مخالف لإرادة الشعب.. إلى أين تتجه توغو بعد تغيير الدستور لصالح الرئيس؟

12

طباعة

مشاركة

في 25 مارس/آذار 2024 انضمت دولة "توغو" التي تقع في غرب إفريقيا، إلى نادي الأنظمة القمعية التي تتلاعب بالدستور لتمديد رئاسة "الديكتاتور"، بعدما غير برلمانها، الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، الدستور لهذا الغرض.

يبدو أن رئيس جمهورية توغو "فور غناسينغبي"، لم يتعظ مما جرى لنظيره السابق في السنغال ماكي سال، الذي أطيح به رغم محاولاته تعديل الدستور ليبقى في الحكم فترة رئاسية جديدة مخالفة للقوانين وفشله وانتصار المعارضة وتوليها الرئاسة.

رئيس توغو الذي تولى الحكم عام 2005، عقب وفاة أبيه الرئيس السابق، بعدما حكم البلاد 38 عاما بقبضة من حديد، أوعز للبرلمان (الجمعية الوطنية) الذي يسيطر عليه حزبه، بتغيير الدستور، كما فعل "ماكي سال".

عدل الدستور ليحول نظام الحكم من "رئاسي" إلى "برلماني"، بحجة تمهيد الطريق لتعزيز الديمقراطية، لكن المعارضة أكدت أن ما جرى كان بمثابة تعزيز لنفوذ الرئيس ودائرته المقربة، لا الديمقراطية.

وأجرت عدة دول إفريقية، منها جمهورية إفريقيا الوسطى ورواندا وجمهورية الكونغو وكوت ديفوار وغينيا، تغييرات دستورية في السنوات الأخيرة بما يسمح لرؤسائها بتمديد فترات ولايتهم في مناصبهم. 

كما شهدت منطقة غرب ووسط إفريقيا ثمانية انقلابات عسكرية في السنوات الثلاث الأخيرة 2021 و2022 و2023، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 11 أبريل/نيسان 2024.

 تعديل الدستور

بموجب الدستور الجديد، وتغيير تشكيل النظام الحكومي في توغو من رئاسي إلى برلماني، سيصبح انتخاب رئيس الدولة من مسؤوليات البرلمان لا الشعب في انتخابات عامة.

ونص الدستور الجديد، الذي تم تقديمه بمبادرة من نواب الأغلبية للحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية"، على إلغاء الانتخابات المباشرة ومنح سلطة اختيار الرئيس للبرلمان، بالإضافة إلى تمديد مدة الولاية الرئاسية من 5 إلى 6 سنوات.

كما نص على ألا تُحتسب ولاياته الرئاسية السابقة (19 سنة)، ويكون بوسعه الترشح مجددا في العام القادم، بما يعني أن يبقى في الحكم حتى 2031.

وبموجب مشروع الدستور الذي أقره البرلمان فإن ‏انتخاب رئيس الجمهورية يتم في جلسة عامة لا يتخللها ‏أي نقاش.

وينتخب الرئيس "لولاية واحدة مدتها ست سنوات"، وفقا ‏للنص الجديد الذي تُلِي في الجمعية الوطنية وأقر بأغلبية ‏‏89 صوتا من أصل 91 نائبا، مقابل نائب واحد صوت ضده وامتناع ‏آخر عن التصويت.

وكان من المفترض أن تنتهي فترة رئاسة الرئيس الحالي الذي تولى زمام السلطة عام 2005، ودام حكمه 19 عاما، بعد فترتين رئاسيتين (10 سنوات) وفقا للدستور القديم المعدل عام 2019.

ولكن ظل الرئيس وحزبه يحاولان فرض التعديل الدستوري منذ ذلك الحين بسبب اعتراض المعارضة، حتى نجحا في ذلك عام 2024.

وأعيد انتخاب غناسينغبي مرتين عامي 2010 و2015 في انتخابات رفضت المعارضة نتائجها.

والآن بموجب الدستور الجديد سيكون من حق الرئيس منذ العام القادم 2025، الترشح لرئاسة جديدة لمدة واحدة 6 سنوات ما يعني أنه قد يبقى في الحكم حتى انتخابات 2031.

وقد يستمر حتى 2037 أو إلى أجل غير مسمى كما تقول المعارضة، لو عاد الحزب الحاكم وعدل الدستور لاحقا ليكون الحكم فترتين أو أكثر بدل واحدة.

يعني هذا أن الرئيس الابن لديه الإمكانية للبقاء في السلطة مثل أبيه لعشرات السنين، وأن حكم الأب والابن حتى عام 2030 سيعادل ما مجموعه 63 عاما.

وأصبحت رئاسة الدولة الصغيرة المنتجة للفوسفات والواقعة على ساحل غرب إفريقيا تحت الحكم العائلي منذ عام 1967، عندما استولى غناسينغبي إياديما على السلطة في انقلاب، وخلفه ابنه بعد وفاته عام 2005.

تأجيل الانتخابات

كان من المقرر إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية في 20 أبريل/نيسان 2024، وأكدت المعارضة مشاركتها فيها، لكن الرئيس أعلن في 3 أبريل تأجيل الانتخابات لنهاية عام 2024 حتى تنتهي الاحتجاجات ضد تعديل الدستور.

ودعت قوى المعارضة في توغو الواقعة غرب إفريقيا، إلى احتجاجات لمنع رئيس البلاد من التصديق على دستور جديد يلغي الانتخابات الرئاسية المستقبلية، ما قد يمدد فترة حكمه حتى عام 2030.

وتحججت السلطات بأن تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 20 أبريل جاء "بسبب إصلاحات سياسية" وفق ما قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في الرابع من ذات الشهر.

وقد تصاعدت التوترات عقب إعلان تعديل الدستور لبقاء الرئيس في السلطة، وفرقت الشرطة مؤتمرا صحفيا للمعارضة أواخر مارس/آذار 2024 بدعوى عدم حصوله على تصريح، وأكدت أنها ستفرق أي مظاهرات.

وردا على ذلك، أسست 3 كيانات سياسية ومنظمات مجتمع مدني في 29 مارس 2024 ما سُمي "ائتلاف الطوارئ"، الذي بدأ ينظم مظاهرات للاحتجاج ضد ما وصفه بـ "الانقلاب الدستوري".

واشتد التوتر حين سجنت الحكومة عددا من أعضاء التحالف، ورفضت السماح بالمظاهرات المخطط لها في 11 و12 و13 أبريل.

وهو ما دفع الرئيس غناسينغبي إلى طلب إعادة قراءة الدستور من البرلمان، وتأجيل الانتخابات البرلمانية، في محاولة لتهدئة الأوضاع وإعادة النظر في التعديلات المقترحة.

ووقع ما يقرب من 100 من الأكاديميين الجامعيين والمثقفين والفنانين والشخصيات السياسية والمجتمع المدني على نداء يدعو الشعب إلى "التعبئة" ورفض ما وصفوه بـ "إساءة (الرئيس) استخدام السلطة". 

كما جرى اعتقال رئيس تحرير إحدى الصحف التوغولية بعد أن حذرت هيئات مراقبة وسائل الإعلام من حملة قمع صحفية قبل الانتخابات، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية.

ودعت أحزاب المعارضة ورجال الدين الكاثوليك سكان توغو إلى رفض الإصلاح الدستوري وتنظيم مظاهرات الاحتجاج.

ودعوا إلى احتجاجات من 11 إلى 13 أبريل 2024 لمنع الرئيس من التوقيع على الدستور الجديد، واحتجاجا على اعتقال شخصيات معارضة.

وعلى الرغم من الاعتقالات التي جرت في صفوف المعارضة، فإن الأخيرة أعلنت عن خطط لتنظيم احتجاجات كبيرة تحت شعارات مثل "بدون استشارتنا" و"لا تلمس دستورنا"، مما يشير إلى تصاعد التوترات في الساحة السياسية التوغولية.

ووصف حزب "التحالف الوطني من أجل التغيير" المعارض الإصلاح بأنه "انقلاب دستوري".

وقال حزب "القوى الديمقراطية للجمهورية" المعارض، تعليقا على التعديل إن "هذا هو الإعداد الأخير للانقلاب الدستوري من قبل النظام الملكي الذي جعل مصير البلاد رهينة لما يقرب من 60 عاما"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية 10 أبريل 2024.

ويعتقد مراقبون أن هذا التعديل لا يمثل فأل خير على البلاد التي شهدت اضطرابات اجتماعية واقتصادية خلال التسعينيات، ثم في سنوات 2005 و2016 و2018.

بدعم فرنسي

وعلى غرار السنغال، ترفض المعارضة التوغولية تعديل الدستور، كما تقف في وجه الوجود الفرنسي المتغلغل هناك والذي يدعم الرئيس الذي حرص على تقديم الثمن لباريس مقابل دعمها.

وقد قدم الرئيس ما يشبه الرِّشا لفرنسا كي تسانده، وتدعم إجازة هذا التعديل الدستوري دون اللجوء إلى استفتاء شعبي، كما يقول الباحث في الشؤون الإفريقية "إدريس آيات".

ففي 14 مارس 2024، أعلن الرئيس التوغولي عن إطلاق مشروع لبناء 21 جسا متحركا في منطقة "بلاتو"، قرب العاصمة لومي، العاصمة تُقدر تكلفته الإجمالية بـ 100 مليون يورو، أي ما يعادل 65 مليار فرنك إفريقي تنفذه شركة "ماتيير" الفرنسية.

وقبل حكم الرئيس الحالي "فور غناسينغبي"، المقرب من فرنسا، حكم والده بموجب دعم قوي من باريس، جعله واحدا من الأيقونات البارزة لنظام "فرنس-أفريك"، رغم الانتقادات الدولية الموجهة ضده. 

وتشير مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 10 أبريل/نيسان 2024 إلى أن الرئيس الحالي وأباه الراحل اللذين حكما البلاد منذ استقلالها عن فرنسا، يديران الانتخابات بالتزوير للبقاء في الحكم مدى الحياة، ويبدو أن هذا يتم برعاية فرنسية مقابل مصالح ونفوذ.

وحصلت توغو على استقلالها عن فرنسا في عام 1960، ومنذ ذلك الحين تحكمها "عائلة غناسينغبي" منذ أن استولى الرئيس الأب على السلطة في انقلاب عسكري عام 1967، وخلفه ابنه.

وخلال حكمهما، عملا على ترهيب المعارضين واعتقالهم، لهذا شهدت البلاد مظاهرات ضدهم عدة مرات آخرها بين عامي 2017 و2018، طالب فيها المتظاهرون باستقالة "غناسينغبي" الابن.

ولم تنته المظاهرات إلا عندما وافقت الحكومة على إعادة تحديد مدة الرئاسة بفترتين، لكن الرئيس عاد ليلغي ما وافق عليه ويضع دستورا جديدا يبقيه في السلطة مدى الحياة.

ومع ذلك، في عام 2019، لم يطبق برلمان توغو القانون على غناسينغبي الابن، وتم إعادة ضبط فترة رئاسته حتى يتمكن من الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2020 و2025، ومن ثم يبقى في السلطة حتى عام 2031. 

وجمهورية "توغو"، هي أصغر دولة في غرب إفريقيا يحدها من الشرق بنين، ومن الغرب غانا، ومن الشمال بوركينا فاسو، ومن الجنوب المحيط الأطلنطي.

47 بالمئة من سكان هذه الدولة مسيحيون و14 بالمئة مسلمون وقرابة 33 بالمئة يتبنون عقائد محلية، ويعتمد اقتصادها على الموارد المعدنية مثل الفوسفات.

وكانت البلاد خاضعة للاستعمار الألماني عام 1884م ثم احتلتها فرنسا في بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، وخلال الحكمين الألماني والفرنسي تم السماح بنشاط كبير للمبشرين المسيحيين.

لكن ظل الوجود الإسلامي منتشرا بفضل مدارس إسلامية أنشأها الأزهر الشريف عام 1964م، في لومي وسكودي وبالمي، وأخرى يشرف عليها في أنحاء البلاد المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.