بعد دراما التطبيع.. "إم بي سي" السعودية تحارب المقاومة رسميا نيابة عن إسرائيل

a month ago

12

طباعة

مشاركة

بينما يتعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لإبادة جماعية للعام الثاني على التوالي، قررت إدارة القناة الفضائية السعودية "MBC" أن تستغل استشهاد قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يحيى السنوار لتتبنى رسميا رواية الاحتلال الإسرائيلي وتصف المقاومة الفلسطينية بـ "الإرهاب".

وفي ظل انشغال المشاهد العربي والإسلامي بمتابعة أدق تفاصيل استشهاد السنوار في اشتباكات مع العدو الصهيوني جنوب قطاع غزة في 16 أكتوبر 2024 وتسطيره ملحمة بطولية، نشرت قناة MBC الناطقة باللغة العربية، تقريرا صادما وصف قيادات حماس "بالإرهابيين" وعلى رأسهم السنوار.

تشويه المقاومة

حيث حمل التقرير التلفزيوني الذي أعده الصحفي في قناة MBC "محمد المشاري" ونشر في 18 أكتوبر 2024 تحت عنوان "ألفية الخلاص من الإرهابيين" ادعاء بأن السنوار هو "وجه جديد للإرهاب وآخِر من تخلص العالم منه".

ووصف التقرير السنوار "بأنه دموي وجزار خان يونس"، زاعما أنه "قاد أعمالا وحشية وإجرامية متنوعة لحركة حماس إلى أن قتل في اشتباك عسكري"، وفق التقرير. 

كما نال التقرير من نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في هجوم بطائرة مسيرة استهدف الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت في 2 يناير/كانون الثاني 2023، حيث وصفه تقرير MBC بأنه "قائد هجمات إرهابية دامية"، وفق تعبيره.

كما تطاول تقرير MBC على رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، الذي اغتيل بالعاصمة الإيرانية طهران نهاية يوليو /تموز 2024 زاعما أنه "شخصية مثيرة في عالم الإرهاب".

وقنوات مركز تلفزيون الشرق الأوسط "إم بي سي" الشهيرة، يملكها رجل الأعمال السعودي وليد الإبراهيم، المقرب من الديوان الملكي السعودي.

وقد حول الإبراهيم مجموعاته الإعلامية إلى "سلاح فتاك" في مواجهة ثورات الربيع العربي في مصر واليمن وليبيا وتونس وغيرها من الدول التي كانت ترزح تحت سلطة ديكتاتورية عسكرية.

لم يكن المشاهد العربي ينتظر من قناة MBC وشقيقاتها السعودية مثل قناة العربية، أن تسلط الضوء على حادثة استشهاد السنوار التي تعد من أسمى "رمزيات مقاومة الاحتلال" في العصر الحديث، بل الكف عن تشويه صورة المقاومة لا جعلها على أجندة أولوياتها الإخبارية.

فبحسب مشاهد الاشتباك بين السنوار والقوة الإسرائيلية التي بثها الإعلام الرسمي الإسرائيلي، أظهرت مقاومة الرجل حتى الرمق الأخير حتى إنه رمى طائرة مسيرة اقتحمت المنزل الذي كان فيه بحيّ تل السلطان في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة بعصا كي يسقطها.

وقالت إذاعة جيش الاحتلال: "إن السنوار ورفيقيه ألقوا قبل مقتلهم "قنبلتين يدويتين على القوة الإسرائيلية التي اشتبكوا معها بالأسلحة النارية من داخل مبنى سكني في حي تل السلطان".

بدورها أعربت العائلة الغزاوية صاحبة المنزل الذي استشهد فيه السنوار عن فخرها، أن يلفظ رمز المقاومة أنفاسه الأخيرة في بيتهم. 

وقال الصحفي محمد سامي أبو طه وهو أحد أفراد العائلة على حسابه على "إنستغرام": “إن عائلتنا عائلة أبو طه تفتخر كونها جزءا من اللحظة التاريخية التي تجسد شجاعة وإصرار الأحرار في مواجهة الاحتلال، حتى إننا نفخر، بأن آخر عصا قد قاوم بها هذا المحتل هي من بيتنا”.

ووصف مراقبون التناول القناة السعودية للحدث، بأنه انحياز فاضح مع الاحتلال الإسرائيلي وتبرير مجازره بحق الشعب الفلسطيني وآخرها قتل ما لا يقل عن 43 ألفا من سكان غزة وتهجير مليون ونصف المليون وتدمير المنازل منذ 7 أكتوبر 2023.

فضلا عن التسويق لمصداقية رواية الاحتلال عبر شيطنة حركة حماس ووصف من يدافعون عن أرضهم بـ "المجرمين"، فيما عده آخرون انحدارا إعلاميا وخروجا عن أخلاقيات المهنة، بل يشكل "أداة طيعة لتضليل الجماهير العربية والتحدث للأمة بلسان الاحتلال".

وضمن هذه الجزئية، فقد انبرت حركة "حماس" في بيان عبر قناتها على "تلغرام" لتقرير القناة قائلة: "في الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا الفلسطيني لحرب إبادة وعدوان إرهابي غير مسبوق من قبل الكيان الصهيوني وجيشه الإرهابي منذ أكثر من عام، تطل علينا قناة ناطقة بالعربية تدعى MBC ببثها تقريرا ظلاميا وتحريضيا ضد الحركة وقادتها، ولتصف أعمال المقاومة الفلسطينية ضد المحتل بالإرهاب، وذلك في سقوط مهني وإعلامي وأخلاقي يتساوق مع الدعاية والرواية الصهيونية التي تسعى لشيطنة المقاومة ورموزها".

وشددت الحركة على أنها "تستهجن بشدة هذا التقرير “الذي لا يخرج إلا عن صحافة صفراء وطابور خامس”.

 وطالبت الحركة "إدارة القناة بالتراجع الفوري عن هذا السقوط والانحدار المهني وحذف التقرير من منصاتها، وتقديم الاعتذار عن هذا التقرير الذي يسيء لأصحاب القناة والقائمين على إدارتها، لا المقاومة وقادتها الذين جادوا بدمائهم على طريق تحرير فلسطين والأقصى، وكذلك نطالب بتعديل هذا النهج التحريري الخبيث الذي يتساوق مع أجندة الاحتلال، والالتفات إلى ما يتعرض له شعبنا من جرائم وفظائع على يد الكيان الصهيوني المجرم".

وحذفت قناة "MBC" السعودية التقرير، كما حذف مُعِدُّه وهو "محمد المشاري"، حسابه على منصة "إكس" وجعل حسابه في إنستغرام خاصا بعدما كان عاما في هروب متعمد منه لسيل الانتقادات الجارف الذي تعرضه له.

في الحقيقة لم يكن الرد على قناة MBC فقط من حركة حماس، بل كانت الضربة الأولى لمصداقية هذه القناة ودورها في تشويه الحقائق والتماهي مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين من العراق.

إذ اقتحم المئات من العراقيين مكاتب شركة إنتاج مرتبطة بقناة "إم بي سي" في العاصمة بغداد وقاموا بتحطيم محتوياته، بُعيد نشر التقرير التلفزيوني الذي حمل افتراءات على المقاومة الفلسطينية.

كما أعلن مجلس المفوضين في هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، في 19 أكتوبر 2024، إلغاء رخصة عمل قناة MBC في العراق، بسبب ما وصفه المجلس بـ"التطاول على قادة المقاومة".

وقالت الهيئة في بيان، نشرته وكالة الأنباء العراقية الرسمية، إن "قناة MBC الفضائية انتهكت لوائح البث الإعلامي من خلال تجاوزاتها المتكررة وتطاولها على الشهداء قادة النصر وقادة المقاومة الأبطال، الذين يخوضون معركة الشرف ضد الكيان الصهيوني الغاصب"، بحسب البيان.

وأكد المجلس أن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة كافة وإيقاف القناة عن العمل في العراق، موجهة الجهاز التنفيذي في الهيئة إلى إلغاء رخصة العمل الممنوحة لها.

رواية صهيونية

من جانبها أدانت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، في 20 أكتوبر 2024، على التقرير المسيء الذي بثته قناة mbc السعودية.

وقالت الغرفة المشتركة في بيان إننا "ندين مشاركة قنوات فضائية عربية بعينها، في تبني وبث روايات مشبوهة تخدم أجندة العدو الصهيوني، وتشيطن المقاومة وحاضنتها الشعبية".

وأضافت أن "منح مجرمي الحرب الصهاينة وشخصيات عربية معادية للمقاومة مساحة واسعة لترويج أكاذيبهم، وحجب أصحاب الصوت الذي يعبر عن ضمير الأمة الحي، هو طعنة للشعبين الفلسطيني واللبناني في معركة الدفاع عن الكرامة والحرية، وخدمة لحرب الإبادة الجماعية ضدهما".

ما كان لافتا هو أن صحفيا إسرائيليا أعرب عن دهشته من تقرير MBC المسيء للمقاومة معتبرا أنه وكأنه منسوخ من قناة إسرائيلية.

وقال الصحفي الإسرائيلي خلال مقابلة على قناة "كان 11" في 19 أكتوبر: "لقد بثت القناة الشهيرة MBC تقريرا عن أكثر الإرهابيين المطلوبين وآخرهم يحيى السنوار.. لقد شاهدته لمدة 15 دقيقة وكأنه مأخوذ من قناة تلفزيونية إسرائيلية، تحدث وكأننا نتحدث نحن".

علاوة على ذلك فإن بعض القنوات "الإسرائيلية" ومنها "القناة 14" المعروفة بتوجهاتها الصهيونية العنصرية المتطرفة، عرضت تقرير قناة MBC التي تستهدف النيل من رموز المقاومة الفلسطينية بالذات في هذا التوقيت الحساس من عمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ولهذا ما كانت لتبث تلك القنوات العبرية هذا التقرير، لو كان يخالف توجهاتها ولا يصب في تدعيم رواية الاحتلال على الأقل من "بني جلدة العرب".

لقد أثار تقرير "MBC" السعودية المسيء لقادة حماس الشهداء غضبا واسعا وانتقادا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكتب نظام المهداوي رئيس تحرير صحيفة وموقع وطن قائلا: "قناة بلاد التوحيد، قناة البلد الذي خرج منه رسول البشرية وأعظم خلقه، قناة MBC السعودية، تصنف قائدًا عربيا مسلماً سنياً شهيدًا ظل يقاتل عدوه دفاعًا عن أرضه وبلده وأقصاه حتى الرمق الأخير، تصنفه كإرهابي قد تخلص العالم منه".

بدوره كتب فراس الماسي: "جزء مما جاء في تقرير أعدته قناة (MBC).. السؤال المهم، لماذا رواية التقرير الذي تم نشره تتماشى مع رواية العدو الصهيوني، وعلى أي أساس ربطت قادة المقاومة الذين يدافعون عن أرضهم بالإرهابيين وبالتقرير يتم وصفهم بالمجرمين الإسلاميين.. ووجه جديد للإرهابيين". 

أما الباحث مهنا الحبيل فكتب قائلا: "العقل الإستراتيجي تائه في الرياض يغرق في ورطته.. يضاعف التكاليف عليه بصورة الأحمق الذي ينتف شعره ليرضي الصهاينة والغرب على حساب مصالحه. الكارثة في أنك صنعت ترسانة تطوعية تحت دعمك ورضاك وتبعيتهم المباشرة لك كنظام سياسي 

تستعدي فيه كل كرامة إنسانية وعقيدة إسلامية وروح عربية في سخريتك الدائمة من فلسطين ومقاومتها ومن تاريخ الأرض المحتلة ذاتها".

وأضاف الحبيل قائلا: "وأنت في قلب العرب والحجاز قبلة المليارات من المسلمين فتستعديهم في قضية نص عليها قرآنهم وارتبطت بنبيهم وبأكبر مظلمة في التاريخ.. ثم تنتظر أن يغفر لك العالم الحر معصيتك الدائمة في الإم بي سي.. وأنت مرابط على كبائرك في حرب فلسطين وفي قضايا المسلمين".

دراما التطبيع

لكن تقرير MBC السعودية ليس منزوعا من سياق سياستها التحريرية وبثها لمسلسلات في السابق تحتوي إساءات للشعب الفلسطيني، ودعوات إلى التطبيع مع إسرائيل.

وقد عرضت قناة "أم بي سي" (MBC) السعودية في رمضان 2020 مسلسلين خليجيين هما "مخرج 7" و "أم هارون" تخدم إسرائيل وتحرض على الفلسطينيين.

وتطرق "مخرج 7" من بطولة ناصر القصبي ونادر الشمراني، في إحدى حلقاته، إلى موضوع العلاقات مع إسرائيل، وجاء فيها مشاهد تؤيد إقامة علاقات اقتصادية وثقافية معها، وتسيء للشعب الفلسطيني، وتصفه بـ"العدو".

أما مسلسل "أم هارون"، فتدور قصته حول سيدة يهودية تعاني مصاعب ومشاكل كثيرة وعاشت في دولة خليجية، بداية القرن العشرين، ورأى فيه منتقدون محاولة لتزييف الحقائق التاريخية المتعلقة بظروف إقامة دولة إسرائيل.

إذ إنه على الفور حينها استنكرت عرضها شخصيات عربية وفلسطينية فضلا عن فصائل وقيادات فلسطينية.

ووصف الناطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي" مصعب البريم، عرض تلك المسلسلات "بالسلوك التطبيعي العربي".

وقال البريم لوكالة الأناضول في إبريل 2020، إن خروج أعمال بهذا الحجم، تدعو للتطبيع والتعايش مع إسرائيل، يشير إلى "العقلية الحاكمة لتلك المؤسسات والدول، والتي تقف وراء تلك الإنتاجات، حيث يظهر أنها تجردت من كل مبادئها الأخلاقية".

وأكد البريم، أن تلك المسلسلات "ضربة تاريخية في خاصرة الشعوب العربية والإسلامية، ووصمة عار على جبين من قام بالإشراف عليها وتنفيذها، وستبقى تلاحقهم في كل مراحل الحياة".

وفي يوليو 2023، كشفت إذاعة "كان" الحكومية في "إسرائيل" أنها أتمت صفقة بيع حقوق بث المسلسل الوثائقي "نبوءة كاسندرا" لصالح قناة "إم بي سي" ومنصتها الترفيهية "شاهد".

ويعد مسلسل "نبوءة كاسندرا" أول عمل إسرائيلي يعرض على قناة عربية، يروّج لجرائم جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، ويحاول تسويقها ضمن قوالب بطولية، وينسب له هجمات مشتركة مع إدارة مكافحة المخدرات الأميركية في أميركا الجنوبية ولبنان.

ويزعم المسلسل أنه يوثق تفاصيل عملية مشتركة بين الموساد وإدارة مكافحة المخدرات الأميركية لتعقب زعماء حزب الله وإيران في "تجارة المخدرات وغسيل الأموال".

وفي مارس 2023، وقعت منصة "شاهد" اتفاقية تطبيعية مع شركة الاتصالات الإسرائيلية "بارتنر"، تتيح بموجبها للجمهور الإسرائيلي مشاهدة أكبر للمنصة الترفيهية الشهيرة، بتسهيلات واسعة حول طرق الاشتراك والدفع داخل "إسرائيل".

ووصف موقع قناة "i24news" الإسرائيلية الصفقة بانها ستجلب إلى "إسرائيل" أكبر منصة تلفزيونية في العالم العربي، وقالت إن ذلك في أعقاب "اتفاقيات أبراهام" التي طبعت دول عربية من خلالها علاقاتها مع "إسرائيل"، وإثر مفاوضات بين الجانبين خلال السنتين الأخيرتين.

وتسمح الاتفاقية لزبائن "بارتنر" شراء رزم تشمل الاشتراك في خدمات الهاتف الخلوي وفي تطبيق "شاهد".

وفي يناير 2023، عرضت الشبكة السعودية الشهيرة مسلسل "وشوشات من غزة"، الذي أنتجه كل من "مركز اتصالات السلام" في الولايات المتحدة، بالتعاون مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، وتولت "قناة العربية" السعودية إصداره باللغة العربية، وصدر بـ 6 لغات أخرى.

وينقل المسلسل ما أسماها "شهادات لسكان قطاع غزة" يتحدثون فيها عن حلمهم بـ"التحرر من حماس"، فيما يتجاهل بشكل كامل كل ظروف القطاع وما يتعرض له من حصار إسرائيلي وجولات عدوان متواصلة، وذلك قبل حرب الإبادة الحالية.