بدلا من فتح سفارة في دمشق.. لماذا عينت أميركا مبعوثا خاصا إلى سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

وسّعت الولايات المتحدة من زخمها السياسي تجاه سوريا الجديدة بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على هذا البلد.

وتمثّلت الخطوة الجديدة من واشنطن تجاه دمشق، بإعلانها السفير الأميركي في أنقرة توماس باراك، في 23 مايو/ أيار 2025 مبعوثا أميركيا خاصا إلى سوريا، إلى جانب منصبه الحالي.

مبعوث ترامب لسوريا

ونشرت السفارة الأميركية في أنقرة بيانا بشأن تعيين باراك مبعوثا خاصا إلى سوريا، قال فيه باراك: إن "وقف العقوبات على سوريا سيحافظ على سلامة هدفنا الأساسي المتمثل في هزيمة تنظيم الدولة بشكل دائم، ويمنح الشعب السوري فرصة لمستقبل أفضل".

وأضاف: "لقد حدد الرئيس دونالد ترامب بوضوح رؤيته لشرق أوسط مزدهر، ولسوريا مستقرة متصالحة مع نفسها وجيرانها".

وأشار باراك إلى أن ترامب تعهد في 13 مايو 2025 برفع العقوبات الأميركية المدمرة على سوريا حتى تتمكن الحكومة الجديدة في دمشق من ضمان الاستقرار في البلاد.

وأعرب عن فخره بتولي دور الممثل الخاص لسوريا بصفته السفير الأميركي لدى أنقرة، وبحصوله على دعم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو المكلف بتنفيذ رؤية ترامب.

ولفت باراك إلى أن بلاده، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين بما في ذلك تركيا ودول الخليج، مكّنوا الحكومة السورية من إعادة الأمل في السلام والأمن والازدهار، مضيفا: "كما قال الرئيس ترامب، سنعمل معا وننجح معا".

وتوماس باراك (78 عاما)  هو ملياردير  ورجل أعمال ومستثمر عقاري له علاقات تجارية في الخليج، وهو من مقربي الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وهو حفيد مهاجرين لبنانيين، من مواليد لوس أنجلوس، وحصل على بكالوريوس من جامعة جنوب كاليفورنيا ودكتوراه في القانون من جامعة سان دييغو.

وعام 1982 عينه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان نائبا لوكيل وزارة الداخلية، وعام 2016، عيّنه الرئيس ترامب رئيسًا للجنة التنصيب الرئاسية الثامنة والخمسين.

ومن المرجح أن يمنح الدور المزدوج الذي يضطلع به توماس باراك، مزيدا من الدقة في تحديد نبض سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا الجديدة؛ إذ قدمت واشنطن مؤشرات سريعة عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 على رغبتها في الانخراط بشكل إيجابي في منطقة الشرق الأوسط.

ولهذا شكل إعلان ترامب خلال كلمة له في العاصمة السعودية بحضور الأمير محمد بن سلمان في 13 مايو بأنه سيرفع العقوبات عن سوريا، مفاجئة كبيرة للعالم وحتى للمسؤولين الأميركيين.

ووصف الرئيس السوري أحمد الشرع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن بلده بأنه قرار "تاريخي شجاع".

في اليوم التالي، توجه الشرع إلى الرياض، وعقد اجتماعا مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في الرياض، حضره ابن سلمان، وشارك فيه أردوغان عبر الهاتف.

وتخضع سوريا لثلاثة برامج عقابية مفروضة من قبل الولايات المتحدة في عام 1979، وأخرى في عام 2003 تحت اسم “محاسبة سوريا”.

قبل أن تفرض غالبية العقوبات الأميركية على سوريا عقب اندلاع الثورة عام 2011 إثر قمع الأسد لها بالحديد والنار، والتي خلفت أكثر من نصف مليون قتيل وتدمير واسع في المنازل والبنية التحتية بفعل القصف الجوي بشتى أنواع الأسلحة.

وفي 2020، فرضت واشنطن عقوبات جديدة بموجب قانون سمته "قيصر" استهدفت العديد من القريبين من بشار الأسد بينهم زوجته أسماء.

كما فرضت بموجب قانون "قيصر" عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة تتعامل مع نظام الأسد المخلوع، ونال القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار.

وهذا الحجم الكبير والمعقد من العقوبات الأميركية على سوريا، سيلعب توماس باراك الذي عينه ترامب سفيرا لواشنطن في أنقرة في 5 مايو 2025، دورا كبيرا في تفكيكها.

لا سيما أن باراك حضر اجتماع مجموعة العمل التركية الأميركية حول سوريا الذي عقد في واشنطن في 20 مايو 2025.

وتنفيذا  لقرار ترامب أعلن وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت  في 24 مايو رفع الولايات المتحدة رسميا العقوبات الاقتصادية عن سوريا.

وقال بيسنت: إنه يجب على سوريا "مواصلة العمل لكي تصبح بلدا مستقرا ينعم بالسلام، على أمل أن تضع الإجراءات المتّخذة اليوم البلاد على مسار نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر".

ووفق وزارة الخزانة فإن رفع العقوبات يشمل الحكومة السورية الجديدة شرط عدم توفيرها ملاذا آمنا لمنظمات إرهابية وضمانها الأمن لأقليات دينية وإثنية.

وبالتزامن، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاء من العقوبات يمكن الشركاء الأجانب والحلفاء من المشاركة في إعادة إعمار سوريا، ما يمنح شركات ضوءا أخضر لمزاولة الأعمال في البلاد.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في بيان في 23 مايو: إن الإعفاء من العقوبات من شأنه "تسهيل توفير خدمات الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي وتمكين استجابة إنسانية أكثر فعالية في جميع أنحاء سوريا".

ويتيح الإعفاء القيام باستثمارات جديدة في سوريا وتقديم خدمات مالية وإجراء تعاملات على صلة بالمنتجات النفطية السورية.

وأضاف روبيو أن "الإجراءات التي اتخذناها اليوم تمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق رؤية الرئيس بشأن علاقة جديدة بين سوريا والولايات المتحدة".

"علاقة مباشرة"

وأمام ذلك، سيتولى المبعوث الأميركي باراك مهمة متابعة القرارات والإعفاءات التي تصدرها الولايات المتحدة تباعا بشأن سوريا، خاصة تلك المتعلقة بالعقوبات.

فقد أصدرت الخارجية الأميركية إعفاء لمدة 180 يوما من العقوبات على سوريا بموجب قانون "قيصر" الأميركي والذي كان يحظر على الدول والكيانات والأفراد التعامل مع سوريا.

ويتيح هذا الإعفاء وفق ما قالت الخارجية في 23 مايو للشركاء الدوليين تعزيز الاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا.

وضمن هذا السياق، قال الباحث السوري عباس شريفة لـ "الاستقلال": إن دلالة تعيين الولايات المتحدة مبعوثا خاصا لها في سوريا "يعود لوجود خط ساخن ورسمي راهنا بين دمشق وواشنطن".

وأضاف: "هذا التعيين يعني انتقال العلاقة بين واشنطن ودمشق من علاقة الاتصال غير المباشر إلى علاقات رسمية وعبر قنوات دبلوماسية وبشكل مباشر ودون أي طرف ثالث ولم يعد هناك مفاوضات غير مباشرة تحمل رسائل أمنية".

 وأردف شريفة قائلا: "اليوم بات هناك علاقة دبلوماسية يقودها  توماس باراك من أجل ترسيخ شراكات اقتصادية بين الولايات المتحدة وسوريا في المرحلة القادمة". 

ولهذا فإن "تعيين  باراك يصب في تنفيذ رؤية ترامب في رفع العقوبات ومن أجل متابعة الجوانب التنفيذية للقرار التاريخي الذي اتخذ من السعودية"، وفق شريفة.

من جانبه، قال روبيو أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 20 مايو: "نريد أن نساعد هذه الحكومة السورية على النجاح؛ لأن البديل هو حرب أهلية شاملة وفوضى، وهو ما من شأنه بطبيعة الحال أن يزعزع استقرار المنطقة بأكملها".

وأضاف: "في الواقع، فإن تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها، ربما تكون على بعد أسابيع، وليس أشهر عديدة، من الانهيار المحتمل وحرب أهلية كاملة النطاق ذات أبعاد ملحمية، وهو ما يعني في الأساس تقسيم البلاد".

وتابع روبيو أن المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك موظفو السفارة في تركيا، سينسقون مع الشركاء المحليين لتقييم احتياجات سوريا، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات التي يحتاجونها لإنفاذ القانون.

وعن سبب عدم فتح السفارة الأميركية في سوريا حتى الآن، قال روبيو: إن “الأمر مرتبط كليا بمخاوف أمنية، بالمناسبة. الأمر لا يتعلق بالسلطات الانتقالية. نحن لا نعتقد أنهم سيؤذوننا. لكن هناك أطرافا أخرى على الأرض في سوريا، ويجب أن نحمي أنفسنا منهم”.

"رؤية إستراتيجية"

وهذا ما أشار إليه الباحث السياسي محمد بقاعي بقوله لـ الاستقلال": إن ما حدث "خطوة طبيعية في ظل إقامة الولايات المتحدة علاقات مع سوريا والتي تكللت بلقاء ترامب مع الشرع في الرياض، وسبقها قرار ترامب رفع العقوبات المفروضة من بلاده على سوريا".

وأضاف: "اليوم هناك الكثير من المنظمات الأميركية المانحة بدأت بعمليات تقييم للاحتياجات داخل سوريا وهذا ما يعني ضرورة وجود مبعوث أميركي خاص بسوريا في هذه المرحلة يسهل نشاطات هؤلاء وكذلك يلعب دورا كبيرا في صياغة رؤية إستراتيجية لشكل العلاقة بين الولايات المتحدة وسوريا".

وأردف البقاعي قائلا: "خطوة تعيين توماس باراك تسبق إعادة عملية فتح السفارة الأميركية بدمشق وتعيين سفير بشكل رسمي حيث ما تزال واشنطن تشعر بوجود تخوفات أمنية لكن تسارع الانفتاح الأميركي تجاه سوريا يدلل على أن تعيين سفير لواشنطن في دمشق سيكون بوقت قريب".

إن حالة الانفتاح الأميركي السريع على الحكومة السورية الجديدة يتطلب جهودا مكثفة يقودها مبعوث خاص لحل جميع الإشكاليات القائمة لا سيما أن لدى واشنطن نفوذا ليس بالمحدود في هذا البلد.

إذ تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي ما تزال تسيطر على ثلث الأراضي السورية، وتخوض نقاشات شديدة مع دمشق لتحقيق الاندماج معها؛ إذ سيلعب المبعوث الأميركي توماس باراك دورا كبيرا في معالجة الدور السلبي الذي تلعبه "قسد" لمنع توحيد كامل البلد تحت قيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

كما يؤكد المراقبون أن باراك سيسهم في تقريب وجهات النظر بين "قسد" ودمشق نظرا لخبرته السابقة في هذا الملف من خلال دوره كسفير لبلاده في أنقرة، خاصة أن الولايات المتحدة أعلنت في مايو 2025 أنها ستنقل إدارة سجون عناصر تنظيم الدولة بالحسكة شمال شرقي سوريا من قسد إلى حكومة دمشق.

وقد قام وفد من الحكومة السورية، برفقة مسؤولين من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في 24 مايو، بزيارة الحسكة لمعاينة المخيمات والسجون التي تضم عناصر وعوائل تنظيم الدولة.

وجاء هذا التقدم في هذا الملف في ذات اليوم الذي زار فيه الشرع إسطنبول في 24 مايو ولقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمبعوث الخاص لسوريا توماس باراك كل على حدة.

وأصدر المبعوث الخاص لسوريا توماس باراك بيانا بشأن لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني بإسطنبول.

وقال باراك في بيان له: "التقيت الشرع والشيباني في إسطنبول لتنفيذ قرار الرئيس ترامب الجريء الذي يهدف إلى إرساء طريق نحو السلام والازدهار في سوريا".

وأشار إلى أنه لو لم تتحرك الولايات المتحدة "بسرعة وبشكل مدروس لرفع العقوبات، لما تمكن شركاؤنا في المنطقة من تقديم الدعم المالي والإمدادات والطاقة اللازمة لتخفيف معاناة الشعب السوري المتضرر من الصدمات".

وأردف "يتمثل هدف الرئيس ترامب في تمكين الحكومة الجديدة من تهيئة الظروف التي لا تضمن فقط بقاء الشعب السوري، بل تتيح له الازدهار والنمو".

ولفت باراك إلى أن "وقف العقوبات عن سوريا من شأنه أن يحافظ على سلامة هدفنا الأساسي – وهو الهزيمة المستدامة لتنظيم الدولة".

ومضى يقول: "كما أثنيت على الرئيس الشرع لاتخاذه خطوات ملموسة لتنفيذ نقاط الرئيس ترامب المتعلقة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتدابير مكافحة داعش، والعلاقات مع إسرائيل، والمخيمات ومراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا".

واتفق باراك مع الرئيس السوري على "مواصلة الحوارات المهمة والعمل المشترك على تطوير الاستثمارات في القطاع الخاص داخل سوريا لإعادة بناء الاقتصاد، بما يشمل استثمارات من شركاء إقليميين ودوليين مثل تركيا ودول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة".