لهذا تحافظ أمريكا على وجودها في قاعدة التنف السورية
في أعقاب عملية "نبع السلام" التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 9 اكتوبر/تشرين أول الجاري، بهدف القضاء على الحزام الإرهابي على حدود تركيا الجنوبية وتحقيق السلام في المنطقة، أعلنت الولايات المتحدة سحب قواتها من نقاطها العسكرية.
إلا أن مستقبل القوات الأمريكية في سوريا غامض بعض الشيء، ولم تحدد واشنطن بشكل دقيق ومعلن مصير قواتها الموجودة هناك، ولا آليات سحبها، وفقا لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلنه في وقت سابق من الشهر الجاري.
وأفادت وسائل إعلام عبرية بأن إسرائيل طالبت الولايات المتحدة بالإبقاء على قاعدتها العسكرية الموجودة في منطقة التنف التي تقع في مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، والتي تخدم مصالح تل أبيب، كونها تستخدم لمراقبة الحدود ومنع تدفق السلاح إلى سوريا ومنها إلى لبنان وتحول دون فتح ممر بري يصل طهران ببيروت مرورا ببغداد ودمشق.
قاعدة تمركز
الرئيس الأمريكي كان قد أعلن أواخر العام الماضي، قرارا فوريا بسحب قرابة 2000 جندي من سوريا، ثم تراجع وأمر بعد فترة قصيرة بسحبهم على مراحل، وفي أكتوبر/تشرين أول الجاري، أعلن مجددا أن بلاده ستسحب جنودها البالغ عددهم نحو 1000 جندي.
وتباعا، أعلنت مصادر عسكرية أمريكية أن واشنطن تدرس خطة لإبقاء بعض قواتها في سوريا لمواجهة النشاط الإيراني، وبحسب مجلة "فورين بوليسي" فإن الولايات المتحدة ستحتفظ ببعض قواتها في قاعدة التنف.
الولايات المتحدة تحتفظ بقرابة 125 جندي في منطقة التنف، والتي كان تنظيم الدولة يسيطر عليها منذ مايو/آيار 2015 بعد انسحاب القوات الحكومية التي خسرت دون معارك آخر المعابر مع العراق.
وفي 2016 تمكن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أُنشئ في 2014 بهدف معلن هو مواجهة ما كان يسمى تنظيم الدولة في العراق والشام، من طرد التنظيم من منفذ التنف الحدودي، وأصبحت المنطقة محتلة أمريكيا وأنشئت بها قاعدة عسكرية أمريكية.
وتحولت التنف في السنوات الأخيرة إلى محطة للسباق على النفوذ فيها من دول عدة، بينها إيران، والولايات المتحدة، وروسيا.
وبعد إعلان أمريكا سحب قواتها في 7 أكتوبر/تشرين أول الجاري، أفاد موقع "ديلي بيست" في تقرير لمراسله سبنسر إكرمان، بأن عددا من جنود العمليات الخاصة الأمريكيين انسحبوا إلى قاعدة التنف، مشيرا إلى: أن القاعدة الصحراوية هي آخر مكان للأمريكيين في سوريا.
ولفت إلى: أن الولايات المتحدة عندما احتلتها عام 2016 لم يكن الغرض منها مواجهة تنظيم الدولة بل منع نشاطات إيران.
وأوضح: أن المكالمة التي جرت في 6 أكتوبر/تشرين الأول، بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، التي فتحت المجال أمام العملية التركية "نبع السلام"، والتخلي عن المقاتلين الأكراد، لم يفهمها القادة العسكريون على أنها انسحاب كامل، ما دفع بعدد من جنود القوات الخاصة والقوات ذات الأهداف الخاصة للانسحاب إلى قاعدة التنف، وذلك بحسب مسؤول أمريكي مطلع.
صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية، أكدت في تقرير لها أن قاعدة التنف لا علاقة لها بالحرب ضد تنظيم الدولة كهدف ظاهري للولايات المتحدة في سوريا، بل هي أكثر من ذلك بكثير، حيث يتعلق الأمر بمواجهة ضد خصم مختلف تماما وهو إيران.
وأشار التقرير إلى: أن "هدف قاعدة التنف والمهام التي ستقوم بها القوات الأمريكية هناك لايزال يبدو غير واضحا، حيث أكد مسؤولون أمريكيون أن قاعدة التنف بعيدة جدا عن داعش".
وواصل: أنه "أيا كانت الفائدة العسكرية التي يمتلكها التنف في عام 2019، فهي تتعلق بالصراع مع إيران، حيث تقع القاعدة على طريق سريع حاسم يمتد من الشرق إلى العراق، ثم إلى إيران، ومن الغرب باتجاه دمشق، وهي تمثل أولوية غير معلنة للمسؤولين الأمريكيين المتشددين في إدارتي أوباما وترامب، وكذلك الحلفاء الإقليميين مثل إسرائيل".
ويرى مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون لتلك القاعدة أهمية كبيرة حتى بعد هزيمة تنظيم الدولة، حيث يقع المعسكر بالطريق الإستراتيجي الذي تخطط إيران وحزب الله لجعله ممرا حيويا للسلاح والتجارة.وتمثل قاعدة التنف عقبة لإيران، حيث تسيطر على مساحة 55 كيلو متر بين دمشق وطريق بغداد السريع وسط المناطق التى تمكن النظام السوري من إحكام قبضته عليها.
وقبل القرار الأمريكي بالإبقاء على القوات في قاعدة التنف، كشف دبلوماسى أمريكى رفيع المستوى: أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يبذل كل ما بوسعه من أجل إقناع ترامب بإبقاء القوات فى التنف، مؤكدا: أن سيد البيت الأبيض يصغي إليه.
ما دخل إسرائيل؟
وتبين لاحقا أن الإبقاء على قاعدة التنف مطلب إسرائيلي، إذ كشفت مصادر سياسية في تل أبيب: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الجيش بنيامين نتنياهو، عبر عن قلق حكومته الشديد من تطورات الأوضاع في الشمال السوري، في أعقاب الانسحاب الأمريكي والاتفاق مع تركيا على إجلاء الأكراد.
ونقلت على لسان نتنياهو أنه طلب من وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في لقائه معه بمقره في غرب القدس، ألا تنسحب الولايات المتحدة من مناطق أخرى في سوريا.
وتكتسب التنف أهمية كبيرة بسبب دور القاعدة في مراقبة الحدود العراقية السورية ومساهمتها في منع إيران من تدشين ممر بري يصل طهران ببيروت مرورا ببغداد ودمشق -بحسب ما نقلت قناة (كان) العبرية.
مراسلة القناة السياسية، غيلي كوهين، أشارت إلى: أن إسرائيل حثت الولايات المتحدة على الحرص في ألا يساهم انسحابها من سوريا في تقلص التزامها بمواجهة إيران ومنعها من التمركز بالمنطقة. في المقابل، أبلغت واشنطن تل أبيب بأن انسحابها من سوريا لن يساهم في المس بمصالح الأخيرة.
المطالبات الإسرائيلية فضحت هشاشة قوة الردع الذاتية لإسرائيل بعيدا عن الدعم الأميركي، والدور الوظيفي للكيان في المنطقة، فضلا عن لغط ما تروجه تل أبيب من أنها قاتلت وحدها طوال تاريخها من دون حاجة إلى دعم دول أخرى.
حَرِص ترامب على تبرير إبقاء بعض القوات بكونه استجابة لطلب إسرائيلي ــــ أردني، وهو بذلك أراد أن يوضح للجمهور الأميركي أنه كان يريد تنفيذ وعده بالكامل بالانسحاب من سوريا، لكن إلحاح هذين الحليفين الأساسيين في المعادلة الإقليمية ــــ الشرق أوسطية فرض عليه بعض التعديل.
لا أحد يتجاهل القدرات العسكرية والتدميرية لإسرائيل، ولا كونها كيانا رئيسيا في المعادلة الإقليمية، لكن الهلع الذي أصاب قادتها من قرار الانسحاب من سوريا، ومسارعتهم إلى الطلب من الإدارة الأمريكية الإبقاء على قوات في قاعدة التنف، كشفا مدى ارتباط الكيان بدعم الولايات المتحدة.
وكشف ذلك عن أن قرار ترامب الأخير أظهر أن الهدف المباشر لوجود القوات الأمريكية في سوريا هو بالدرجة الأولى حماية الأمن القومي الإسرائيلي.
وكانت وسائل إعلام روسية، تناقلت في فبراير/شباط الماضي، أنباء تفيد برغبة أمريكا نشر بطاريات من منظومة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية "القبة الحديدية" في قاعدة "التنف".
والقبة الحديدة هي نظام دفاع جوي إسرائيلي، باستخدام الصواريخ ذات القواعد المتحركة، طورته شركة رافئيل لأنظمة الدفاع المتقدمة والهدف منه هو اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية.
اختاره وزير الجيش الإسرائيلي عمير بيرتز، في فبراير/شباط 2007 كحل دفاعي لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل، وبدأ تطويره منذ ذلك الحين، وبلغت كلفته 210 مليون دولار بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، ودخل الخدمة منتصف 2011.
الكشف عن الرغبة الأمريكية في استخدام نظام القبة الحديدية بمنطقة التنف السورية كان نقلا عن موقع "NZIV" الإسرائيلي، الذي أشار إلى: أن الهدف من ذلك هو دراسة معالجة النظام لتحدي إطلاق النار الضخم من العناصر المعادية.
وشكك مسؤولون عسكريون في القاعدة، حينها في مصداقية هذه الأنباء، بالتأكيد على وجود مؤشرات إلى توجه واشنطن للانسحاب عسكريا من سوريا، إلا أن أمريكا أعلنت تمسكها بقاعدة التنف تحديدا.
وأكد مصدر معارض مطلع في الجنوب السوري: أن هذا يعني بأن الهدف من نشر هذه البطاريات هو زيادة حماية أمن إسرائيل، متسائلا: "هل الإجراء العسكري هذا قادر فعلا على زيادة حماية أمن إسرائيل من الهجمات الصاروخية الإيرانية، والأخيرة لا تزال تنتشر على مقربة من حدودها في لبنان والجنوب السوري؟".
ضمان أمني
الدكتور مأمون أبو عامر -الكاتب السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أكد: أن قاعدة التنف مهمة جدا لإسرائيل لأنها تقع على الحدود السورية العراقية، حيث هناك معبر التنف الذي يعد بمثابة ممر بين البلدين.
وأوضح في حديثه مع "الاستقلال": أن الجانب المهم بالنسبة لإسرائيل هو أن هذه المنطقة قادرة على التحكم بالحركة بين البلدين، وبالتالي وجود القوات الأمريكية يشكل عينا ومانعا لأي محاولة إيرانية لإدخال قوات أو أسلحة تهدد أمن إسرائيل بطريقة سرية بعيدا عن المراقبة.
وأشار "أبو عامر" إلى: أن ما يقلق الجانب الإسرائيلي هو إدخال صواريخ دقيقة ومتطورة لصالح حزب الله في لبنان، حيث تتابع إسرائيل أي تحركات باهتمام كبير، وتترقب أي محاولة تشتبه فيها إسرائيل لها علاقة سواء بتصنيع الصواريخ الدقيقة الإصابة أو إدخال الصواريخ نفسها.
وأشار إلى: أن الآونة الأخيرة شهدت جهودا إسرائيلية كبيرة لمواجهة الأنشطة الإيرانية مباشرة أو لقوات المليشيا التابعة لها في سوريا، كما شهدت قصفا لمواقع مليشيات الحشد الشعبي غرب العراق عدة مرات من طائرات إسرائيلية.
ولفت "أبو عامر" إلى: أن إسرائيل ادعت أن هذه المواقع بها مخازن أسلحة وصواريخ إيرانية معدة للنقل إلى سوريا، ومن هنا تجد تل أبيب أن وجود القوات الأمريكية مهم جدا ويوفر عليها جهدا عملياتيا لمواجهة نقل هذه الأسلحة.
وأضاف: "كما توفر أيضا جهدا استخباريا بأن تجعل قدرة الإيرانيين محدودة الحركة في مسارات معينة تكشفها"، كما أن الوجود الأمريكي يشكل ضمانة لقطع الممر من طهران عبر العراق إلى سوريا وصولا إلى حزب الله.
العقيد رياض الأسعد -مؤسس الجيش السوري الحر، أكد: أن التعاون الأمريكي الإسرائيلي واحد، ولذلك فإن المنطقة مهمة جدا بالنسبة لإسرائيل لمراقبة الحدود لأن إيران تستخدم المنطقة من حيث عبور مليشياتها من وإلى سوريا والعراق.وأوضح في حديثه مع "الاستقلال": أن التنف منطقة تقع على الحدود العراقية وقريبة من الأردن، ولذلك لها أهمية إستراتيجية كبيرة حيث تعتبر المنفذ الوحيد بين دمشق والعراق وصلة الوصل بين الحشد الشعبي الذي يتبع لإيران ومليشيات إيران في سوريا.
وأضاف الأسعد: "لذلك هذه المنطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة وفيها القاعدة الأمريكية التي تراقب كافة منطقة البادية السورية والحدود العراقية الأردنية".
حلم النيل والفرات
هيثم المالح -رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، قال: إن الكيان الكردي الذي يسعى متطرفون أكراد لإقامته في منطقة الجزيرة في سوريا، مشروع صهيوني بامتياز، لافتا إلى: رفعهم علم الصهاينة في المناطق التي احتلوها بدعم أمريكي كامل.
وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى: أن الرئيس الأمريكي صرح مؤخرا بأن هؤلاء الأكراد يدافعون عن (أرضهم) وهذا يؤشر لاستمرار الدعم الأمريكي لهم.
وأضاف "المالح": أن "منطقة الجزيرة تشكل أغنى مناطق سوريا بالنفط والغاز والفوسفات، وبالتالي فإن سيطرة المنظمات الكردية المتطرفة تهيئ أرضية للتوسع الصهيوني وتحقيق حلم الصهاينة من الفرات إلى النيل".
وأكد: أن سيطرتهم على الثروات تكتمل بالسيطرة على أهم بقعة جغرافية في الوطن العربي، العراق وسوريا، علما أنه من الناحية الجغرافية والتاريخية، لا يوجد في سوريا، ما يسمى كردستان.
وتابع: "الأكراد دخلوا إلى سوريا مع الإضطرابات التي وقعت في تركيا في القرن الماضي، وهناك دراسات عديدة في هذا الموضوع".
وشدد على: أن ما تذرع به بوش الابن حول أسلحة الدمار الشامل ودعم صدام حسين للإرهاب كان شماعة للغزو خارج القانون، معتبرا: أن الدافع الرئيسي للغزو الأمريكي للعراق وتدميره عام 2003 كان لضمان الأمن الإسرائيلي، والثروة النفطية.
وأشار إلى: أنه كتب بحثا حول أحداث ١١ سبتمبر/أيلول في نيويورك وخلص إلى نتيجة قطعية بأن الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية وديك تشيني -نائب الرئيس، كانوا وراء الهجمات ولا علاقة لأي بلد عربي أو إسلامي بهذا العمل.
المصادر
- التنف السورية.. صمام أمان لإسرائيل بعد الانسحاب الأمريكى
- صحيفة: هذه أهداف أمريكا من هجماتها في سوريا
- إسرائيل تطالب أميركا بعدم الانسحاب من قاعدة التنف العسكرية
- طلب إسرائيل البقاء الأميركي في التنف: هشاشة الردع الذاتي
- فصائل سورية معارضة تطرد داعش من منفذ حدودي مع العراق
- صحيفة امريكية: التنف آخر قاعدة امريكية في سوريا وهدفها إيران وليس داعش
- واشنطن تتراجع عن سحب كامل جنودها من سوريا
- وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس يستقيل بعد قرار الانسحاب من سوريا