لدعم مصر والإمارات في إشعال الحرب.. السعودية تقتحم ملعب ليبيا
القتال الضاري الذي اشتعل مؤخرا على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، لم يكن بعيدا عن الأطراف الدولية المتورطة في تأزم الأوضاع داخل الدولة الليبية، منذ اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط 2011، والإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.
اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد الجيش الليبي الذي تدعمه الأنظمة في الإمارات ومصر، للاستيلاء على طرابلس منذ هجومه في 4 أبريل/ نيسان 2019، كان قد زار الرياض قبيل الهجوم بأيام، حيث اجتمع في 27 مارس/ آذار 2019 بالملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، كما التقى عددا من المسؤولين السعوديين أبرزهم وزير الداخلية السعودي ورئيس الاستخبارات العامة.
دخول السعودية بقوة على خط الأزمة الليبية، حدث مستجد، بعد سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة بسبب التدخلات المصرية الإماراتية، ما يهدد بتطور النزاع، ودخوله إلى مراحل دموية غير مسبوقة، مثلما حدث في اليمن.تاريخ متوتر
العلاقات الليبية السعودية مرت بمراحل شابها الكثير من الخلافات والصدامات، وفي فترة قيادة معمر القذافي للجماهيرية الليبية، جاءت القمة العربية التي عقدت في مصر عام 2003، واتفق فيها الزعماء العرب على رفض توجيه ضربة عسكرية للعراق.
القذافي فاجأ الجميع وقتها، وشن هجوما شرسا على ولي عهد السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز، بسبب ما وصفه بالسماح للقوات الأجنبية باستخدام الأراضي السعودية لاحتلال العراق، وهو ما رد عليه الملك عبد الله بلهجة حادة قائلا: "المملكة السعودية مسلمة، ولا تتطاول على أسيادك، من جابك في الحكم أنت؟!"، قبل أن يغادر القاعة غاضبا.
وفي القمة العربية بالعاصمة القطرية الدوحة عام 2009، كرر القذافي مرة أخرى مهاجمة السعودية، ووصف الملك عبد الله "بالهارب والخائف من المواجهة"، ووجه له خطابا مباشرا قائلا: "أنت من صنعتك بريطانيا، وتحميك أمريكا"، قبل أن يعود ويخفف من لهجته مؤكدا استعداده زيارة المملكة، واستقبال ملك السعودية، وفي نهاية القمة عقد الطرفان اجتماع مصالحة برعاية قطرية.
ضوء أخضر
في 6 أبريل/ نيسان 2019، أكد فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة الوفاق الليبية، في تصريحات خص بها قناة الحرة الأمريكية "أن حكومة دولة عربية (لم يسمها) أعطت الضوء الأخضر لحفتر حتى يهاجم طرابلس، وأن أجهزتهم الاستخباراتية تبحث الآن في الأمر، وأن هذه الدولة دخلت على خط الأزمة الليبية حديثا".
وأضاف باشاغا: "نحن نتألم كثيرا عندما يكون هناك أي عمليات إرهابية في السعودية، لكن ربما يكون هناك بعض اعتقادات خاطئة لدى بعض الأفراد، وأؤكد لهم أن ليبيا دولة تختلف عن الدول الأخرى وأن شعبها متجانس، ونتمنى من الدول الإقليمية التدخل الإيجابي وليس السلبي".
وإذا وصفت الرياض بأنها دخلت على خط الأزمة الليبية حديثا، فإن لأبوظبي تاريخ متسلسل ونافذ، في إدارة الصراع الليبي بين الفرقاء، وفي 19 فبراير/ شباط 2015، كشف تسريب بثته قناة بانوراما الليبية، عن مساع مصرية إماراتية لدعم محاولة انقلابية فاشلة في ليبيا بقيادة اللواء خليفة حفتر قبل عام، وتحديدا في فبراير/شباط 2014.
جاء الحوار المسرب بين عباس كامل، وعبد الفتاح السيسي، حينما كان الأخير وزيرا للدفاع، ودار محور المكالمة في الدقائق الأولى منها، عن أحمد قذاف الدم ابن عم معمر القذافي، ورئيس الحكومة الليبية آنذاك علي زيدان، كما تطرق الحديث للشخصية الفلسطينية، والقيادي المقال من حركة "فتح" محمد دحلان، والذي ألمح عباس لحساسية موقفه وهو مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في إشارة لدور خفي يلعبه في الداخل الليبي.
وكشف التسريب عن اتصالات بدت بين السيسي عندما كان وزيرا للدفاع مع زيدان وقذاف الدم، قبل فبراير/ شباط من العام 2014، حيث كان ينتظر تحركا جماهيريا يقوده معارضو المؤتمر الوطني "المنتخب" على غرار تحركات 30 يونيو/حزيران في مصر.
تهريب السلاح
وكشف تقرير الأمم المتحدة الصادر في مايو/آيار 2015، عن عمليات تهريب سلاح إلى ليبيا قامت بها مصر والإمارات، ولم تشمل تلك العمليات الأسلحة والذخائر فقط، بل شملت أيضا تحويل طائرات عسكرية مصرية إلى ليبيا، لدعم حفتر، وذكر التقرير أن الإمارات صدرت بشكل غير مشروع أسلحة إلى ليبيا، عندما نقلوا عتادا عسكريا إلى طبرق شرق البلاد أواخر العام 2014.
ومنذ العام 2011، تطلعت الإمارات بشكل واضح إلى إجهاض الثورة الليبية في مهدها، وقامت بدعم عسكريين متمردين، وفصائل بعينها محدثة انقساما في المجتمع الليبي، وقامت بإغراق حلفائها بالسلاح رغم الحظر الأممي المفروض على واردات السلاح إلى ليبيا.
وفي التاسع من مايو/آيار 2017، نشرت مجلة التايم الأمريكية، أن دولة الإمارات قامت بنشر 6 طائرات توربينية في قاعدة جوية شرق ليبيا، في انتهاك واضح لحظر تصدير الأسلحة إلى هناك.
الصورة التي نشرتها مجلة التايم وتوضح انتشار الطائرات الإماراتية في القاعدة الليبية
ونشرت مؤسسة البحوث العسكرية "جاينز"، ومقرها لندن تقريرا مفاده أن الإمارات قامت بإنشاء قاعدة عسكرية شرقي ليبيا خلال الفترة من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز AT-802، وأخرى بدون طيار لدعم قوات اللواء خليفة حفتر.
أدلة قاطعة
في 27 أغسطس/آب 2014، نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، تقريرا أعدته الصحفية ماري فيتزيجرالد، قالت فيه: إن "كادرا من رجال الأعمال، وقادة الميليشيات الليبيين يأملون الاستفادة من الهجوم الذي شنته مصر والإمارات، على مواقع الحركات الإسلامية في العاصمة الليبية طرابلس لمنعهم من السيطرة على ميناء طرابلس الدولي".
وأوردت المجلة أسماء الشخصيات الليبية التي تدفع نحو وضع استراتيجية للتعاون مع الإمارات ومصر، وكان من بينهم:
- محمود جبريل، الذي شغل منصب وزير التخطيط في عهد القذافي، ثم رئيس الحكومة أثناء الثورة، قبل أن يغادر الساحة مضطرا بعد قرار العزل السياسي.
- عبد المجيد مليقطة، وكتائب القعقاع، وهي مليشيات تابعة لقبائل الزنتان، ووفرت الحماية لمحمود جبريل في تحالف القوى الوطنية.
- علي النابض، وهو من المقربين لجبريل، وشغل منصب سفير ليبيا في الإمارات.
- حسن تنتاكي، وهو رجل أعمال ليبي، ولديه مصالح في تجارة النفط، وعمل سابقا مع سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي معمر القذافي.
وفي 10 يونيو/حزيران 2017، كشف تقرير لجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا، أدلة قاطعة على تورط الإمارات في خرق حظر التسليح المفروض على البلاد، حيث قدمت الدعم العسكري لقوات حفتر على أنها شحنة مواد غير قاتلة، ووفق التقرير فقد أدى الدعم الإماراتي إلى زيادة قدرات حفتر بصورة كبيرة، ما ترتب عليه تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر بليبيا.
وقال خبراء الأمم المتحدة إنهم تمكنوا من تتبع تسليم شحنات مروحيات قتالية مصنوعة في بيلاروسيا إلى دولة الإمارات، وقدّموا صوراً تظهر وجود هذه المروحيات في قاعدة الخادم الجوية (شرق ليبيا) معقل حفتر.
كما رصد التقرير زيادة في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل بعض الجماعات المسلحة المعترف بها من مجلس النواب أو المجلس الرئاسي وحكومة الإنقاذ الوطني.
المصادر
- تقرير فورين بوليسي عن أهم رجال الإمارات في ليبيا
- تقرير لجنة العقوبات الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن الحالة الليبية
- تقرير مؤسسة البحوث العسكرية "جاينز" الذي يتحدث عن القاعدة الإماراتية في ليبيا
- من خناقات القمة العربية.. عندما قال الملك السعودي للقذافي لا تتطاول على أسيادك
- السعودية والإمارات تعتزمان استعادة السلطوية العربية