أزمة "واشنطن ـ طهران".. هل المنطقة على مشارف حرب جديدة؟

في 14 مايو/ آيار 2019، نشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، مقالا افتتاحيا تدعو فيه جميع الدول إلى التوقف عن التلويح بالحرب في الخليج وتقدير المخاطر الحقيقية التي تنجم عن أي انزلاق"، مؤكدة أن "تفاصيل الحادث لا تزال غامضة".
الصحيفة البريطانية قالت إن "المخاوف من استهداف منشآت نفطية في حالة التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران موجودة، فالمسؤولون الإيرانيون هددوا بعرقلة مرور الناقلات عبر مضيق هرمز عندما تعهد ترامب بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية"، فهل نحن بالفعل على مشارف اندلاع حرب أخرى في المنطقة؟
سنوات من التوتر
في 19 أغسطس/ آب 1953، أطلقت المخابرات المركزية الأمريكية عملية "أجاكس" للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء محمد مصدق، وأخرجت تظاهرات معادية للزعيم الإيراني في شوارع طهران.
وقتها كان لواشنطن اليد العليا في إيران كونها وبريطانيا الحلفاء الرئيسيين للشاه محمد رضا بهلوي ((26 أكتوبر 1919 إلى 27 يوليو 1980)، وكانت الأنظمة الحاكمة في الخليج ما زالت طور التكوين والبداية، لم تكن وصلت بعد إلى ما هي عليه الآن من نفوذ وسطوة في المنطقة.
في فبراير/ شباط 1979، تهاوت القبضة الأمريكية على البلاد، مع نجاح الثورة الإيرانية في إسقاط نظام حكم الشاه، الذي استمر لعقود طويلة، وبدأت الخلافات والمناوشات، بين الحكومة الإيرانية الجديدة، والولايات المتحدة التي فقدت حليفا استراتيجيا مهما في منطقة الشرق الأوسط.
على الجانب الآخر كانت الأنظمة الخليجية القائمة في حالة قلق وترقب، من الحدث المزلزل في الشرق، خشية تصدير الثورة تماشيا مع إستراتيجية الخُميني الذي كان يرى أنها أمر حتمي، وقوله: "لا يعني تصدير الثورة أن نتدخل في شؤون دول أخرى، ولكننا سنجيبهم عن أسئلتهم بشأن معرفة الله".
لم يمر الوقت طويلا حتى بدأ الصدام الفعلي بين إيران والولايات المتحدة مع حدوث أزمة "الرهائن" في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، عندما اقتحمت مجموعات من الطلاب الثوريين الإيرانيين، السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 أمريكيا لمدة 444 يوما، حتى 20 يناير/ كانون الثاني 1981.
وأثناء فترة الاحتجاز، حاولت الإدارة الأمريكية تنفيذ عملية "مخلب النسر" العسكرية، عبر القوات المسلحة والقوات الخاصة، لتحرير الرهائن، لكنها باءت بالفشل، وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل 8 جنود.
ومع استتباب الأمر للخميني وإقراره نظام الدولة الإيرانية، بدأت دول الخليج حالة من الاستنفار، لا سيما المملكة العربية السعودية، التي رأت في إيران العدو اللدود والخطر الداهم الذي يهددها، خاصة وأن طهران لعبت على وتر الطائفية والأقليات الشيعية في المنطقة.
استنفار مريب
في 7 مايو/ آيار 2019، أعلن البنتاجون "وزارة الدفاع الأمريكية"، تحريك حاملة الطائرات "يو أس أس إبراهام لينكولن" إلى مياه الخليج، بما يشمل وضع 4 قاذفات إستراتيجية مع أفراد لقيادة وصيانة الطائرات، وتتكون المجموعة البحرية الضاربة بالإضافة إلى حاملة الطائرات، من سفينة "يو أس أس ليتي غولف"، وسفينة "يو أس أس باينبريدج"، وسفينة "يو أس أس نيتز"، والفرقاطة الإسبانية "منديز نونيز".
كما نقلت عدة تقارير عن البنتاغون اعتزامه إرسال 4 قاذفات إستراتيجية، بي 52، إلى منطقة الخليج لردع أي خطط إيرانية لاستهداف القوات الأمريكية بالمنطقة.
تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" أكد أن الاستخبارات الأمريكية حصلت على معلومات عن خطط إيرانية لاستعمال التفجيرات والاغتيالات والطائرات المسيرة لضرب القوات الأمريكية في اليمن والعراق والخليج والكويت وسوريا، وذكر وزير الدفاع الأميركي بالوكالة "بات شانهان"، أن تكثيف الوجود العسكري الأمريكي بمقربة من إيران بهدف ردعها عن تنفيذ مخططاتها.
وفي 13 مايو/ آيار 2019، أكد قائد القوات البحرية الإيرانية حسين خانزادي على الجهوزية الكاملة لقواته، معتبرا "أن إرسال حاملة الطائرات الأمريكية (إبراهام لينكولن)، إلى المنطقة تضخيم يائس لشبح الحرب واستعراض عقيم وخادع للقوة".
وقال خانزادي: "إن إرسال حاملة الطائرات الأمريكية إلى الخليج ليس بالأمر الجديد وإن المستكبرين يسعون يائسين لتضخيم ظلال وشبح الحرب"، مضيفا أنه "لا مبرر لإيلاء الأهمية لحاملة الطائرات الأمريكية لأن تواجد الأمريكيين هو في الحقيقة تواجد استعراضي وعقيم وخادع".
وفي إطار الاستعدادات الإيرانية لمواجهة محتملة، استشهدت العديد من التقارير، بالمناورات العسكرية الدورية السنوية التي تجريها إيران، تحت اسم "الرسول الأعظم"، وفي مقاله بمجلة ناشيونال إنترست يرى الباحث المتخصص في شؤون الأمن والدفاع كايل ميزوكامي "أن البحرية الإيرانية تولي اهتماما خاصا في كيفية إغراق حاملة الطائرات، ففي كانون الثاني/يناير 2015، ادعى قائد البحرية الإيرانية بالحرس الثوري علي فدوي، أن قواته قادرة على إغراق حاملات الطائرات الأمريكية".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، أثناء إجراء نسخة من مناورات "الرسول الأعظم" الإيرانية التي أجريت في مضيق هرمز، تم إغراق مجسم ضخم يحاكي حاملة طائرات أمريكية، باستخدام أسراب من الزوارق وصواريخ مضادة للسفن وألغام، بالإضافة إلى إنزال قوات كوماندوز على سطح المجسم.
إنذار مخيف
في 12 مايو/ آيار 2019، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية "تعرض 4 سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات لعمليات تخريبية داخل المياه الاقتصادية الإماراتية، موضحة أن العمليات تمت قرب إمارة الفجيرة وقرب المياه الإقليمية الإماراتية".
وفي اليوم التالي أعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أن هجوما تخريبيا استهدف ناقلتين سعوديتين قرب الإمارات، وذكر الوزير السعودي أن ناقلتي النفط السعوديتين تعرضتا للعمل التخريبي وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات قرب إمارة الفجيرة، بينما كانت إحداهما في طريقها للتحميل بالنفط السعودي من ميناء رأس تنورة.
واعتبر الفالح أن الهجوم يعتبر تهديدا لحرية الملاحة البحرية وأمن الإمدادات النفطية للمستهلكين في أنحاء العالم كافة، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي عليه مسؤولية مشتركة في الحفاظ على سلامة الملاحة البحرية.
التلويح الخليجي بتورط إيران في التفجيرات الأخيرة، قابلته طهران بالنفي شكلا وموضوعا، على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، الذي قال: "إن العمليات التخريبية بالمنطقة مشكوك في أمرها، وتهدف إلى زيادة التوتر وضرب الاستقرار".
وأضاف ظريف "أن جهات متطرفة في الإدارة الأمريكية والمنطقة تعملان على فرض سياسات خطيرة في المنطقة".
خامنئي يتوعد
قبل اندلاع الأزمة الأخير، كانت آخر المماحكات بين الرياض وطهران، ما حدث في 21 مارس/ آذار 2019، عندما دعا المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي إلى تعزيز القدرات الدفاعية والردعية العسكرية الإيرانية، وقال: "رغما عن الأعداء سنستمر في تعزيز بنيتنا الدفاعية، ويجب أن نصل إلى قوة ردع تمنع العدو من أن يضغط على بلدنا".
خامنئي أكد أن "باستطاعة الصواريخ الإيرانية استهداف قواعد بعض الدول في المنطقة وبدقة وهذه قوة ردع"، ثم شن هجوما حادا على المملكة العربية السعودية، ووصفها قائلا: "إنه لا يوجد أسوأ من النظام السعودي في المنطقة وربما في العالم، دولة مستبدة، وديكتاتورية، وفاسدة، وظالمة وتابعة".
وتطرق خامنئي إلى إقدام السعودية على إنشاء أول مفاعل نووي بأراضيها، قائلا: "تقوم الدول الغربية بتوفير الإمكانيات النووية لهذه الدولة، وأعلنت أنها ستبني للسعودية مفاعلا نوويا ومراكز إنتاج الصواريخ، لا مشكلة في ذلك لأن السعودية تابعة ولأنها تعود لهم، إذا قاموا بذلك لن أنزعج لأنني أعلم أنها ستقع في أيدي مجاهدي الإسلام قريبا".
الحرب بالوكالة
مع اندلاع ثورات الربيع العربي، كانت التدخلات الإيرانية حاضرة بقوة في عواصم العرب، لا سيما قوات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس الذين جابوا في شوارع دمشق، وشكلوا محورا فارقا في الحرب السورية، وسبقتها الولاءات التي حصل عليها المرشد الأعلى في العاصمة العراقية بغداد، ثم جاء الدور على اليمن والتطور لدور الحوثيين المدعومين من إيران، في خوض حرب ضروس ضد السعودية والتحالف العربي.
ومع الأزمة الإيرانية الأمريكية الأخيرة، وتهديدات طهران بالتصعيد وإشعال المنطقة، بدأ الوكلاء يتحركون في سياق جديد من الاشتباك المفتوح، ففي 14 مايو/ آيار 2019، أعلن المتحدث باسم جماعة الحوثيين محمد عبد السلام "أن ما وصفها بالعملية العسكرية الكبرى التي قامت بها الجماعة اليوم ضد منشآت نفطية سعودية، تعتبر انتقالا لمرحلة جديدة من التصعيد ضد السعودية".
الحوثي أوضح "أن المرحلة الجديدة في التصعيد ضد من يصفها بالعدو الغاشم سيكون عنوانها الأبرز هو الاستهداف الاقتصادي المفتوح حتى تكف السعودية عن استهداف اليمن وتتوقف عن الاعتداء على اليمنيين".
فيما أكد المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع "جاهزية الجماعة لشن عمليات أخرى في حال استمرار العدوان على اليمن"، في إشارة إلى استمرار عمليات التحالف السعودي الإماراتي.
ونشرت قناة المسيرة الفضائية الناطقة باسم الجماعة في 14 مايو/ آيار 2019، بيان العميد يحيى سريع الذي قال: "إن سلاح الجو المسير (التابع للجماعة)، نفذ هجمات عبر 7 طائرات مسيرة على منشآت حيوية للعدو في محافظتي الدودامي وعفيف بمنطقة الرياض".
وأكد سريع "أن هذه العملية تأتي ردا على ما وصفها بالجرائم المرتكبة، بحق الشعب اليمني والحصار المستمر المفروض عليه من "دول العدوان".
من جانبها أعلنت الرياض عبر وزير الطاقة خالد الفالح "أن محطتي ضخ لخط شرق غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي، تعرضتا لهجوم من طائرات مسيرة مفخخة بين السادسة والسادسة والنصف من صباح اليوم الثلاثاء".
ورأى الوزير السعودي "أن هذا العمل الذي وصفه بـ الإرهابي والتخريبي، بالإضافة إلى تلك التي وقعت مؤخرا في الخليج ضد منشآت حيوية، لا تستهدف السعودية فقط، "وإنما تستهدف أمن إمدادات الطاقة للعالم والاقتصاد العالمي، وتثبت مرة أخرى أهمية التصدي لكافة الجهات الإرهابية التي تنفذ مثل هذه الأعمال التخريبية، بما في ذلك مليشيات الحوثي في اليمن المدعومة من إيران".
وفي 15 مايو/ آيار 2019، أعلن مندوب السعودية الدائم في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، تحميل إيران وجماعة الحوثي المسئولية عن الهجوم الذي وقع على منشآتها النفطية، في رسالة موجهة إلى مجلس الأمن، قائلا: "إن مليشيات الحوثيين استخدمت 7 طائرات مسيرة في الهجوم"، وأضاف المندوب السعودي أنه "من شأن مثل هذه الهجمات أن تصعد الموقف المتوتر في المنطقة".
وخلال مشاركته في فعالية بالعاصمة طهران، في 15 مايو/ آيار 2019، توعد وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي الولايات المتحدة وما وصفها بدول "الجبهة الصهيونية" بهزيمة مرة في حال قيامها بأي تهديد عسكري لبلاده، وأكد حاتم" على أن "الاستعدادات العسكرية في بلاده على أعلى المستويات"، حسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا".
المصادر
- إيران وأميركا.. سيناريوهات المواجهة
- قائد البحرية الإيرانية: مستعدون للحرب.. وتواجد الأمريكيين بالمنطقة بلغ نهاية مطافه
- الولايات المتحدة وإيران: ضغوط متصاعدة وحرب مستبعدة
- إيران والولايات المتحدة: هل يتكرر سيناريو العراق ؟
- خامنئي يهدد للمرة الأولى النووي السعودي... مفاعلكم وصواريخكم بأيدي هؤلاء
- الفايننشال تايمز: جميع الدول عليها التوقف عن التلويح بالحرب في الخليج
- استهداف خط الأنابيب السعودي.. الحوثيون ينتقلون لمرحلة جديدة من الحرب
- تفجيرات الفجيرة.. أميركا تشارك بالتحقيقات وإيران تحذر من مخطط للحرب
- في رسالة لمجلس الأمن.. الرياض تحمل طهران والحوثيين مسؤولية الهجوم على منشآتها النفطية
- إيران تتوعد أمريكا ودول الجبهة الصهيونية بهزيمة مرة
- White House Reviews Military Plans Against Iran, in Echoes of Iraq War