عبر الإنتربول.. كيف تعمل الإمارات على تمكين الأسد من مطاردة مواطنيه؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

يواصل النظام السوري تمتين علاقاته مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، منذ إعادة عضويته فيها في 30 سبتمبر/أيلول 2021.

وفي لقاء نظر إليه بعين الريبة، بحث وزير الداخلية في النظام السوري محمد الرحمون مع رئيس "الإنتربول" اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي "المواضيع ذات الاهتمام المشترك"، وفق ما نقلت صحيفة "الوطن" السورية الموالية.

وجاء اللقاء المذكور في العاصمة التونسية خلال ترؤس اللواء الرحمون وفد النظام السوري لحضور أعمال الدورة الحادية والأربعين لمجلس وزراء الداخلية العرب في 26 فبراير/شباط 2024.

وللإمارات سجل سيئ في انتهاكات حقوق الإنسان، ومطاردة الناشطين واعتقالهم، وللريسي نفسه نصيب من تلك الانتهاكات، وهو من ضباط الدولة الكبار، المتورطين في التعذيب داخل السجون. 

كما أن الرحمون القادم من عمق أجهزة المخابرات السورية، تقلد هذا المنصب عام 2018 وهو بسجل حافل "بجرائم" تعذيب معتقلين سوريين بقسوة داخل المعتقلات، حيث كان المسؤول المباشر عن مجازر شهدتها أقبية السجون بريف دمشق.

لعبة أمنية

ويؤكد حقوقيون سوريون أن الدول العربية لها رغبة كبيرة في التعاون مع النظام السوري من الناحية الجنائية؛ بسبب دخول مواطنين ينتمون لها إلى سوريا عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

في المقابل، يسعى النظام السوري لمتابعة الرعايا السوريين الذين استقروا في تلك الدول، وخاصة في الوقت الراهن عقب إعادته إلى الجامعة العربية في مايو/أيار 2023، عبر تأمين وثائق رسمية أو وثائق عبور لمن يرغبون في العودة إلى سوريا من دول اللجوء أو الجوار.

وقد سبق أن أكد أحد مسؤولي نظام الأسد أنه في حال رغب أي مواطن سوري تسوية وضعه الأمني والعودة إلى سوريا يمكن ترتيب ذلك عبر الإنتربول الدولي.

وهذا ما يشير إلى تسارع خطوات النظام السوري نحو تحسين علاقته مع منظمة الإنتربول الدولية، لتوسيع دائرة التواصل وتبادل المعلومات الجنائية مع الدول التي ما تزال تقطع علاقاتها معه خاصة الأوروبية التي ينتشر فيها قرابة مليون ونصف مليون لاجئ سوري.

ولا تكون مراسلة فرع الشرطة الدولية "الإنتربول" في وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري، لتلك الدول مباشرة بل عبر المنظمة نظرا لغياب العلاقات المباشرة، وهذا خط متاح في الأعراف الجنائية.

ولا يمكن لسوريا إصدار أوامر توقيف دولية عبر "الإنتربول"، بل تستطيع الدول الأعضاء بما فيها سوريا أن تطلب من الأمانة العامة للمنظمة الدولية إصدار "نشرة حمراء"، ومن هنا يشير خبراء في القانون الدولي إلى أن الملاحقات السياسية تبقى بعيدة المنال عن نظام الأسد.

ويدرك نظام الأسد أن قيادة الريسي للإنتربول وهو الضابط الذي ينحدر من الإمارات يمكن أن يساعده في قضايا مرتبطة بالمنظمة الدولية.

ولا سيما أن سياسة الإمارات الخارجية انقلبت رأسا على عقب بداية من إعادة فتحها سفارتها بالعاصمة السورية دمشق أواخر 2018، حيث أصبح منذ ذلك التاريخ تواصل أبوظبي مع النظام السوري على المكشوف، لكون موقف هذه الدولة الخليجية دائما ما كان أقرب للأسد من المعارضة السورية.

وضمن هذا السياق، قال المحامي السوري عبد الناصر حوشان: “الإمارات من الدول الداعمة لنظام الأسد سياسيا وماليا، وتربطهما اتفاقيات تعاون قضائي ثنائية بالإضافة إلى أنهما طرفان في الاتفاقية العربية للتعاون القضائي وتسليم المجرمين وأطراف في الإنتربول”.

وأضاف حوشان لـ"الاستقلال": "كل هذه الاتفاقيات تفرض عليهم الوفاء بالالتزامات الواردة فيها، لكن بالعموم، هذه الاتفاقيات تحظر تسليم المتهمين بجرائم سياسية".

ومضى يقول: "لكن كما هي عادة النظام السوري وللتحايل على هذا النص يعمل على إلصاق تهم الإرهاب أو تمويله بحق من يريد توقيفه أو يطلب تسليمه وهو مصدر خطر لكل من يعارض النظام ويقيم في الإمارات".

وبعد تعليق عضوية سوريا في الإنتربول من 2012 وحتى عام 2021 بسبب القمع الوحشي الذي مارسه نظام الأسد بحق السوريين عقب اندلاع الثورة، أصبحت إعادة سوريا إلى المنظمة بمثابة تحد مباشر للأخيرة بشأن تمسكها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.

قلق حقوقي

فالاجتماع بين الريسي والرحمون يناقض مبادئ هذا الجهاز، خاصة في ظل ارتكاب النظام السوري جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية في السابق والذي كان دافعا بتعليق عضوية سوريا في الإنتربول.

وسبق أن تحولت مصداقية "الإنتربول" إلى مصدر للقلق لبعض الوقت، وذلك لأن إصدار هذا الجهاز لبطاقات إنذار حمراء فيما يتصل بالجرائم المرتكبة والذي يحتاج لتعاون مع أجهزة الشرطة في مختلف بلدان العالم، قد تعرض لانتقادات بسبب سوء استخدام الدول الاستبدادية لهذا الجهاز، وعلى رأسها روسيا والصين وغيرها.

وضمن هذا الإطار ذهبت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية للقول في تقرير لها نشر في 21 مارس 2024، إن الجدل الذي أثير حول لقاء الريسي بوزير النظام السوري يؤكد الحاجة الماسة لإجراء إصلاحات داخل الإنتربول.

كما يسلط الضوء وفق الصحيفة على مصداقية هذه المنظمة وصعوبة منع الأنظمة الاستبدادية من استغلالها، وهذا ما يقوض القانون الدولي والتزام الدول بحقوق الإنسان.

وتضيف الصحيفة: “ولكي يحافظ الإنتربول على نزاهته عليه أن يجري إصلاحات تضمن التزامه بالعدل والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتخلصه من نفوذ الأنظمة القمعية التي تمارس الضغط عليه من دون وجه حق”.

كما لا بد للإنتربول من وضع إجراءات واضحة وشفافة لإجراء دراسة أمنية شاملة حول الدول الأعضاء والمسؤولين القادمين منها، وفق قولها.

فمن دون هذه الإصلاحات، تصبح الثقة بعمليات الإنتربول معطوبة بشكل يصعب معه أي إصلاح؛ وذلك لأن الجدل الذي أثير حول المنظمة لا يضر بمصداقيتها فحسب بل يؤكد وجود تداعيات أوسع للقرارات التي تتخذها قيادتها، وهو ما يؤكد ضرورة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة.

وكان الريسي انتخب عام 2021 رئيسا للإنتربول الدولي، رغم الاتهامات الموجهة ضده بممارسات التعذيب.

ورأت حينها منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن ترشيح الريسي "يدق ناقوس الخطر بشأن حقوق الإنسان، وقد يهدد الالتزامات الحقوقية للإنتربول".

ووصل الأمر إلى أن منظمات دولية عديدة تقدمت بشكوى تتهم فيها الريسي بالتورط في عمليات تعذيب وإخفاء قسري داخل سجون الإمارات، بل ومطاردة معارضين في الخارج. 

حتى إنه مع بداية طرح اسم الريسي كمرشح لرئاسة الإنتربول واجه اعتراضات فائقة. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2020 عبرت 19 منظمة حقوقية غير حكومية بينها "هيومن رايتس ووتش" عن قلقها من اختياره، وقالت إنه "عضو في آلة أمنية تستهدف المعارضة السلمية بشكل ممنهج".

هواجس حاضرة

ومن هنا يأتي ترابط الهواجس التي يطلقها الخبراء القانونيون وشخصيات معارضة سورية، من استغلال نظام الأسد لقرار "الإنتربول" في إعادة عضوية النظام فيه، مشيرين إلى أن هذا سيعطي الأخير حق ملاحقة المعارضين السوريين في دول اللجوء دون أي ضوابط.

ففي مطلع مارس/آذار 2021، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، ارتكاب نظام الأسد جرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية بحق المدنيين في الأعوام العشرة الأخيرة.

ووثق التقرير الأممي جرائم نظام الأسد ضد شعبه، وأشار إلى عدم معرفة مصير عشرات آلاف المدنيين "المختفين قسرا" منذ عام 2011.

ولفت إلى وجود اعتقاد بأن الكثير من المختفين قد ماتوا أو أعدموا، فيما يحتجز قسم آخر في ظروف لا إنسانية. وشدد التقرير على تعرض معتقلين للتعذيب والاغتصاب أو القتل.

وتكمن التخوفات والتساؤلات في مدى إمكانية قبول الدول بتسليم المطلوبين للنظام السوري، بموجب نشرات حمراء صادرة عن الإنتربول.

وقد يجري ذلك في محاولة للتضييق على اللاجئين ودفع الدول للتخلي عن إيوائهم، لا سيما أن الإنتربول لا يمتلك سلطة إلزام الدول على تسليم مطلوبين إلى دول أخرى.

وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حذر بيان مشترك صادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” و19 منظمة وهيئة عاملة في الشأن السوري، من إساءة النظام استعمال عضويته مع عودة تعاونه مع الإنتربول، وإمكانية إصداره مذكرات توقيف دولية لأسباب سياسية وليست جنائية.

وقال البيان: إن عودة التعاون تسمح لسلطات النظام الأمنية بمتابعة المعارضين واللاجئين المقيمين خارج سوريا، ومعرفة مكانهم حول العالم من خلال التواصل الفردي مع الدول والنشرات التحذيرية التي تصدرها هذه السلطات تمهيدًا لإصدار مذكرات توقيف بحقهم، وطلب تسليمهم عند تلقي الإشعار من أي دولة دخلوا إليها.

وأضاف أن سلطات النظام الأمنية ستتمكن من خلال “النشرة الحمراء” من طلب تسليم أي معارض سياسي أو ناشط مدني أو إعلامي أو عامل إغاثي أو أهالي المعتقلين قسرا من الدول التي يقيمون فيها.

وبحسب البيان، ستنعكس هذه الخطوة سلبا على اللاجئين وعلى طالبي اللجوء الجدد، إذ إن تعميم أسماء السوريين من خلال النشرات على اختلاف أنواعها ومن خلال تواصل سلطات النظام الفردي مع الدول، سيشكّل مانعا قانونيا لسلطات الهجرة يحول دون منحهم اللجوء أو تجديد إقاماتهم المنتهية.

كما أنه سيكون ذريعة لبعض الدول التي تعمل على إعادة اللاجئين قسرا وتسليمهم لسلطات النظام الأمنية.

و"الإنتربول" يحمل شعار "نجعل العالم أكثر أمانا"، ويهدف إلى تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة بالعالم في مجال ملاحقة المطلوبين والمجرمين وتسليمهم وفق إجراءات قانونية.

وتعمل على مكافحة المنظمات الإجرامية والمخدرات والإجرام المالي والمرتبط بالتكنولوجیا المتقدمة، والإخلال بالأمن العام والإرھاب والإتجار بالبشر وملاحقة الفارین من وجه العدالة.

وهناك ثمانية أنواع من النشرات التي يصدرها الإنتربول وهي: (الحمراء- الصفراء– الزرقاء– السوداء- الخضراء– البرتقالية- البنفسجية، وأخيرا نشرات خاصة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة).