انتهاء عملية فرز صناديق الاقتراع.
المرشّح الإسلامي
في الوقت الذي أعلنت فيه حركة مجتمع السلم (حمس) الإسلامية أكبر الأحزاب المعارضة مقاطعتها للانتخابات، أعلن رئيس حزب "حركة البناء الوطني" (جناح من إخوان الجزائر)، عبدالقادر بن قرينة ترشحه للرئاسيات، لكن اللافت هو أن المرشح لم يقنع أيا من الأطراف المشكلة للحزام السياسي الإسلامي بدعمه.
سبق أن فاز رئيس المجموعة البرلمانية لاتحاد "النهضة ـ البناء الوطني" سليمان شنين القيادي في حزب ابن قرينة برئاسة المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، متفوقا على مرشح حزب بوتفليقة، وهو ما يظهر تقاربا ما بين السلطة وحزب البناء الوطني بعد رحيل بوتفليقة.
في أحد الاجتماعات الشعبية، ذكر ابن قرينة أن جهات موالية لنظام بوتفليقة عرضت عليه الدعم للوصول لكرسي الرئاسة إلا أنه رفض كل العروض، قائلا: "لن أمد يدي لأتباع العصابة، أنا أطمح للحصول على أصوات نزيهة، ولكن هناك طبقة سياسية أحترمها ورجالا نزهاء ومناضلين حقيقيين".
لكن، وحسب متابعين للشأن الجزائري، فإن ترشح ابن قرينة الذي شغل منصب وزير السياحة بين 1997 و1999 في حكومة ائتلافية شارك فيها حزبه السابق (حمس)، ومنافسته في الانتخابات هو مجرد القيام بدور التسويق للانتخابات وإضفاء مظهر التعددية عليها.
قرب ابن قرينة من السلطة، جلبت له اتهامات عديدة لدرجة أن البعض أسند له القيام بدور تخريبي داخل حركته الأم "حمس"، قبل أن ينشق عنها مع قياديين آخرين ليؤسس حزب حركة البناء الوطني سنة 2013.
عبد الرزاق المقري الرئيس الحالي لـ"حمس" اتهم ابن قرينة دون ذكر اسمه، قائلا في حوار مع قناة الحياة: "البعض كان يتآمر مع السلطة علينا، هناك منهم من كان يتآمر مع الجنرال توفيق (رئيس المخابرات السابق) نفسه ضدنا، لن أذكر الأسماء".
المقري أضاف: "كان تآمرهم ضدي بدعوى أنني أمثل تيارا راديكاليا، وسأقود الحركة إلى الحائط عندما كنت أقاوم سلطة بوتفليقة".
الموالي المعارض
قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية في العام 2004، وهي أول انتخابات بعد وصول بوتفليقة لسدة الحكم في العام 1999، اندلعت أزمة سياسية حادة داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بين أنصار بوتفليقة والأمين العام علي بن فليس.
شغل ابن فليس (75 عاما) منصب رئاسة الحكومة بين 2000 و2003 خلال الولاية الأولى لبوتفليقة، قبل أن تتم إقالته و6 من الوزراء المقربين منه، ويجمد القضاء نشاط حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان يقوده.
دخل بعدها ابن فليس في معارضة مفتوحة مع نظام بوتفليقة مؤسسا حزب "طلائع الحريات" الذي ترشح باسمه في جل الاستحقاقات الانتخابية الفارطة، قبل الإطاحة ببوتفليقة، كما قرر الدخول للمنافسة على كرسي الرئاسة في الانتخابات الحالية.
رغم هذا التاريخ من الخلافات مع من يصفهم الحراك "بالعصابة"، إلا أن الحراك والرافضين للانتخابات يعتبرون ابن فليس جزءا من النظام القديم وامتدادا له، في المقابل يتهم ابن فليس السلطة التي أوقفت أحد أنصاره في قضية "تخابر مع دولة أجنبية"، باستهدافه وتشويه صورته.
ما وقع مع ابن فليس، هو نفسه ما حصل مؤخرا مع المرشح عبدالمجيد تبّون الذي تعرض لحملة إعلامية شرسة من قبل وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، حيث تعمد التلفزيون الرسمي الجزائري إلى الإشارة إلى اسم خالد تبون مقترنا بصفة "نجل المترشح الحر للانتخابات الرئاسية"، وذكر التهم المتصلة به وعلاقته بقضية المخدرات، وظلت هذه الأخبار العاجلة في الشريط الإخباري لأكثر من يومين.
البعض قرأ المشهد في سياق حملة ممنهجة لصد الناخبين عن التصويت لصالح تبّون، رغم أن الأخير استفاد في الفترة الأولى من الحملة الانتخابية من شائعات قدمته على أنه الخيار الأفضل والمرشح الأقرب إلى السلطة، وإلى قائد الجيش قايد صالح.
خارج الحسابات
في فترة تسعينيات القرن الماضي، وفي أوج الصراع المفتوح بين النظام الجزائري والإسلاميين، نجح عبدالعزيز بلعيد أحد المرشحين الخمسة بالإمساك مرة واحدة، بقبضة تنظيمين يتبعان للحزب الحاكم وقتها "جبهة التحرير الوطني".
فبالإضافة إلى اتحاد الطلبة، اعتلى بلعيد رئاسة اتحاد الشبيبة، وهو أحد التنظيمات الخمسة التي أسسها الرئيس الراحل هواري بومدين كتنظيمات فئوية تابعة للحزب الحاكم.
ليست المرة الأولى التي يترشح فيها بلعيد لرئاسة الدولة، إذ حصل في انتخابات العام 2014 على 3%من أصوات الناخبين، في انتخابات فاز بها بوتفليقة الذي كان يعاني حينها من أزمة صحية أقعدته عن الحركة.
الفرضية البديلة
حسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية، فإن المرشح عز الدين ميهوبي يبدو الأوفر حظا للفوز بالانتخابات، فالرجل الذي تولى منصب وزير الثقافة في عهد بوتفليقة (ترك المنصب في مارس/آذار 2019)، يعد المرشح المفضل للنظام الحالي بعدما تلقى الدعم من قبل اثنين من بين أكبر القوى السياسية في الجزائر وهما حزب التجمع الوطني الديمقراطي (أمينه العام ميهوبي) الموالي للسلطة، وحزب جبهة التحرير الوطني.
وحسب الصحيفة، صدرت التوجيهات من قيادة حزب بوتفليقة (جبهة التحرير الوطني) لمساندة وزير الثقافة الأسبق، بالإضافة إلى الدعم الأصلي من قبل حزبه (التجمع الوطني الديمقراطي) الذي حوكم رئيسه أحمد أويحيى بـ 12 عاما سجنا في تهم تتعلق بالفساد.
شغل عز الدين ميهوبي (60 سنة) منصب وزير الثقافة في الحكومات التي تعاقبت ما بين 2015 و2019، كما شغل منصب وزير العلاقات مع البرلمان مدة شهر سنة 2017 في حكومة عبد المالك سلال، الذي حكم عليه هو الآخر في قضايا فساد وتبديد المال العام وسوء استخدام السلطة بـ 13 سنة سجنا نافذا.
البعض اعتبر قرار حزب بوتفليقة دعم ميهوبي، على حساب العضو في اللجنة المركزية للحزب عبدالمجيد تبّون، إيذانا بقدوم ميهوبي كرئيس مقبل للجزائر.
خيارات محسومة
محمد وعراب المحلل السياسي الجزائري يرى أن قلب النظام الجزائري هو نفسه لم يتغير إلا أن خياراته وطريقة تعامله مع ملف الانتخابات تغيرت.
وعراب قال لـ"الاستقلال": "يعتبر البعض أنه لأول مرة يغيب مرشح السلطة عن الانتخابات، ولكن أنا أعتبر أن المرشحين الـ 5 هم مرشحو السلطة، لأن الانتخابات ومنذ تكليف هيئة الانتخابات وتحديد قانون اللعبة، فإن من قبل الترشح وتم قبول ترشحه هم من رضي عنهم النظام".
وأضاف "أما بالنسبة لترجيح حظوظ كل مرشح فهذا ما ستقرره أدوات النظام في الجهات، من إدارات وبلديات ووزارات فهي التي ستحدد توجه الناخبين، وأظن أن التنافس لن يخرج بين اثنين إما عبدالمجيد تبّون أو عز الدين ميهوبي".
ويعتبر وعراب أن قائد الجيش قايد صالح صادق في حديثه أنه لا يدعم مرشحا محددا من بين المترشحين الخمسة، وكذلك قيادة الجيش متفقة حول ذلك باعتبار أنها حددت الخطوط العريضة لإدارة المرحلة المقبلة.
ويضيف المحلل الجزائري "كل الاحتمالات واردة في هذه الانتخابات ولا يمكن التنبّؤ بالنتيجة بسهولة كما كان في الانتخابات السابقة التي يفوز بها مرشح السلطة بنسبة كبيرة جدا، إلا أنني أتوقع أن يمر تبّون وميهوبي إلى الدور الثاني من هذه الانتخابات، كما أستبعد دخول ابن فليس في دائرة المنافسة بسبب قربه من المعارضة في السنوات التي سبقت الحراك الشعبي والإطاحة بنظام بوتفليقة".