متاح للمجرمين وممنوع للمعارضين.. كيف حولت المملكة موسم الحج إلى مصيدة؟
ناشطون عراقيون انتقدوا سماح السعودية بدخول القتلة إلى مكة والمدينة
صدمة كبيرة انتابت الأوساط الشعبية العراقية، بعد استضافة السلطات السعودية الكثير من الشخصيات المتورطة بارتكاب جرائم بحق سُنة العراق وسوريا.
واستقبلت السعودية أخيرا عددا من هؤلاء المصنفين من عتاة القتلة خلال الحرب الطائفية بين عامي 2006 و2008، وإبان الثورة السورية عام 2011.
يأتي ذلك في وقت لم تتوقف فيه المملكة عن اعتقال ناشطين أعلنوا تعاطفهم مع قطاع غزة الذي يتعرض إلى عدوان إسرائيلي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، إضافة إلى استمرار منعها دخول العديد من الدعاة والأكاديميين في مختلف البلدان، وترحيلها قسرا لآخرين.
"استضافة القتلة"
ومن أبرز الشخصيات التي استقبلتها السعودية في موسم الحج للعام 2024، إسماعيل حافظ اللامي المعروف بـ"أبودرع"، والذي يعد من أبرز قادة مليشيا "جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر، والمتورط شخصيا بإراقة دماء الآلاف من أهل السنة في العاصمة بغداد.
ونشرت صفحات عراقية على مواقع التواصل الاجتماعي في 23 يونيو/حزيران 2024، مقطع فيديو يظهر لحظة استقبال "أبودرع" عائدا من السعودية بعد انتهاء موسم الحج، وسط حشد من أنصاره في العاصمة بغداد.
إسماعيل حافظ اللامي من مواليد العراق عام 1970 (54 عاما)، عمل مساعد ضابط بسلاح الدروع في الجيش العراقي، ومن هنا كانت تسميته "أبودرع"، وكان معروفا ببيع السمك في منطقته بمدينة الصدر في بغداد معقل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
"أبودرع"، واحد من أبرز قادة فرق الموت التابع لمليشيا "جيش المهدي" التي اختطفت وقتلت العراقيين السنة إبان الحرب الطائفية.
اعتقله الأمن العراقي في 2008، وأفرج عنه بعد عامين، وفرّ إلى إيران وعاد إلى العراق عام 2014 وانضم إلى الحشد الشعبي للقتال ضد تنظيم الدولة.
وذكر ناشطون عراقيون أن عبدالعزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبوفدك" والمصنف على قائمة الإرهاب الأميركية، كونه أبرز قادة مليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، كان أيضا ضمن الموجودين في موسم الحج للعام الحالي.
"أبوفدك"، يشغل حاليا منصب رئيس أركان الحشد الشعبي، واشترك بمعارك في سوريا والعراق، ويتهم بقتل المتظاهرين العراقيين عام 2019، كما أن هناك اعتقادا واسعا بأنه يدير أحد معتقلات المليشيا الموالية لإيران في جرف الصخر (ذات الغالبية السنية) شمال محافظة بابل العراقية.
وكذلك استقبلت السعودية، ربيع نادر، مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، والمنتمي إلى مليشيا “عصائب أهل الحق”.
وسبق أن رفضت الولايات المتحدة منح نادر تأشيرة دخول إلى أراضيها أثناء زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن في أبريل/نيسان 2024.
وسمحت السعودية أيضا بدخول قيادات بارزة في الحشد الشعبي والتي تنتمي إلى المليشيات الموالية لإيران، ومنهم: "وليد الشريفي، أحمد محمد الكعبي، واصف الحجامي، إضافة إلى أحمد الياسري أمين سر المديرية العامة للأمن والانضباط في الحشد".
ومن الشخصيات التي دخلت السعودية في موسم الحج الحالي، حامد الجزائري مسؤول مليشيا "الخراساني" الشيعية، المتهم بقتل مئات المتظاهرين العراقيين عام 2019، والمقرّب من قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، وقاتل معه إلى جانب النظام السوري.
"تأشيرات المجاملة"
على إثر ذلك، عبر ناشطون عراقيون عن غضبهم الشديد من السماح لهذه الشخصيات المرتبطة بإيران، والمتورطة بجرائم قتل بالوصول إلى مكة والمدينة، وذلك عبر "الحج التجاري" ومنح سفارة الرياض في بغداد ما يعرف بـ"تأشيرات المجاملة" للمسؤولية والسياسيين العراقيين.
وقال الإعلامي والسياسي العراقي، مصطفى كامل، خلال تدوينة عل منصة "إكس" في 10 يونيو، إن "ما يعرف باسم الحج التجاري في العراق، إحدى الوسائل التي تعتمد عليها المليشيات الإرهابية الإيرانية الحاكمة لتحقيق العديد من الأهداف".
وأوضح أن "الحج التجاري، يوفر موارد مالية لعناصر المليشيات، إذ يزيد سعر التأشيرة الواحدة عن أكثر من 15 ألف دولار. إضافة إلى إرسال عناصرها الإرهابية الإيرانية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة تحت ذريعة أداء المناسك خارج الحصة المقررة لكل دولة".
وأضاف أن "المليشيات الإرهابية تحصل على هذه الفرصة من خلال تأشيرات المجاملة التي توزّعها سفارة الرياض في بغداد على عدد من المسؤولين والبرلمانيين (العراقيين)".
وعلّق الإعلامي والناشط العراقي، عثمان المختار عبر تدوينة على "إكس" في 6 يونيو، قائلا: "كان يجب أن يكون حجا للعراقيين لكنه صار موسما لحج قطعان الحشد الشعبي والأحزاب الحاكمة".
وأرفق المختار صورة مع تدوينته، وقال إن "من فيها قيادات بمليشيا العصائب صاحبة سجل جرائم الإبادة الطائفية في العراق وسوريا. لاحظ عبارة مقر هيئة الحشد الشعبي في المملكة العربية السعودية".
وكتبت الناشطة العراقية أمية التكريتي تدوينة على منصة "إكس" في 21 يونيو، قائلة: "استقبال أبودرع بعد عودته من الحج، وهو أحد عناصر جيش المهدي الذي قُتل على يده عشرات الآلاف من السُنة في بغداد وباعترافه. المجتمع الشيعّي يُقدسه ويفخر به رغم علمه بكل جرائمه".
من جهته، نشر الناشط علي الحسيني عبر "إكس" في 25 يونيو، صورة لمسؤول مليشيا الخراساني حامد الجزائري، وكتب قائلا: "آخر ظهور للمجرم في مراسيم الحج المتهم بقتل مئات شهداء من ثورة تشرين (احتجاجات عراقية واسعة عام 2019)، والذي ادعت هيئة الحشد الشعبي اعتقاله بعد تمرده وكونه متورطا بالقتل والتهريب الممنوعات".
وهذه ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها المملكة قادة المليشيات العراقية الشيعية المرتبطة بإيران والمتورطة بقتل العراقيين والسوريين على حد سواء، وتسمح لهم بدخول أراضيها ضمن قوافل الحجيج، وخصوصا في أعوام 2016 حتى عام 2024.
"ازدواجية مفضوحة"
وينتقد مراقبون الازدواجية المفضوحة للسعودية، حيث تستقبل شخصيات قريبة من إيران عرفت بممارسة القتل والإجرام، بينما تستمر في اعتقال الحجاج والمعتمرين على خلفية سياسية، كما يحصل مع من يعبّر عن رأيه السياسي أو يتعاطف مع أهالي قطاع غزة الذين يتعرضون للإبادة.
ومن أبرز الشخصيات التي اعتقلتها السعودية بسبب تعاطفهم مع غزة، المعتمر المصري والناشط على "تيك توك" عبدالرحمن عبدالرحيم الملقب بـ"زلزال الصعيد"، والمعتمر التركي مصطفى إيفه، والجزائري الشيخ عبدالكريم، واليمني واليوتيوبر المعروف فهد رمضان.
وأفادت "المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" خلال تقرير نشرته في 13 يونيو 2024، بأنه رغم اعتقال كل هؤلاء وآخرين غيرهم، لكن "السعودية تتغنى بنجاح الحج والعمرة، وتشيد بالأجهزة الأمنية، حيث تصدر بيانات رسمية للحديث عن ذلك، وتؤكد أن البلاد آمنة للحجاج".
وأضافت: "لكن الأمر عكس هذه الادعاءات، فرغم انعدام الشفافية في الوصول إلى المعلومات بشكل كاف، تابعت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان انتهاكات واسعة خلال الحج، أبرزها اعتقالات تعسفية تزايدت منذ وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الحكم".
وفي 1 يوليو/ تموز 2022، نشر موقع "سعودي ليكس"، تقريرا مطولا تحدث فيه عن تصيد السعودية لأفراد من أقلية الإيغور المسلمة في الصين، خلال موسم الحج عند قدومهم من بلدان مختلفة وتسليمهم إلى الصين المعروفة بسجلها الممتلئ بانتهاكات حقوق الإنسان.
وذكر أن "السعودية تستغل الحج لاصطياد ناشطي الإيغور، وترحيلهم قسرا إلى بكين ليواجهوا مصيرا مظلما، وأحدهم كان عثمان أحمد توهتي، ويقيم في تركيا والسعودية بشكل قانوني، اعتقل أثناء الحج في 2018 وأعيد قسرا إلى الصين، ثم اختفى ولا معلومات عنه".
وفي السياق، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن السعودية احتجزت حمدالله عبدالولي، ونورميت روزي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في مكة، وكانا يقيمان في تركيا. وقد احتجزا في سجن بريمان بجدة، ويخشى أن إجراءات تسليمهما للصين قد تمت أو أنها باتت وشيكة".
فيما قالت منظمة "العفو الدولية" إن "السعودية اعتقلت فتاة عمرها 13 سنة ووالدتها بوهيليكييمو أبولا في مارس/آذار 2022، قرب مكة وأخبرتهما الشرطة بأنهما تواجهان الترحيل إلى الصين مع الرجلين الآخرين المحتجزين سابقا".
وأفاد الموقع بأن عددا من الحجاج الليبيين الذي حصلوا على تأشيرات من قبل السفارة السعودية في طرابلس عام 2018، جرى اعتقالهم بعد وصولهم الأراضي المقدسة، ومنهم: محمود بن علي البشير رجب، ومحمد حسين الخذراوي.
وأشار إلى رصد عمليات احتجاز لحجاج من أصول فلسطينية ويحملون جنسيات عربية خلال أدائهم فريضة الحج عام 2019، ومنهم الكاتب الفلسطيني محمود كلّم، الذي اختفى قسرا منذ ذلك الحين.
وأعلنت منظمة "القسط لحقوق الإنسان" عن اختفاء المواطن السوري خالد محمد عبدالعزيز في أغسطس/آب 2017 بعد وصوله إلى مكة قادما من تركيا برفقة والدته خديجة بقصد الحج، لتعترف السعودية بعد عامين باعتقاله، وذلك بعد طلبات عدة من عائلته للاستفسار عنه.
وتمنع السلطات السعودية عددا كبيرا من الأكاديميين الكويتيين المنتمين أو المقربين إلى الحركات الإسلامية من دخول أراضيها، خصوصا أولئك المنتمين أو المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الأمة الإسلامي.
أبرز الممنوعين الداعية الإسلامي طارق السويدان، لموقفه من الانقلاب العسكري ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي عام 2013، إذ مُنع بعدها من الحج والعمرة ودخول الأراضي السعودية مطلقا، حسب إعلانه على موقع "إكس" عام 2013.
تشمل القائمة الكويتية أيضا للأسباب ذاتها كلا من: "حاكم المطيري، وحجاج العجمي، وحامد العلي، وشافي العجمي، نبيل ومحمد العوضي"، إذ جرى وضع البعض منهم على قائمة الإرهاب السعودية.
وأبلغت وزارة الخارجية السعودية نظيرتها المصرية في 2013، عقب الانقلاب العسكري، بقوائم الممنوعين من دخول المملكة بسبب انتماءاتهم وأفكارهم. وعلى رأس قائمة المنع أفراد منتمون لجماعة الإخوان المسلمين، بحسب موقع “سعودي ليكس”.
المصادر
- "أبو درع".. جندي عراقي ارتبط اسمه بفرق الموت ويعيش طليقا في بغداد
- توثيق حقوقي يؤكد: الحج لم يعد آمنا في ظل انتهاكات السعودية
- السعودية تنتهك حرمة الحج وتعتقل الضّيوف
- السلطات السعودية تعتقل التيكتوكر عبدالرحمن محمد أثناء تأديته مناسك العمرة
- ممنوعون من الحج
- السعودية تمنع الداعية طارق السويدان من اداء العمرة والحج