عودة الاشتباكات بين الجيش المالي والطوارق.. ما علاقة فرنسا والجزائر؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تصاعد حدة الصراع بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة من الطوارق شمالي البلاد، أصبح يهدد منطقة الساحل الإفريقي بحروب منهكة ومكلفة.

فمالي تعيش في أزمة منذ أكثر من عشر سنوات، وتحديدا منذ أبريل/نيسان 2012، حين استولى مسلحو الطوارق على إقليم أزواد بالشمال، وأعلنوا استقلاله، فيما تدخلت القوات الفرنسية لصالح الحكومة وقتئذ.

وظهرت حدة الصراع مع إعلان "تنسيقية الحركات الأزوادية"، في 11 سبتمبر/ أيلول 2023، الحرب على باماكو، و"التعبئة" العامة في صفوفها، والطلب من المدنيين المشاركة في "المجهود الحربي".

وتتهم تنسيقية حركات أزواد قوات المجلس العسكري في باماكو وعناصر فاغنر الروسية الداعمة للمجلس، بقصف مواقعها بالطائرات الحربية، ومهاجمة وحداتها.

وتبلغ مساحة إقليم أزواد نحو 820 ألف كلم مربع، أو ما يعادل ثلثي مساحة مالي البالغة 1.24 مليون كلم مربع، غير أن الإقليم لا يقطنه سوى نحو 1.3 مليون نسمة وفقا لآخر تعداد جرى في 2009، غالبيتهم من الطوارق والعرب، يمثلون نحو 8.7 بالمئة من سكان البلاد.

ويفصل أزواد عن بقية الأراضي المالية الأكثر خصوبة، نهر النيجر، الذي يعد الفاصل الطبيعي بين منطقتين مختلفتين في كثير من الجوانب الثقافية والعرقية واللغوية وإن كان جميعهم يدينون بالإسلام.

ومنذ استقلال مالي عن فرنسا عام 1960، شهدت المنطقة أربعة تمردات سعيا للانفصال عن باماكو، أولها في 1963، كما رعت الجزائر ثلاث اتفاقيات للسلام أعوام 1992 و2006 وأخيرا 2015.

الإرث الفرنسي

ومع تنامي حدة التصعيد، حذرت فرنسا، في 29 سبتمبر 2023، على لسان وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو، من انهيار منطقة الساحل الإفريقية في ظل تصاعد أنشطة ما وصفها بـ "التنظيمات الإرهابية".

ووفق ما ذكر موقع "bfmtv" الفرنسي، رأى لوكورنو أن "النظام العسكري في مالي فضّل فاغنر الروسية على الجيش الفرنسي، ورأينا النتيجة… منطقة باماكو باتت منذ ذلك الحين مطوّقة من قبل الإرهابيين".

وأضاف الوزير الفرنسي "أن الساحل مهدد بالانهيار، وكل ذلك سينتهي بشكل سيئ للمجلس العسكري الحاكم".

وتابع: "يقولون لنا إن المشكلة هي فرنسا.. لقد كنا الحل بالنسبة إلى الأمن في منطقة الساحل"، مشيرا الى أن بلاده تمكنت من القضاء على العديد من "الخلايا الإرهابية" في المنطقة، وتوفير الأمن لآلاف من المدنيين قبل أن تضطر إلى سحب قواتها العسكرية.

وقال: "طلب الرحيل منا كان كافيا ليستأنف الإرهاب نشاطه"، محذرا من أن مالي باتت على شفير التقسيم.

في المقابل، يرى الكاتب والخبير الإستراتيجي أكلي شكا، وهو أحد أبرز شخصيات الطوارق على الساحة الدولية، ومؤسس منظمة "إيموهاغ" الدولية من أجل العدالة والشفافية، أن "فرنسا هي سبب كل مآسي الطوارق وما هم فيه حاليا".

وأضاف شكا في حوار مع موقع "هسبريس" المغربي، في 2 أكتوبر/تشرين أول 2023، أن فرنسا هي التي جزأت أراضينا التقليدية بين مجموعة من الدول، وهي التي وفرت الحماية لأنظمة هذه الدول، لا سيما في كل من مالي والنيجر والجزائر.

واسترسل، كما أن باريس "هي المسؤولة عن شتات هذه الأسرة الصغيرة (الطوارق)، والمسؤولة كذلك عما حصل من الجرائم والإبادات الجماعية في كل من مالي والنيجر وفي قمع ثورات الطوارق في هذه الدول".

ورأى شكا أن التدخل الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي، رغم أنه يعيش أنفاسه الأخيرة، إلا أن له دورا أساسيا في استمرار معاناة الطوارق وفي إعاقة مطالبهم بالاستقلال.

وعن مطالب الطوارق في مالي، قال الكاتب إنه منذ خروج المستعمر الفرنسي قاد الطوارق ثورات مسلحة ضد النظام المالي، للمطالبة بالانفصال عما يسمونه الجسم الغريب الذي أرغِموا على الالتصاق به، وهو الدولة المالية.

وأوضح، أن لا شيء يربط الطوارق في أزواد مع الدولة المالية، سواء من حيث العادات أو التقاليد أو حتى المعتقدات، فأغلب سكان مالي وثنيون ولهم عادات تختلف تماما مع أهل الشمال.

وتأسف شكا من كون المنطقة مقبلة على صراعات وحروب أهلية وتغيرات جيو-إستراتيجية آخذة في التصاعد، مشيرا إلى أن كل "المؤشرات تقول إن منطقة الساحل الإفريقي ستتحول في السنوات المقبلة إلى مسرح للتنافس بين الغرب من جهة والأخطبوط الصيني والدب الروسي من جهة أخرى".

عنف متصاعد

وأعلن متمردو الطوارق في شمال مالي مطلع أكتوبر 2023، أنهم استولوا على قاعدة عسكرية أخرى من الجيش بعد قتال في شمال البلاد.

والقاعدة العسكرية هي الرابعة التي يتم الاستيلاء عليها في سلسلة هجمات شنها تحالف "تنسيقية حركات أزواد" منذ رحيل بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي ساعدت على مدى سنوات في الحفاظ على الهدوء الهش بالمنطقة.

ووفق "فرانس24"، أكد متحدث باسم تنسيقية حركات أزواد يدعى محمد المولود رمضان، أنهم استولوا على قاعدة بامبا العسكرية في منطقة جاو، غير أنه لم يفصح عن مزيد من التفاصيل.

فيما قال جيش مالي في تدوينة على منصة إكس للتواصل الاجتماعي، إن "قتالا ضاريا ضد الإرهابيين يدور في منطقة بامبا"، مضيفا أن المزيد من التفاصيل سترد تباعا.

وجاء هجوم تنسيقية حركات أزواد على قاعدة بامبا في أعقاب هجمات استهدفت قواعد عسكرية في ليري وديورا وبوريم في الفترة الأخيرة، كما تعرض جيش مالي لهجمات من متمردين على صلة بتنظيمي القاعدة و"الدولة".

وبحسب المصدر ذاته، قال متمردون انفصاليون من الطوارق في 30 سبتمبر 2023 إنهم قضوا على العشرات في صفوف الجيش المالي.

وقد أصدر المتمردون في بادئ الأمر بيانا تحدثوا فيه عن إحصاء 98 جثة لجنود، ثم أفادوا لاحقا بمقتل 81 جنديا في بيان ثان نشر أيضا باسم الإطار الإستراتيجي الدائم، وهو هيكلية تهيمن عليها تنسيقية حركات الأزواد.

وأضاف المتمردون أيضا أنهم أصابوا عشرات الجنود وأسروا خمسة بينما فقدوا سبعة من مقاتليهم.

خلافات متراكمة

ويرى الباحث في شؤون الساحل، محمد الطالب، أن الجيش المالي لم يعد باستطاعته دخول مناطق شمال وشرق البلاد بسبب الخلافات المتراكمة مع الحركات الأزوادية التي تولت تدبير أمور تلك المناطق منذ سنوات.

وأضاف الطالب لموقع "العربي الجديد"، في 5 أكتوبر، "كان هناك تقدم في خطة استعادة سيطرة الحكومة المركزية على تلك المناطق قبل ثلاث سنوات، وتمكن الجيش من دخول مناطق للمرة الأولى منذ 2013".

واستدرك: "لكن ومع تراكم الأزمات وسقوط مدنيين جراء عمليات الجيش، وخصوصا مع دخول قوات فاغنر وما تُتهم به من انتهاكات، انتكس الوضع وعاد الخلاف إلى أوجه مجددا بين الحركات الأزوداية والجيش".

ويؤكد الباحث أنه حاليا هناك حرب بين الطرفين اللذين يحاول كل منهما السيطرة على مناطق في شمال مالي، خصوصا القواعد العسكرية التي كانت تشغلها البعثة الأممية التي تعد أكبر بعثة أممية".

ويرى أن "هذه المناطق الإستراتيجية والقواعد العسكرية هي سبب الصراع الحالي والذي قد يتطور إلى حرب حقيقية يدفع المدنيون في الشمال ثمنها".

وفي هذا السياق، حذر الطالب من زيادة نفوذ تنظيم "القاعدة" والتنظيمات الإقليمية المتفرعة عنها، في المنطقة، واستغلال الوضع بالتغلغل أكثر في التجمعات القروية وإيجاد حاضنة شعبية في مناطق بالوسط تمكنها من السيطرة وتوسيع عملياتها والتغلغل أكثر في الدول المجاورة.

وفي تحليلها لهذه التطورات وتوقعاتها لمستقبل الوضع في ظل قوة الطرفين وإمكاناتهما، قالت الباحثة الأميركية المتخصصة في الشؤون الدولية إيرينا تسوكرمان، إن حركات أزواد الانفصالية قد تصلها إمدادات من حركات مماثلة في النيجر المجاورة؛ ما يعني اتساع رقعة مُناهضي الحكومة المالية داخل وخارج البلاد.

وأوضحت تسوكرمان في تصريح لسكاي نيوز عربية، في 22 سبتمبر 2023، أن "القوات المالية ليست مدربة جيدا، وتفتقر إلى التماسك بعد فشلها في دمج الطوائف المختلفة بداخلها".

ورأت أن "الكثرة العددية للجيش المالي مقابل العدد القليل للحركات الأزوادية، تعني عادة انتصارا ساحقا للحكومة، إلا أن ما يحدث أن الانفصاليين يتقدمون نحو بعض المدن بتأثير كرة الثلج، عبر تجنيد عناصر أخرى في المناطق الحضرية".

وترى الباحثة الأميركية، أن الجيش المالي مقبِل على "حرب متعددة الجبهات"، ليس مع الانفصاليين وحدهم، بل مع تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة.

وذكرت المتحدثة ذاتها، أن الحكومة المالية لم تستطع تحييد تنظيم الدولة والقاعدة عن صراعها مع أزواد، فقد يوحدان جهودهما ضد الحكومة وفاغر، معتبرة أن هذا السيناريو هو الأكثر كارثية بالنسبة للسلطة المالية.

والمَخرج أمام الحكومة الآن، بحسب تسوكرمان هو أن تتجنّب بقدر الإمكان خوض حرب متعددة الجبهات، خاصة أنها ترفض الحصول على مساعدة من الغرب الآن.

وأوضحت الباحثة في العلاقات الدولية، أن هذا يكون عبر التواصل مع الانفصاليين لإجراء تعديلات وإعادة الالتزام باتفاق الجزائر، واتخاذ التدابير اللازمة لدمج هذه القبائل في الجيش دون تمييز.

الاتفاق الجزائري

وشكل اتفاق السلام الموقع بوساطة جزائرية عام 2015، الخطوة الأكثر تأثيرا في حقن الدماء بين الحكومة المركزية ومقاتلي أزواد، غير أن تغيرات الأرض تنبئ بفشل الاتفاق على أرض الواقع.

وإثر هذه التطورات الميدانية، استقبل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المالي عبد اللاي ديوب، في 8 سبتمبر 2023، سفير الجزائر لدى مالي، الحواس رياش، حيث أكد كلا الجانبين مركزية اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر وأهميته في البحث عن السلام والتلاحم الوطني في مالي، حسبما أفاد به بيان للوزارة المالية.

وذكر موقع "الإخبارية" الجزائري، في 9 سبتمبر، أن "المحادثات تمحورت بشكل أساسي حول آفاق اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر في ظرف يتميز بانسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الابعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) من البلاد".

وأشار المصدر ذاته إلى أنه تم "التأكيد على محورية الاتفاق في البحث عن السلام والتلاحم الوطني".

في هذا الصدد، جدد ديوب التزام الحكومة المالية بإحراز التقدم في مسار السلام في "إطار حركية جديدة للاستيعاب والتكفل الوطني عبر تغليب لغة الحوار المباشر ما بين الماليين دون تدخلات خارجية في المنطقة مدفوعة بمصالح جيوسياسية ودوافع خفية".

وأضاف الموقع أن رياش قدم باسم السلطات العليا الجزائرية تعازيه إلى الأمة المالية على إثر الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي أسفرت عن عديد الخسائر في الأرواح، كما أكد على ضرورة تعزيز الآليات الداخلية والقدرات الذاتية الكامنة الهادفة الى ترقية الحوار بين الماليين في إطار مسار السلام.

وتشترك الجزائر مع مالي في شريط حدودي يقدر بنحو 1400 كيلومتر، مما يعكس حجم التحدي الأمني والإستراتيجي الذي تواجهه بتطورات الوضع الأمني في البلد الجار، حيث يستدعي تأمين الحدود الإقليمية حشدا عسكريا ولوجيستيا كبيرا.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد استقبل في فبراير/شباط 2023، وفدا من قادة وممثلي تحالف الحركات الأزوادية، وتعهد لهم بالتزام بلاده بـ"تنفيذ واحترام اتفاق المصالحة المبرم العام 2015، وسعيها الدائم لأجل إرساء السلم في مالي وتحقيق بنوده".

بدوره، ذكر موقع "العرب" الذي يصدر من بريطانيا، مطلع أكتوبر 2023، أن تصريحات سابقة لمسؤولي المجلس العسكري المالي أظهرت عدم رضاهم عن محتوى اتفاق 2015.

وأوضح المصدر ذاته، وذلك رغم التطمينات التي قدمها مندوب مالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر/أيلول 2023 حول احترام سلطة بلاده لاتفاق الجزائر المبرم العام 2015، واتهامه لتحالف الحركات الأزوادية بـ"تفجير الوضع الأمني في البلاد وتنفيذ عمليات استهدفت وحدات الجيش".

وقال وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب في كلمته "نحن سعداء بالتقدم الذي تم إحرازه بالفعل منذ توقيع الاتفاق في 2015، بما في ذلك اعتماد الدستور الجديد الذي يأخذ في الحسبان العديد من أحكام الاتفاق، وقررت الحكومة تفضيل الحوار بين الأطراف المالية من أجل استمرار العملية الانتقالية".

وأبرز المصدر ذاته، أن الاتفاق تعتريه الكثير من المعوقات قياسا بعدم تحقيقه لما كان يطمح إليه الطوارق في الاستقلال والانفصال عن باماكو، وهو خيار لا تدعمه الجزائر بصفته يعد خرقا لمبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار.

واسترسل، "فضلا عن تحفظ الجيش المالي بسبب ما يراه غموضا حول تفكيك الحركات المسلحة وإعادة دمج عناصرها في قوات الأمن والجيش، أو تسريحهم ودمجهم في الحياة المدنية، وأن يكون لهم تمثيل في المناصب القيادية".

وأبرز الموقع أن الحدود الجنوبية تشكل خاصرة رخوة في الأمن الإقليمي الجزائري، ولذلك توليها القيادة السياسية اهتماما بالغا، خاصة مع تداخل الجوانب المؤثرة، على غرار الهجرة السرية والتهريب والجريمة العابرة للحدود والتنظيمات الجهادية.

وشدد أن الجزائر في حاجة إلى المزيد من جهود المجموعة الدولية لإنقاذ اتفاق المصالحة الوطنية، خاصة في ظل دخول قوى مؤثرة في الوضع، كمجموعات فاغنر الروسية وغيرها.

الكلمات المفتاحية