فورين بوليسي: لهذه الأسباب ليس هناك ما يدعو للتفاؤل في الجزائر

12

طباعة

مشاركة

أكد الكاتب الأمريكي ستيفن كوك أنه ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل فيما يخص الاحتجاجات التي تشهدها الجزائر، موضحا أنها تشبه إلى حد كبير ثورات الربيع العربي.

وأوضح كوك في مقال له بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أنه من الصعب عدم التأثر بالأحداث التي شهدتها الجزائر في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، مشيرا إلى أنها "حالة أخرى لمستبد في الشرق الأوسط حاول أن يخدع شعبه".

ومضى قائلا، "في الوقت الحالي، يعرف أي شخص لديه اهتمام كبير بالعناوين الرئيسية أن قادة البلاد من خلف الكواليس قرروا الدفع بالرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة للترشح لولاية خامسة".

الرومانسية في قراءة ما يحدث

واعتبر الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن "قرار الجنرالات الجزائريين وغيرهم من رجال السلطة بتسليم الرئاسة إلى رجل أصيب بسكتة دماغية في عام 2013 كان بالنسبة للناس بمثابة غطرسة أكثر من اللازم".

وأشار كوك إلى أنه نظرا لعدم وجود آلية مؤسساتية لمعارضة هذا القرار، خرج الجزائريون إلى الشوارع بشكل جماعي للمطالبة بإنهاء ترشيح بوتفليقة وكذلك النظام الذي مكّن الرجل من الترشح للانتخابات مرة أخرى. ولفت إلى أنه برغم أن المظاهرات واستجابة القيادة الجزائرية لها كانت رائعة، إلا أنها كانت مألوفة أيضًا.

وتابع المقال "في غضون بضعة أيام، استقال أعضاء من جبهة التحرير الوطني، ورفض القضاة مراقبة الانتخابات التي كان بوتفليقة مرشحًا فيها، كما انضم قدماء المحاربين إلى معارضة إعادة انتخاب الرئيس، بل وأصدرت القوات المسلحة بيانًا تعلن فيه أن الجيش والشعب يشتركان في رؤيتهما للمستقبل".

ولفت إلى أن بعض المتظاهرين والناشطين والمحللين يتساءلون عما إذا كان قد عاد. وأجاب الكاتب على التساؤل بقوله "ربما"، محذرا من الرومانسية في قراءة ما يحدث ومن خطورة عدم تحليل الأمور بشكل واقعي.

الحقائق

وأكد على أهمية وضع الحقائق التالية في الاعتبار:

  • أولا: المؤسسة العسكرية الجزائرية هي المستفيد الأساسي والمدافع عن النظام السياسي القائم. وكنظيرتها المصرية، يبدو من غير المرجح أن تتخلى عن النظام بهذه السهولة. والإعلان الأخير بأن بوتفليقة لن يخوض الانتخابات، وتأجيلها والوعد بإصلاحات ودستور جديد، ليست أكثر من تكتيكات للتأخير. ومن المرجح أن يستخدم الجنرالات الوقت في البحث عن وسيلة لإنقاذ نظام سياسي يمثل مصالحهم. الخبر السار هو أن البعض لا يصدق النسخة الجزائرية من شعار "الجيش والشعب يد واحدة".
  • ثانيا: الاحتجاجات تعبير مهم عن الغضب الشعبي من النخبة الفاسدة والمتعجرفة، لكن المظاهرات لم تدفع بوتفليقة إلى إلغاء ترشيحه. لا أحد يعرف كيف تم اتخاذ هذا القرار، لكن تجدر الإشارة إلى أن القوى الموجودة في الجزائر استقرت فقط على الرئيس الحالي عندما لم تتمكن من الاتفاق على خليفة له. ومع ذلك فإن 3 أسابيع من الاحتجاجات أسفرت عن إعلان فترة انتقالية غير محددة سيحاول الضباط خلالها حل خلافاتهم والتوصل إلى مرشح جديد.
  • ثالثا: بحسب التعريفات، فما حدث في الجزائر حتى الآن ليس ثورة، فالنخبة الحالية تتحكم في السلاح، والأهم من ذلك، تسيطر على مؤسسات الدولة بما يمكنها من استخدامها ضد الخصوم.
  • رابعا: من المهم أن نتذكر أنه في عام 1988، شهدت الجزائر احتجاجات على مستوى البلاد أنتجت دستورا جديدا ليبراليا. وقد أدى ذلك ببعض المحللين إلى استنتاج أن الجزائر باتت أكثر الدول ديمقراطية في العالم العربي. وبعد سنوات قليلة فقط من إقرار دستور عام 1989، سقطت الجزائر في حرب أهلية بعد أن ألغى الجنرالات نتائج الانتخابات لأن الجيش لم يعجبه الإسلاميون المنتصرون. التاريخ ليس خارطة طريق للمستقبل، لكنه يؤكد الطبيعة الطارئة للسياسة. في لحظة واحدة، كان يُعتقد أن الجزائر تتحول إلى ديمقراطية، وفي لحظة أخرى، باتت دموية وسلطوية.
  • خامسا: لا توجد معلومات كافية لمعرفة مسار الجزائر. يميل الناس إلى الإقرار بذلك بإعلانهم أن "الموقف في حالة سيولة"، لكن من الأفضل للمحللين تحديد السيناريوهات المعقولة دون ترجيح أي احتمال معين، لأن لا أحد يعرف ما سيحدث.
  • أخيرا: بسبب بُعد الجزائر عن هوس واشنطن بالصراع العربي الإسرائيلي وإيران، تم ترك الشأن الجزائري للحكومة الفرنسية. ونتيجة لذلك، فإن واشنطن ليس لديها سوى القليل من الموارد والفعالية والإرادة للتأثير على التطورات في الجزائر. ربما يكون هذا أمرا جيدا، لأنه حتى الأشخاص الذين يعرفون الجزائر جيدا لا يفهمون كيفية اتخاذ القرارات هناك. هذه المظاهرات هي قصة جزائرية، ومن الأفضل أن تبقى هكذا.

واتفقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بشكل كبير مع وجهة نظر الكاتب، معتبرة أنه "من المؤكد أن سماسرة السلطة في الجزائر، وخاصة في الجيش، سيواصلون تحريك الخيوط في الظل".

وأشارت الصحيفة في مقال لماكس فيشر إلى أن الطريق نحو الديمقراطية محفوف بالمخاطر دائمًا، موضحة أن البلدان التي سارت إلى هذا الطريق انتهى بها الأمر إلى مكان أسوأ من المكان الذي بدأت منه.

استبدال الطغاة بآخرين

وتابع الكاتب "الثورة الشاملة، رغم أنها رومانسية في الأفلام والكتب، إلا أنها نادراً ما تنجح". وأضاف "تقوم حركات الاستقلال في بعض الأحيان بالتحرير، لكنها في بعض الأحيان تستبدل الطغاة الأجانب بآخرين محليين".

واعتبر الكاتب أن التاريخ يثبت أفضلية ما يسمى بـ"الانتقال الموقوت"، الذي يحقق مكاسب ديمقراطية عبر جيل من الزمن. وأشار إلى أن "هذا هو المرجح حدوثه في الجزائر"، موضحا أن "إجبار سماسرة السلطة على اتخاذ قرار باستبدال الزعيم سيسمح بالتدريج بتسليم المواطنين بعض مساحات السلطة، التي تكون صغيرة في البداية ثم تكبر شيئا فشيئا".

ولفت الكاتب إلى أن "هذا النوع من الانتقال يمكن أن يحدث في بضع سنوات سريعة، كما هو الحال مع انتقال إسبانيا في سبعينيات القرن الماضي من الحكم الفاشي إلى الديمقراطية".   

وعزا كوك صعوبة التحول الديمقراطي الفوري إلى صعوبة أن يسمح الحرس القديم بتغيير حقيقي، وحتى إن فعلها فسيتراجع عن رأيه ويستعيد السلطة مرة أخرى.

وأضاف "في مصر، على سبيل المثال، أجبر ضباط الجيش الرئيس المستبد حسني مبارك على التنحي في عام 2011، وسمحوا بإجراء انتخابات حرة في عام 2012، لكنهم سرعان ما نظموا انقلابا لاستعادة السلطة في عام 2013".

وتابع "في ميانمار، التي كانت تعتبر ذات يوم تجربة ديمقراطية نادرة، تراجع الجيش جزئيا قبل أن يعود ليثبت نفسه فوق حكومة مدنية ليس لديها سيطرة كاملة".

وأضاف "بعد أن أزاحت النخب الحاكمة في زيمبابوي روبرت موغابي في عام 2017، مما أثار آمالا بالديمقراطية، قامت ببساطة بتثبيت واحد من داخلها بدلاً منه".

وأشار الكاتب إلى أن "شبح هذه الإخفاقات يخيم على الجزائر، حيث من المتوقع أن يمارس الجيش نفوذاً، إن لم يكن سيطرة كاملة، على أي عملية انتقالية".

ولفت الباحث إلى وجود درس آخر مثير للقلق في الجزائر، وهو أن "الحكومات أتقنت فن تخريب المعايير الانتخابية دون كسر واجهة الديمقراطية بالكامل". وأضاف "سماسرة السلطة في البلاد قد يشيرون إلى الديمقراطية بينما يشدون قبضتهم بهدوء".

وأشار إلى أن هذا يعني أنه "حتى الانتخابات الحقيقية يمكن أن ترفع من مستوى القائد، بما يستبدل نوعًا من الاستبداد بنوع آخر".