دعوات متصاعدة.. ما احتمالية إقدام أميركا على توجيه ضربة عسكرية لإيران؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل استمرار توترات المنطقة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتنفيذ حلفاء إيران عددا من الهجمات ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية، تتصاعد دعوات يطلقها مسؤولون في واشنطن وتل أبيب للرئيس الأميركي، جو بايدن، بضرورة استهداف طهران مباشرة.

وتشن مليشيا "الحوثي" اليمنية هجمات على سفن أميركية وإسرائيلية في البحر الأحمر، بينما تقصف مليشيات شيعية في العراق وسوريا قواعد عسكرية يتواجد فيها مستشارون وعسكريون أميركيون، معلنين أنها بسبب دعم واشنطن عدوان الاحتلال على غزة المستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتجابه الولايات المتحدة الضربات على مراكز تواجدها في سوريا والعراق، بهجمات تستهدف مليشيات شيعية في البلدين، فيما أعلنت في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تشكيل تحالف دولي من 20 دولة للتصدي للحوثيين في البحر الأحمر وتأمين الملاحة الدولية.

"محو إيران"

آخر تلك المطالبات التي تحث الولايات المتحدة على توجه ضربات مباشرة إلى إيران، صدرت عن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، والذي يعرف بأحد صقور السياسة الخارجية الأميركية، حيث دعا بايدن إلى استخدام خيار مهاجمة طهران.

وقال غراهام لموقع "إيران إنترناشيونال" الإيراني المعارض في 10 يناير/ كانون الثاني 2024، إن "على إدارة بايدن تحذير النظام الإيراني إذا استمر في مهاجمة القوات الأميركية وخطوط الشحن الدولية، فإنها ستدرس خيار مهاجمة أهداف داخل إيران".

دعوة السيناتور الأميركي هذه لم تكن الأولى من نوعها، فقد طالب خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 28 ديسمبر 2023، إلى "إزالة إيران من خارطة العالم".

وقال غراهام، تعليقا على الوضع حول هجمات الحوثيين، إن "المليشيا اليمنية تتلقى تمويلا من طهران، وبالتالي يجب محو إيران من خريطة العالم".

واستطرد: "لولا إيران لما كان هناك حوثيون، فالحوثيون مدعومون بالكامل من طهران، لقد دعوت على مدار ستة أشهر لضرب إيران، فهم لديهم حقول نفط ويمكن تحديد مقر الحرس الثوري من الفضاء، إذن امحوها من الخارطة".

وأشار السيناتور الجمهوري إلى أن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أوصى بعدم "إظهار الضعف" وأن تعلم إيران بوضوح ما هي "الخطوط الحمراء" للولايات المتحدة في سياق هجوم انتقامي.

وأضاف خلال تصريحاته للقناة الأميركية: "إذا كنت تريد حقا حماية الجنود الأميركيين، فأوضّح لآية الله (علي خامنئي) أنهم إذا نفذوا هجمات غير مباشرة، فسنقضي عليهم بالفعل".

 

وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعلن مشرعون في مجلس الشيوخ الأميركي، أنهم يعتزمون تقديم مشروع قانون مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لـ"ردع إيران عن تصعيد الحرب" التي تشنها إسرائيل في غزة.

وقال غراهام، حينها، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال، إن 8 أعضاء بالمجلس من الحزبين، سيقدمون مقترحا يدعو إدارة بايدن إلى "الرد بشكل مناسب" على أي إجراء من جانب إيران لتصعيد الحرب.

وتابع: "رسالتنا إذا استمرت إيران في تهديد قواتنا بسوريا والعراق، فإن الرد العسكري الصحيح سيكون من وجهة نظري، ضرب قواعد تدريب الحرس الثوري، والبنية التحتية داخل إيران".

وفي السياق ذاته، حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، الولايات المتحدة وإسرائيل على مواجهة إيران "بشكل مباشر".

ودعا بينيت في مقال نشره بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 29 ديسمبر 2023، إلى ضرورة "معاقبة طهران على زرعها الفوضى من خلال الجماعات الموالية لها".

"لعبة سمجة"

وبخصوص مدى إقدام الولايات المتحدة على ضرب إيران، قال الكاتب والمحلل السياسي المختص في منطقة الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري، إن "هذه اللعبة أصبحت سمجة ولا تطاق، وحتى الساذج لا يقتنع بحصول مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران".

وأضاف الجبوري لـ"الاستقلال" أن "كل ما طرح من الطرفين حول المواجهة العسكرية يندرج ضمن المماحكات الحاصلة بينهما على الأرض العربية، لجعل هذه المنطقة  دائما في حالة شد، وإلا كيف للنظام الإيراني مضى عليه أربعة عقود، وبقي كما هو حتى الآن؟".

أما ما يقوم به الحوثيون في باب المندب، فإن الجبوري يستغرب من "عدم قصف هذه الجماعة لقاعدة إسرائيلية موجودة في جيبوتي وتبعد عنهم 26 كيلومترا فقط، بدلا من الذهاب إلى ضرب إسرائيل مباشرة عبر هذه المسافة البعيدة، ولماذا لا يدخل حزب الله اللبناني في مواجهة حقيقية مع إسرائيل".

وشدد على أن "هذا الشد الذي يجري على الساحة العربية، ويدفع النظام العربي ضريبته، هو من أجل أن يبقى الأخير خانعا خاضعا منقادا إلى هذا الضغط أو ذاك".

وأكد الجبوري أن "النظام الإيراني على أرض الواقع حاليا، يخدم المصالح الصهيونية والأميركية، وما يجرى بينهم من مناوشات على السطح يختلف تماما عما هو موجود في الباطن".

وأردف: "النظام الإيراني يخدم الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، لذلك ما يصدر من تصريحات عن السيناتور غراهام أو غيره، لن يثمر بأي نتيجة على أرض الواقع".

ولفت إلى أنه "إذا أرادت أميركا أن تجابه الجانب الإيراني، فلماذا تجعل من العراق منذ انسحابها عام 2011 -سحبت قواتها من الأراضي العراقية-، رئة اقتصادية لإيران، ولو أغلقوها فإن النظام الإيراني يختنق في الداخل".

وأوضح الجبوري أنه "أكثر من مرة الشعوب داخل الجغرافيا الإيرانية قامت بانتفاضات وثورات، وقمعها النظام الإيراني بطريقة بربرية شديدة، ومع هذا لم تقف العواصم الغربية مع تلك الشعوب الثائرة ضد النظام والعمائم الحاكمة في طهران".

وجزم بأنه "لن تحصل هناك أي مواجهة حربية بين إيران والولايات المتحدة، وإذا كانت هناك مناوشات فهي بمثابة ذرّ الرماد في العيون على الساحة العربية، لإظهار أن هناك مواجهة كبيرة".

وتابع: "أما ما تقوم به إسرائيل من ضربات في سوريا أو لبنان، فهي تسعى من خلالها بعدم السماح للجانب الإيراني أن يتجاوز الخطوط الحمراء المتفق عليها، وهذا الصراع حول شيء يخصهما هما الاثنان، ويجرى في المنطقة العربية، أي أن الضحية تبقى في هذه الأراضي".

ونشر موقع "ذي إنترسيبت" الأميركي تقريرا في 1 مارس 2023، تحدث عن خطط طارئة أعدها البنتاغون للحرب مع إيران.

ونظمت واشنطن والاحتلال الإسرائيلي في يناير 2023، أكبر مناورات عسكرية في التاريخ، هذا إلى جانب ما خصصه الجيش الأميركي من نفقات على عمليات طارئة تتعلق بخطط حرب ضد إيران، وذلك حسب وثائق سرية من الميزانية السنوية للبنتاغون، وتتحدث عن خطط طارئة وبرامج خاصة، اطلع عليها موقع "ذي إنترسيبت".

وحملت الخطط الطارئة اسم "دعم الخفير" (سبّورت سينتري)، وجرى تمويلها عامي 2018 و2019، حسب دليل صدر للسنة المالية 2019، وتصنف بأنه "كونبلان"، أو خطة مفهوم، وخطة طارئة واسعة للحرب، والتي طورها البنتاغون تحسبا لأي أزمة طارئة.

تجربة سابقة

وفي أكبر احتكاك جرى بين طهران وواشنطن، كان عام 2020 حين اغتالت الأخيرة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وتوقع الكثيرون أن يفضي إلى حرب عسكرية بين الطرفين، لكن ذلك لم يحصل و"أخمد بطريقة هزيلة"، وفضحت تفاصيلها لاحقا.

ففي الثالث من يناير 2020، قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، جراء ضربة نفذتها طائرة مسيّرة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.

وعلى إثر ذلك، قصفت إيران بصواريخ بالستية في 7 يناير، قاعدتين بالعراق يتمركز فيهما جنود أميركيون، وقال الحرس الثوري في بيان إنه أطلق "عشرات الصواريخ أرض – أرض على القاعدة الجوية المحتلّة من الجيش الإرهابي الأميركي المعروفة باسم عين الأسد" بمحافظة الأنبار، مشيرا الى أن العملية جاءت "انتقاما لاغتيال" سليماني.

وأعلن البنتاغون في اليوم نفسه، أن طهران قصفت من أراضيها قاعدتي عين الأسد وأربيل اللتين تستخدمهما القوات الأميركية في العراق، حيث "أطلقت إيران أكثر من 12 صاروخا بالستيا على القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق"، لكنها لم تسفر عن أي خسائر بشرية.

وتزامنا مع الذكرى الثانية لمقتل سليماني، التقى المرشد الأعلى، علي خامنئي، مطلع يناير 2021 بأسرة سليماني، وقال إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والمتورطين الآخرين في القتل "سيدفعون الثمن".

وأضاف أن "ترامب والذين تورطوا في جريمة القتل سيدفنون في مزبلة التاريخ".

 

لكن في فضيحة مدوية لعملية الثأر الإيراني، كشف ترامب في 7 نوفمبر 2023، خلال تجمع انتخابي له في ولاية تكساس، أن "طهران أسقطت طائرة مسيرة أميركية قديمة، وكان خلفها طائرة تجسس أميركية ضخمة تحمل تقريبا 39 مهندسا وطيارا، لكنها لم تعترضها".

وتابع: "قلت حسنا، هذا أمر مثير للاهتمام. علينا الرد عليهم، وتم الرد عليهم وقمنا بتخريب بعض الرادارات وبعدها قتلنا سليماني".

وأضاف ترامب: "لقد كان عليهم أن يردوا لحفظ ماء وجههم وهذا أمر طبيعي. ثم أبلغونا أنه سيتم إطلاق 18 صاروخا على قاعدة أميركية في العراق (عين الأسد) لكنها لن تستهدفها مباشرة، بل ستستهدف فقط محيط القاعدة".

وأوضح أن "أي جندي أميركي لم يصب بأذى في القصف، وأنه الشخص الوحيد الذي لم يكن (متنرفزا) إثر هذا القصف بسبب علمه بنوايا إيران".

وأكد الرئيس الأميركي أنه يعلن هذه القصة لأول مرة من أجل "إثبات احترام أميركا"، ويرى أن "إيران بعهد بايدن لا تحترم الولايات المتحدة".

وفي أكثر من مرة خلال ولاية ترامب (2017-2021)، أرسلت الولايات المتحدة حاملات طائرات إلى الخليج العربي، ومنها حاملة أبراهام لينكولن، إضافة إلى الأساطيل البحرية، لكنها سحبتها ولم ينتج أي صدام عسكري مع إيران.