الدور الإماراتي بالمنطقة.. أذرع طويلة ووظائف محددة

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن يعلم الشاب التونسي، محمد البوعزيزي، أنه بإشعاله النار في جسده احتجاجا على الأوضاع المعيشية المتردية في بلاده، أنّ حادثته سيترتب عليها تحولات جذرية تشهدها المنطقة، باندلاع ثورات الربيع العربي، التي بدأت في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 بتونس، مهد الثورة وموطنها الأول، ثم انطلق المد إلى سائر ربوع المشرق، من القاهرة إلى دمشق، وصنعاء، وطرابلس.

"عروش زائلة، ورؤساء أسقطوا،

وأنظمة عتيقة باتت مرتجفة،

وتحولات تاريخية بدت في الأفق"

الأمر أقلق عددا من الحكومات، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، تلك الدولة الصغيرة حجما، والمتضخمة نفوذا، التي سعت إلى قيادة موجة من الثورات المضادة، تحولت معها العاصمة الإماراتية "أبو ظبي"، إلى مركز عمليات قيادة حراك "فلول الأنظمة البائدة"، وعن طريق التدخل في شؤون الدول العربية، ودعم انقلابات عسكرية وحركات احتجاجية، أثارت فوضى عارمة وجرائم غير مسبوقة.

وهو ما عبر عنه الفيلم الدعائي الإماراتي، الذي أُنتج في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تحت عنوان "سبارتا الصغيرة.. رجالنا عزنا وفخرنا"ـ

أسبرطة المدينة اليونانية القديمة التي تميزت بطابعها العسكري التوسعي وتهديدها لجيرانها، أصبحت نموذجا للإمارات التي تحاول أن تتوغل على نفس النسق، وتلعب دورا بارزا في الساحة الإقليمية والدولية.

الإمارات تحرق أرض سبأ

في 25 فبراير/شباط 2018، فتح وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، النار على دولة الإمارات، والدور الذي تلعبه داخل الأراضي اليمنية، واتهمها بالعمل على دعم فصائل مسلحة خارج نطاق الشرعية، والعمل على إثارة وتعميم الفوضى في البلاد.

وكان التحالف العربي قد نفذ عملية عسكرية في أبريل/ نيسان 2016، لتحرير مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت من تنظيم "القاعدة"، بعد عام من سيطرته عليها، وبدلا من سيطرة الأجهزة الأمنية الرسمية على الوضع في المكلا، أوكلت الإمارات المهمة إلى قوات جديدة أنشأتها ودربتها، تعرف بالنخبة الحضرمية.

تلك القوات تنتمي إلى محافظة حضرموت فقط، وتسيطر على جميع المواقع الحكومية السيادية، وعلى رأسها مطار "الريان"، وميناء "المكلا"، وميناء "الضبة" النفطي، تلك القوات تحديدا أقدمت على انتهاكات بحق المواطنين المعارضين للنفوذ الإماراتي في هذه المنطقة.

وفي 20 يونيو/حزيران 2018، كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية في ضوء تقريرها، على خلفية وثائق وصور انفردت بها عن طبيعة دور أبوظبي داخل اليمن، عن فضيحة جديدة بتورط ضباط إماراتيين ووكلائهم في انتهاكات وتعذيب بحق مئات المعتقلين اليمنيين في عدد من السجون على رأسهم سجن بئر أحمد في عدن.

الوكالة شبهت الأساليب المختلفة لضباط الإمارات في التعذيب والإذلال الجنسي بما كان يحدث في سجن أبوغريب بالعراق إبان فترة الاحتلال الأمريكي.

وتحاول الإمارات جاهدة وبكل الوسائل السيطرة على الساحل الغربي لليمن، وفي سبيل ذلك احتلت جزيرة "ميون" الواقعة على مدخل مضيق باب المندب، وتعتبر تلك الجزيرة من أهم الطرق البحرية الاستراتيجية في العالم.

وفي يوليو/تموز 2017، شرعت الإمارات في بناء قاعدة جوية لها غرب مطار سقطرى، كما جندت نحو ألف شاب من جزيرة سقطرى خضعوا لتدريبات كثيفة في أبو ظبي لعدة أشهر، ووزعوا على نقاط عسكرية في الأرخبيل البحريّ.

وحوّل الإماراتيون بلدة "ذو باب" القريبة من باب المندب، إلى قاعدة عسكرية يتحكمون فيها بالكامل، وهجّروا جميع سكانها المقدرين بنحو عشرة آلاف مواطن، ونقلوهم إلى خيام في منطقة صحراوية، وحوّلوا مساكنهم إلى ثكنات عسكرية.

كما حوّلوا ميناء "المخا" إلى قاعدة عسكرية -أيضا- ووضعوا فيها نحو أربعمئة من قواتهم ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها إلا بإذن مُسبق، وأصبح الميناء حكرا عليهم تصل إليه سفنهم الحربية.

صورة للسجون الإماراتية في اليمن.أسوشيتد برس

صور للسجون الإماراتية في اليمن

 

وفي 22 يونيو/حزيران 2017، كشف تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن، تديرها دولة الإمارات، وأشارت الوكالة إلى أنها وثقت مالا يقل عن 18 سجنا سريا في جنوب اليمن، تحت إدارة الإماراتيين، أو القوات اليمنية التي دربتها الإمارات، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.

صورة تخيلية لأحد السجون الإماراتية في اليمن.أسوشيتد برس

صورة تخيلية من التحقيق، تكشف حجم الانتهاكات التي تعرض لها السجناء داخل المعتقلات الإماراتية في اليمن.

هندسة انقلاب مصر

في 12 فبراير/شباط 2015، أذاعت قناة (مكملين الفضائية) تسريب (السيسي ينهب الخليج)، وكشف عن محادثة بين عبد الفتاح السيسي، ومدير مكتبه اللواء عباس كامل، ودار الحوار بينهما حول الدعم المالي من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.

وكشف التسريب الذي جاء بعنوان (70 دقيقة تسريبات) عن الدور الذي لعبته الإمارات في دعم حركة تمرد، التي كانت تدعو للعصيان وسحب الثقة من الرئيس المنتخب محمد مرسي.

وأظهر المقطع الأول في التسريبات، مكالمة هاتفية بين مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل والدكتور سلطان الجابر، وزير الدولة في الإمارات، يتحدث فيه عباس عن صعوبة التصرف في الوديعة الإماراتية للجيش المصري لتحويلها كوديعة للبنك المركزي من بنك أبو ظبي، بينما هي تمويلات مقدمة لمشاريع الجيش.

وتضمن المقطع الثالث من التسريبات مكالمة بين عباس كامل وصدقي صبحي لتوضيح دور دولة الإمارات في تمويل حركة تمرد وجهاز المخابرات الحربية.

وقال كامل لصدقي صبحي نصا "والنبي يا فندم هنحتاج بكرة 200 من حساب تمرد" مضيفا "انت عارف الجزء بتاع الإمارات".

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، كشف موقع ميدل إيست آي عن وثيقة إستراتيجية حصل عليها ووضعها في تقرير بعنوان (الإمارات تخطط لحكم مصر مقابل أموالها)، وجاء في الوثيقة مدى الإحباط الذي وصل إليه ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، بسبب أداء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته، بعدما أنفقت الإمارات 25 مليار دولار لدعمه.

ومن أهم التصريحات التي أطلقها بن زايد كما جاء في الوثيقة قوله (يجب أن يعلم هذا الرجل بأنني لست ماكينة صراف آلي) ثم عقب (إذا كنا سنعطيك مجددا فسيكون بشروطنا الخاصة، إذا أعطينا فنحن من سيتحكم)، هذه التعبيرات توضح مدى العلاقة بين الإمارات ومصر، وأن نظام الحكم في القاهرة خاضع لتحكمات شيوخ أبوظبي الذين فرضوا سياسة تتمحور حول التحكم بمقاليد الأمور في مصر بما يخدم مصالحهم الأساسية.

الإمارات وتونس

في 11 يونيو/حزيران 2018، كشف تقرير نشره موقع "لوموند أفريك" الفرنسي، تورط الإمارات في محاولة انقلاب بتونس، بالتخطيط مع وزير الداخلية التونسي المقال لطفي براهم، وقال التقرير إنّ لقاء سريا جرى بين براهم ومسؤول رفيع بالمخابرات الإماراتية في جزيرة جربة التونسية.

وأوضح المقال، أن المسؤولين اتفقا على خارطة طريق تقضي بإحداث تغييرات في هرم السلطة التونسية، على رأسها عزل الرئيس الباجي قايد السبسي لأسباب مرضية، وإقالة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وتعيين كمال مرجان رئيسا للحكومة، وهو الذي كان يشغل منصب وزير داخلية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

الإمارات وحصار قطر

وفي 17 يوليو/تموز 2017، كشفت صحيفة واشنطن بوست، أنّ الإمارات تقف وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية ومواقع حكومية أخرى، ما أدى إلى اندلاع أزمة بين الدوحة وكلا من الإمارات والسعودية والبحرين إضافة إلى نظام السيسي في مصر.

وذكرت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية، أن كبار المسؤولين في الحكومة الإماراتية وضعوا خطة قرصنة وكالة الأنباء القطرية في 23 مايو/أيار 2017، أي قبل يوم واحد من واقعة القرصنة.

وتعرّض موقع وكالة الأنباء القطرية للقرصنة، في الساعات الأولى من يوم 24 مايو/ أيار 2017، وجرى فبركة تصريحات مزعومة، نُسبت لأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

واستهدفت دول الحصار المساس بنظام الحكم القطري، وإحداث انقلابا عسكريا، ولكن فشل مخططهم، جعلهم يقدمون على انتهاكات ضد الشعب القطري، لتصدر تقارير حقوقية تدين سلوك تلك الدول وفي مقدمتها الإمارات.

وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي"، بتاريخ 19 يونيو/ حزيران 2017، عن وجود آلاف الأشخاص الذين يواجهون التهديدات بمزيد من الفوضى في حياتهم وتمزيق أسرهم بسبب التدابير التعسفية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين في سياق نزاعهم مع دولة قطر.

الإمارات في إفريقيا

وفي 28 سبتمبر/أيلول 2017، كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، الدور الذي لعبته الإمارات في إشعال الصراع بجنوب السودان، وذكر التقرير المعنون بـ (من لندن إلى جوبا) عن عمل شركة مقرها في غرب لندن كوسيط في صفقات أسلحة ضخمة إلى جنوب السودان، بالتعاون مع الإمارات، وشركات أوكرانية.

وذكر التقرير أن الأسلحة المذكورة تشكل جزءا من عقد أبرم عام 2014 بين شركة أسلحة أوكرانية رسمية وشركة إماراتية خاصة، لشراء أسلحة بـ169 مليون دولار نيابة عن حكومة جنوب السودان.

وفي 23 فبراير/شباط 2018، أنهت حكومة جيبوتي عقد الامتياز الممنوح لشركة موانئ دبي العالمية، الذي يقضي بتشغيل الأخيرة محطة "دوراليه للحاويات" في ميناء جيبوتي لمدة 50 عاما، لتعرقل إستراتيجية الإمارات المُحكمة، الرامية إلى السيطرة على الميناء.

بعدها أصدر الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غوليه، بيانا قال فيه "إن حكومة بلاده قررت المضي في إنهاء العقد من جانب واحد وبشكل فوريّ"، مؤكدا أنّ القرار هدفه الأول  "حماية السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي للبلاد".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، أصدر فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي تقريرا نصف سنوي، عن العقوبات المفروضة على الصومال وإريتريا، الخاصة بفرض حظر التسليح على البلدين، وتضمن انتهاكات الإمارات وكسرها لذلك الحظر، ورصد أنشطة عسكرية ونقل للعتاد وتدريب للأفراد.

وتولي أبوظبي اهتماما خاص لمنطقة القرن الإفريقي لما تتميز به من موقع جيوسياسي مهم، إضافة إلى تحكمها في طريق التجارة العالمي، لذلك فقد أنشأت قاعدة عسكرية إماراتية بتاريخ 12 فبراير/ شباط 2017، في مدينة بربرة، بعد موافقة البرلمان الصومالي.

أدوات التوسع الإماراتي

في يونيو/حزيران 2017، نشر حزب "الأمة" الإماراتي المعارض، دراسة حول تاريخ جديد من التدخلات العسكرية والأمنية والسياسية الخارجية لدولة الإمارات.

وأكدت الدراسة أن الحكومة الإماراتية تمكنت من تأسيس بنية تحتية واسعة لتحقيق أهدافها، من التدخل خارج حدودها، مثل المؤسسات المالية، ومنها الصندوق السيادي لأبوظبي الذي يحل ثانيا على مستوى العالم والأول عربيا، بقيمة 773 مليار دولار.

ولكن أخطر ما تضمنته الدراسة أن أهم الأدوات التي تعتمد عليها الإمارات هي المؤسسة العسكرية والأمنية، التي يبلغ عدد العاملين بها قرابة 60 ألف جندي، جرى تدريبهم وفق المعايير العالمية، ما جعلهم مؤهلين للأدوار الخارجية وخصوصا مع مستوى التجهيز الحديث من حيث الأسلحة والمعدات.

ولا شك أن الاستراتيجية الإماراتية في التوسع وفرض النفوذ أبعد من ذر الرماد في العيون، وتتجاوز ذريعة المصالح الاقتصادية والأجندات الإقليمية، فقد نصبت أبوظبي نفسها كشرطي قاس في المنطقة، يحافظ على الساحة الداخلية والخارجية، بشكل نموذجي وبأدوات حديثة.

تعتمد في ذلك على إدراكها أنّ النظام العربي القائم من المحيط إلى الخليج بشقيه الملكي والجمهوري ذو بنيوية واحدة، وتأسس في سياق تاريخي محدد، وبانهيار أجزاء منه فإن الكيان كله معرض للانهيار، وهو ما تحاول الإمارات منعه بشكل مستمر.