"إيكونوميست": تشدد حكم خامنئي يزيد جاذبية السيستاني
من الطبيعي أن تكون جريمة قتل رجل دين أمرا مرعبا، لكن بعد أن قام لاعب كمال أجسام بقتل رجل الدين، مصطفى قاسمي، في مدينة حمدان غرب إيران، في الـ27 من أبريل/ نيسان المنقضي، وصل عدد متابعي حساب القاتل على "انستغرام" إلى مئة ألف متابع. وانتشرت ردود متابعيه ضد المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، وقال بعضهم "نقص رجل دين واحد منهم".
وأفاد موقع "ذا إيكونوميست" البريطاني أن النقمة على رجال الدين الحاكمين في إيران، الذين يديرون الاقتصاد المتراجع للدولة، وصلت إلى هذا الحد. وربط التقرير ذلك بالعقوبات الأمريكية على صادرات النفط، التي أدت إلى انهيار العملة ووصول التضخم إلى ما يقارب 40 ٪، مضيفا أن الأجور تراجعت حتى أصبحت أساسيات مثل الدجاج والملابس من الكماليات.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في إيران بنسبة 6٪ هذا العام، في حين لا يقدم الثيوقراطيين (الحكومة الدينية) أي مخرج من الأزمة، وعن ذلك قال الأستاذ في "جامعة مفيد" بمدينة قم، صادق حقيقت، للموقع: "نحن نقترب من نقطة تحول".
الفصل بين المسجد والدولة
وقال الموقع إن رجال الدين يتساءلون بشكل متزايد عن صلاحية نظام ولاية الفقيه وحكم رجال الدين. وبينما ينأى بعضهم بأنفسهم عن النظام الذي يستحوذ على الكثير من ثروات إيران من خلال إمبراطوريتها التجارية الواسعة. واستشهد التقرير بحالة رجل الدين الفقير، إسماعيل أزرينجاد، الذي يتجول في القرى المهملة ويقوم بتوزيع كتب الأطفال من صندوق سيارته القديمة. يعارض آخرون رجال الدين المسؤولين بشكل علني.
وذكر التقرير برجل الدين، سيد أغاميري، الذي ازداد عدد أتباعه، وقد قال بأن السلطة الزمنية تفسد، بعد أن حكمت عليه محكمة دينية. وينتقل عدد متزايد من رجال الدين إلى مدينة النجف في العراق -على بعد 675 كم- التي كانت على مدى عقود النسخة الفقيرة من قم، بحثًا عن نموذج مختلف للعلاقة بين المسجد والدولة.
وأوضح "إيكونوميست" أن عهد صدام حسين، عرف انخفاض التسجيل السنوي في حلقات النجف الدينية الشيعية إلى بضع مئات فقط، في الوقت الذي مولت إيران تدريب مئة و10 آلاف رجل دين. لكن منذ الإطاحة بصدام، الذي كان سنيًا، وعودة الهدوء النسبي إلى العراق، ارتفعت مكانة النجف بين الشيعة.
وقال التقرير إن ضريح الإمام علي، يجذب ملايين الحجاج سنويا، كما لا تخضغ الكليات التعليمية في النجف إلى تدخل الدولة، بخلاف تلك الموجودة في مدينة قم، كما أنها مقر رجل الدين الشيعي الأكثر شعبية، آية الله العظمى علي السيستاني.
ودافع السيستاني عن الفصل بين المسجد والدولة، قائلا بحسب التقرير: "يجب على رجال الدين تقديم النصح وليس الحكم". وكان السيستاني يتمتع بنفوذ المرجعية للشيعة، كما أن تأثيره يصل إلى قم أيضًا.
اختيار آخر
وفي الشهر الماضي، قال المحافظ العتيد في مدينة قم، آية الله عبد الله جوادي أمولي، إن جودة التدريس أفضل في النجف منها في قم، إذ يذهب كبار رجال الدين الإيرانيين إلى هناك، بمن فيهم علي الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية. وقال كاتب سيرة السيستاني، عباس كاظم: "إذا كنتَ تحت وطأة المؤسسة الدينية في إيران، التي تخبرك بماذا تفكر وماذا ترتدي، فإن هذا سيدفعك إلى النظر إلى الحرية الفكرية في النجف".
وأفاد التقرير، أنه في مارس/ آذار الماضي، سافر حسن روحاني إلى النجف ليصبح أول رئيس إيراني يلتقي السيستاني، رغم أنه وبموجب القانون، يجب أن يكون ولاء روحاني لخامنئي، لكنه أعرب عن أمله في أن مباركة السيستاني له ستعزز موقفه في مواجهة ضغوط المتشددين.
ووصف أحد المراقبين اللقاء للموقع، بأنه بدا كما لو كان الرئيس يجتمع مع البابا. وقال الأستاذ بجامعة إكستر في بريطانيا، روبرت جليف: "يرسل روحاني إشارة إلى وجود مجال في الجمهورية الإسلامية لأولئك الذين لا يعتقدون بولاية الفقيه أو يرونه بندًا من بنود الإيمان". ولذلك، يريد البعض في العراق مساعدته.
ونقل التقرير قول أحد رجال الدين في النجف، صالح الحكيم، إن "ولاية الفقيه نظام ديكتاتوري، ويجب على رجال الدين في النجف دعم المجتمع المدني في إيران، وليس الثيوقراطية". واعتبر الموقع البريطاني أن السيستاني، وهو مواطن إيراني، كان أكثر حذراً، لكن بعد لقائه بروحاني دعا إلى احترام السيادة العراقية، ما جعل علماء الدين يفهمون أنه بهذا ينتقد إدعاء خامنئي بأنه ليس القائد الأعلى لإيران فحسب، بل لجميع الشيعة، لكنه انتقاده كان هادئا، حسب وصف الموقع.
تشدده يزيد جاذبية المنافس
وأوضح التقرير أن ممثل السيستاني في قم وصهره، جواد الشهرستاني، بجمع العشور من أتباع إيرانيين لتمويل شبكة خيرية على مستوى البلاد تضم منازل ومستشفيات فقيرة، كما يدعم السيستاني 49 ألف طالب ديني، أي حوالي 45٪ من إجمالي الطلاب في إيران برواتب، ما يجعله قويا للغاية في قم، بحسب الأستاذ في جامعة مفيد في مدينة قم المقدسة، صادق حقيقت. وفي ظل نقص السيولة النقدية، قام روحاني، في الوقت نفسه، بخفض التمويل للمعاهد الدينية بمقدار الثلث.
"يرد خامنئي على كل هذا بتشديد قبضته وتعزيز سلطته، ففي مارس/ آذار الماضي، عيّن إبراهيم رئيسي، وهو متشدد خسر أمام روحاني في الانتخابات الأخيرة، كرئيس للقضاء. كما عين متشددًا آخر لرئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو جهاز مراقبة على الحكومة"، بحسب التقرير.
وأوضح الموقع البريطاني أن الإيديولوجيين المحافظين يستحوذون على البث التلفزيوني الرسمي، وينتقدون رجال الدين لفقدان ثقتهم في ولاية الفقيه. ويعاقَب المشككون بطريقة تخفيض تمويلهم أو تخفيض رتبتهم من قبل جمعية المعلمين في مدينة قم، وقد تعرضت بعض مكاتبهم للنهب. كما يتم ترحيل بعض المذنبين أمام محكمة دينية ويُحتجزون رهن الإقامة الجبرية.
وأفاد المصدر ذاته، أن معظم رجال دين في قم، الذين يفوقون خامنئي علميًا، التزموا الصمت وتراجعوا عن آرائهم، لكن كلما ازداد حكم خامنئي قسوة تصبح تعاليم السيستاني أكثر جاذبية.
بعد خامنئي
وقال المنشقون، بحسب التقرير: "بعيدا عن ترقية رجال الدين في بعض المناصب، فإن أتباع خامنئي يعاملونهم كموظفين حكوميين". واعتبر الباحث من مدينة قم اللاجئ إلى أمريكا، محسن كاديفار، في تصريح للموقع أن "حملة الجمهورية الإسلامية على رجال الدين بلغت درجة غير مسبوقة حتى في عهد الشاه".
وختم التقرير بالقول: إن "آيات الله غالبا ما يعمرون ويعيشون حياة طويلة، لكن السيستاني يبلغ من العمر 88 عامًا وخامنئي يبلغ من العمر 80 عامًا (ويقال إنه يكافح السرطان). ما يجعل أتباعهم غالبًا، يطرحون سؤال: ما الذي سيأتي بعد ذلك؟".
لقد بدا لسنوات وكأن رجال الدين في قم سيحددون مستقبل القيادة الدينية في النجف، ولكن الحديث الآن يدور حول أنهم سيشكلون مستقبل حكم رجال الدين في إيران، بحسب المصدر ذاته.