فورين أفيرز: أزمة تنتظر بن سلمان بلجوء معارضين سعوديين لأوروبا

12

طباعة

مشاركة

تساءلت الباحثة السعودية مضاوي الرشيد في مقال لها على صحيفة "فورين أفيرز" الأمريكية بعنوان "الشتات السعودي الجديد"، "لماذا يجب على محمد بن سلمان أن يقلق بشأن طالبي اللجوء السياسي من السعوديين؟".

وقالت أستاذة علم الأنثروبولوجيا الديني، في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بكلية الملوك بجامعة لندن، في مقالها: "قد لا تبدو أي قواسم مشتركة، من الوهلة الأولى، بين طلاب الجامعات السعودية والأمراء الغاضبين من سياسة بن سلمان والإسلاميين والفتيات في سن المراهقة، لكن المشترك بينهم هو أنهم يغادرون المملكة ملتمسين اللجوء في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا".

من الجائز، بل من المؤكد أن أعدادهم متواضعة مقارنة بأعداد اللاجئين الذين فروا من أفغانستان والعراق وسوريا خلال العقدين الماضيين، تقول الباحثة في النقاشات الدينية-السياسية في المملكة، لكن طالبي اللجوء هؤلاء يمثلون مشكلة سياسية للسعودية. وزادت الباحثة قائلة، "مشكلة يفترض أن يقوم ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان بمواجهتها، إذ أنه أصبح من الخطورة تجاهلها".

الشتات السعودي الجديد

وأشارت الباحثة في شأن شبه الجزيرة العربية والهجرة العربية والعولمة، في مقالها أنه وفقًا لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، قدم 815 مواطناً سعوديًا طلبات اللجوء عام 2017، بزيادة قدرها 318 في المائة مقارنة بعام 2012، وهذا لا يشمل عدد طالبي اللجوء غير الرسميين -أولئك الذين يعيشون في الخارج كمنفى اختياري لهم- مما يؤخر عودتهم إلى البلاد خوفا من القمع. وما يجب ذكره هنا، بحسب الدكتورة مضاوي، أن الصحفي جمال خاشقجي، الذي تم قتله وتقطيع جثته في القنصلية السعودية في إسطنبول، كان أحدهم.

ورأت الباحثة السعودية أنه "الشتات السعودي الجديد الأكثر وضوحا الذي يفتح الباب أمام العديد من المشكلات للمملكة"، وتابعت، فمن ناحية، تنفق السعودية ملايين الدولارات على المنح الدراسية من أجل تقليل اعتمادها على العمالة الأجنبية؛ ولا يمكن بعد هذا أن تفقد مواطنيها الشباب المتعلمين تعليماً عالياً في المنفى بالخارج.

ومن ناحية أخرى، يخلق الشتات أيضًا صورة قاتمة للظلم الذي يواجهه المعارضون في المملكة ما يدفعهم إلى الهرب وطلب اللجوء السياسي. وقالت الكاتبة؛ هناك قصة وصور وراء كل طالب لجوء هي قصة الظلم والقمع التي تخترق الرواية الرسمية عن السعودية الحديثة التي تغمرها الفرص الاقتصادية.

ولهذا السبب، من بين أمور أخرى، يؤثر طالبو اللجوء السعوديون على علاقات المملكة بالدول المستضيفة لهم بشكل سلبي، لأن أغلب طالبي اللجوء كانوا شركاء للنظام السعودي يوما ما.

طاقات تهدر

وأفادت الدكتورة الرشيد أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان قام بإنفاق الكثير من الموارد وأولى اهتماماً خاصاً بالشباب السعودي، وتشجيع المبادرات الفنية وريادة الأعمال التي تهدف إلى إطلاق الإبداع الاقتصادي ومكافأة الإبداع والموهبة لدى الشباب، حتى أنه بدأ مبادرة "مؤسسة المسك" المكرسة لتمكين الشباب من المشاركة في الاقتصاد السعودي.

لكن على الرغم من كل هذه الجهود، محاكم بن سلمان والظلم المترسخ فيها -بعيداً عن أية معايير للعدالة- ينتج عنها غالبية طالبي اللجوء الذين يغادرون البلاد، وينضم هؤلاء المنفيون الجدد إلى العديد من الطلاب الذين حصلوا على منح حكومية للدراسة في أوروبا والولايات المتحدة خلال عهد الملك عبدالله من عام 2005 إلى عام 2015 وفشلوا في العودة لبناء "المملكة العربية السعودية الجديدة".

وفي الوقت الذي عزز فيه بن سلمان سلطاته وأصبح الوجه الجديد السعودية في عام 2017، كان العديد من هؤلاء الطلاب يميلون إلى التشكك في وعود ولي العهد بالإبداع والفرصة والازدهار، كانوا يخشون القمع إذا عادوا إلى السعودية؛ خاصة إذا استفادوا من الحريات في الخارج لانتقاد النظام وفضح أوجه القصور فيه.

وأقرت الباحثة أن مخاوف طالبي اللجوء السعوديين تنبع من أرضية راسخة من الظلم والمعاناة التي لاقاها كل صاحب رأي مخالف لتوجهات ولي العهد، إذ أن مجرد تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أو رسالة "واتس آب" أو حتى المشاركة في حدث أكاديمي أو سياسي يُعتبر معاديا للنظام، فكل ما يتطلبه الأمر هو وضع قائمة مشتبه بهم ممن يعارضون سياسات محمد بن سلمان في السعودية.

أسطورة تماسك العائلة

وكما هو ثابت وموثق، النظام السعودي يحتفظ بسيطرة مشددة على مواطنيه في الخارج، إذ يراقب كل تحركاتهم باستخدام تكنولوجيا المراقبة المتقدمة، تم الكشف عن فضيحة المراقبة المتفشية بعد اغتيال خاشقجي، عندما أصبح من المعروف أن النظام اخترق هاتف ناشط شاب يُدعى، عمر الزهراني، في كندا وسجل اتصالاته مع الصحفي المقتول.

وخلصت الباحثة في مقالها إلى أن طالبي اللجوء الشباب المتعلمون يقوضون الدعاية السعودية حول الفرص الجديدة المعروضة في المملكة، ومن جهة أخرى يتحدى الأمراء المنفيون أسطورة التضامن والتماسك في العائلة المالكة، إلى الحد الذي تآكلت فيه الصورة الأخيرة منذ أحداث نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عندما احتجز محمد بن سلمان الأمراء رفيعي المستوى، بما في ذلك الوليد بن طلال ومتعب بن عبد الله، في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض.

وأفاد مراقبون هروب مجموعة من الأمراء الذين أقاموا في أوروبا على خلفية أنه في عهد ولي العهد الجديد، قام النظام بتغيير إستراتيجيته من شراء الأمراء المشاكسين إلى تهديدهم بالاحتجاز المهين. ودللت الباحثة على ذلك بقولها إن الأمير خالد بن فرحان آل سعود هو أحد الأمثلة على الأمير المنشق الذي يبت تآكل قوة النظام من بعيد.

من المنفى في ألمانيا، أعلن الأمير خالد انشقاقه في عام 2013، وبدأ حملة إعلامية لتقويض سلطات محمد بن سلمان في مقابلات مع "بي بي سي" وغيرها من المؤسسات الإخبارية التي يعتبرها النظام معادية.

"اتهم الأمير خالد العائلة المالكة بالنفاق، للتمتع بملذات محظورة مثل شرب الكحول والحفلات في الوقت الذي تحرمها على المواطنين العاديين"، بحسب المقال، ووصف الملك سلمان بأنه "ملك مكيافيلي". وبعد مقتل خاشقجي، أعلن الأمير خالد أنه هرب من محاولة خطف في ألمانيا، يُزعم أن ولي العهد أمر بها.

لفتت الكاتبة إلى أن الأمراء المنفيون لا يميلون إلى أنهم ينتمون إلى نسل عائلة آل سعود، التي حكمت المملكة منذ عام 1933، ولكنهم يميلون إلى توضيح أنهم ينتمون إلى أسرة حاكمة، يكون الملك فيها على قدم المساواة مع الجميع.

انتهاكات المملكة توحدهم

والآن، يتابع المقال، بعد أن أصبح من الواضح أن ولي العهد محمد بن سلمان أصبح مستعداً لمعاقبة واختطاف وإذلال الهاربين، أصبح المنفى هو الحل الوحيد للأمراء الغاضبين، بينما كان الأمير خالد محظوظا، إلا أن هناك أمراء آخرون، مثل سيف الإسلام آل سعود وسلطان بن تركي آل سعود، اختطفوا من أوروبا وعادوا إلى المملكة ولم يشاهدوا منذ ذلك الحين.

وقالت الباحثة إن أحدث فئة من المنفيين السعوديين هي ما يسمى بالفتيات الهاربات، أكثر من 1000 فتاة تتراوح أعمارهن بين 18 و25 عاما تركت المملكة بسبب محمد بن سلمان، هربًا من السيطرة الصارمة -وفي بعض الحالات بسبب الاعتداء البدني والجنسي- الذي يفرضه الأوصياء عليهم. ورحلاتهم الصعبة هذه مخاطرة بفرض المزيد من القيود والعقوبات عليهم، إذا اضطروا للعودة إلى المملكة.

واعتبرت الدكتورة الرشيد أن قضية الفتاة السعودية الهاربة، رهف القنون، لفتت انتباه المجتمع الدولي لقضية الفتيات السعوديات الهاربات من المملكة، ففي 5 يناير/ كانون الثاني 2019، تم احتجاز رهف البالغة من العمر 18 عامًا في مطار بانكوك بينما كانت في طريقها لطلب اللجوء في أستراليا، حيث  قضت عدة أيام في غرفة فندق في المطار قبل أن تمنحها كندا حق اللجوء. ومن دون دعم العديد من الناشطين السعوديين وغير السعوديين، قد يكون مصيرها نفس مصير الفتيات الأخريات الأقل حظا منها: العودة إلى المملكة ضد إرادتها.

يعترف النظام الآن بهذه المشكلة لدرجة أنه سمح ببث النقاشات حول القضية في وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة بعد فرار رهف من البلاد. وقد تعني المناقشة العامة للمشكلة، بحسب الباحثة، أن الحكومة بدأت تأخذ الأمر على محمل الجد؛ وقد يكون ذلك أيضًا وسيلة لتخلي الحكومة عن الأزمة وتحويل اللوم إلى أولياء الأمور أو الأوصياء على الفتيات.

واختتمت الباحثة مقالها على "فورين أفيرز" قائلة إن المنفيين السعوديين متنوعين للغاية في توجهاتهم السياسية، لكنهم متحدون في مظالمهم ضد انتهاكات النظام السعودي.