معهد أمريكي: هذه إستراتيجية حفتر بعد هجومه على "فزان"

نشر موقع "معهد الشرق الأوسط" الأمريكي، تقريرا تحدث فيه عن إستراتيجية الجنرال الليبي المتقاعد، خليفة حفر، في جنوب ليبيا، بعد العملية العسكرية التي شنها في يناير/ كانون الثاني الماضي، للسيطرة على منطقة فزان، في الجنوب الغربي من البلاد.
وقال المعهد، في تقريره الذي ترجمته "الاستقلال" إنّ "الجيش الوطني الليبي الموالي للجنرال خليفة حفتر، شن عملية عسكرية للسيطرة على منطقة فزان في الجنوب الغربي من ليبيا. ستساعد العملية، التي يفترض أنها تهدف إلى مكافحة الجماعات الإرهابية والإجرامية، فضلا عن استعادة الإستقرار، على تعزيز سيطرة الجنرال علي المنطقة المهملة منذ فتره طويلة".
ماذا لو نجحت الحملة؟
وعلق التقرير على فرضية إذا نجحت حملة الجنرال حفتر، بالقول إنها "تخاطر بعرقلة السلام السلبي بين الفصائل المتناحرة الرئيسية في البلاد. كما يمكن أن يشعل فتيل العنف الطائفي الذي أصاب فزان في السنوات التي تلت سقوط نظام القذافي في 2011. حتى الآن ، كان المجتمع الدولي متهاونا بشكل مثير للقلق، ولعل ذلك يكون نقطة فاصلة لتدخل دولي يعيد التوازن لميزان القوي في ليبيا".
وقال معهد "الشرق الأوسط"، إن "صحراء فزان الشاسعة التى لا تخضع لقانون، والتي تربط بين الصحراء الكبرى جنوبا وسواحل البحر الأبيض المتوسط شمالا، تجعل المنطقة مركزا للعديد من الأنشطة غير المشروعة والإرهابية. ينتشر التهريب بجميع أنواعه: البشر، النفط، الذهب، الأسلحة والمخدرات، و تتجول الجماعات الإرهابية والمسلحة من ليبيا والبلدان المجاورة (وخاصة تشاد والسودان) بحرية كبيرة. والآثار المتلاحقة الناجمة عن هذه البيئة غير المستقرة والمتقلبة لم تؤثر علي جيران ليبيا فحسب، بل أصبحت أيضا مصدر قلق كبير لأوروبا".
ما موقف فرنسا؟
وعن موقف الدو المراقبة للأوضاع في ليبيا، قال المعهد إن "فرنسا تدعم و بشدة الحملة ضد فزان و ترى أن تقدم حفتر يقضى على العناصر الإرهابية في المنطقة و يمكن أن يعيق نشاط المتاجرين بالبشر، إضافة إلى ذلك فإن هجمات القوات الليبية بقيادة حفتر على المسلحين التشاديين قرب مرزوق أجبرتهم على الفرار إلى شمال تشاد، حيث استهدفت الطائرات الفرنسية قوافلهم. ما قد يشير إلى درجة من التنسيق بين القوات المسلحة الليبية والقوي الفرنسية في المنطقة".
وبغض النظر عن الدوافع، وفقا للتقرير، فإنه يبدو أيضا أن العديد من الدول الأخرى تحبذ فكرة وجود محاور واحد قوي لكبح جماح "الفوضى الليبية". وعلى هذا النحو، يتمتع حفتر بدعم دولي و إقليمي من مجموعة من الدول، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية، وبدرجه أقل، روسيا.
ولفت إلى أنه "مع التغييرات التى تحدث على أرض الواقع قد تضطر روما (والتى تتخذ مواقف معادية لفرنسا) إلى إعادة النظر في معارضتها لحفتر، ليس فقط للحفاظ علي مصالح شركة(إية.أن.آي) للنفط والغاز المتعددة الجنسيات الإيطالية في المنطقة، ولكن أيضا بسبب هوسها بوقف الهجرة".
وبحسب التقرير، فإن السيطرة على فزان ستمنح حفتر الفرصة لاحتكار معظم موارد النفط والمياه الليبية، إضافة إلى تعزيز موقعه كشريك أمني لا غنى عنه ، سيساعد ذلك في تقويض (وربما عزل) "حكومة الوفاق الوطني"، منافسه المعترف به دوليا في طرابلس. ونتيجة لذلك، قد يحظى حفتر بمزيد من الدعم من المجتمع الدولي.
وأشار إلى أنه "من أجل تعزيز سيطرته على المناطق التي تم الإستيلاء عليها حديثا، تبنى حفتر تعاملا أقل عدوانية يتناقض مع العنف المنهجي الذي استخدمته قواته مؤخرا في مدينة درنة الشرقية. فعملية فزان تعد فرصة لتوسيع قاعدته الاجتماعية مع إظهار قدرته على التعامل مع وضع اجتماعي معقد ومتعدد الأعراق. وقد استفاد أيضا من الضعف المؤسسي الواضح للحكومات الليبية المتتالية، وعجز حكومة الوفاق الوطني عن توفير الأمن وإدارة البلاد".
هذا ما ركز عليه حفتر
وطبقا للتقرير، فإن منطقة فزان هي موطن ليس فقط العرب، ولكن أيضا لمجموعتين عرقيتين رئيسيتين، توبو والطوارق. التوترات والصراع بين هذه الطوائف أصبح أمرا شائعا في فزان. الهجوم الذى شنه حفتر كان تحت راية قتال "العصابات التشادية"، والتي ، إلى جانب جماعات المعارضة السودانية، تقوم بتقويض الاستقرار في فزان، ما أدى إلى توليد مخاوف بين قبيلة توبو الليبية - التي تسكن فزان إضافة إلى تشاد والنيجر والسودان المجاورة- حيث تم تصويرهم في كثير من الأحيان على أنهم "تشاديون" بسبب علاقاتهم العشائرية عبر الحدود.
وتابع المعهد الأمريكي قائلا: "بدلا من مواجهتهم عسكريا، ركز حفتر على تقويض روابطهم مع نظرائهم في البلدان المجاورة من خلال كسب ولاء شيوخ قبيلة توبو الليبيين ذوي النفوذ. استخدم حفتر هذه الإستراتيجية نفسها بنجاح في عام 2016 ، حيث استفاد من العلاقات القبلية للسيطرة على المناطق الحيوية، مثل الهلال النفطي الليبي. وعلى الرغم من استخدام العنف ضد التوبو في مدن مثل مرزوق، إلا أنه لا يوجد خطر حقيقي من أن يتمكن التوبو وحدهم من إيقاف توسع حفتر".
وأوضح: "بدأت حملة حفتر في سبها، مدينة فزان الأكثر اكتظاظا بالسكان ، حيث يشيع العنف الطائفي. أبرم حفتر صفقة مع القبائل المحلية وسماسرة السلطة لتسليم المدينة إلى الجيش الوطني الليبي. وبعد السيطرة على المواقع العسكرية الرئيسية وتوفير الأمن الأساسي، ركز حفتر على تعزيزالشرعية الإجتماعية لقواته. فتدفقت حمولات الشاحنات من الأغذية والأدوية، وأنفقت ملايين الدنانير من الأوراق النقدية المطبوعة باللغة الروسية للمساعدة في حل أزمة السيولة، وذلك كله بهدف حشد دعم السكان المحليين بمختلف اتجاهاتهم".
وبحسب معلومات التقرير، فإن "حفتر يدرك أن نجاحه يتوقف على الحفاظ على التحالفات التي بناها، فضلا عن احتواء المشاعر العدائية ضد قواته. ومن الناحية العسكرية، فإن إشراكه للقوى الموجودة مسبقا، أدى في نهاية المطاف إلى إدراجها في هيكل القوات المسلحة الليبية. وقد سمحت له هذه الإستراتيجية بالسيطرة بسهولة على حقلي شرارة والفيل، مما مكنه من تأمين سيطرته علي معظم مرافق الإنتاج النفطي في ليبيا".
"اتفاق أبو ظبي"
واستطرد المعهد قائلا: "مع تقدم حفتر في فزان، أصبحت قواته ممتدة على شكل شريط ضيق. نتيجة لذلك، سيحتاج إلى دعم عسكري و سياسي. وبشكل متزايد ونتيجة للمتغيرات على أرض الواقع أصبح هناك دعما دوليا و شرعنة لعملية حفتر العسكرية. و هو ما يثيرالتساؤل عما إذا كان هذا النهج يهدف إلى تقويض بعثة دعم الأمم المتحدة في العملية السياسية القائمة على الحوار في ليبيا عمدا؟. وقد يؤدي ذلك إلى نقطة اشتعال تدفع الخصوم في الصراع الليبي إلى مواجهة عسكرية بينما كانوا يتبنون النهج السياسي" .
على خلفية التطورات الحالية، اقترح المعهد الأمريكي أن "تركز الاستجابة الدولية على منع إفشال عملية الأمم المتحدة وتجنب التصعيد بين الأطراف. لم تشر الإجتماعات الأخيرة التي عقدت في أبو ظبي، والتي حضرها رئيس الوزراء فايز السراج من حكومة الوفاق الوطني وحفتر والسفراء الأجانب والممثل الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة، إلى خطة عمل الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون خارطة الطريق الليبية نحو الإنتقال. على الرغم من أن استراتيجية الاستفادة من التقدم العسكري لحفتر في التأثير السياسي وتغيير ديناميكيات القوة الوطنية قد تكون مقنعة، إلا أنها ستكون لها عواقب بعيدة المدى".
واختتم معهد "الشرق الأوسط" تقريرت بالقول: "يمكن أن يؤدي التهاون الحالي من جانب المجتمع الدولي إلى تصعيد بين الفصائل المتناحرة، والمجازفة بنشوب صراع فى البلاد. وفي الوقت نفسه، فان مصداقية الوسطاء معرضة أيضا للخطر لأن الإفتقار إلى الشفافية بشأن التطورات في العملية السياسية يهدد بتقويض النجاح الدبلوماسي. ويمكن بسهولة النظر إلى الجهود المبذولة لحل النزاع الليبي المبنية على براغماتية قصيرة الأجل على أنها انتهازية سيئة النية".