تعرف مكانه منذ 5 أشهر.. لماذا أعلنت إدارة ترامب قتل البغدادي الآن؟

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في عملية استخباراتية يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقتل قائد تنظيم الدولة في العراق والشام  أبو بكر البغدادي بمنطقة إدلب شمال غرب سوريا.

الحادثة تزامنت مع  حملة انتخابية أطلقها ترامب في الفترة الماضية، بولاية فلوريدا معلنا نيته الترشح لرئاسة أمريكا لفترة ثانية، وبالتزامن أيضا مع تصاعد إجراءات عزله.

مجلس النواب الأمريكي أطلق مرحلة جديدة معلنا التحقيق في اتهامات بحق ترامب، وصوّت المجلس، لأول مرة، على المضي في إجراءات عزله، بأغلبية 232 مقابل 196 صوتا، عقب ورود تقارير تفيد بتورط ترامب في تشجيع الرئيس الأوكراني زيلينسكي على الإضرار بمنافسه المرشح الرئاسي جو بايدن.

توقيت العملية 

اغتيال البغدادي في هذا الوقت دفع متابعين للربط بين توقيتها وبين الحملة الإعلانية المبكرة للرئيس ترامب، ودفعهم للتساؤل لماذا تم تأجيل التخلص منه حتى هذه اللحظة رغم معرفة الاستخبارات الأمريكية والعراقية بأماكن تحركاته، وتمكُّن أجهزة الاستخبارات من اختراق التنظيم، منذ وقت مبكر.

كانت الاستخبارات العراقية قد أعلنت في فبراير/شباط 2018 تمكنها من القبض على إسماعيل العيثاوي، أحد زعماء تنظيم الدولة، وأعلنت حصولها على مساعدة كبيرة تمثلت بتقديمه معلومات مهمة عن تحركات البغدادي، بحسب إعلان الوكالة.

وكان أحد مسؤولي الأمن العراقيين قد أدلى بتصريح لرويترز قائلا: "أعطانا العيثاوي معلومات قيمة، ساعدت فريق الوكالات الأمنية المتعددة في العراق على استكمال فك لغز تحركات البغدادي، والأماكن التي كان يختبئ فيها، وقد نقلنا التفاصيل إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، واستخدموا قمرا صناعيا وطائرات بدون طيار لمراقبة الموقع، خلال الأشهر الخمسة الماضية".

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الاستخبارات العراقية، في وقت سابق، إلقاءها القبض على عدد من عناصر التنظيم وتمكنها من الحصول على معلومات وصفتها بالمهمة للغاية، عن المواقع التي يرتادها البغدادي، كانت أحدها حافلات صغيرة محملة بالخضروات، يعقد فيها اجتماعاته مع عناصر التنظيم.

وقال مسؤولان أمريكيان لصحيفة "نيويورك تايمز": إن اعتقال إحدى زوجات البغدادي الصيف الماضي واستجوابها لعبا دورا كبيرا في التحضير للعملية.

وكشفت الصحف الأمريكية: أن البغدادي كان يتنقل في سوريا بإشراف "سي آي إيه" وأن العميل الذي كان يرتب له التنقلات هو نفسه الذي أشرف على بناء بيته الذي قتل فيه، قبل أن يشي به في الحادثة التي أدت لمقتله، في إثبات يؤكد ما ذهبت إليه تقارير وتحقيقات: أن "البغدادي صناعة أمريكية"، لاستباحة المنطقة والسيطرة عليها بشكل مباشر بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، فضلا عن دورها في حماية إسرائيل.

شعبية ترامب

رأى متابعون: أن تناول الحدث بتلك الطريقة يأتي في سياق تعبئة المجتمع الأمريكي، والرغبة المستمرة في تلك التعبئة، في وقت يعاني فيه الرئيس ترامب من انخفاض ملحوظ ومستمر في شعبيته، وصفعات داخلية وخارجية تلقاها خلال فترة توليه الرئاسة، وحاجته إلى تحقيق نصر خارجي يمكّنه من استعادة مكانته.

مع اقتراب السباق الرئاسي الجديد، يقول أستاذ العلاقات الدولية البروفيسور قيس النوري، لـ"الاستقلال": "كان ترامب بحاجة لهذه العملية في هذا التوقيت لعدة أسباب، أهمها تحسين صورته في الداخل الأمريكي، وتعزيز موقفه في مواجهة الانتقادات والضغوط الداخلية الأمريكية، خصوصا أن الرجل سجله حافل بالخداع والتحايل".

مضيفا: "لعل فضيحة مكالمته مع الرئيس الأوكراني مثلت آخر تلك الخدع، ومنها أن الرجل يخوض سباقا رئاسيا وفرصه في الفوز ضعيفة بسبب انخفاض شعبيته لدى الشعب الأمريكي، كما أن إجراءات العزل المتخذة ضده تضعه في مساحة الخطر، وتجعل مصداقيته على المحك، وهو بحاجة لحدث يمثل غفرانا لتلك التجاوزات التي ارتكبها خلال توليه الرئاسة".

وتابع: "كما لا ننسى أن ترامب تعهد بالقضاء على الإرهاب، لكنه لم يصنع شيئا حقيقيا يسهم في القضاء عليه، فأراد أن يصدر هذه الحادثة، كما لو كانت إيفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه أثناء توليه الرئاسة".

 يضيف النوري: "بالنسبة لتنظيم الدولة، فإن مقتل البغدادي يعني بالنسبة لها رحيل رجل، تحل مشكلة غيابه بمبايعة رجل آخر، وقد أكد  تنظيم الدولة، عقب إعلانه عن مقتل قائده البغدادي، عن مبايعة أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، خلفا للبغدادي، ودعا أتباعه لإعلان الولاء له".   

النظرة الأخيرة

قلل مسؤولون أوروبيون من أهمية مقتل البغدادي، وأفادوا بعدم تمثيلها هدفا كبيرا، في سياق الحرب على الإرهاب، ولا يعني انتهاء تنظيم الدولة، كما لا يعني القضاء على الإرهاب.

كتبت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي تغريدة: "البغدادي: تقاعد مبكر لإرهابي لكن ليس لتنظيمه"، وغرد رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، قائلا: "مقتل البغدادي لحظة مهمة في قتالنا ضد الإرهاب، لكن المعركة ضد داعش لم تنته بعد".

أما المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الميجر جنرال إيجور كوناشينكوف، فشكك من وقوع الحادثة من أساسها وقال: إن الوزارة "ليس لديها معلومات موثوقة عن العملية"، وصرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد الروسي (الغرفة العليا للبرلمان) كونستانتين كوساتشيوف لوكالة "إنترفاكس": "النظرة الأخيرة أُلقيت على البغدادي في السابق 5 مرات على الأقل. مكافحة الإرهاب مهمة أصعب بكثير من تصفية قادته جسديا".

على النحو ذاته، اعتبر وزير الإعلام الإيراني، محمد جواد أذري جهرمي: أن مقتل زعيم "داعش" لا يعني نهاية التنظيم ولا أيديولوجيته. وقال جهرمي في تغريدة: "مقتل البغدادي ليس بالأمر المهم. أنتم فقط قتلتم صنيعتكم".

بروباغندا إعلامية

مع كون ردود الفعل الدولية قللت من أهمية هذه الحادثة في سياق الحرب على الإرهاب، واعتبرت أن ماحصل هو رحيل شخص واحد، لا أكثر، إلا أن ترامب تعامل مع الخبر بلغة الإنجاز المفصلي والحدث المصيري العظيم،  وبلهجة ملؤها الفخر، أراد أن يقول للأمريكيين أنه قد أوفى بتعهداته في القضاء على الإرهاب، وبالغ في تضخيم أثر الحادثة كمنجز من منجزاته.

وقبيل إعلان مقتل البغدادي، كتب ترامب تغريدة قال فيها: "شيء كبير للغاية حدث للتو"، ووصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم إعلان الحادثة بأنه: "يوم عظيم للولايات المتحدة الأمريكية"، وأصدرت المؤسسات الحكومية الأمريكية بيانات، وعقد المسؤولون مؤتمرات صحفية متعددة، ابتداء من البيت الأبيض وحتى وزارة الدفاع.

إضافة إلى ذلك تناولت وسائل الإعلام الأمريكية الحادثة بشكل مكثف ومبالغ، حيث ركزت القنوات التلفزيونية على الحادثة وتناولت تفاصيلها وأهمية المنجز الذي حققته الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية ووزارة الدفاع.

كما تناولت الصحف الأمريكية الحدث بكثير من التهويل، واحتساب هذا المنجز للرئيس ترامب، فنقلت مجلة "نيوزويك" عن البنتاجون قولها: "البغدادي قُتل في إدلب شمال غرب سوريا، في عملية سرية للغاية، صدَّق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل نحو أسبوع".

مضيفة: "بناء على هذا، أرسلت القيادة المشتركة للعمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، فريقا، لتنفيذها، بعد تلقي معلومات من المخابرات، وكذلك مراقبة مجمع يختبئ فيه البغدادي لفترة من الزمن".