اشتباكات ليبيا المسلحة تعود مجددا إلى العاصمة طرابلس.. الأسباب وآفاق الحل

قوات موالية لحكومة الدبيبة بدأت إرسال تعزيزات إلى شرق طرابلس
ما أن يهدأ الوضع الأمني في العاصمة الليبية طرابلس لفترة حتى يعود إلى مربع التوتر والاشتباكات من جديد، وسط تحذيرات من تداعيات هذه الحالة على الاستقرار العام في البلاد.
آخر مظاهر التوتر ما شهدته طرابلس في الساعات الأولى من مطلع سبتمبر/أيلول 2025، حيث وقعت اشتباكات مسلحة متقطعة في منطقة السدرة جنوب العاصمة، في ظل تصاعد التوترات الأمنية بين التشكيلات العسكرية المنتشرة في محيط المدينة.
وبحسب موقع "أخبار ليبيا"، تفجرت الأزمة بعد أن قدمت حكومة عبدالحميد الدبيبة المعترف بها دوليا سبعة شروط تهدف إلى إعادة رسم النفوذ الأمني في قاعدة معيتيقة التي يسيطر عليها "جهاز الردع".
وقال إن من أبرز هذه الشروط، تسليم سجن معيتيقة بالكامل إلى وزارة العدل، وأيضا إنهاء نفوذ جهاز الردع داخل مطار معيتيقة، ونقل الإدارة لمصلحة الطيران.
وذكر الموقع أن قوات موالية لحكومة الدبيبة، خاصة من مدينة مصراتة، بدأت بإرسال تعزيزات إلى شرق طرابلس.
وقال الإعلام الموالي لسلطات الشرق الليبي إن تحركات الدبيبة تثير غضبا واسعا في مناطق مثل سوق الجمعة وتاجوراء، لأن فيها تهديد للسلم الأهلي ومحاولة لفرض السيطرة بالقوة.
جهاز الردع
وترجع نشأة جهاز الردع إلى الفترة التي تلت سقوط نظام معمر القذافي عام 2012، حيث كان عبارة عن سرية تتبع المجلس العسكري ببلدية سوق الجمعة في العاصمة طرابلس.
ثم صار قوة تحت مسمى "قوة الردع الخاصة" تتبع وزارة الداخلية بقيادة الملازم عبدالرؤوف كارة ذي التوجه السلفي.
وأعاد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عام 2018 هيكلة قوة الردع الخاصة تحت اسم "جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب"، ومنحه صلاحيات موسعة.
ويتخذ جهاز الردع من "مجمع معيتيقة" الواقع شمالي طرابلس مقرا له، حيث يسيطر على المطار المدني الوحيد في العاصمة والقاعدة الجوية والمستشفى العسكري. كما يقع في المجمع سجن "مؤسسة معيتيقة للإصلاح والتأهيل".
وقد امتد نطاق نفوذ جهاز الردع بعد الاشتباكات التي خاضها في يوليو/تموز 2022 ضد كتيبة ثوار طرابلس، ليمتد من حاضنته الرئيسة ببلدية سوق الجمعة وطريق الشط، إلى طرابلس المركز والفرناج وعين زارة.
وبهذا صار الجهاز يسيطر على مؤسسات حيوية عدة، مثل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ومبنى الإذاعة والتلفزيون بزاوية الدهماني ووزارة الخارجية وجامعة طرابلس، بالإضافة إلى عدة وزارات ومؤسسات حكومية أخرى.
قراءة سياسية
في قراءته لمجريات الأحداث، قال المحلل السياسي الليبي إبراهيم الأصيفر، إن ما جرى يندرج في ظل الخطة الأمنية التي أطلقتها حكومة الدبيبة، عبر وزارتي الدفاع والداخلية، في أبريل/نيسان 2025، بغية فرض سيادة الدولة واستعادة السيطرة على المنافذ والمؤسسات الحكومية.
وشدد الأصيفر لـ "الاستقلال" أن انتشار السلاح وتشكيل مجموعات مسلحة متعددة منذ سقوط نظام القذافي عقب ثورة 2011، يعد المقوض الرئيس للعملية السياسية ولأي تسوية أو حل بليبيا، سواء أكان داخليا أم خارجيا.
لذلك، أطلقت حكومة الوحدة الوطنية خطة للسيطرة على طرابلس، بدأت بمناوشات أدت إلى مقتل رئيس ما يعرف بجهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي.
واسترسل: "شهدت العملية مناوشات بين القوات الحكومية وكتيبة الردع الخاصة المسيطرة على قاعدة ومطار معيتيقة"، مشيرا إلى أن الغرض منها كان فرض احتكار الدولة للعنف.
ورأى الأصيفر أن “هذه المليشيات أصبحت تشكل خطرا على حياة المواطن العادي، وعلى قيام الدولة بشكلها الحقيقي، وأداء الحكومة لأدوارها”.
وذلك لأن "هذه المجموعات المسلحة لا تخضع لسلطة الدولة، ولا النائب العام، ولا تخضع لسلطة المحكمة، ولا الضبط القضائي، الأمر الذي يعني أنها أصبحت دولة بل دولٌ داخل الدولة".
وفي تعداده لخروقاتها، قال الأصيفر إن هذه المجموعات أصبحت تصدر أوامر قبض وتنفذها، وتخطف مواطنين وحتى مسؤولين.
ولفت إلى أن هناك العديد منهم يقبع في سجونها، ومنهم من لم يُعرض عن النيابة أو على النائب العام، ومنهم من يجري اعتقاله دون إذن قضائي.
وأردف: "منهم من أنهى محكوميته ولم يتم إخلاء سبيله، ومنهم من لم يتم التحقيق معه وقبع لسنوات في سجون هذه المجموعات المسلحة".
وذكر الأصيفر أن هذه المليشيات تسيطر على مؤسسات الدولة الحيوية، ومن ذلك المنافذ البحرية. كما تسيطر على السجون والمعسكرات، وعلى قواعد جوية رئيسة مثل قاعدة معيتيقة، الأمر الذي يبين خطورة ما تفعله وأهمية معالجة هذا الوضع.
تحذيرات دولية
هشاشة الوضع الأمني والسياسي الليبي دفع ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى الإعراب عن انزعاجها البالغ إزاء التقارير التي تفيد بتصاعد التوترات واستمرار التعبئة العسكرية.
ودعت البعثة في منشور عبر منصة إكس، مطلع سبتمبر 2025، الأطراف إلى مواصلة الانخراط في المشاورات الجارية برعاية المجلس الرئاسي، ومناقشة القضايا المتبقية بحسن نية والعمل لما فيه المصلحة العليا لسكان طرابلس المدنيين، الذين يجب حمايتهم.
وشددت على أن حياة كل إنسان ثمينة، وأي صراع جديد لا يهدد أمن طرابلس فحسب، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى في البلاد، وقد يؤدي ذلك إلى حرب الجميع خاسر فيها، وتعرّض حياة المدنيين لخطر جسيم.
ودعت البعثة بشكل عاجل جميع الأطراف إلى وقف أشكال التصعيد كافة، والامتناع على الفور عن أي أعمال من شأنها تعريض المدنيين للخطر، منبهة إلى أنه "يجب حماية أرواح المدنيين والبنية التحتية في جميع الظروف".
كما حذرت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا من التطورات الأمنية في العاصمة طرابلس، داعية إلى تجنب أي عمل يهدد الاستقرار، وطالبت جميع القوات بالانسحاب فورا من المناطق العمرانية.
وقالت إن هناك تطورات مثيرة للقلق الشديد في طرابلس، داعية إلى حل الخلافات سلميا عبر الحوار، بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وأكد البيان الأوروبي الاستعداد لدعم جهود البعثة الأممية من أجل الحفاظ على السلام، وحماية المدنيين من مزيد المعاناة والدمار.
مواقف سياسية
وسارع رئيس المجلس الرئاسي بليبيا، محمد المنفي، إلى التفاعل مع التوتر الأمني، حيث شدد على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس، وتهيئة المناخ الملائم للحوار الوطني الشامل، بما يضمن حماية المدنيين، وصون مؤسسات الدولة.
تصرحيات المنفي جاءت في معرض استقباله وفد لجنة التواصل المكلفة من بلدية طرابلس المركز، حيث أكد ضرورة تعزيز سيادة القانون، والحيلولة دون الانزلاق نحو أتون الصراع المسلح.
وبحسب ما نقل موقع "بوابة الوسط" الليبية، مطلع سبتمبر 2025، فقد أكد المنفي أهمية دفع عجلة العملية السياسية نحو تحقيق تطلعات الشعب الليبي في السلام والتنمية.
كما أعرب أعضاء اللجنة المذكورة عن دعمهم الكامل لكل المساعي الرامية إلى توحيد الصف الوطني، ونبذ أشكال العنف والتوتر كافة.
في الشرق الليبي، أدانت حكومة أسامة حماد الموازية، بشدة التحشيدات العسكرية المتزايدة في طرابلس، متهمة حكومة الوحدة الوطنية بجر العاصمة إلى فوضى عارمة وإثارة الرعب بين المواطنين.
وأكدت حكومة حماد أن أمن طرابلس يمثل أولوية قصوى، محذرة من الزج بأبناء المدن الغربية في مواجهات مسلحة لا تخدم سوى "المتشبثين بالسلطة والمستفيدين من استمرار الفوضى والتوترات الأمنية"، وفق تعبيرها.
وفي لهجة تصعيدية، حمّلت حكومة الشرق البعثة الأممية للدعم في ليبيا المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع الأمنية، متهمة المجتمع الدولي بـ"التقاعس عن أداء واجباته، وعلى رأسها حماية أرواح المدنيين ومنع انزلاق العاصمة نحو العنف".

ما الحل؟
يرى المحلل السياسي الليبي إبراهيم الأصيفر، أن معالجة الوضع الحالي في ليبيا، يمر عبر الانتهاء بشكل تام من وجود هذه المجموعات المسلحة في البلاد سواء بحلها أو دمجها في المؤسسات الدولة الشرطية والعسكرية.
وشدد لـ "الاستقلال" على أن تعنت هذه المجموعات أو رفضها للحل أو الحوار، يستدعي الذهاب إلى عملية عسكرية بما يمكن من تجريدهم من مراكز القوى والسيطرة، مستدركا، سوف يكون الأمر صعبا لكنه ضروري.
وأردف المحلل السياسي قائلا: "إذا أردنا أن نذهب بالدولة الليبية إلى الأمام، وأن ندخل في عملية سياسية حقيقية، لا بد من إنهاء هذه المجموعات المسلحة بأي شكل كان".
ومن أجل إنهاء هذه الاشتباكات والمناوشات التي تحدث في العاصمة طرابلس، يرى الأصيفر، ضرورة احتكار السلاح في يد الدولة فقط.
وشدد المتحدث ذاته، على أن بقاء هذه المجموعات المسلحة بهذه الطريقة، يتعارض مع الحديث عن أي تسوية مستقبلية، لأنه يخالف مع مفهوم الدولة بمعناها المعروف.
وخلص الأصيفر إلى أن هذه المجموعات المسلحة لا تشكل خطرا على حكومة الوحدة الوطنية فقط، وإنما كذلك على روح الدولة والمؤسسات والقانون، ولذلك لا بد من وضع حد لها، من أجل مستقبل البلاد ككل.