أزمة دبلوماسية "صامتة".. ما أسباب توتر العلاقات بين الجزائر وأبوظبي؟
تشهد العلاقات الإماراتية الجزائرية مرحلة هي الأسوأ في تاريخ البلدين مما يهدد اتجاهها نحو مراحل أخرى من التوتر.
وعرفت العلاقات بين دولة الإمارات والجزائر تدهورا في الفترة الأخيرة، وصلت إلى حد كيل الصحافة الجزائرية اتهامات خطيرة لهذا البلد وتحميله مسؤولية توتر علاقاته مع جيرانه وتهديد مصالحه.
غضب جزائري
هذا التوتر أدّى إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية تضر بمصالح الإمارات بالجزائر عبر إيقاف عدد من العقود الاستثمارية بين البلدين.
ومن المتوقع أن يشهد البلدان فصولا أخرى من الصراع الصامت في منطقة تعيش جملة من الأزمات المفتوحة وتحالفات إقليمية معقدة.
وصبيحة 10 يناير/كانون الثاني 2024، عقد المجلس الأعلى للأمن جلسة ترأسها الرئيس عبد المجيد تبون، حيث تمت دراسة الوضع العام في البلاد، والحالة الأمنية المرتبطة بدول الجوار والساحل.
ووفقا لبيان نشرته الرئاسة الجزائرية، "أبدى المجلس الأعلى للأمن أسفه للتصرفات العدائية المسجلة ضد الجزائر، من طرف بلد عربي شقيق".
وإن لم يسمّ بيان الرئاسة الجزائرية الدولة "العربية الشقيقة"، إلاّ أن عددا من التصريحات والمقالات الصحفية في وسائل إعلام مقربة من السلطة وجهت الاتهام مباشرة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ففي 29 يناير/كانون الثاني 2024 حذرت الأمينة العامة لحزب العمال في الجزائر لويزة حنون مما قالت إنها "تحركات إماراتية لمعاقبة الجزائر على موقفها الرافض للتطبيع، وذلك باختلاق بؤر توتر على حدودها في منطقة الساحل والسعي لإيقاع حرب بينها وبين المغرب".
وقالت السياسية اليسارية إن دولة الإمارات العربية المتحدة تضخ أموالًا كبيرة في منطقة الساحل لشراء ذمم بعض الجهات، وذلك بهدف زعزعة استقرار المنطقة والجزائر بالذات.
وأوضحت أن الإمارات تلعب دورًا كوكيل للكيان الصهيوني في المنطقة، ليس فقط ضد القضية الفلسطينية، بل تسعى أيضًا لمعاقبة الجزائر على موقفها الثابت الرافض للتطبيع.
وتزامن حديث حنون مع ما ذكرته الإذاعة الجزائرية (الرسمية)، نقلا عن مصادرها بأن الإمارات منحت 15 مليون يورو للمغرب من أجل إطلاق حملة إعلامية وحملات على المنصات الاجتماعية بهدف ضرب استقرار بلدان الساحل.
وأبرزت أن "هذه الحملة تهدف أيضا إلى نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المغرضة بهدف خلق جو مشحون في العلاقات بين الجزائر ودول الساحل".
وهذه الميزانية المقدرة بـ 15 مليون يورو، وفق الإذاعة سيتم استغلالها لشراء أسهم في بعض وسائل الإعلام في فرنسا وإفريقيا.
أدوار معادية
خلال حوار متلفز في 20 سبتمبر/أيلول 2020، عقب توقيع اتفاقية أبراهام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، ثم المغرب، سُئل تبون عن رأيه في ذلك، فقال إنه "يرى هرولة نحو التطبيع ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية".
الرئيس الجزائري أكد أن الجزائر لن تشارك في الطريق نحو التطبيع، ولن تدعمه ولن تباركه، مقدرا أن القضية الفلسطينية مركزية، واصفاً إياها بأم القضايا.
تصريحات تبون أثارت غضبا إماراتيا، ظهر في مواقف عدد من المدونين ووسائل الإعلام، حيث عدت تحديا وتأليبا للرأي العام العربي ضدها، خاصة أنها كانت راعية اتفاقيات أبراهام عربياً.
وفي حديث لـ "الاستقلال" رأى رئيس كتلة حركة مجتمع السلم في البرلمان الجزائري أحمد صادوق أن "الإمارات أصبحت تنفذ أدوارا وظيفية خطيرة لصالح جهات معادية للأمة وعلى رأسها الكيان الصهيوني".
فمنذ تصريح تبون الذي هاجم فيه المهرولين للتطبيع خرجت الإمارات عن طوعها ووضعت ضمن أهدافها القذرة استهداف الجزائر إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا، وفق وصفه.
وتابع صادوق: "استعملت الإمارات كل الأدوات خاصة الأموال وشراء الذمم لمزاحمة والتصدي لمبادرات الجزائر دوليا وتولت الدفاع عن الكيان خاصة في إفريقيا والعالم العربي".
وأضاف البرلماني الجزائري "وصل الأمر بالإمارات إلى استهداف الأمن الإقليمي للجزائر في محيطها الحيوي حيث إنها تدعم (اللواء الليبي المتقاعد) خليفة حفتر بالمال والسلاح في ليبيا لضرب استقرارها وإفشال الجهود للتسوية أو الذهاب للانتخابات التي أقرتها الأمم المتحدة".
وتابع: "نفس الشيء بخصوص مالي والنيجر حيث حاولت تأليب أنظمتها تجاه جارتها العريقة الجزائر وإعطاء دور غير بريء للمغرب التي أصبح نظامها في حضن الكيان الصهيوني".
وأضاف صادوق: "الجزائر تفعل أكثر مما تتحدث وتعطي الفرصة للدبلوماسية قبل الذهاب في اتجاه تعميق المشكلة، كما أنها كثيرا ما ترتكز على الحكمة والصمت في معالجة الأزمات".
وأكد رئيس الكتلة البرلمانية الجزائرية على أن "الجزائر أقوى وأكبر وأعرق من هذه الدولة الوظيفية وما تقوم به هو مجرد محاولات الإزعاج والتشويش".
وشدد على أن تلك الأفعال: "لا يمكن أبدا أن تؤثر على أهمية الجزائر كدولة محورية بالمنطقة لطالما ساعدت جيرانها وأشقاءها ولم يسجل التاريخ أبدا أنها اعتدت عليهم".
واستدرك "إذا استمرت محاولات الكيد الإماراتي فلا أستبعد أن تقطع العلاقات خاصة حينما يتعلق الأمر بمحاولة زعزعة الاستقرار الداخلي للجزائر أو التجسس لصالح كيانات معادية".
وواصل: "قد يحدث ذلك رغم أن هذا القطع لو تم سيكون مضرا بالمصالح المشتركة بين البلدين وتراجع كبير عن العلاقات العميقة والعريقة بين الشعبين التي أسس لها المؤسسون الأوائل للإمارات والتي لم يستطع الحاكم الحالي (محمد بن زايد) المحافظة عليها بسبب انخراطه في مشاريع تصفية القضية الفلسطينية والتمكين للدول الغربية الاستعمارية".
إجراءات عملية
هذه التصريحات وغيرها تؤكّد حجم الغضب الجزائري من جملة الممارسات الإماراتية، وهو ما أكدته مجموعة من الإجراءات التي اتخذت.
وكان آخرها يوم 5 فبراير/شباط 2021، حيث أعلنت وزارة العدل الجزائرية عن إجراءات تحفظية ضد شركات تستحوذ عليها الإمارات في قطاع التبغ، بعد شبهات فساد، وذلك في أول قرار معلن بعد مطالب بتقويض الاستثمارات الإماراتية في البلاد.
ومن أبرز الاستثمارات الإماراتية في الجزائر والتي من المتوقع أن يتم إيقافها بسبب الخلاف الحالي، صفقة تسيير ميناء العاصمة الذي عاد لشركة موانئ دبي، بالإضافة إلى شراكة مع الجيش لتصنيع مركبات النقل العسكرية تحت علامة مرسيدس، وعدد من المشاريع العقارية الأخرى.
ويبدو أن ما فعلته الإمارات أضر بالفعل بالجزائر ومصالحها في المنطقة.
فبحسب مقال للباحث والأستاذ الجامعي الجزائري علي بن سعد في موقع "ميديا بارت" الفرنسي فإن "الإمارات تؤجج جبهة عسكرية جديدة معادية للجزائر، على حدودها الجنوبية".
ورأى الكاتب أن "هذا تتويج لإستراتيجية نشرتها الإمارات بتكلفة قليلة في دول الساحل وأدت في النهاية إلى تحول النيجر ومالي إلى أعداء للجزائر على الرغم من أنهما كانتا حليفتين غير مشروطتين له".
لذلك كان رد الفعل الجزائري في نفس السياق، في محاولة للحفاظ على علاقاتها المتقدمة مع جوارها خاصة تونس، التي لعبت الإمارات داخلها أدوارا أثرت سلبا على استقرارها السياسي ونجحت في إزاحة أهم خصومها السياسيين أي حركة النهضة المحسوبة على تيار الإسلام السياسي الذي تعاديه أبوظبي في كل الدول العربية.
وفي 2 فبراير/شباط 2024، سلم وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج الجزائري أحمد عطاف للرئيس التونسي قيس سعيد، رسالة خطية من الرئيس عبد المجيد تبون.
وبحسب مصادر دبلوماسية جزائرية تحدثت لـ موقع "عربي 21" فإن الرسالة أبلغت الرئيس التونسي بأنّ "الجزائر الرسمية قلقة جدا من حجم العلاقات التي تربط تونس بالنظام الإماراتي، وأنها معنية بإبلاغ الجار التونسي بأن هذه العلاقات مضرة بالجزائر وبالمنطقة".
وقالت: "ما هو متوفر من معلومات أن الجزائر تريد إبلاغ إنذار شديد اللهجة إلى القيادة التونسية التي تقول لها كلاما وتفعل العكس بالنسبة لعلاقاتها مع الإمارات، بأن هذا الموقف لم يعد مقبولا، وأن على القيادة التونسية أن تدرك حجم الكيد الذي تدبره الإمارات".
ومن المرجح أن تنجح الجزائر في التأثير على الجانب التونسي، خاصّة مع حجم المصالح المشتركة بين البلدين وقوة العلاقة التي تجمع بين عبد المجيد تبون وقيس سعيّد.
كما أن الجزائر نجحت سابقا في تعديل مواقف تونس من الصراع في ليبيا حيث أظهرت انحيازا لحكومة الوفاق الليبية ورفضا لسيطرة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.