سرقة الأعضاء البشرية.. هل هي خرافة أوهمونا بها فصدقناها؟

6 years ago

12

طباعة

مشاركة

يلحظ من يعيش في مصر، إعلانات يومية في الصحف أو على إحدى لوحات الشوارع، أو شاشات التلفزيون، يتحدث عن سرقة الأعضاء البشرية، التي تخوض السلطات المصرية "حملة توعية"، لحماية مواطنيها من هذا الخطر، وكان آخر ما لجأت إليه لتوعية المصريين، فيلم بعنوان "122" يتحدث عن نفس الموضوع.

 

 

هذه الضجة أثارت الطبيب المصري، ماجد فياض، وجعلته يخرج عن صمته، ويقول إنه لا وجود لشيء اسمه سرقة الأعضاء، وأن الأمر، علميا، مستحيل.

 

 

لم نستند على تدوينة الطبيب لوحدها، بل إننا بحثنا لنجيب على السؤال: هل سرقة الأعضاء ممكنة علميا أم أنها خرافة تداولناها؟

اتجار لا سرقة

نوعان من القصص تتناقلها بانتظام وسائل الإعلام، يتم اختطاف الأطفال ثم قتلهم حتى يمكن استخدام أعضائهم في عمليات الزرع، والقصة الأخرى، عندما يستيقظ المريض يكتشف أنهم سرقوا كليته بعد رؤية أثر العملية.

في البداية، نبشرك أيها المواطن العربي أن هذا النوع من القصص ليس متداولا في عالمنا فقط، فحسب موقع "L’express" الفرنسي، قصة اختطاف الأطفال في الدول الآسيوية وأمريكا اللاتينية أو أفريقيا، وبيعهم إلى الأمريكيين الأغنياء أو الأوروبيين لسرقة أعضائهم، قصة متداولة جدا.

فطفلة صغيرة من أمريكا اللاتينية اختُطفت وأُطلق سراحها دون عينين. فيما قام رجال يرتدون زي مهرجين بإغراء الأطفال وأخذوهم في شاحنة صغيرة وقتلوهم لبيع أعضائهم.

هذه القصص قد تبدو للوهلة الأولى حقيقية، لأنها جزء من سياق حقيقي للغاية. فقد ثبت، حسب نفس الموقع، أن آلاف الأطفال يختفون كل يوم في العالم، لكنهم ببساطة، ضحايا للعدوان يبيعهم آباؤهم، لضمهم إلى شبكات سرية للتبني أو الدعارة أو استغلالهم في العمالة.

ووفقا لتقرير أجرته الأمم المتحدة في 2009، لم يسبق إبلاغ الشرطة عن أي حالة اتجار بالأعضاء ضحيتها طفل أو سبق دعم أي ادعاء من هذا النوع بأدلة قوية، على الرغم من العديد من التحقيقات التي أجرتها المنظمات الدولية.

السبب بالنسبة للموقع الفرنسي بسيط، لا يمكن زرع أعضاء الأطفال لأنها لم تبلغ مرحلة النضج بعد. صغر حجمها، يمنع من استخدامها إلا للأطفال الآخرين أو البالغين الصغار، والفئتين تشكلان أقلية بين قوائم الناس الذين ينتظرون الزرع.

لا ينبغي لهذه الشائعات أن تحجب حقيقة الاتجار بالأعضاء، ما بين 5 بالمئة و10 بالمئة من عمليات زرع الكلى التي تجرى كل عام في جميع أنحاء العالم هي نتيجة للاتجار، كما يقول التقرير.(1)

كيف يتم الاتجار بالأعضاء؟

تصنف الأمم المتحدة الاتجار بالأعضاء البشرية "جريمة"، وقد أصدرت في 2014، قراراً يوصي بمكافحة الاتجار بالأعضاء وبالبشر.(2)

هناك شبكات عبر العالم متخصصة في الأمر، يقوم التجار فيها بإجبار الضحايا أو خداعهم من أجل التخلي عن أحد الأعضاء، وفي هذه الحالة يكون المتبرع على علم بالعملية، وإن كان مجبرا.

فيما تقوم هذه الشبكات بالاتفاق مع البعض الآخر من الضحايا، بشكل رسمي أو غير رسمي، على بيع عضو مقابل مبالغ زهيدة تكون أقل بكثير من السعر المتفق عليه مسبقا.

وفي حالات أخرى ذكرتها الأمم المتحدة، يتم ادِّعاء علاج الأشخاص الضعفاء من فقراء أو مهاجرين أو مشرَّدين من مرض يعانون منه أو قد يتم إيهامهم بذلك، وتتم إزالة الأعضاء من دون موافقة مسبقة من الضحية. إلا أن العملية لا تتم سوى بعد قضاء فترة في المستشفى لإجراء الفحوصات لمعرفة مدى تطابق خلايا الجسمين، المنقول منه وإليه.

الصين، هو أكثر بلد تجرى فيه عمليات زرع الأعضاء، تؤخذ من السجناء المحكومين بالإعدام، في 2015 شارك أكثر من 350 مستشفى بتجارة الأعضاء، وتجاوزت تكلفة العملية الواحدة الخمسين ألف دولار.(3)

 

 

ما أصل الخرافة؟

قُرنت حياة الغجر بأساطير كثيرة، منها أنهم يسرقون الأطفال. وأن كل زوجين من مجتمع الغجر ليس لديهم أطفال بل إنهم يعتنون بالأطفال المهملين فقط. في هنغاريا سنة 1782، اتهم السكان المحليون الغجر المتجولون بسرقة طفل، حتى أنهم ذهبوا إلى حد القول إنهم قد أكلوه. ألقت السلطات القبض على المخيم بأكمله وشنقت 15 شخصًا، ثم عثر على الطفل سليما.

من هنا إذن أتت الأسطورة التي تخيف الأطفال، بحسب ناديجدا ديميتر، دكتور التاريخ ونائب رئيس الاتحاد الدولي للغجر. في روسيا يقال للطفل: "إذا لم تنم بسرعة، سيسرقك الغجر". وكان الشعراء والكتاب في أعمالهم الأدبية يستخدمون هذه الصورة لاختطاف طفل من قبل مخيم في حي غجري.

ظهرت الصورة التي كانت مجازية في البداية في Scapin the Schemer لموليير، ثم في "البؤساء" لفكتور هوغو. لكن الأعمال الأدبية والحياة الحقيقية هما شيئان مختلفان. ولم تؤكد الشرطة في روسيا أي حالة من حالات سرقة الأطفال من قبل الغجر.(4)

كيف تتم العملية؟

يتم نقل الطعم (transplant) من قسم في الجسم آخر، أو من متبرع لإنسان آخر. زرع الأعضاء هي عملية معقدة وصعبة جدا، ولكنها تعتبر أفضل طريقة لعلاج الفشل الوظيفي لعضو معين. العملية تشترط تلاؤما بين العضو المزروع والجسم المستقبل، لذى فأنجح عمليات نقل الأعضاء تتم بين التوأم المتطابق.

احتمالات التلاؤم بين المتبرع والمستقبل ضئيلة جدا، هذا النقص بالتلاؤم يسبب تنشيط عمل نظام رفض الزرع ونتيجة لذلك لا ينجح استقبال الطعم. من الممكن التغلب على نظام الرفض عن طريق الاستعمال المزمن للأدوية المثبطة لجهاز المناعة. هذه الأدوية تقوم بمنع رفض الجسم للطعم وتزيد من احتمال بقاء الطعم على قيد الحياة لفترة أطول.

 

 

ليس كل شخص مؤهل للتبرع، فطبيبك يجري الكثير من الفحوصات على امتداد أسابيع، لمعرفة هل المتبرع قادر على إجراء العملية أم لا. في المقابل ليس كل شخص يحتاج زرع عضو مؤهل لإجراء العملية، فهو الآخر عليه أن يخضع لمجموعة من الفحوصات والتحاليل، أي أن الأمر ليس بالبساطة التي تجعل طبيبا أو طاقما حتى، يستخرج عضوا من جسم ويزرعه في آخر.

المتبرع عليه أن يخضع إلى تعليمات الطبيب، طيلة أسابيع، سواء عبر ممارسة الرياضة أو متابعة نظام غذائي معين، وأيضا أخذ أدوية معينة.(5)

الأعضاء التي يمكن زرعها هي الكلى، الكبد، البنكرياس، الأمعاء، القلب، الرئتين، النخاع العظمي، خلايا البنكرياس، الجلد، القرنية والعظام. لكن ليست كلها تعيش خارج الجسم مدة طويلة.

الدول العربية

عدّل القانون المصري الأحكام المنظمة لزراعة الأعضاء في 2017، ونص على أحكام قد تصل إلى السجن المؤبد وعقوبة مالية، لكن من قام بعملية الزرع خارج المستشفيات أو المؤسسات الطبية، وأيضا لمن يجري العملية دون موافقة المريض.

أما القانون المغربي فينص على مجموعة من الإجراءات الزجرية في حق كل من أجرى عمليات الزرع خارج المستشفيات أو في غياب طاقم طبي.

وتتراوح العقوبات ما بين سنتين إلى عشرين سنة سجنا، وغرامات قد تصل إلى ما يعادل 30 ألف دولار.

وفي السعودية يسمح القانون للأشخاص المتجاوزة أعمارهم 18سنة بالتبرع بالأعضاء سواء للأقارب أو غيرهم، لكن يمنع منح زراعة أي عضو دون الرجوع إلى قوائم الانتظار التي تتوفر عليها الوزارة.

لكن مع كل هذه العقوبات والضوابط، لماذا لم تتمكن هذه الدول من الحد من تجارة الأعضاء؟