بعد احتدام أزمة المصرف المركزي.. مستقبل الصراع في ليبيا
“إذا استمر الوضع الحالي فقد تنشب حرب في ليبيا”
بينما تتنقل أنظار العالم بين روسيا وأوكرانيا والاحتلال الإسرائيلي وفلسطين، فإن ليبيا قد تواجه ثورة محتملة بعد انهيار البنك المركزي، مع تصاعد التوترات بين الحكومات المتنافسة والمليشيات المسلحة.
وقال تقرير لموقع "ذا ميديا لاين" الأميركي إن "ليبيا تقف على حافة الحرب، مع انهيار البنك المركزي، وتزايد التوترات بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وحكومة بنغازي التي يدعمها أمير الحرب خليفة حفتر، هذا فضلا عن القوة الصاعدة للمليشيات المسلحة في العاصمة".
سيناريوهان رئيسان
وأوضح رئيس "حزب السلام والازدهار" الليبي، محمد خالد الغويل، أن البلاد تواجه حاليا سيناريوهين رئيسين، إما ثورة ربما تكون أشرس من ثورة 2011 إذا لم تُتخذ أي إجراءات لإنهاء هذه الدائرة المفرغة من الاضطرابات، أو إعادة ضبط البلاد كلية نحو نظام فيدرالي.
وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت ليبيا انهيار البنك المركزي، وهذا يشكل تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد، وفق الموقع.
وتفاقم الخلاف عندما أعلن المجلس الرئاسي الليبي تعيين محمد الشكري محافظا جديدا للبنك المركزي، وإقالة المحافظ الحالي، الصديق الكبير.
في المقابل، سارع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لرفض القرار، مؤكدين أن تعيين المحافظ من اختصاصاتهما، وليس اختصاص المجلس الرئاسي.
ويهيمن البنك على الاقتصاد الليبي، حيث يمتلك البنكين التجاريين الرئيسين في البلاد، ويحتفظ باحتياطيات تبلغ 27 مليار دولار، معظمها من عائدات النفط.
وقد بدأ الصديق الكبير، المحافظ المقال، أخيرا في مهاجمة الإنفاق الزائد للدبيبة، ويُنظر إليه حاليا على أنه يفضل مليشيا حفتر.
وعقد عبد الفتاح غفار، نائب المحافظ المؤقت الجديد المعين، مؤتمرا صحفيا في العاصمة، وأصر على أنه يمكنه تخفيف أزمة السيولة الحالية، ودفع الرواتب غير المدفوعة في غضون يومين، ويمكن محاسبته على ذلك.
وعارض معسكر حفتر إقالة "الكبير"، معلنا تعليق إنتاج النفط والصادرات حتى إعادة تعيينه مرة أخرى.
وتُشكل حقول النفط المتضررة حوالي 90 بالمئة من حقول النفط والموانئ في البلاد.
وبحسب تقرير حديث صادر عن مصرف ليبيا المركزي، فقد بلغ إجمالي إيرادات البلاد من النفط 51 مليار دينار (نحو 11 مليار دولار)، من أول يناير/كانون الثاني حتى 31 يوليو/تموز 2024.
وفي العام 2023، بلغ دخل النفط 99.1 مليار دينار (نحو 21 مليار دولار)، بانخفاض عن 105.4 مليارات دينار (22 مليار دولار) في عام 2022.
وبحسب التقرير، فإن هذا يسلط الضوء على الطبيعة المتقلبة للاقتصاد الليبي القائم على النفط، والذي يتأثر بأسعار النفط العالمية وتحديات الإنتاج المحلي.
وعلاوة على ذلك، وفقا لتقرير صادر عن "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا"، ارتفع معدل الفقر في البلاد إلى 40 بالمئة بدءا من نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023.
وقال الموقع الأميركي: "إلى جانب القضايا الاقتصادية، تعاني ليبيا من انعدام الأمن، حيث لم تُبدِ أي دولة غربية اهتماما جادا باستقرار النظام السياسي في طرابلس، بل تركز جهودها على تحقيق أهدافها الخاصة".
وذكر أن "الدول الأوروبية تهتم بالدرجة الأولى بالهجرة غير النظامية، ولذلك تجد أن هذا الوضع شبه الفوضوي مناسب للتعامل معه".
واستطرد: “أما الولايات المتحدة، فهي تركز على مكافحة الإرهاب واحتواء انتشار التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم الدولة في المنطقة، ولا يهمها من يحكم ليبيا طالما أن الجماعات المتطرفة تحت السيطرة”.
نفوذ خارجي
وقال الباحث الليبي، عمر مصباح لموقع “ذا ميديا لاين” إن "هناك قوى أجنبية تنافس حاليا بعضها بعضا، فقد نشرت روسيا أخيرا 1800 مقاتل شرق ليبيا للحصول على أصل إستراتيجي قرب منطقة الساحل، حيث توجد مليشيا فاغنر أيضا".
وأضاف أن "الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا، تُبقي على نفوذها العسكري المحدود في البلاد لمراقبة الإرهاب والهجرة غير النظامية".
بدوره، قال السفير الليبي السابق لدى السويد، إبراهيم قرادة، إن "إمكانية تحول ليبيا إلى ساحة لحروب بالوكالة أمر وارد في المستقبل، حيث نرى جهات متصارعة حاضرة في البلاد وتعمل على زعزعة استقرارها أيضا".
وأوضح: "لديك الولايات المتحدة ضد روسيا، وإيطاليا وفرنسا وتركيا وقطر والإمارات ومصر يتنافسون على النفوذ".
وحذر "ذا ميديا لاين" من أن "هذه الفوضى الشاملة ربما تزيد من خطر تنظيم الدولة، وحتى نفوذ إيران في البلاد".
وأضاف مصباح: "في ظل سيناريو فوضوي مثل الذي نشهده، قد يتمكن تنظيم الدولة من تجنيد المزيد من أولئك الذين يكافحون من أجل البقاء، والذين يعانون من ضعف التعليم".
وفي الوقت نفسه، "قد تستخدم إيران ليبيا كأداة للتنافس مع السعودية والإمارات وقطر، في حين تُلحق الضرر بأوروبا من خلال إنشاء محور جديد للإرهاب مرتبط بتدفق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط"، وفق مصباح.
وفي هذا السياق، أكد كل من الغويل ومصباح أن النظام الفيدرالي قد يكون الحل لإعادة الاستقرار إلى البلاد وإعادة ضبط كل شيء، وهذا من شأنه أن يتجنب السلطة المركزية الحالية ويخلق أساسا لدولة حديثة.
ويرى السفير قرادة أن “تأثير الجهات الفاعلة الدولية قد يكون حاسما في فهم ما إذا كان من الممكن التوصل إلى حل للوضع الحالي، أم أن الحرب ستندلع بدلا من ذلك”.
وخلص إلى أن "القوى الدولية منشغلة حاليا بالوضع في قطاع غزة، وفي أوكرانيا، وفي السودان، وبالتالي فإن قضية ليبيا ليست مطروحة حاليا على الطاولة".
وختم قرادة قائلا: "حتى الآن، يبدو أن المليشيات المسلحة والسياسيين المحليين لا يريدون الحرب، ولكن إذا استمر الوضع الحالي إلى ما هو أبعد من ذلك ولم يتدخل أي طرف دولي، فقد تنشب حرب في ليبيا".