نصف إنتاجها توقف بعد الهجمات.. هل تشتري السعودية النفط؟
عملاق النفط السعودي "أرامكو"، هل فقدت عرشها في عالم الطاقة بعد الهجوم الأخير؟ هل تتحوّل المملكة من أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم إلى دولة مستوردة؟.
أسئلة بدأت تُطرح بقوة بعد واقعة استهداف منشأتي بقيق وخريص، في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، التي قالت المملكة إنها جرت بطائرات مسيرة، وبأسلحة تابعة لإيران، فيما أعلنت جماعة "الحوثي" المسلحة مسؤوليتها عن الهجوم.
شركة إنرجي أسبكتس العالمية المتخصصة في الاستشارات التجارية، رجّحت أن تضطر المملكة إلى شراء النفط لسدِّ العجز الكبير الذي خلفته الهجمات الأخيرة على المنشآت.
وقالت الشركة إن السعودية ستصبح مشترياً كبيراً لمنتجات النفط بعد الهجمات الأخيرة على شركة أرامكو، والتي أجبرتها على وقف أكثر من نصف إنتاجها من الخام وبعض إنتاج الغاز.
وأضافت إنرجي أسبكتس أن "فاقد الغاز أثّر على عمليات المصافي، وربما خفض معدلات الاستهلاك بها بمقدار مليون برميل يومياً، ما يوفر خاماً متوسطاً وثقيلاً للتصدير"، مرجحة أن "تشتري شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية كميات كبيرة من البنزين والديزل وربما زيت الوقود، بينما تخفض صادراتها من غاز البترول المسال".
وذكرت أن "الهجمات أوقفت إنتاج نحو 5.7 ملايين برميل يومياً من الخام السعودي، وعطلت 18 بالمئة من إنتاج الغاز الطبيعي و50 بالمئة من إنتاج الإيثان وسوائل الغاز في السعودية"، مشيرة إلى أن الاستئناف الكامل سيستغرق أسابيع على الأرجح.
الهجوم الأسود
خبراء النفط أجمعوا على أن إصلاح أضرار الهجمات يُكلف المليارات ويستغرق شهوراً، مشيرين إلى أن تكلفة إنشاء مصفاة نفط بهذا الحجم قد تصل إلى 200 مليار دولار، في وقت تُكلف فيه أصغر مصفاة لتكرير مليون برميل نفط يومياً ما بين 10 ـ 20 مليار دولار، ما يعني أن إصلاح الأضرار سيُكبّد السعودية المليارات.
الخبراء أكدوا أن المستفيدين مما حدث هم تجار النفط بالدرجة الأولى، يليهم منتجو النفط الصخري الأمريكي الذي يتزايد إنتاجه باطراد عاماً بعد عام، مشيراً إلى أن إسراع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتعهد بسد النقص هدفه المحافظة على أسعار النفط.
بدورها، رأت صحيفة وول ستريت جورنال أن إصلاح المنشآت المتضررة من الهجوم سيستغرق شهوراً. وقالت إن الهجوم على المنشآت النفطية السعودية سيهُز سوق الطاقة العالمية على المدى القصير، لكنه يحمل أيضاً تداعيات مزعجة على المدى الطويل.
أما المستوردين فهرولوا للبحث عن بدائل، حيث بحثت شركات التكرير في آسيا، المستهلك الكبير للخام، عن إمدادات بديلة للنفط السعودي، بينما كثّف منتجو الخام في الولايات المتحدة جهود التصدير لتنشط الناقلات الأمريكية باتجاه المصافي الآسيوية.
وأظهرت بيانات تتبع السفن أن ناقلات نفط عملاقة تتكدس في الموانئ السعودية انتظاراً لتحميل الخام، الأمر الذي يعكس أزمة حقيقية، وهو ما كشفت عنه مصادر تجارية حول أن السعودية تُواجه مأزقاً في تدبير الخام العربي الخفيف الذي ظل لعقود العمود الفقري لصادراتها، ما دعاها إلى التفاوض مع عملائها الرئيسيين في آسيا لتوريد الخام الثقيل، الذي يُعد أكثر كلفة للمصافي في العديد من البلدان.
وقال مصدر إن شركة أرامكو عرضت على مؤسسة النفط الهندية الخام العربي الثقيل، بدلاً من الخام الخفيف عقب الهجوم، حسبما ذكرت رويترز في 17 سبتمبر/أيلول الجاري.
وأشارت الوكالة إلى أنه لم يتسن لها الحصول على تعليق من مؤسسة النفط الهندية. لكن وزير النفط الهندي دارمندرا برادان، قال في وقت متزامن، إن الهند تدرس زيادة واردات النفط من روسيا، مشيراً وفقاً لما نقلته وكالة "إيه.إن.آي" على تويتر، إلى أن 4 شركات هندية أيضاً تخطط لزيادة الاستثمار في حقول نفط روسية.
البنية التحتية
صحيفة ولاكروا الفرنسية رأت أن هذا الهجوم -وهو الثالث ضد البنية التحتية السعودية في 5 أشهر- أصاب قلب السعودية النابض وكشف عن نقاط ضعف، مهما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن بلاده لديها "الإرادة والقدرة على مواجهة هذا العدوان الإرهابي والرد عليه".
وقالت الصحيفة إن هذا الهجوم على صناعة النفط يظهر هشاشة السعودية.
وذكّرت الصحيفة بما أحدثه هجوم في مايو/أيار الماضي من توقف العمليات على مدى عدة أيام، ونقلت عن أغنيس ليفالوا، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط للبحوث والدراسات الفرنسي قوله إن "هذه الثغرة الواضحة معروفة، لكن السعودية لم تتوقع مثل هذه الهجمات".
وأوضح أن الرياض ظنت التهديدات محلية، وبالتالي وضعت إستراتيجية للحماية الداخلية لا الإقليمية. ورغم مليارات الدولارات التي تنفق كل عام، حسب لاكروا، فإن الرياض تجد صعوبة في حماية نفسها.
فشل عسكري
قصف أرامكو كشف فشل السعودية عسكرياً وحفّز الطامعين بأموالهم، وفضح عجزها عن وقف الخطر القادم، رغم صفقات الأسلحة التي أبرمتها وحصلت عليها بمليارات الدولارات.
الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتقديم عرض للسعودية لشراء الأسلحة الروسية ومساعدتها في حماية نفسها، مصرحاً على هامش قمة مع نظيريه، التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني، في أنقرة بالقول: "نحن مستعدون لتقديم المساعدة إلى السعودية لحمايتها بلاداً وشعباً".
وأضاف: "سيكون كافياً أن تتخذ القيادة السعودية قراراً حكومياً حكيماً، كما فعل قادة إيران، بشراء منظومة إس-300 والرئيس أردوغان بشرائه منظومة إس-400 للدفاع الجوي من روسيا، حينها سيكون بإمكانهم حماية أي منشأة في السعودية"، ثم ضحك الرئيس الإيراني ساخراً!
وهنا ظهرت الصورة بأن الرئيس الروسي يعرض الحماية للسعودية في حين يدخل نظيره الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، في نوبة ضحك، استهزاءً بالمملكة وعدم قدرتها على حماية نفسها، وتلقيها العروض الخارجية.
سياسات فاشلة
أندرس جيركو كبير مراسلي صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية في المنطقة العربية، اعتبر في مقال له أنّ ضربة "أرامكو"، تعكس "فشل" سياسات ولي العهد، قائلاً تحت عنوان لافت: بأن "بلده لم يرَ قائداً متهوراً وخطراً أكثر منه".
وأشارت الصحيفة إلى "الوضع الصعب" لابن سلمان، مضيفة أنّ "الهجمات بطائرات مسيرة/ صواريخ على أكبر مواقع نفطية في بلده، حشرته في الزاوية، ما يجعل منه أكثر خطورة وبتصرفات لا يمكن التنبؤ بها"، لافتة إلى "أنّ توقف نصف الصادرات من الإنتاج السعودي النفطي، و5% من الحاجة العالمية، في بقيق وخريص، يصيب المملكة في قلبها".
ولفتت الصحيفة إلى "ضياع هيبة السعودية أمام إرسال موجات طائرات مسيرة واشتعال مصانع نفط إستراتيجية، لا يتحمل أحد مسؤوليتها بقدر ما يتحملها ولي العهد".
وتختم الصحيفة الدنماركية بالقول إنّه في نهاية المطاف "تعرضت سلطة ولي العهد لتحدٍ عنيف، فهذه الهجمات وقعت تحت سلطته أيضاً كوزير دفاع غير مجدٍ، ويُعرّض بلده للإذلال والمهانة، هذا إلى جانب الآثار على الاقتصاد السعودي الذي لن يتحمل أن يتوقف نصف إنتاجه الحيوي من النفط، وإن كان لفترة وجيزة".
حرب اقتصادية
الدكتور غسان الطالب – الأكاديمي والخبير الاقتصادي، قال "في موضوع الصراع بين السعودية وجماعة الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، نحن أمام مرحلة ستكون الحرب الاقتصادية وضرب المنشآت الاقتصادية السعودية عنوانها الأبرز".
وأشار في حديثه لـِ "الاستقلال" إلى أن بعد حرب ناقلات النفط الذي شهدناه قبل أسابيع، ينذر التحول في الصراع بأنه لا توجد خطوط آمنة لنقل النفط المُتجه للعالم، وأن الذراع الإيراني سينالها سواء عن طريق مضيق هرمز أو أي بديل آخر.
وأوضح "الطالب" أن ردة فعل الاسواق العالمية للنفط بعد هذه الضربة كانت سريعة وقوية، تمثلت في ارتفاع سعر النفط العالمي بنحو 15%، متوقعاً أن يستمر هذا الارتفاع في حال استمرار تعرُّض المنشآت البترولية لمثل هذه الهجمات بسبب النقص الكبير في حال تراجع أو توقف تصديره، خاصة أن منطقة الخليج، وفي مقدمتها السعودية، تتحكم في نسبة مهمة من صادرات النفط العالمية.
وأكد أن الهجوم على منشأتي النفط في السعودية كشف نقاط الضعف في سوق النفط العالمي، وأن المصدر الرئيس وهو السعودية لم يعُد الاعتماد عليها آمن، وهذا ما أرادت إيران أن توصله للعالم، بأنه في حال استمرار الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها فإنها تسيطر على أهم مصدر للطاقة في العالم وهو السعودية ومنطقة الخليج العربي.
واعتبر الخبير الاقتصادي ما يقوم به الجانب الإيراني، بأنه "تهديد لجميع العواصم الخليجية، فطهران تمارس ضغطاً اقتصادياً في محاولة لتخفيف ضغوط الولايات المتحدة عليها على اعتبار أن دول الخليج العربي حليفة قوية لواشنطن، ومن مصلحة أمريكا أن تُخفف ضغوطها على طهران باعتقاد أن أمريكا ستُراعي مصالحها ومصالح حلفائها بتخفيف الضغوط على إيران ووقف هجماتها عليهم".
ورأى "الطالب" أن أمريكا هي الرابح الأول من هذا الهجوم حيث سيُعزز من عقد صفقات بيع أسلحة للسعودية وبقية دول الخليج العربي، وبالتالي المزيد من ابتزاز المال العربي، والرابح الثاني بكل تأكيد هي طهران فهي تُوجه رسالة إلى واشنطن وبقية دول العالم بأنها وحدها من يمتلك الهيمنة على إمدادات النفط العالمية.
وجزم بأن المتضرر هي الدول المستوردة للنفط خاصة الدول النامية حيث سترتفع عليها فاتورة النفط وبالتالي انعكاس ذلك على المستوى العام للأسعار في بلدانهم وما يتبع ذلك من ضغوط اقتصادية واجتماعية.
خيارات السعودية
عمر العسري الخبير الاقتصادي قال إن استهداف أرامكو له تأثير إستراتيجي شامل على المنطقة، ويُنبئ بتوسيع الحرب على مستوى منطقة دول الخليج.
وأضاف في حديثه لـِ "الاستقلال" أن السعودية أصبحت في حاجة ماسة للاستعانة بالمساعدات والدعم الأجنبي، وهذا ظهر من خلال تصريح الرئيس الأمريكي الذي أعلن استعداده لتقديم المساعدة للسعودية متحدثاً عن الكلفة المادية لذلك.
وأشار "العسري" إلى أن كل هذا له آثار سلبية في الوضع على السعودية لأن تدخل الولايات المتحدة في السعودية له تكلفة مادية كبيرة جداً على الاقتصاد السعودي.
وجزم بأن استهداف محطات استخراج النفط سيكون له آثار كبيرة على الاقتصاد السعودي واقتصاد المنطقة وله تكلفة كبيرة جداً على المستوى المادي والبشري والجغرافي، كما ستتضرر كل القطاعات وستكون السعودية أكبر ضحية في هذه الحرب التي لم يتم احتسابها بشكل دقيق.
ولفت "العسري" إلى أهداف الحوثي المدعوم من إيران التي تستهدف تخريب المنطقة بأكملها، وخاصة منطقة الخليج لأن ذلك سيساعدها على التوسع الجغرافي وتنفيذ مشروع المد الشيعي.
وبين أن الأهداف التي تسعى لها إيران والولايات المتحدة هو المزيد من الضغط على الاقتصاد السعودي من خلال الحرب التي سيكون لها أبعاد إستراتيجية خطيرة في المستقبل.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن السعودية ليس أمامها إلا حلّان الأول هو اللجوء لشراء أمن اقتصادها وممتلكاتها من الدول الكبرى وهذا سيكون له فاتورة مالية ضخمة وعواقب اقتصادية كما يكون له تأثير على مستوى التبعية الاقتصادية لأمريكا وسيصبح بمثابة استعمار غير مباشر للسعودية ومنشآتها النفطية.
والخيار الثاني، حسب العسري، هو اللجوء للتفاوض المباشر مع الحوثيين لإيجاد سلام في اليمن، وهذا سيكون له عواقب اقتصادية أقل تكلفة على السعودية لأن هذا الحل سيضمن سلامة الحدود السعودية والمنشآت النفطية.
عملاق النفط
"أرامكو" شركة النفط السعودية تعمل في مجالات البترول والغاز الطبيعي والبتروكيماويات والأعمال المتعلقة بها من تنقيب وإنتاج وتكرير وتوزيع وشحن وتسويق، وهي شركة عالمية متكاملة، أُسست عام 1933، وأُمِّمت عام 1988، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة الظهران.
وتُعد منشأة بقيق، الأكبر في العالم لمعالجة النفط وهي قادرة على إدارة نحو 7 ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل نحو 70 في المائة من إجمالي إنتاج السعودية. وتقع بالقرب من حقل الغوار، الأكبر بالعالم والذي يحتوي على احتياطي يُقدّر بأكثر من 60 مليار برميل بينما تُقدّر قدرته الإنتاجية بقرابة 6 ملايين برميل في اليوم.
أما حقل خريص يُعتبر أكبر مشروع بترول بالعالم حيث يُقدر إنتاجه بـِ1.2 مليون برميل يومياً من الزيت العربي الخفيف.
وتقع منطقة خريص بين مدينة الهفوف والعاصمة الرياض، وتُعد تابعة إدارياً للمنطقة الشرقية محافظة الأحساء تحديداً، وهي من أقصر الطرق بين الهفوف والرياض، وفيها بعض حقول النفط المهمة.
المصادر
- هجمات السعودية "فرصة" للقضاء على فائض معروض النفط العالمي
- "بوليتيكن": هجمات "أرامكو" تعكس "فشل" سياسات بن سلمان
- شركة إنرجي أسبكتس: السعودية ستشتري نفطا من الخارج بعد تدمير أرامكو
- لماذا استهداف الحوثي لمحطة "بقيق" صفعة قوية للسعودية؟
- السعودية تخسر أسواقها...المستوردون يهرعون إلى البدائل
- بعد الهجمات.. ناقلات النفط تتكدّس بالموانئ السعودية
- قصف أرامكو.. كشف فشل السعودية عسكرياً وحفّز الطامعين بأموالها
- خبراء نفط كويتيون للجزيرة نت: إصلاح أضرار هجمات أرامكو يكلف المليارات ويستغرق شهورا
- لاكروا ولوموند: الهجوم على أرامكو أصاب قلب السعودية النابض