قبيل الانتخابات.. التضييق على الإسلاميين بموريتانيا مسلسل مستمر

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يستعدّ الموريتانيون للتوجّه إلى صناديق الاقتراع خلال يونيو/حزيران المقبل لاختيار رئيس جديد للبلاد بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.

الأيام السابقة للانتخابات تحتمل وفق أي تقليد ديمقراطي أن تمارس فيها أقصى درجات حريّة التعبير والتنظيم من أجل ضمان تنافس نزيه بين مختلف المرشحين، إلاّ أنّ الموريتانيين فوجئوا بحملة إغلاق جمعيات تعمل في المجال الخيري والشبابي، وتتهمها السلطات بتجاوزات للقانون في مجالات التمويل.

هذه الحملة على الجمعيات أعادت التساؤل عن وضعيّة الحريات في موريتانيا، والتدخّل الأجنبي في الحياة السياسية في ظل عداء عدد من الدول الإقليمية خاصة الإمارات والسعودية للتيار الإسلامي ومحاربته في المنطقة.

حملة ممنهجة

في وقت متأخر من مساء الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2019، أغلقت السلطات الموريتانية جمعيتين أهليتين مقربتين من الإسلاميين، وذلك ضمن مسلسل إغلاق الجمعيات الذي بدأ في أيلول/ سبتمبر الماضي، بإغلاق "مركز تكوين العلماء" و"جامعة عبد الله بن ياسين"  ويرأسهما الشيخ محمد الحسن ولد الددو.

وأغلقت السلطات كلاّ من جمعية "يدا بيد" التي تنشط في المجال الاجتماعي والثقافي، وكذلك جمعية "الإصلاح الثقافية"، في الوقت الذي كانت الجمعية تستعد لإطلاق الدورة السادسة من "موسم الأخوة"، وقبل أقل من شهرين أغلقت وزارة الداخلية، جمعية "الخير" إضافة لفرع "الندوة العالمية للشباب الإسلامي".

النائب في البرلمان الموريتاني الصوفي ولد الشيباني دوّن على صفحته الرسمية بـ"فيسبوك" قائلا: "إغلاق المراكز التعليمية والجمعيات الخيرية والدعوية والثقافية الجادة العاملة في مجال نشر العلم والثقافة، وخدمة المحتاجين وكفالة الأيتام وإرساء التعايش والانسجام وتكريس الأخوة بين مكونات المجتمع، إجراءات تعسفية ظالمة لا تستند إلى أي مبرر لا قانوني ولا مصلحي، وحتى السلطات التي أقدمت على هذه الإجراءات الظالمة لم تستطع تقديم أي أدلة تبرر تصرفاتها".

وأضاف الشيباني: "إنها الاستهانة بمصالح المجتمع وازدراء الرأي العام وممارسة هوية تصفية الحسابات لا أكثر، لكن بأي منطق نبيح لأنفسنا تعطيل مصالح الغير وتدمير مستقبله ووقف جهود نشر الخير والمعرفة والدعوة والأخوة؟ إنه التعسف الصارخ والظلم البين وعاقبة الظلم لا شك وخيمة".

منظمة الميثاق الحقوقية أصدرت بيانا أدانت فيه "سياسات التضييق على الحريات التي طالت عدة هيئات وجمعيات وطنية ودولية"، معلنة تضامنها التام مع هذه الجمعيات، "التي عرفت بمواقفها من القضايا الوطنية وفي مقدمتها موقفها الرافض لاستمرار الرق ومخلفاته".

وأضافت: "علينا التذكير بأن حاجة موريتانيا إلى التصالح والعدالة الاجتماعية والأخوة تحتاج جهودا جبارة لتحقيقها، لا أن توضع العراقيل في وجه من يسعى للمساهمة في إرسائها، سواء من الجمعيات الثقافية والدعوية أو الهيئات الحقوقية والمدنية".

بصمات إماراتية

الحملة على الجمعيات المحسوبة على التيار الإسلامي حظيت بحفاوة بالغة من  وسائل الإعلام الإماراتية التي لم تفوّت الفرصة لتجدّد حربها المستمرّة على تيار "الإسلام السياسي" في المنطقة العربية وربطه بالإرهاب والعنف والتطرف.

موقع "بوابة الحركات الإسلامية" الإماراتي نشر خبر "إغلاق السلطات الموريتانية جمعيتين تابعتين لتنظيم الإخوان، على إثر شبهات حول أنشطتها، وغموض مصادر تمويلها"، مؤكدا أنّ حملة التصدي للجمعيات الإسلامية والخيرية في موريتانيا تأتي في إطار "مواصلة الجهود الموريتانية لتطويق أنشطة تنظيم الإخوان، بسبب تهديده أمن البلاد، وتحريضه المستمر على العنف والتطرف".

ونشرت صحيفة البيان الإماراتية الخبر تحت عنوان "موريتانيا تغلق مقرين ينشران التطرّف الإخواني"، أما موقع العين الإخبارية الإماراتي فقال: إنّ "موريتانيا أغلقت جمعيات إخوانية تلقت تمويلات مشبوهة من قطر"، مضيفا: "أغلقت السلطات الموريتانية جمعيتين (يدا بيد) و(الإصلاح) الإخوانيتين ضمن حملة أمنية تستهدف الجمعيات والكيانات الإخوانية التي بدأتها الحكومة منذ 24 سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية شبهات في التمويل وأوجه الإنفاق".

كما نشرت صحيفة القدس العربي اللندنية، في تقرير مفصل عن استهداف النظام الموريتاني للإخوان، مشيرة إلى أن "العلاقات القوية بين موريتانيا ودولة الإمارات المعادية للإخوان، تجعل وضعية إخوان موريتانيا معرضة لكل احتمال".

هذه الحملة تأتي وسط تقارب بين النظام الموريتاني الذي يستعد للانتخابات الرئاسية والإمارات التي تلقي بثقلها المادي والاستثماري في البلد المغاربي، كما تأتي في إطار أجندة الإمارات بعد العام 2011 المعادية لثورات الربيع العربي وخطط الانتقال الديمقراطي في المنطقة، وتكشف عن عدائها لحركات الإسلام السياسي وفي مقدمتهم جماعة الإخوان.

اللعب بالنار

في موريتانيا بات واضحا الاصطفافات داخل السلطة والمعارضة وتقديم كل منهما مرشحه الذي سيخوض به غمار الانتخابات الرئاسية، ما يجعل من الهجوم الإماراتي على الإسلاميين في موريتانيا حملة ممنهجة تدخل في إطار المعترك السياسي والتمهيد لانتقال السلطة بين الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز ورفيقه في السلاح وزير الدفاع الحالي محمد ولد الغزواني.

الكاتب والإعلامي الموريتاني عبد الله ولد سيدنا قال: إنّ "هذه الحملة التي ابتدأت بإغلاق مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله بن ياسين والتي يشرف عليها الشيخ محمد الحسن ولد الددو أحد أقطاب العلم في بلاد شنقيط (موريتانيا) والتي كانت تقوم بمهام علمية وأكاديمية عجزت الدولة عن القيام بها".

وأضاف عبد الله ولد سيدنا في حديثه لـ "الاستقلال": "أعقب ذلك إغلاق جمعيات خيرية مثل (يدا بيد) وجمعية (الإخاء) كانت لها أيادي بيضاء في موريتانيا في بلد يحتاج إلى الإخاء أكثر من الخبز بعد أن عصفت به أحداث عنف بين طبقاته ومكوناته".

ويبدو أن الخيط الناظم لكل ذلك هو استفزاز للتيار الإسلامي من جهة وتسجيل نقاط عند داعميها من الخارج وخاصّة الإمارات والسعودية، حسب ما أكده ولد سيدنا، لافتا أنّ "السلطة بمثل هذه الممارسات تلعب بالنار عندما تترك مصير طلبة بالآلاف في الشارع دون أن تقدّم لهم بديلا وهي تغذّي التطرف عندما تغلق المؤسسات المعتدلة والوسطية والمتسامحة، ولها القدرة على استيعاب جموح الشباب وصدّهم عن الغلو والتطرف".

الإعلامي الموريتاني أكد أنّ هذه الحملة لا يمكن لها أن تذهب بعيدا في حملة التضييق على الإسلاميين بموريتانيا قائلا: "السلطة ليس لها القدرة ولا تجرؤ على الذهاب بعيدا في هذه الحملة، كما أنّه لا يمكن لها أن تمارس القمع، فالعسكر الحاكمون في موريتانيا ليس بقدرتهم التوجه في القمع أو الاعتقال أو حظر الأحزاب السياسية، حيث توجد أطراف داخل الجيش قد تستغل أي اضطراب سياسي للانقلاب على السلطة".

وأضاف: "هذه الحملة محاولة للضغط على التيار الإسلامي والتسول باسم ذلك في الخارج وخاصّة من السعودية والإمارات، وخاصة الإمارات، حيث محمد ولد عبد العزيز على علاقة جيّدة بالإمارات العربية المتحدة وكذلك خليفته محمد ولد الغزواني الذي تدعمه الدولة الخليجية استعدادا لتوليه الحكم".

وختم حديثه بالقول: "أعتقد أن الحملة هي للضغط على الإسلاميين في علاقة بالانتخابات ومحاولة للتخويف، ورسالة لهم في صورة إذا استمرّوا في دعم مرشّح المعارضة سيدي محمد ولد بوبكر والمدعوم كذلك من أطراف داخل السلطة".