ضغط شعبي.. كيف تعمل حكومة ماليزيا على مضايقة شركات داعمة لإسرائيل؟
"القضية الفلسطينية تعد قضية سياسية رئيسة في كوالالمبور"
شكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دافعا قويا لمنع استفادة هذا الكيان من ماليزيا وهي دولة ذات أغلبية مسلمة في جنوب شرق آسيا وداعمة قوية للفلسطينيين.
ونظرا إلى أن ماليزيا تتمتع بتاريخ طويل من السياسات المعادية لإسرائيل، فقد فتح العدوان المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 المجال أمامها لتصعيد هذا النهج.
إجراء دبلوماسي
وعمدت كوالالمبور في البداية إلى منع شركات الشحن الإسرائيلية من الرسو في أي من موانئها، بالتوازي مع حالة المناصرة الشعبية للماليزيين تجاه الفلسطينيين التي لم تتوقف.
وكان رئيس الوزراء أنور إبراهيم وسط الجموع الماليزية حينما احتشدوا في 24 أكتوبر 2023 داخل ملعب أكسياتا بالعاصمة كوالالمبور تضامنا مع فلسطين وقطاع غزة في مواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
واللافت أن ماليزيا لم تتوقف عن تتبع أي أمر مرتبط بإسرائيل على أراضيها، ويساعد هذا الكيان في تدوير عجلته العسكرية ضد الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، ذكرت مجلة "إنتليجنس أون لاين" الاستخباراتية الفرنسية في 13 مايو 2024 أن رئيس الوزراء أنور إبراهيم وضع قائمة سوداء بأسماء مقاولي الدفاع المتهمين بدعم المجهود الحربي الإسرائيلي.
وأدى هذا القرار إلى إجراء دبلوماسي وتجاري “لافت” خلال زيارته للمعرض التجاري لخدمات الدفاع في آسيا، لكنه لا يعني أن ماليزيا ستتوقف عن التعامل مع هذه الشركات.
وكانت ماليزيا من بين أكثر المؤيدين للقضية الفلسطينية منذ بدء العدوان الإسرائيلي، والذي أسفر عن استشهاد ما يزيد عن 36 ألفا، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية ونزوح نحو مليون ونصف المليون من أهالي غزة من منازلهم جراء العمليات العسكرية.
وبحسب تقرير مجلة “إنتليجنس أون لاين”، فقد قام مسؤولو رئيس الوزراء الماليزي بسلوك لافت عندما زار رئيسهم المعرض التجاري للخدمات الدفاعية الآسيوية في كوالالمبور في 6 مايو من الشهر المذكور.
وكلما اقترب إبراهيم أنور من بعض منصات مجموعة الدفاع، بذل حراسه الشخصيون والمسؤولون قصارى جهدهم لمنع التقاط أي صور له مع وجود شعار الشركة في الخلفية، وفق المجلة.
وعندما يتمكن الصحفيون من التقاط بعض هذه الصور، كان فريق رئيس الوزراء يطلب منهم حذفها، وقد تكرر ذلك أمام منصات شركتي ليوناردو ولوكهيد مارتن وغيرهما.
وتقول المجلة، إن الأمر نابع من قرار سياسي لفريق أنور إبراهيم، إذ إنه استعدادا للمعرض، أعدت حكومته قائمة بشركات الدفاع التي تعد "صهيونية"، والتي لن يتفقد رئيس الوزراء منصاتها في المعرض.
وذكرت قائمة قالت إنها تضم الشركات الأميركية لوكهيد مارتن، وكولتج، لهاريسك، وشيلد ألج،وإم بي دي إي الأوروبية لصناعة الصواريخ، وشركةإم بوان السويدية لتصنيع أجهزة رؤية الليزر، وشركة بي إي أ سيستم في المملكة المتحدة، وشركة ليوناردو الإيطالية. لكنها لا تحتوي على شركات إسرائيلية.
وهذه القائمة، التي لم يكن من المقرر نشرها للجمهور، هي محاولة من مكتب أنور إبراهيم للتفاعل مع الدعم القوي للفلسطينيين في ماليزيا، مع عدم استثناء الشركات التي تعد أساسية، والتي تنوي الحكومة مواصلة التعامل معها.
وتعرضت الحكومة الماليزية لحالة من الضغط السياسي من بعض الأحزاب عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة.
وقبل افتتاح المعرض التجاري، دعا حزب المعارضة القومي بيرساتو، الذي شارك في تأسيسه رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، وزعيمه الحالي محيي الدين ياسين، إلى استبعاد الشركات التي تزود إسرائيل بالسلاح.
جاء ذلك في أعقاب حملة على وسائل التواصل الاجتماعي قامت بها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات فرع ماليزيا (BDS Malaysia).
وتعد القضية الفلسطينية سياسية رئيسة في كوالالمبور، حيث جرت مظاهرات مؤيدة مجددا في 4 مايو 2024، وارتدى بعض المشاركين الأوشحة الفلسطينية دعما لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والتي يوجد أحد أكبر مكاتبها في الخارج بالعاصمة الماليزية.
ضغط شعبي
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، اتخذت حكومة أنور إبراهيم سلسلة قرارات والتي يقول منتقدوها إنها تشير إلى ابتعاده عن “سياسات عدم التسامح مطلقا” التي اتبعتها الحكومات السابقة تجاه إسرائيل.
ودافع رئيس الوزراء في مايو 2024 عن قرار حكومته بالسماح لعدد من شركات الدفاع الأميركية المتهمة بالتواطؤ في جرائم الحرب الإسرائيلية بالمشاركة في المعرضين التجاريين لخدمات الدفاع في آسيا والأمن القومي في آسيا.
لكن زيارة إبراهيم للمعرض وطريقة تعامله ومرافقيه الشخصيين مع بعض الشركات المشاركة، أعطت عددا من الرسائل السياسية خاصة للماليزيين.
إذ اتُهم بتجاهل المشاعر العامة من خلال الاستعانة بشركة لها علاقات مفترضة مع إسرائيل لإدارة مطارات البلاد.
والنقاد حثوا أنور إبراهيم المدافع البارز عن القضية الفلسطينية، على تجنب الصفقات التجارية مع الكيانات التي “تدعم الإبادة الجماعية”، لدرجة أنه تعرض لضغوط للتخلي عن صفقة المطار مع شركة “بلاك روك” بسبب روابط الأسلحة مع إسرائيل.
وتتعرض الحكومة الماليزية لضغوط لإسقاط كيان مملوك لشركة الاستثمار الأميركية العملاقة بلاك روك من خطة لتحويل أكبر مشغل للمطارات في البلاد إلى شركة خاصة.
وهذه المرة، حثت حوالي عشرين مجموعة صندوق ادخار الموظفين، وهو صندوق التقاعد التابع لوزارة المالية بقيادة أنور إبراهيم، على إنهاء أي ترتيب مع الشركة المذكورة.
وقالت المجموعة في بيان لها في 24 مايو 2024 إن "دعوتنا جاءت جراء الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين الأبرياء في غزة، وحاجة حكومتنا والشركات المرتبطة بالحكومة، إلى إدراك التزامها الإنساني بإنهاء كل تواطؤ محتمل مع الإبادة الجماعية، وجريمة الإبادة الجماعية".
ووصفت المجموعة في مذكرتها شركة "بلاك روك" بأنها "تستفيد من الإبادة الجماعية" وأشارت إلى تورطها في المجمع الصناعي العسكري الأميركي.
وأضافت: "لقد استثمرت الشركة أيضا بكثافة في إسرائيل، حيث بدأت عملياتها هناك منذ عام 2016، ومن خلال الاستمرار في القيام بذلك، فإنها ترفض الاعتراف بسياسات الفصل العنصري والإبادة الجماعية التي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين".
ولفتت إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، لاري فينك، “مشجع للإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين”.
وقد تم توثيق دور شركة "بلاك روك" في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي وصناعة الأسلحة بشكل جيد.
قلق داخلي
وتعد شركة "بلاك روك" أيضا ثاني أكبر مساهم في شركة ماكدونالدز وستاربكس، وسلاسل الوجبات السريعة والمقاهي التي تعد أيضا أهدافا لحركة المقاطعة العالمية المناهضة لإسرائيل، بما في ذلك في ماليزيا.
وأشارت مجموعة صندوق ادخار الموظفين الماليزية، إلى جهود اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لقمع الأصوات الفلسطينية من خلال "النفوذ المالي الغاشم" و"القمع العنيف" للاحتجاجات، بما في ذلك خلال الاحتجاجات الطلابية، حيث غزت الشرطة الجامعات لتفريق المعسكرات احتجاجا على الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وقالوا إن تصرفات الجماعات الصهيونية في الولايات المتحدة تظهر "كيف يتم استخدام الأموال الصهيونية كسلاح".
وضمن هذا السياق، قال المحلل السياسي عزمي حسن لموقع "ماليزيا الآن" في 21 مايو 2024 إن "هناك قلقا من مشاركة بلاك روك في إدارة المطارات بماليزيا وتفويض شركة خارجية لإدارة مراقبة الدخول، الأمر الذي يعد حساسا".
وأضاف حسن: "ينبع القلق ثانيا، تورط شركة بلاك روك مع شركة الأسلحة لوكهيد مارتن التي تزود إسرائيل بالأسلحة لاستخدامها في حربها على غزة".
ومن بين الشركات التي استثمرت فيها شركة “بلاك روك” شركة “لوكهيد مارتن”، التي تمتلك فيها حصة قدرها 7.4 بالمئة.
وتصدرت “لوكهيد مارتن”، وهي شركة دفاع مقرها الولايات المتحدة ولديها استثمارات بمليارات الدولارات في صناعة الأسلحة والفضاء الإسرائيلية، عناوين الأخبار في ماليزيا بعد أن احتجت الجماعات المؤيدة للفلسطينيين على مشاركتها في معرض خدمات الدفاع آسيا والأمن القومي الآسيوي.
وفي 17 مايو 2024، نقلت وسائل إعلام محلية عن رئيس الوزراء أنور إبراهيم قوله إن ما تردد عن أن 25 بالمئة من شركة مطارات ماليزيا القابضة ستكون مملوكة لشركة "مؤيدة للصهيونية" لا أساس له من الصحة، دون تسميته للشركة.
وبلاك روك هي أكبر شركة لإدارة الصناديق في العالم. وذكر موقعها الإلكتروني أن الشركة التي يقع مقرها الرئيس في نيويورك، تدير أصولا بقيمة 9.09 تريليونات دولار على مستوى العالم حتى مارس/آذار 2023.
وبالمحصلة، فإن ماليزيا التي افتتحت أول مكتب آسيوي لحركة "فتح" الفلسطينية عام 1969، ولم تُقم بعد علاقات رسمية مع إسرائيل، عمدت إلى اتخاذ خطوات متقدمة تجاه دعم غزة.
فقد أعلن رئيس الوزراء أنور إبراهيم، في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2023 أن ماليزيا ستمنع شركة الشحن الإسرائيلية (زيم) من الرسو في أي من موانئها.
وقال رئيس الوزراء في بيان حينها: "هذا القرار هو رد على تصرفات إسرائيل التي تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية والقوانين الدولية".
وأشار إلى أن مجلس الوزراء سمح عامي 2002 و2005 للسفن المملوكة لهذه الشركة (زيم) بالرسو في ماليزيا، إلا أن الحكومة الحالية قررت إلغاء جميع قرارات مجلس الوزراء السابقة.
وأكد رئيس الوزراء أن ماليزيا واثقة من أن هذه القرارات “لن تؤثر سلبا” على الأنشطة التجارية للبلاد.