بعد عدة خسائر.. كيف نجح الجيش السوداني في طرد "الدعم السريع" من أم درمان؟
فصل جديد من المعارك المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة، بدأ في 4 فبراير/شباط 2024، عندما شن الأول هجوما مفاجئا بالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة "الدرونز" على مواقع تابعة للثاني في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم، تحديدا مدينة أم درمان.
وأوضح الجيش في بيان، أن فرق سلاح المدرعات جنوب الخرطوم نفذت عملية عسكرية نوعية ناجحة على خطوط العدو (الدعم السريع) وكبدتهم خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
ولأول مرة منذ بدء الاقتتال بين طرفي الصراع في السودان (أبريل/نيسان 2023) بدأت قوات الجيش السوداني تتمركز في سوق مدينة أم درمان الرئيس بعد طرد مليشيا الدعم السريع.
ويأتي هذا التقدم للجيش بعد أن تلقى ضربة إستراتيجية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، عندما خسر مدينة "ود مدني" بولاية الجزيرة.
وكانت المفاجأة مذهلة على أهالي المدينة السودانية الذين يقدر عددهم بنصف مليون، إضافة إلى قرابة 300 ألف نازح كانوا قد لجأوا في السابق إلى "ود مدني" بوصفها آمنة مطمئنة تحت حماية الفرقة الأولى مشاة من الجيش السوداني.
لذلك فإن هجوم الجيش وسيطرته على "أم درمان" يعادل الخسارة السابقة، ويعد نقطة تحول إضافية في مسار الحرب المستعرة.
سلاح المسيرات
وفي 8 فبراير 2024، نشرت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة السودانية بـ "فيسبوك" مشاهد مصورة لرئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وهو يتفقد المواقع الأمامية للقوات المسلحة بمنطقة أم درمان.
وكان في استقباله مجموعة من جنرالات الجيش على رأسهم الفريق أول ركن ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي، ومساعد القائد العام.
وأراد البرهان أن يبعث رسائل طمأنة للمواطنين، فوقف وسط جنوده في "أم درمان" وخطب فيهم مؤكدا: أن "القوات المسلحة والشعب في خندق واحد لاستئصال سرطان المليشيا المتمردة ومرتزقتها".
لكن السؤال الذي طرح نفسه أمام هذا التقدم للجيش، هو عن العامل الفارق الذي رجح كفة القوات المسلحة في هذه المعركة؟
ربما جاءت الإجابة في التقرير الذي نشرته وكالة "بلومبيرغ" في 24 يناير/كانون الثاني 2024، وذكرت فيه: "أن أقمار اصطناعية التقطت صورا لطائرة من نوع (مهاجر 6) الإيرانية، في قاعدة خاضعة لسيطرة الجيش شمالي الخرطوم".
ونقلت الوكالة الأميركية عن ثلاثة مسؤولين غربيين، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم لكشفهم عن معلومات حساسة، "أن الجيش السوداني تلقى شحنات من طائرة (مهاجر 6)، وهي مسيرة ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران".
وذكرت أن الطائرة تحمل ذخائر موجهة بدقة، وأكد محللون فحصوا صورا للأقمار الاصطناعية وجود الطائرة من دون طيار في البلاد.
وكشف "ويم زوين نبرغ" رئيس مشروع نزع السلاح في "منظمة باكس" الهولندية، أن "من بين الأدلة التي تثبت وجود (مهاجر 6) في السودان، صور الأقمار التي التقطت المسيرات في قاعدة وادي سيدنا الجوية (الخاضعة لسيطرة الجيش).
ووفقا لبلومبيرغ فإن مهاجر 6 قادرة على شن هجمات (جو - أرض) والحرب الإلكترونية، والاستهداف المباشر في ساحة المعركة.
المقاومة الشعبية
لم تكن المسيرات وحدها هي التي حسمت تقدم الجيش في معركة "أم درمان"، إذ كان للمقاومة الشعبية دور كبير بحسب ما ذكر ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش.
وأوردت صحيفة "سبق" المحلية السودانية في 5 فبراير أن من "المقاومة الشعبية" خرجت فرق خاصة بينها "استخبارات المقاومة في أم درمان القديمة".
وهي المدينة التي تمثل جزءا مهما من العاصمة، ويتقاسم السيطرة عليها الجيش والدعم السريع.
وساعدت الفرقة المذكورة الجيش في هجومه المباغت وهي تضم كوادر شعبية مدربة ومنتقاة مهمتها جمع المعلومات حول أماكن وجود "الدعم السريع" ورصد تحركاتهم، ومعاونة الأجهزة العسكرية في تصويب الضربات الجوية والمدفعية لمراكزها.
وبجانب ذلك ظهرت كتائب أخرى شاركت في المعركة، ومنهم مجموعة كبيرة من الإسلاميين مثل كتيبة "البراء بن مالك".
وكان العطا قد شدد في اجتماع سابق له مع تلك الكتائب وفي لقاء مع شباب الإسلاميين ومجموعات من كيان "غاضبون"، أنهم كدولة وجيش لا يعرفون كتيبة "البراء" أو "غاضبون" بل يعرفونهم مواطنين يدافعون عن بلادهم وعرضهم تحت قيادة الجيش.
وكذلك انضوى تحت لواء هذه المجموعات في معركة "أم درمان" المئات من مقاتلي الدفاع الشعبي (سابقا).
وهو التشكيل العسكري الشعبي الذي كان ناشطا خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، وبرز دوره بشكل كبير خلال الحرب ضد متمردي الجيش الشعبي في جنوب السودان.
حميدتي والإمارات
أمام الضربة التي تلقتها قوات الدعم السريع أو "ميليشيا الجنجويد" نشر قائدهم محمد حمدان دقلو "حميدتي" على حسابه بموقع "إكس" ما أطلق عليه نداء للمجتمع الدولي.
وقال: "نداء إلى المجتمع الدولي بشأن الوضع الإنساني في السودان.. أنتجت الحرب الدائرة حاليا، والتي أوقد نيرانها فلول النظام البائد وعناصرهم في القوات المسلحة السودانية، كوارث عديدة، وعلى رأسها الكارثة الإنسانية، التي تفاقمت مع استمرار الحرب لعشرة أشهر متوالية، وبلغت ذروتها الآن ببداية المجاعة في بعض مناطق البلاد".
وأتبع: "جراء هذه الكارثة الإنسانية يعيش المدنيون اليوم داخل السودان في أوضاع إنسانية مأساوية تستوجب تدخلا عاجلا من جميع منظمات ووكالات الإغاثة الإقليمية والدولية لإنقاذهم من خطر الموت جوعا".
أما الإمارات الداعم الأكبر والرئيس لحميدتي ومن ورائه الدعم السريع، فعملت وسائلها الإعلامية التابعة لها مثل "سكاي نيوز عربية" خلال المعركة على نشر الشائعات.
ففي 6 فبراير زعمت بوجود تحركات يقودها عدد من ضباط الجيش السوداني لتنفيذ انقلاب عسكري، في وقت تصاعدت فيه المعارك في عدد من المحاور القتالية بأم درمان.
وأوردت أن استخبارات الجيش بمنطقة "وادي سيدنا" العسكرية (مقر الطائرات المسيرة) اعتقلت عددا من الضباط الفاعلين في قيادة متحركات أم درمان، بتهمة الإعداد لانقلاب عسكري.
وخصت بالذكر أن حملة الاعتقالات طالت 3 ضباط هم، قائد المتحرك الاحتياطي في معسكر سركاب، ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي، بجانب مسؤول عمليات الدعم والإسناد الإستراتيجي لمنطقة الشجرة العسكرية في الخرطوم.
وهو ما نفاه مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا، في نفس اليوم، عندما أصدر بيانا قال خلاله: إن "القوات المسلحة لبلاده كلها خلف قائد الجيش (عبد الفتاح البرهان) والقوات النظامية الأمنية تعمل خلف القيادة بقلب رجل واحد وفق تراتبية منظمة".
وطالب المواطنين ألا ينساقوا خلف الشائعات، مشددا على أن "رؤية ومطلوبات الانتصار كلها مكتملة في أم درمان وبحري وكذلك ولاية الجزيرة (وسط)".
رد اعتبار
الصحفي السوداني محمد نصر وصف تقدم الجيش في معركة "أم درمان" بـ "رد الاعتبار" جراء الهزائم السابقة.
ولا سيما الانسحاب الصادم من "ود مدني" والذي أفقد كثيرا من المواطنين ثقتهم في قوة الجيش، وعزز الروح المعنوية للجنجويد وحلفائهم وأغراهم بالتقدم للسيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم وبالتبعية أم درمان.
وقال نصر في حديثه لـ"الاستقلال": "الانتصارات في الحروب لا تتم عن طريق التراجع والانسحاب وإنما عبر التقدم المتتالي في معارك متعددة كبيرة كانت أم صغيرة، ما سيرسم مشهد النهاية الأخير بالانتصار الحاسم أو الهزيمة المرة".
وأضاف: "هذه الحرب تختلف عن الحروب الأهلية السودانية السابقة سواء في دارفور أو الجنوب".
فاليوم الحرب على السودان كدولة وهوية ووطن، إما أن يصبح دولة مؤسسات مدنية، أو دولة مليشيات وعصابات لن يعود بعدها كما كان.
وخاصة أن (الجنجويد) رسموا أنفسهم كجيش يريد خلق إمبراطوريته الخاصة والسودان جزء منها، وربما لو انتصروا سيتوسعون إلى تنزانيا وغيرها من بلاد الوسط الإفريقي، وفق تعبيره.
وأرجع الانتصار الأخير إلى اصطفاف المواطنين إلى جانب الجيش، والاعتماد على المقاومة الشعبية التي تعد بمثابة "الشبح المخيف".
وكذلك سلاح المسيرات الحاسم، الذي حسم معارك في ليبيا والعراق، واليوم سيساعد في تفوق الجيش السوداني.
ورأى أيضا أن هذا أول نجاح دبلوماسي يذكر للبرهان منذ بداية الحرب، عندما بدأ يفتش في الأوراق الإقليمية الرابحة، بدلا من الاعتماد على مصر التي لم تغنه شيئا ولم تدعمه بما يساعده على تحقيق الانتصار والحفاظ على الدولة.