لماذا فضلت إسرائيل اغتيال هنية في طهران وليس الدوحة؟.. مجلة فرنسية تجيب
اغتيال إسماعيل هنية على أرض إيرانية يمثل ثغرة أمنية كبيرة وإهانة للأجهزة الاستخباراتية
جاءت حادثة اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في العاصمة الإيرانية طهران، خلال مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، لتطرح سؤالا محوريا حول الفشل الذريع لأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية.
فشل أمني
السؤال أجاب عنه المحلل السياسي باسكال بونيفاس في مقاله بمجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية قائلا "إننا نتحدث هنا عن قائد مهم لحركة حليفة اُستقبل من قبل المرشد الأعلى، وجاء إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد. حقيقة إن اغتياله على أرضهم يمثل ثغرة أمنية كبيرة وإهانة للأجهزة الإيرانية.
وأضاف "مع ذلك، ليست هذه المرة الأولى التي تغتال فيها إسرائيل شخصيات في طهران، ففي وقت سابق، اغتالت تل أبيب العديد من المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني".
علاوة على ذلك، يلاحظ المحلل السياسي أنهم اختاروا تصفية هنية في طهران وليس في الدوحة، حيث ربما كان من الأسهل الوصول إليه.
مما يشير إلى أن إسرائيل -بغض النظر عن مواقفها الرسمية- لم ترغب في إفساد علاقاتها مع قطر، بحسب ما يراه بونيفاس.
وفي هذا السياق، يسلط الموقع الفرنسي الضوء على العواقب المحتملة لمقتل إسماعيل هنية على عمل حركة حماس، مؤكدا أن حماس فقدت جزءا أساسيا من هيكليتها، إذ كان هنية هو قائدها السياسي.
حيث شغل منصب رئيس الوزراء الفلسطيني من مارس/ آذار 2006 حتى يونيو/ حزيران 2014، وكان الرجل الذي يمثل جميع الاتصالات والمواعيد الدولية.
ولكن يذهب الموقع إلى أنه "حتى وإن كان هنية وشكر مهمين، فإن القضاء على قادة الحركة لا يعني بالضرورة القضاء عليها بالكامل".
مؤكدا على أن "الحركة لا يُقضى عليها إلا عندما تفقد قاعدتها الاجتماعية ودعمها، وهو ما لا ينطبق على حماس حتى الآن".
كيف سترد إيران؟
وفي ضوء التصريحات والتهديدات التي قالتها إيران، يلفت المحلل السياسي النظر إلى أن "الإيرانيين ليس لديهم فعليا القدرة على مهاجمة إسرائيل"، مؤكدا على أنهم "يدركون ذلك جيدا. كما أنهم يعلمون أيضا أنه "في حالة قيامهم بذلك، فسيواجهون كتلة غربية ضدهم".
ويقارن الموقع هنا رد فعلهم بردهم بعد قصف مبناهم القنصلي في دمشق، حيث كانوا قد أكدوا أنهم لن يبقوا بدون رد فعل. لكنهم قبل الإقدام على أي خطوة، حذروا الطرف الآخر لضمان عدم وقوع قتلى إسرائيليين".
وفي هذه النقطة، يقول بونيفاس إنه "من الواضح أنهم لاحظوا أن الدول الغربية، التي لم تنتقد القصف الذي استهدف بنيتهم التحتية، قد أدانت فورا إطلاق طائراتهم المسيرة وصواريخهم على إسرائيل".
وبنفس الشكل، إذا هاجم الإيرانيون إسرائيل بشكل مباشر، فإنهم سيخدمون نتنياهو بذلك، ولذلك، يرى بونيفاس أنه "سيكون من الأكثر حكمة بالنسبة لهم الاعتماد على حلفائهم في "محور المقاومة".
وفي هذا الصدد، يقول الموقع إنه "من الممكن تصور هجوم منسق من قبل جميع أعضاء هذا المحور المقاوم".
ويؤكد المحلل السياسي على أن "هذه الحركات مرتبطة بإيران، ويمكنها أن تساعدها في التسليح"، لافتا إلى أنها "من ناحية أخرى لديها طموحاتها الخاصة وقادتها، مما يعني أن الإيرانيين لا يديرونها بشكل مباشر".
وبشكل خاص، يعتقد بونيفاس أنه "يبقى أن نرى ما سيفعله حزب الله، الذي يمكن أن يزيد من تصعيد هجماته". وفي جميع الأحوال، يخلص الموقع إلى أن "حدود المقبول تتلاشى تدريجيا، إذ نقترب كل يوم من الهاوية".
تداعيات الحادث
يتناول موقع "جون أفريك" التحليل الجيوسياسي حول تداعيات اغتيال إسرائيل لقيادات من حماس وحزب الله، وتأثير ذلك على الوضع الإقليمي والعلاقات الدولية.
وحسب الموقع، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تعزيز موقفه السياسي الداخلي من خلال إظهار الحزم ضد أعداء إسرائيل، إلا أن ذلك قد يكون على حساب استقرار المنطقة.
ومن جانبها، تدرك إيران أن الهجوم المباشر على إسرائيل قد يؤدي إلى توحد الدول الغربية ضدها، لذا قد تلجأ إلى دعم حلفائها في "محور المقاومة" للرد بطرق غير مباشرة.
وحول السياسات الأميركية، يرى الموقع أنه من الممكن أن تكون نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، أكثر صرامة مع إسرائيل مقارنة ببايدن، وذلك إذا تم انتخابها في المستقبل.
وبشكل عام، يدعو الموقع إلى الحذر من التصعيد الذي قد يجر المنطقة إلى حافة الحرب، مؤكدا على الحاجة إلى حلول دبلوماسية ومستدامة.
رسالة الاغتيالات
وبالحديث عن الرسالة التي رغبت إسرائيل في توصيلها للعالم من خلال عملية الاغتيال المزدوجة، تذكر "جون أفريك" أن "بنيامين نتنياهو يكرر باستمرار أن قادة حماس هم "أموات يمشون" وأنهم سيدفعون جميعا ثمن هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
ويذهب الموقع إلى أنه "من الناحية السياسية الداخلية، تُعد هذه الهجمات نجاحا".
ومن ناحية أخرى، يمكن القول -بحسب الموقع- إن "اغتيال المسؤول السياسي لحماس، إسماعيل هنية، يظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يعد تحرير الرهائن أولوية وأنه غير مستعد لوقف إطلاق النار".
جدير بالإشارة هنا إلى أنه في حال إعلان هدنة، سيغادر الحزبان المتطرفان اللذان يدعمانه الائتلاف، مما سيؤدي إلى سقوط حكومته.
ولذلك، كما يؤكد الموقع الفرنسي، اختار نتنياهو البقاء في السلطة بأي ثمن، مما دفعه للتفكير بأن تحرير الرهائن لن يكون مفيدا له؛ بل سيكون غير مُجدٍ تماما.
وبالنظر إلى تقييم الحلفاء الغربيين لهذا الأمر، يقول الموقع إن "العمليتين تقدمان على أنهما نجاحا بالقضاء على قائدين مهمين".
ولكن السؤال هنا -من وجهة نظر الموقع- "ما إذا كانت تلك الهجمات تتبع منطق التصعيد".
وفيما يتعلق بزعم حزب الله، فقد اقترح الأميركيون والأوروبيون على رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم مهاجمة بيروت، عاصمة بلد يتمتع بعلاقات قوية جدا مع الدول الغربية، وفق ما أشار إليه بونيفاس.
وهنا، يذكرنا المحلل السياسي أنه حتى الآن، كان حلفاء إسرائيل يقبلون بضرب جنوب لبنان، لكنهم كانوا مترددين في شن ضربات على بيروت.
ولكن المحلل يعتقد أنه "من خلال هذه الهجمة قضى نتنياهو بالتأكيد على مسؤول مهم في حزب الله، لكنه زاد من اتساع الفجوة بينه وبين جو بايدن، وربما كامالا هاريس".
ومرة أخرى، اختار رئيس الوزراء تعزيز تحالفه الحكومي وإرضاء وزرائه من اليمين المتطرف، بن غفير وسموتريتش.
فرصة التفاوض
وبعد مقتل هنية وشكر، اعترف الإسرائيليون بأنهم وراء الهجوم في بيروت، لكنهم لم يعترفوا بالهجوم الآخر، وفق ما ذكره الموقع.
وفي رأي المحلل السياسي، من الممكن أن يكونوا يتجنبون الاعتراف باغتيال هنية لكي لا يعترفوا صراحة بأنهم تخلوا عن أي إمكانية للتفاوض بشأن تحرير الرهائن.
وبقول آخر، توضح "جون أفريك" أنه من الواضح أنه إذا كنت ترغب في التفاوض، فيجب عليك ألا تقتل المفاوض.
وبالحديث أكثر عن دوافع الهجمة في طهران، يلفت بونيفاس إلى أن "إسرائيل ربما كانت تحاول جر إيران إلى مواجهة مع واشنطن".
ويرى أن العلاقات التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة والدول الأوروبية ستتعزز في هذه الحالة.
ويعزو المحلل ذلك إلى أن إيران تعد عاملا منفرا بالنسبة للغربيين، الذين بدأوا في انتقاد تصرفات إسرائيل في غزة، حتى وإن لم يمارسوا ضغوطا حقيقية على نتنياهو.
وإذا قامت إيران، كما رأينا في شهر يوليو/ تموز 2024، بمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر، فستضمن جميع الدول الغربية تضامنها مع تل أبيب.
ومن الناحية الأخرى، يلفت الموقع الفرنسي النظر إلى أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لم يدلِ بأي تصريح حول الهجوم الذي أودى بحياة فؤاد شكر في بيروت.
وهنا يتساءل الموقع: “هل من الممكن أن تكون واشنطن قد وافقت على تصفية قائد حزب الله الذي تعده مسؤولا عن مقتل 240 من مشاة البحرية الأميركية في عام 1983؟”
ويجيب المحلل السياسي على هذه النقطة قائلا إنه "من الصعب تحديد ذلك بدقة".
ومع ذلك، يعتقد بونيفاس أن "ما هو مؤكد هو أن الفرنسيين والأميركيين، الذين دفعوا ثمنا باهظا نتيجة الهجمات التي نفذها فؤاد شكر، لن يأسفوا على رحيله"، لكن ما يثير القلق أكثر هو التصعيد بحد ذاته.
حرب موسعة
في هذا التقرير، يحلل الخبير الجيوسياسي العواقب المحتملة لسلسلة الاغتيالات المستهدفة لقادة حماس وحزب الله من قبل إسرائيل، مشيرا إلى تزايد انفصال حلفاء تل أبيب واحتمالية نشوب حرب إقليمية موسعة.
وفي هذا الصدد، يقول الموقع الفرنسي إن "العالم يمسك أنفاسه بعد عملية الاغتيال المزدوجة التي نفذتها إسرائيل في 30 و31 يوليو/ تموز 2024، والتي استهدفت مسؤول حزب الله اللبناني فؤاد شكر في بيروت، وزعيم حركة حماس والسياسي السابق إسماعيل هنية في طهران".
وعلى حد قول الموقع، وقعت عمليتا إعدام لقادة مهمين في عاصمتين رمزيتين، وهو ما يستدعي ردا واسع النطاق، وفق ما وعدت به إيران وحزب الله. ولا يمكن استبعاد فرضية هجوم منسق، وفق ما ورد عن الموقع.
وفي هذه النقطة، يتساءل الموقع: "هل كانت هذه الهجمات، بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسيلة لتحويل انتباه المجتمع الدولي عن القصف المستمر منذ أكثر من 300 يوم في قطاع غزة؟".
ويتابع الموقع: "هل كانت الهجمات محاولة لاستعادة التفوق على "محور المقاومة" الذي تقوده طهران، والذي يمتد من حزب الله اللبناني إلى الحوثيين اليمنيين، مرورا بالمليشيات الشيعية الأفغانية والعراقية والمليشيات الفلسطينية السنية؟"
ويجيب عن هذه التساؤلات المتخصص في العلاقات الدولية ومؤلف عشرات الكتب، باسكال بونيفاس، إذ يفسر لـ "جون أفريك" الظروف المحيطة بهذه الهجمات المستهدفة والمخاطر التي تنطوي عليها من احتمال نشوب حرب إقليمية موسعة.