رغم تجنب دمشق التصعيد.. ماذا يعني بناء إسرائيل 9 مواقع عسكرية في سوريا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

إضافة إلى الجولان المحتل، توغل الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، وأقام بهدوء شديد، ما أسماه إعلامٌ دوليٌّ “منطقة أمنية” داخل الأراضي السورية.

صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت في 2 فبراير/شباط 2025، أن بناء نقاط مراقبة جديدة في الأراضي السورية يشي ببقاء دائم لإسرائيل، وأن الوجود الإسرائيلي في سوريا لم يعد مؤقتا.

صحف إسرائيلية أيضا أكدت وجود 9 مواقع عسكرية بناها الاحتلال في المنطقة العازلة، كما رفع حجم قواته من كتيبة ونصف إلى 3 ألوية، وعدت هذا مؤشرا للبقاء في سوريا طوال عام 2025.

لكن تقديرات إسرائيلية وأميركية أخرى ترجح أن تضطر إسرائيل للانسحاب من المناطق الجديدة التي احتلها، خشية الدخول في معارك مع السكان وقوات النظام الجديد.

وترجح أن تنسحب إسرائيل ولكن في المقابل هناك ترتيبات أمنية جديدة بخلاف ترتيبات هدنة 1974 بما يضمن ما تقول “أمنها”، خشية قيام مقاومين فلسطينيين بعمليات ضد الاحتلال.

تفاصيل الوجود العسكري

بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، تقوم إسرائيل ببناء نقاط مراقبة في سوريا، وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أبنية حديثة، ما يثير مخاوف من احتلال دائم للأراضي السورية.

وأوضحت أن صور الأقمار الاصطناعية التي تحققت منها تظهر عددا من المباني والعربات العسكرية في قواعد إسرائيلية جديدة محاطة بأسوار.

من جانبها، أكدت تقارير إسرائيلية أن عدد المواقع العسكرية الدائمة التي بناها الاحتلال داخل الأراضي السورية بلغ 9، تتركز في منطقة تمتد من جبل الشيخ السوري حتى مثلث الحدود الفلسطينية السورية في جنوب الجولان.

اثنان من المواقع في جبل الشيخ السوري، وسبعة في الجولان السوري، وتم تصميمها لتكون نقاط مراقبة وتأمين للمنطقة العازلة، وتم تجهيزها بكل ما يلزم ووضع متاريس.

وتقول صحيفة "معاريف": إن الجيش لم يكتفِ باحتلال الأرض السورية والبقاء فيها، بل تعدى على الجغرافية والطبيعة السوريتين، واحتل أنهارا وأزال أحراشا وغابات، بحجة أنها تشكل عائقا للمراقبة.

وفسرت "معاريف" بناء جدار حدودي حول المواقع الإسرائيلية بـ "منع الاحتكاك مع المواطنين السوريين"؛ "لأن الجيش يدرك أن إقدام السوريين على تنفيذ عمليات ضد قواته، هو مسألة وقت فقط".

وأكدت أنه لهذا "مستوى اليقظة لدى جنود الكتيبة 74 من اللواء المدرع 188 والكتيبة 890 من لواء المظليين الموجودين في المنطقة العازلة مرتفع جدا".

وذكرت "معاريف" أن جيش الاحتلال لا يعرف كم من الوقت سيُطلب منه للبقاء في المنطقة "العازلة" في سوريا، لكن بالنظر إلى الوضع الميداني لا ينوي الانسحاب قريبا.

فيما ذكرت "واشنطن بوست" أنه مع اجتياحه قرى سورية في يناير/ كانون الثاني 2025، أكد الاحتلال لسكان المنطقة أن الوجود سيكون مؤقتا، والهدف يقتصر على الاستيلاء على الأسلحة، وتأمين المنطقة بعد انهيار نظام الأسد.

لكن المركبات التي جاءت بعد ذلك تشير إلى وجود أكثر ديمومة؛ حيث تم نصب تجهيزات تشير للبقاء فترات طويلة، وهو ما بررته صحف الاحتلال بفصل الشتاء والثلوج التي تشهدها هذه المنطقة ما يتطلب تجهيزات أكبر لجنود الاحتلال.

وبعد ساعات من انهيار حكم الأسد، في ديسمبر/كانون الأول 2024، اخترقت الدبابات والقوات الإسرائيلية "خط ألفا"؛ الذي مثل على مدار نصف قرن، حدود وقف إطلاق النار، وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا.

موقف سوريا

وتقول صحف غربية وسكان القرى التي احتلتها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد، إن مقاتلي "هيئة تحرير الشام" الذين يسيطرون على معظم سوريا، "غائبون بشكل ملحوظ عن المنطقة العازلة" التي احتلتها إسرائيل.

وحين ظهر بعضهم يوم 15 يناير 2025 في مواجهة القوات الإسرائيلية ليمنعوها من التوغل في القرى، قصفتهم قوات الاحتلال جوا وقتلت مدنيين وعسكريين.

وهذه سابقة هي الأولى من نوعها؛ حيث أرسل جيش الاحتلال طائرة مسيرة قامت بغارة على قافلة تابعة لإدارة العمليات العسكرية بقيادة هيئة تحرير الشام في بلدة غدير البستان جنوب القنيطرة، ما أثار مخاوف من تداعيات أمنية.

ويوم 31 يناير، قالت القوات الإسرائيلية: إنها تعرضت للرصاص وردّت بإطلاق النار، وأعلنت مجموعة تطلق على نفسها "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا" المسؤولية، وأكدت أن هدفها هو "طرد إسرائيل من أراضي سوريا".

وهذه المجموعة الإسلامية، ذكر "مركز أبحاث ألما" الإسرائيلي يوم 15 يناير 2025 أنها تابعة لـ "الحزب القومي الاجتماعي السوري"، وأسسها في ديسمبر 2024 تحت اسم "جبهة تحرير الجنوب"، ثم غيرت اسمها في 12 يناير إلى "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا".

ويزعم المركز الإسرائيلي أن تكون هذه المجموعة تعمل بدعم النظام الإيراني وحزب الله اللبناني.

ومن المعلوم أن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع تحاشى منذ انتصار قواته وسيطرتها على العاصمة دمشق الدخول في صراع مع الاحتلال الإسرائيلي رغم تدمير الاحتلال مقدرات سوريا العسكرية من طائرات وبواخر حربية وصواريخ عقب انهيار حكم الأسد.

وحين سئل حاول التعامل بدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي وطالب دول العالم بالضغط على الاحتلال للعودة عن المنطقة التي احتلها وضمها للجولان خاصة المنطقة العازلة بين البلدين وفقا لاتفاق 1974، وأكد على أن هدفه هو بناء سوريا لا الدخول في حروب جديدة.

لكن مع توالي الخروقات الصهيونية، وتمدد قوات الاحتلال داخل القنيطرة وتدمير مقر البلدية وإقامة نقاط تفتيش ومضايقة السكان، وتظاهُر سوريين ضد الاحتلال وقصف الاحتلال دورية لقوات الإدارة السورية الجديدة، بدأت نبرة التحدي تتصاعد نسبيا؛ حيث أدان توغلات الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية، وأكد أن دمشق تلتزم باتفاق عام 1974 رغم الانتهاكات الإسرائيلية.

وشدد الشرع على أن الذرائع التي استخدمتها إسرائيل لتبرير أفعالها في سوريا، بحجة وجود مليشيات إيرانية، لم تعد موجودة وأكد التزام سوريا باتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 واستعدادها لاستقبال قوات الأمم المتحدة.

وفي يوم 16 يناير 2025، خرج الشرع عن صمته على التحركات الإسرائيلية بسوريا، وقال: إن تقدم إسرائيل في المنطقة العازلة “كان عذره وجود المليشيات الإيرانية وحزب الله”.

وأضاف في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن في دمشق أنه "بعد تحرير دمشق ليس لهم (المليشيات الإيرانية) وجود، وليس هناك ذرائع تتذرع بها إسرائيل للتقدم على المنطقة العازلة".

وأكد الشرع أن سوريا مستعدة لاستقبال قوات من الأمم المتحدة في المنطقة العازلة المشتركة مع إسرائيل.

وفي نفس اليوم علق وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني على ضربة إسرائيلية نالت رتلا لعناصر من إدارة العمليات العسكرية في محافظة القنيطرة وقتلت اثنين منهم ومعهم مدني، مطالبا إسرائيل بـ"احترام أمننا وحدودنا".

وأكد أن "سوريا لن تكون مصدر تهديد لأي دولة بما فيها إسرائيل"، لكنه شدد في الوقت نفسه أنه "على إسرائيل احترام أمن وسيادة سوريا".

وقال وزير الخارجية، خلال زيارته لأنقرة: أن "الإدارة الجديدة في سوريا ملتزمة باتفاقية 1974 التي تنص على وضع قوات فصل بين أراضيها وحدود إسرائيل"، وشدد على وجوب الضغط عليها حتى تنسحب من الأراضي السورية التي تقدمت فيها.

وتابع: "استخدم الإسرائيليون في الفترة السابقة ذريعة وجود حزب الله لاستهداف سوريا، وبعد إزالة هذه المخاطر كان عليهم احترام سيادة سوريا وألا يتدخلوا في الأراضي السورية".

قبل هذا وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، 17 ديسمبر/كانون أول 2024، قال الشرع: "إننا ملتزمون باتفاق 1974 مع إسرائيل".

وفي حوار أجرته معه مجلة "إيكونوميست" 3 فبراير/شباط 2025، سُئل عن موقفه من تجاوز الإسرائيليين منطقتهم العازلة، فقال: "عليهم أن يتراجعوا".

وأعاد التأكيد على أن هناك اتفاقا تم عام 1974 بين سوريا وإسرائيل عبر الأمم المتحدة، وفي يومنا الأول في دمشق أرسلنا للأمم المتحدة نبلغهم بأننا ملتزمون بالاتفاق ومستعدون لاستقبال قوة الأمم المتحدة في المنطقة العازلة.

أضاف: تم التواصل مع قوات الأمم المتحدة بشكل مباشر، وأبدوا استعدادهم لدخول المنطقة العازلة، ولكن على القوات الإسرائيلية أن تنسحب إلى الحدود التي كانت عليها؛ حتى تتمكن القوات الأممية من دخول المنطقة.

وردا على سؤال: "هل يمكنك أن تتخيل تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟"، قال الشرع: "نحن نريد السلام مع كل الأطراف، ولكن هناك حساسية كبيرة فيما يتعلق بالموضوع الإسرائيلي في المنطقة، خاصة بعد الحروب الكبيرة التي جرت، واحتلالهم منطقة سورية".

وأضاف: "ونحن دخلنا دمشق منذ شهرين فقط، وهناك أولويات كثيرة أمامنا، لذلك من المبكر جدا مناقشة مثل هذا الموضوع لأنه يحتاج إلى رأي عام واسع، ويحتاج إلى الكثير من الإجراءات والقوانين لمناقشته، وبصراحة لم نفكر فيه بعد".

الشرع مناهض لإسرائيل

بدوره، يقول "مركز مائير عميت لمعلومات الاستخبارات والإرهاب" في دراسة نُشرت يوم 3 يناير 2025، حول أحمد الشرع، إنه "ضد إسرائيل واليهود"

المركز أكد أن الشرع "يحب فلسطين" ويدعم "الدفاع" عن الفلسطينيين، و"لكن على الرغم من مركزية إسرائيل واليهود في الأيديولوجية السلفية الجهادية، إلا أنه نادرا ما تناول القضية بشكل مباشر طوال سنوات نشاطه في المنظمات الجهادية، مشيرا بشكل محدود إلى إسرائيل واليهود خلال فترة وجوده مع جبهة النصرة".

وفي خطاب ألقاه في يوليو/تموز 2014، قال لأتباعه: "لا يفصلنا عن اليهود سوى سياج وبضعة أمتار على أرض شاسعة، وإذا أردنا مهاجمتهم، فسنفعل".

وأضاف أنه منذ إعلان بلفور في عام 1920، عانت الأمة الإسلامية من الإذلال، والآن ينتظر المسلمون مقاتلي جبهة النصرة لإكمال المهمة ومحاربة اليهود.

ويلفت مركز "مائير" لقول الشرع لأنصاره قبل سيطرته على سوريا أنه "يجب أولا القضاء على نظام الأسد قبل أن يتوجه إلى اليهود وسأل مقاتليه: “هل ستبقون معنا حتى نحرر الأقصى؟”

وفي خطاب ألقاه في سبتمبر/أيلول 2014، قال: إن "فلسطين والأردن" في أيدي اليهود؛ لأن القوى المهزومة على يد الإسلام تحاول إعادة رسم خريطة الصراع في المنطقة وتقسيم السيطرة".

في أول مقابلة تلفزيونية له عام 2015، أشار إلى أن اليهود كانوا في "فلسطين" وعاشوا هناك قبل 3500 عام وأنها بالنسبة لهم الأرض الموعودة.

كما صرح بأن "فلسطين" هي قلب العالم، بـ "جناحيها" مصر والشام، ومن يسيطر عليها يمسك بزمام الكرة الأرضية، وقال: إن هذا هو السبب وراء سيطرة "قوى معينة" على المنطقة. بحسب موقع "الجزيرة" 6 يونيو/حزيران 2015.

وبعد انتصار الثورة السورية، واحتلال الجيش الإسرائيلي، المنطقة منزوعة السلاح في الجولان، والغارات الجوية الإسرائيلية على منشآت أمنية في سوريا، أكد الشرع أنه بعد الإطاحة بنظام الأسد لم يعد لإسرائيل أي عذر لمهاجمة الأراضي السورية.

ودعا إلى تدخل دبلوماسي لوقف الانتهاكات في المنطقة، ومع ذلك، أعرب عن رغبته في تجنب الصراع مع إسرائيل، بحجة أن سوريا منهكة من سنوات القتال وأنه يريد التركيز على إعادة بناء الدولة، حسبما نقلت دراسة "مائير" عن تلفزيون سوريا في 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.

ويرى المركز الإسرائيلي أن "صياغة موقف سوري في السياسة تجاه إسرائيل، فضلا عن قضايا أخرى، سوف ينتظر حتى تنتهي الفترة الانتقالية ويستقر الحكم".

"وعند هذه النقطة، سوف يحتاج الشرع إلى معالجة الفجوات بين الصورة المعتدلة التي يسعى إلى إبرازها وماضيه الجهادي، فضلا عن وجود عناصر جهادية عالمية متطرفة داخل التحالف العسكري الذي أنشأه في إدلب، خاصة فيما يتصل بإسرائيل"، وفق قول مركز "مائير". 

وبحسب "واشنطن بوست"، تقوم إسرائيل ببناء نقاط مراقبة في سوريا، وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أبنية حديثة، ما يثير مخاوف من احتلال دائم للأراضي السورية.