هل تستخدم موسكو صواريخ "أس 400" لتدمير الناتو؟
أثارت مساعي تركيا الحصول على بطاريات صواريخ جو - جو روسية الصنع من نوع "أس 400" هذا الصيف، غضب الأمريكيين، وذلك بعد عملية طويلة من المفاوضات بدأت قبل عدة أشهر بين الكرملين وسراي (قصر الرئاسة التركي).
وسلطت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، الضوء على الأزمة الحالية بين تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وأمريكا في ظل تصميم أنقرة على الحصول على منظومة الدفاع الصاروخي الروسية.
وقالت "لوفيجارو"، إن أربع مجموعات من بطاريات الصواريخ قادرة على إسقاط طائرات في دائرة 400 كيلو متر، وبسرعة 17 ألف كلم في الساعة، تزرع الفتنة بين حلفاء الناتو، مشيرة إلى أن السلاح المذكور، تصنّعه روسيا - العدو الأول للحلف - وموجه إلى تركيا، أحد أركان المنظمة الأطلسية خلف الولايات المتحدة.
معركة تريح الكرملين
وأوضحت، أنه بُعيد الانتهاء من الاحتفال بالذكرى السبعين لحلف "الناتو"، تستمر المعركة الدائرة بين أنقرة وواشنطن تحت نظرة الذهول للدول الأعضاء الأخرى، وهو أمر يريح الكرملين.
وتابعت "لوفيجارو": باسم الدفاع عن "سيادة" بلده، على خلفية التقارب التكتيكي والعسكري مع فلاديمير بوتين، رجب طيب أردوغان مصمم على الحصول على "أس-400"، على الرغم من أن الخبراء يشككون في الأسس الموضوعية لأمن هذه الخطة، التي بدأت المفاوضات عليها قبل ثلاث سنوات، ومن المتوقع أن يصل إجمالي الصفقة إلى 2.5 مليار دولار (2.2 مليار يورو).
وبينت الصحيفة الفرنسية، أن أمريكا تريد مغادرة تركيا للناتو إذا حصلت على نظام "أس-400"، حيث ناقش وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخرا مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، قضية نظام الدفاع الجوي الروسي هذا الذي تعتزم أنقرة شراءه على الرغم من التحذيرات من قرار "الناتو" وواشنطن بتعليق تسليم المعدات المتعلقة بالطائرة "أف -35" التي طلبتها تركيا.
وقامت واشنطن بالفعل بتسليم أول طائرة من طراز "أف -35" في يونيو/ حزيران 2018 لتركيا، لكن تبقى هذه الطائرات في الولايات المتحدة طوال فترة تدريب الطيارين الأتراك، وهي عملية قد تستغرق من عام إلى عامين.
والتقى بومبيو ونظيره التركي في واشنطن، الأربعاء الماضي، على هامش الذكرى السبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي الذي يضم البلدين.
ومع ذلك، فقد انتقدت وزارة الخارجية التركية محتوى البيان المذكور، مؤكدة أنه لا يعكس "حقيقة التبادلات" بين بومبيو وأوغلو، لكن واشنطن سارعت إلى الرد مؤكدة تمسكها "بكل كلمة" وردت في النص.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أكسوي: إن "البيان الذي نشرته الخارجية الأمريكية والذي من الواضح أنه حضّر قبل لقاء وزراء خارجية البلدين، لا يُقصّر في عكس حقيقة مضمون اللقاء فحسب، بل يتضمن أيضا مواضيع لم يجر التطرق إليها"، مضيفا: "تحالفنا يتطلّب بطبيعة الحال أن يتم تحضير البيانات المماثلة بعناية أكبر".
غير أن بومبيو، سارع إلى تأكيد تمسكه بكل كلمة وردت في بيان وزارته، وقال خلال مؤتمر صحفي في واشنطن: "لقد قرأت نص البيان وأنا متمسك بكل كلمة وردت فيه".
تمسك تركي بالصفقة
وعلى الرغم من تحذيرات واشنطن بشأن حظر المعدات المتعلقة بـ الطائرات العسكرية الأمريكية "أف- 35"، فقد أكد الرئيس أردوغان تمسكه بإتمام صفقة "أس- 400"، موضحا أن عمليات التسليم الأولى لنظام الدفاع ستتم في يوليو/تموز المقبل.
وانتقد الرئيس التركي أيضا تعليقات واشنطن "الخاطئة تماما" بشأن طلبات شراء تركيا هذه لمنظومة، قائلا: إن "حلفاء الناتو يجب ألا يفرضوا عقوبات على بعضهم البعض".
ولفت إلى أنهم تقدموا بطلب شراء منظومة صواريخ "باتريوت" من الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لم تقدم لهم الشروط المناسبة في البيع مثلما قدمت روسيا بخصوص أنظمة الدفاع الصاروخي "أس-400". وأردف أردوغان، أن بلاده غير متحمسة لشراء منظومة "باتريوت" بالشروط الأمريكية الحالية لأنها لا تلبي تطلعاتها.
وتقول واشنطن، إنها تخشى استخدام تكنولوجيا البطاريات "أس- 400" لجمع البيانات التكنولوجية عن الطائرات العسكرية التابعة لحلف "الناتو" والتي يمكن لروسيا الوصول إليها، من خلال صواريخ "باتريوت" الأمريكية في أنقرة، وتقول أيضا إن نظام الدفاع الروسي غير متوافق مع معدات "الناتو".
"واشنطن خائفة"
ووفقا لجان ماسون، الباحث في مؤسسة "فرز": "تم تزويد أس- 400، كنظام للدفاع الجوي، بأجهزة التعرف على الأجهزة الودية والمعادية التي تحدد وتتعقب وتتبع الأجسام الطائرة. لذلك، إذا كان لدى تركيا أس- 400 الروسي و أف -35 الأمريكية، فسيتعين على أس- 400 بتركيا أن يتلقى بيانات لتحديد أف -35 وهو ما يعد مشكلة على الجانب الأمريكي"، مضيفا: "واشنطن خائفة من تسرب المعلومات والبيانات في نهاية المطاف وسيسمح حينها للرادار الروسي أس- 400 باكتشاف أف -35 الأمريكية".
لكن هل يمكنهم بسهولة عرقلة مشاركة تركيا؟ بالنسبة لجان ماسون، فإن "الولايات المتحدة قادرة تماما على تعليق مشاركة تركيا في برنامج أف - 35 إذا كانت لديها إرادة"، مشيرا إلى أن هناك شيء واحد واضح: على الرغم من التوترات بين الناتو وتركيا، ليس على جدول الأعمال خطة لإقصاء أنقرة من الناتو في الوقت الحالي.
وأكد ماسون: "باستثناء التصعيد، وجود تركيا داخل الناتو أمر لا شك فيه، حتى لو كان من المحتمل أن يضعف سلوك تركيا من التماسك داخل الحلف من وجهة نظر أمريكا، ومع ذلك، قد تواجه تركيا عقوبات صناعية وتجارية وعسكرية".
ويظل الناتو الذي تأسس كتحالف قاري ضد التهديد السوفيتي، اليوم أقوى تحالف عسكري في العالم على الرغم من تطور السياق الإستراتيجي العالمي، وانتقاد واشنطن المتكرر للحلفاء الأوروبيين، وأصبحت تركيا عضوا في التحالف الأطلسي منذ عام 1952.
25 تواصل في 2018
وكان أول لقاء جمع بين أردوغان وبوتين هذا العام، يوم 23 يناير/كانون الثاني الماضي، حين أجرى الرئيس التركي زيارة عمل إلى روسيا استغرقت يوما واحدا، إذ شهدت تلك الزيارة اجتماعا بين زعيمي البلدين، بحضور وزراء ومسؤولين من كلا الطرفين. وتركزت المحادثات في الاجتماع المذكور حول آخر المستجدات الحاصلة في سوريا ومسائل إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك، إلى جانب العلاقات بين الطرفين.
ويوم 14 فبراير/شباط الماضي، أجرى أردوغان زيارته الثانية إلى روسيا، حيث التقى بوتين وروحاني في القمة الثلاثية الرابعة بشأن سوريا والتي جرت بمدينة سوتشي.
وكانت الزيارة الأخيرة، في 8 أبريل/ نيسان الجاري، التقى خلالها الرئيس أردوغان، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في الاجتماع الثامن للمجلس "الإستراتيجي التركي الروسي" رفيع المستوى، الذي عقد في قصر الكرملين.
يشار إلى أن أردوغان وبوتين تواصلا خلال العام الماضي 25 مرة، بينها 7 لقاءات مباشرة وجها لوجه، و18 مكالمة هاتفية، وأبرز ما تناوله الرئيسان خلال لقاءات 2018، الأزمة السورية والتعاون القائم بين أنقرة وموسكو في مجال الطاقة، وملف شراء تركيا منظومة صواريخ "أس 400" الروسية.