غلق جمعيات ومنظمات خيرية بالسودان.. هل بدأ إقصاء الإسلاميين؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

القرار الأخير الذي أصدرته مفوضية العون الإنساني السودانية، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بإلغاء تسجيل عدد من الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية، وتجميد أرصدتها، تحت ذريعة الانتماء للنظام السابق، أثار قلق الحركة الإسلامية المتجذرة في البلاد.

القرار يعزز الحديث عن حالة الإقصاء الكاملة للإسلاميين، لانتماء كافة تلك الجمعيات لهم، خاصة وأن الحركة تعمل في أنشطة البر بالسودان منذ عهود قديمة، حتى قبل ولاية البشير بعقود.

بدا واضحا للعيان التربص بالإسلاميين في السودان، في ظل مشروع إقليمي تقوده الإمارات والسعودية ومن ورائهم مصر، لضرب جماعات الإسلام السياسي بمختلف دول المنطقة.

تقديرات تشير إلى تجاوز عدد أعضاء الحركة الإسلامية في السودان المليوني شخص، وهم جزء أصيل من مكونات الشعب السوداني، يصعب تنحيته، وإزالته من المشهد بصورة كلية.

إلغاء التسجيل

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

وتضمن القرار الذي اطلعت عليه "الاستقلال"، والذي حمل رقم "47" لسنة 2019، ضرورة العمل به من تاريخ التوقيع عليه.

المنظمات الإنسانية التي شملها قرار الإلغاء بعضها حكومية وأخرى مستقلة، أبرزها: سند الخيرية - البر والتواصل - أنا والسودان - مجذوب الخليفة - تنميات الإنسانية - الاتحاد الوطني للشباب - اتحاد المرأة - الاتحاد العام للطلاب السودانيين -  منظمة السالكين - مؤسسة صلاح ونسي - جمعية بنت البلد الخيرية. 

وفيما لم يتم الإعلان رسميا عن سبب إلغاء تسجيل تلك الجمعيات، أرجع معارضون السبب، كونها محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي عزلته قيادة الجيش السوداني، في 11 أبريل/نيسان الماضي، من الرئاسة، بعد نحو 3 عقود من حكمه، تحت وطأة احتجاجات شعبية عارمة منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

وطالب تجمع المهنيين السودانيين، صاحب التوجه "اليساري"، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت المظاهرات في البلاد، بحل هذه الاتحادات والمنظمات والجمعيات، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك بتوصية من وزير العمل والتنمية الاجتماعية، قرارا بإنهاء تكليف محمد السناري مصطفى من تسيير مهام المفوض العام للعون الإنساني، وتعيين عباس فضل الله علي مفوضا عاما جديدا للمفوضية.

مراقبون اعتبروا أن القرار جاء ضمن سياق إقصاء الإسلاميين، وتحييد دورهم في المفوضية، والعمل الطوعي الإنساني بشكل عام.

الصورة الأولى من قرار مفوضية العون الإنساني، بإلغاء تسجبيل الجمعيات المعنية

الصورة الثانية التي تشمل بقية القرار

شركاء الثورة

منذ ستينيات القرن الماضي، اتخذت الحركة الإسلامية في السودان مسميات عدة: الإخوان المسلمون، وجبهة الميثاق الإسلامي، والجبهة الإسلامية القومية، ثم المؤتمر الوطني، لينشق عنه الترابي إثر خلاف مع البشير في 1999 ويؤسس حزب المؤتمر الشعبي، وعقب رحيل الترابي في 2015، عاد المؤتمر الشعبي ليشارك في الحكومة بمناصب وزارية عدة.

الإسلاميون الذين باتوا يعانون الإقصاء، خاصة قرار إلغاء تسجيل بعض الجمعيات، لم يكونوا بعيدين عن الثورة السودانية، وشاركوا في الثورة على البشير، خاصة الشباب، مثل شباب المؤتمر الشعبي، وحركة الإصلاح الآن، الذين كانوا من أكثر الداعمين للتغيير، وشاركوا بفاعلية في جميع مراحل الثورة.

وقبل عزل البشير، زار المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في السودان عوض الله حسن المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وظهر في صور وهو يخط بيديه لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين.

وبينما يتساءل الشارع السوداني الآن حول مصير الإسلاميين، فإن مواقف الإسلاميين تختلف من عملية إقصائهم من العملية  السياسية، وإن كان أغلبهم ينظر لقوى الحرية والتغيير، باعتبارها حركة إقصائية.

في 2 مايو/ آيار 2019، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا قالت فيه: "من الواضح بينما يتعنت المجلس العسكري في تقديم تنازلات للحراك فإن المجال الوحيد الذي لا يعترض فيه على التنازلات هو ما يتعلق بإقصاء الإسلاميين إرضاء للحراك".

وأكدت: "يبدو أن هدف المجلس العسكري ورعاته الخليجيين هو إبقاء العسكريين وإخراج الإسلاميين من السلطة، لتكون السلطة الجديدة في السودان، على شاكلة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي (في مصر) نظاما عسكريا معاديا للإسلاميين، وليس متحالفا معهم كما كان البشير".

وذكرت: "يبدو تكرار هذا السيناريو من الصراع بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين، الذي تكرر في مصر، ويعد من سمات السياسة العربية منذ عقود، أو كما يقول البعض فإن هذا خلاف عمره قرن كامل. إلا أنه في السودان يكتسب الصراع مرارة خاصة".

سياسة تخريبية

وائل نصر، عضو اتحاد أطباء السودان قال لـ"الاستقلال": "ما يحدث بحق الحركة الإسلامية في السودان يعد سياسة استئصال ممنهجة، من قبل الحكومة القائمة بقيادة حمدوك، وبإيعاز من تجمع المهنيين السودانيين، وتلك السياسة لن تخدم السودان، وستفاقم من الأوضاع المضطربة في البلاد، التي هي في مفترق طرق". 

وأردف الطبيب السوداني: "السودان بلد كبير، وأعداد الإسلاميين الفاعلين فيه بعشرات الآلاف، والميول الدينية للشعب متجذرة، فعملية الاستبداد التي يمارسها الشيوعيون واليساريون، لن تكون في مصلحة أحد، وستكون مجرد تكرار لتجارب سابقة فاشلة، أدت إلى الفوضى". 

وأكد نصر: "لا يمكن أن تكون التدخلات الخارجية بمعزل عن سياسة الحكومة الحالية، فالدور الإماراتي السعودي، واضح في تلك العملية منذ البداية، وهذا مبعث متزايد للقلق، فهذه الدول أيضا تسببت فيما يحدث في اليمن، وليبيا، ومصر، والسودان ليس ببعيد عن تلك الأخطار، ومن الطبيعي أن تكون المرحلة مرحلة تضامنية شعبية، لا يوجد فيها إبعاد ولا إقصاء". 

وفي 29 يوليو/ تموز 2019، "أعلنت الحركة الإسلامية في السودان أنها بلغت نقطة تستدعي التخفف من عبء الدولة، مع الحاجة إلى إجراء مراجعات كثيرة لمنهج الدعوة، مشددة على أنه ليس بمقدور أي طرف أن يقصيها".

وقالت الحركة في بيان: "رأت الحركة الإسلامية أن تجربتها وفق معطيات تخصها وصلت لنقطة تستدعي التخفف من عبء الدولة. لسنا في استراحة، ولكننا في حاجة لمراجعات كثيرة، ونحن نحمل هذا الهم الكبير بالدعوة والأمة".

وتوجهت الحركة إلى بقية القوى السودانية بقولها: "فلنخضع جميعا للقانون، قانون متوافق عليه، ومن أدانه القانون يُحاكم بآليات العدالة بلا تردد مهما علا شأنه أو ارتفع مقامه، نحن حريصون على السلام وعملنا له، لأننا خبرنا الحرب وذقنا مرارة الفقد".

وختمت بيانها بالقول: "نحن منفتحون نحو الجميع، مستعدون للتعاون، ولن يستطيع أحد إقصاءنا ولا مسح آثارنا".

عباس فضل الله مفوض عام العون الإنساني الجديد، مع محمد السناري المفوض العام السابقإقصاء متعمد 

الإسلاميون الذين باتوا يعانون الإقصاء، خاصة قرار إلغاء تسجيل بعض الجمعيات، لم يكونوا بعيدين عن الثورة السودانية، وشاركوا في الثورة على البشير، خاصة الشباب، مثل شباب المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن، الذين كانوا من أكثر الداعمين للتغيير، وشاركوا بفاعلية في جميع مراحل الثورة.

وقبل عزل البشير، زار المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في السودان عوض الله حسن المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وظهر في صور وهو يخط بيديه لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين.

وبينما يتساءل الشارع السوداني الآن حول مصير الإسلاميين، فإن مواقف الإسلاميين تختلف من عملية إقصائهم من العملية  السياسية.

وبعضهم ينظر لقوى الحرية والتغيير، باعتبارها إقصائية بفعل استبعادها لهم.

ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا في 2 مايو/ آيار 2019، قالت: إنه "من الواضح بينما يتعنت المجلس العسكري في تقديم تنازلات للحراك فإن المجال الوحيد الذي لا يعترض فيه على التنازلات هو ما يتعلق بإقصاء الإسلاميين إرضاء للحراك".

وأكدت: "إذ يبدو أن هدف المجلس العسكري كرعاته الخليجيين هو إبقاء العسكريين وإخراج الإسلاميين من السلطة، لتكون السلطة الجديدة في السودان، على شاكلة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي نظام عسكري معاد للإسلاميين، وليس متحالفا معهم كما كان البشير".

وذكرت أنه: "يبدو تكرار هذا السيناريو من الصراع بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين، الذي تكرر في مصر، ويعد من سمات السياسة العربية منذ عقود، أو كما يقول البعض فإن هذا خلاف عمره قرن كامل".

واختتمت الصحيفة البريطانية تقريرها بعبارة، "إلا أنه في السودان يكتسب الصراع مرارة خاصة". 

صورة للاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم

مفوضية العون

مفوضية العون الإنساني الحكومية السودانية، صاحبة قرار إلغاء التسجيل، بدأت بوادر تأسيسها، خلال العام 1984، في أعقاب كارثة الجفاف والمجاعة التي ضربت الساحل الإفريقي، وتأثرت بها قطاعات عريضة من سكان السودان، ونفقت فيها أعداد كبيرة من الحيوانات، وأحدثت هذه المأساة اضطرابا كبيرا في حياة ومنظومة المجتمعات المحلية الاقتصادية، والاجتماعية في البلاد.

وفي العام 1985 تم إنشاء هذا الجهاز الوطني، الذي مر بالعديد من المراحل حتى انتهى أخيرا إلى مفوضية العون الإنساني.

في عام 1996 تم وضع مفوضية العون الإنساني تحت إشراف وزير التخطيط الاجتماعى، وعام 1999 وضعت تحت إشراف وزارة التعاون الدولي، وجاء عام 2003 ليشهد إنشاء وزارة الشؤون الإنسانية، وتعتبر مفوضية العون الإنساني الذراع التنفيذي الفني لها.

بعدها تم إصدار قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني عام 2006 بإشراف وزارة الشؤون الإنسانية، ومفوضية العون الإنساني، وفي عام 2012 تم إصدار قرار جمهوري بإشراف وزارة الداخلية على المفوضية، ولم يستمر الأمر على هذا النحو، فكان آخر قرار يصدره البشير متعلقا بالمفوضية عام 2014، عندما أخضعها لإشراف وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي.

وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقعت مفوضية العون الإنساني، وتجمع جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في السودان (جيموسات) اتفاقية لإعادة تأهيل وإعمار مفوضية العون الإنساني، بعد الدمار التي تعرضت له في أعقاب المظاهرات التي اندلعت في ديسمبر/ كانون الأول 2018.

ونصت الاتفاقية التي تم التوقيع عليها، على قيام (جيموسات) بحشد الدعم الرسمي والشعبي لإعادة وتأهيل المفوضية وحث المانحين المحليين والدوليين لتوفير الدعم اللازم بعد أن قامت المفوضية بحصر حجم الخسائر الذي تعرضت له وتلف المعدات والأجهزة، والمبنى وغيرها من الخسائر.