انقلاب عسكري في تونس.. هل يمكن أن تتحول الشائعة إلى حقيقة؟

12

طباعة

مشاركة

بعد أيام قليلة بعد تنصيب الرئيس التونسي الجديد قيس سعيّد، راجت أخبار كثيرة عن إفشال محاولة انقلاب عسكري ممول من قوى إقليمية وبتخطيط من وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.

البعض لم يستبعد صحة هذه الأخبار المتداولة عن محاولة الانقلاب الفاشلة، خاصة أنها تزامنت مع قرار رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بإقالة وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ووزير الخارجية خميس الجهيناوي، بعد استشارة رئيس الجمهورية قيس سعيّد وفق ما تقتضيه أحكام الدستور التونسي. 

مستشار الرئيس السابق المنصف المرزوقي محمد هنيد هو من بادر بنشر خبر محاولة الانقلاب الفاشل على تويتر، وهو ما استهجنه البعض كون هذه الأخبار غير المؤكدة يمكن أن تمس من تونس وتجربتها الديمقراطية الوليدة.

ورغم تعاطي عدد من وسائل الإعلام العربية مع الخبر أو حتى الوقوع في ترويجه، إلا أن التونسيين نخبا ومواطنين، تعاملوا معه بتحفظ كبير، اعتمادا على تجاربهم السابقة.

قرار الإقالة

رئاسة الحكومة التي يقودها يوسف الشاهد قالت في بيان يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019: "بعد التشاور مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد وعملا بأحكام الفصل 92 و89 من الدستور، تعلم رئاسة الحكومة أنه تقرر إعفاء وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي من مهامه ويتولى كريم الجموسي وزير العدل الحالي مهام وزارة الدفاع الوطني بالنيابة".

وأضافت: أنه تم أيضا "إعفاء وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي من مهامه وتكليف صبري باشطبجي، كاتب الدولة بوزارة الشؤون الخارجية، بتسيير شؤون الوزارة طبقا لما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل". كما شملت الإقالة أيضا كاتب الدولة للدبلوماسية الاقتصادية حاتم الفرجاني.

كما عيّن رئيس الجمهورية قيس سعيّد الجنرال المتقاعد صالح الحامدي وزيرا مستشارا أول مكلفا بالأمن القومي، خلفا للأميرال كمال العكروت، الذي أعلن عن استقالته في نفس اليوم الذي أقيل فيه الزبيدي.

ولقائد أركان جيش البر الأسبق تجربة عسكرية طويلة، وبرز نجمه زمن الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي خلال أحداث إرهابية تصدى لها الجيش التونسي ببسالة. 

الزبيدي صرح لإذاعة موزاييك في نفس يوم إقالته قائلا: إنه تفاجأ بقرار إقالته من على رأس وزارة الدفاع، مؤكدا: أنه التقى رئيس الجمهورية في نفس اليوم ودام اللقاء لأكثر من ساعة وكان ''إيجابيا جدا''، ليفاجأ بعدها بحوالي ساعة باتصال منه يعلمه فيه بالقرار.

وشدد الزبيدي على أنه يستغرب بشدة التغير التام لقرار رئيس الجمهورية، قائلا: ''حين التقيته ذكرته باستقالاتي المتكررة من المنصب، فعبّر لي عن رغبته في أن أواصل على رأس وزارة الدفاع في الفترة القادمة، وأن أقرب وجهات النظر بيني وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وعبرت عن موافقتي''.

وتابع: ''حين عدت إلى الوزارة اتصلت بديوان رئيس الحكومة وطلبت موعدا مع الشاهد، وهذا تعبير مني عن حسن نيتي، لأفاجأ بعدها بإتصال من رئيس الجمهورية لإعلامي بقرار إقالتي التي أرجعها إلى ما اعتبره المصلحة الوطنية''.

اتهامات قديمة

ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن محاولة انقلابية في تونس خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ماراج في مختلف المحطات الفاصلة التي شهدتها تونس كذبتها الأحداث المتتالية.

ففي يوم 25 يوليو/تموز الماضي، تم الإعلان عن وفاة الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي بعد صراع مع المرض استمر لأسابيع، شهدت حينها البلاد انتقالا سلسا في السلطة خلال ساعات قليلة وفق مقتضيات الدستور.

ليست المرة الأولى التي تشهد فيها البلاد فراغا بهذا الحجم، ففي مساء 14 يناير/كانون الثاني 2011، أجبرت الثورة الشعبية في تونس الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي للفرار إلى السعودية في خطوة مفاجئة، إلا أن القيادة السياسية للبلاد حينها التجأت إلى النص الدستوري لإحداث انتقال سلس في السلطة.

حينها تم الإقرار بشغور المنصب ليتولى الوزير الأول محمد الغنوشي رئاسة الجمهورية لليلة واحدة فقط، قبل أن تنقل الصلاحيات بشكل كامل لرئيس مجلس النواب (البرلمان) فؤاد المبزع الذي تولى المنصب إلى نهاية العام 2011، بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي واختيار الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي رئيسا جديدا للجمهورية.

تم الترويج حينها إلى أن ما جرى ليلة 14 من يناير ماهو إلا انقلاب عسكري رغم أن من تولى السلطة مدنيون لفترة انتقالية أشرفت على أول انتخابات رئاسية.

الدبلوماسي السابق والقيادي في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي محمد الصحبي البصلي قال في حوار تلفزيوني عام 2012: إن ما حصل يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 لا يعدو أن يكون إلا انقلابا مثله مثل 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، مؤكدا: أنه لو عرف الشعب حقیقة ما حصل يوم 14 يناير/كانون الثاني لسقطت رمزية كلمة الثورة.

إلا أن جل الأطراف السياسية تنزه الجيش الوطني التونسي من تنفيذ أي عملية انقلابية أو السعي إلى السلطة، وهو ما ثبت تاريخيا منذ تأسيسه في العام 1956.

الانقلاب المستحيل

في العام 1956، وبعد 3 أشهر فقط على توقيع بروتوكول الاستقلال بين الحكومة التونسية والاستعمار الفرنسي، بدأ إرساء النواة الأولى للجيش الوطني التونسي.

وفي وقت كانت تشهد فيه دول المنطقة العربية انقلابات عسكرية أطاحت بالأنظمة الملكية الحاكمة في عدد من الدول بعد مغادرة الاحتلال الأجنبي، أعلن المجلس القومي التأسيسي التونسي يوم 25 يوليو/ تموز 1957 إنهاء النظام الملكي وتعيين الحبيب بورقيبة، المحامي وزعيم الحزب الدستوري الحر رئيسا للجمهورية.

وظل الجيش التونسي مهمشا على مدى عقود في عهد بورقيبة، وفي ظل الدولة البوليسية للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وحسب تقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط  للباحث الأمريكي شاران غريوال: أن من بين الأسباب الأكثر شيوعا التي ذُكرت بشأن النجاح النسبي للعملية الانتقالية في تونس، هي طبيعة جيشها.

فالقوات المسلحة التونسية هي الأصغر حجما في العالم العربي، حيث يبلغ تعدادها نحو 40 ألف فرد في الخدمة الفعلية من أصل عدد سكان تونس الذي يقرب من 11 مليون نسمة.

كما يذكر للجيش التونسي رعايته للمحطات الانتخابية المتتالية التي شهدتها البلاد منذ العام 2011، إذ تجندت المؤسسة العسكرية بهياكلها وإمكانياتها من أجل حماية صناديق الاقتراع وضمان سير طبيعي للعملية السياسية في تونس والتداول السلمي على السلطة.

في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تم تنصيب الرئيس الجديد قيس سعيّد بعد أدائه القسم الدستوري أمام البرلمان بحضور رؤساء سابقين ورؤساء حكومات وقادة الأحزاب السياسية ممن نافسوه على نفس المنصب في الانتخابات الفارطة، والتي فاز فيها بقرابة 73% من أصوات الناخبين.

وفق مراقبين: هذا التأييد الواسع الذي حظي به قيس سعيّد في الانتخابات بالإضافة إلى حداثتها حيث لم يمر أيام على توليه المنصب يجعل من غير المنطقي قيام أي طرف حتى وإن كانت له الإرادة والقدرة بمحاولة الانقلاب عليه في ظل غياب حجة ولو بسيطة للاعتماد عليها.

ناشطون اعتبروا: أن الترويج لمثل هذه الأنباء ليس بريئا خلال هذه الفترة، والتي يتابع فيها التونسيون مفاوضات الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة، ويعيش الشارع التونسي ما يسمونه "حالة وعي" ترجمت في حملات تطوعية  في مختلف المدن التونسية.