التيار الصدري يدشن لواء "قدسيو الصدر" لتحرير فلسطين قبل 17 عاما.. أين اختفى؟
الصدر يواجه انتقادات من العراقيين كونه لا يساهم بنصرة غزة عسكريا
في دعوة هي الثانية من نوعها منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حث زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أتباعه للخروج بمظاهرة مليونية في بغداد، مرتدين الأكفان للتعبير عن تعاطف الشعب العراقي مع القضية الفلسطينية.
دعوة الصدر هذه، أثارت تساؤلات عدة عن مصير لواء "قدسيو الصدر" الذي شكله زعيم التيار الصدري عام 2017، بعد قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إعلان القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
وقال الصدر وقتها إنه سيكون أول جندي من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية، لكنه لم يتخذ إجراءات عملية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.
"مليونية التحرير"
وعلى وقع "زيارة أربعينية الحسين" الشيعية بمدينة كربلاء، في 24 أغسطس/ آب 2024، دعا الصدر في بيان إلى نصرة غزة بتظاهرة مليونية في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، حسب بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع".
وقال إن "على محبّي السلام ومبغضي الإرهاب الصهيوني ومجازره من أُخوتي العراقيين بمشاربهم كافة ما عدا الفاسدين، الخروج بتظاهرة مليونية تعكس صورة حقيقية لمدى تعاطف الشعب العراقي الغيور مع القضية الفلسطينية ومع أُخوتهم المنكوبين في غزة".
وحدد زعيم التيار الصدري زمن المظاهرة في "أول جمعة بعد الـ 17 من ربيع الأول لهذا العام في سبتمبر/ أيلول 2024، حيث ولادة النور الأعظم والرسول الأكرم محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم)".
وأضاف: "تظاهرة سلمية في ساحة التحرير في بغداد مع لبس الأكفان مع الإمكان، ليصل صوتكم وصورتكم للعالم أجمع، فلا تقصروا في ذلك رجاء أكيدا، فهذا ما يرضي الله ورسوله وأهل بيته ومراجعنا العظام الأحياء منهم والأموات".
المظاهرة التي دعا إليها الصدر، تعد الثانية من نوعها، إذ سبق أن خرج أتباعه بتظاهرة مماثلة ببغداد في 13 أكتوبر 2023، لمساندة الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي.
وقال الصدر في بيان حينها إن “من الواجب علينا نحن العراقيين المجاهدين المقاومين للاحتلال الأميركي وكل محب للقضية الفلسطينية الخروج بمظاهرات مليونية سلمية موحدة في ساحة الإصلاح والمظلومين (ساحة التحرير) ليرتفع صوت الجهاد من بغداد وليصل إلى العالم كله”.
وأردف: "لنحرق الأعلام الإسرائيلية رافعين الأعلام الفلسطينية جنبا إلى جنب مع العلم العراقي".
وأضاف: "عسى أن تكون تلك المظاهرة تحطيما وتشتيتا لهم ولنرعب كبيرة الشر أميركا والتي تدعم الإرهاب الصهيوني ضد أحبتنا في فلسطين ولتعود الأراضي الفلسطينية والقدس الشريف إلى كنف الحق والحق يعلو ولا يعلى عليه".
وفي نشاط آخر، حث زعيم التيار الصدري أتباعه في مارس/آذار 2024، إلى جمّع تبرعات عينية وإرسالها إلى الفلسطينيين المحاصرين في غزّة.
وفيما أشار إلى أن الصهاينة سلبوا الفلسطينيين لقمة عيشهم، أكد أن كل عراقي يفطر برمضان وأهل غزة دون فطور فهو ظالم لنفسه، بحسب بيان له.
"قدسيو الصدر"
لكن اكتفاءه بالدعوة للمظاهرات وجمع التبرعات لم تخرجه من دائرة انتقاد العراقيين، الذين طالبوه بالكشف عن مصير لواء "قدسيو الصدر" الذي أمر بتشكيله في عام 2017، وأعلن في حينها أنه سيكون جنديا لا قائدا من أجل الدفاع عن أرض فلسطين.
وأعلن المعاون العسكري للصدر أبو دعاء العيساوي في 8 ديسمبر/كانون الأول 2017، خلال اجتماع موسع وطارئ ضم العديد من القيادات العسكرية للتيار، فتح باب التطوع أمام الجميع لتشكيل لواء عسكري تحت اسم "قدسيو الصدر".
وقال العيساوي في حينها إن "الصدر أكد خلال خطاب له، على خلفية إعلان الإرهابي ترامب القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، بأنه أول جندي للقدس وليس أول قائد".
وأكد القيادي في تيار الصدر فتح مراكز عن طريق الفرق المنتشرة في المحافظات لاستقطاب العراقيين، من داخل "سرايا السلام" (مليشيا تابعة للتيار الصدري) أو من خارجها، من الراغبين بالانضمام إلى التشكيل الجديد الذي يحمل تسمية "قدسيو الصدر".
وأكد المجتمعون "التزامهم بتوجيهات القائد الصدر بما يخص القدس"، معلنين استعدادهم وجاهزيتهم "لتنفيذ ما يمليه عليهم الضمير وتعليمات سماحة القائد" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وكان الصدر كشف في ديسمبر 2017 عن وجود تنسيق مع "فصائل المقاومة" (الشيعية) في العراق للاجتماع بشأن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة مزعومة لإسرائيل.
ومنذ عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، أمر مقتدى الصدر، بتشكيل العديد من المليشيات المسلحة، هي: سرايا السلام، اليوم الموعود، جيش المهدي، وكان آخرها "قدسيو الصدر".
وتطارد "جيش المهدي" اتهامات بارتكاب مجاز طائفية وحرق مئات المساجد التابعة لأهل السنة في العراق، خلال الحرب الأهلية في البلاد والتي استمرت بين عامي 2006 إلى 2008، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين.
"استهلاك إعلامي"
وبخصوص عدم مشاركة التيار الصدري في شن أي هجمات ضد إسرائيل واستخدام لواء "قدسيو الصدر" في المعركة الحالية لنصرة قطاع غزة، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، إن "ما يطرحه مقتدى الصدر لا يتجاوز الاستهلاك الإعلامي".
وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "تشكيل لواء قدسيو الصدر كان للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر، لأنه لا يستطيع أي شخص من هؤلاء عبور الحدود العراقية، لأن حربهم الحقيقية هي قتال أهل السنة في العراق، وليست لهم علاقة بالقدس أو غيرها من مقدسات المسلمين".
وأشار الباحث إلى أن "فيلق القدس الإيراني أيضا، تشكل من أجل تمرير مشاريع ولاية الفقيه الخبيثة، وأن الكثير من الحركات الإسلامية انغرّت بهم في بداية الأمر، واعتقدت حينها أن المرشد الإيراني السابق روح الله الخميني دولته مسلمة وتريد بالفعل تحرير أرض فلسطين".
ولفت إلى أن "المسميات لم تعد تعني شيئا في الوقت الحاضر إذ لم يكن هناك فعل حقيقي على أرض الواقع، فالحدود السورية واللبنانية متاحة لعبور قدسيو الصدر وغيرها من التشكيلات المليشياوية العراقية، فلماذا يساندون نظام بشار الأسد ويتركون غزة تذبح".
وتساءل الباحث أيضا: "لماذا لا يذهب الصدريون وغيرهم للقتال مع حزب الله وهم من أبناء مذهبهم الشيعي؟ فهؤلاء تصريحاتهم كلها للاستهلاك الإعلامي سواء التيار الصدري، أو بقية المليشيات العراقية التي عاثت في الأرض فسادا وقتلوا الفلسطينيين في العراق".
وأردف، قائلا: "عام 2006 ليست بالتاريخ البعيد عندما قتلت مليشيا جيش المهدي الفلسطينيين في بغداد وهجروهم من العراق. لذلك مزايدات الصدر هذه لا تنطلي على أحد، والقدس لن يحررها إلا أهلها البواسل الذي أذاقوا الاحتلال الإسرائيلي الويلات".
وأكد أن “دعوات الصدر للتظاهر في بغداد من أجل غزة، ليست سوى استعراض عضلات أمام القوى السياسية في الداخل، وأنه قادر على إخراج مظاهرة مليونية، وبالتالي يتخذ من القضية الفلسطينية حجة لذلك، وإلا بإمكانه تصويب سلاحه الذي يمتلكه صوب إسرائيل”.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تساءل المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي الشيعي، عباس العرداوي، قائلا: "أين موقف التيار الصدري من القصف الذي تتعرض له غزة، خصوصا أن لديهم تشكيل قدسيو الصدر، وقوة مسلحة أخرى، إضافة للقوى السياسية، فما الذي يمنعهم؟".
وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية، أن "لدى التيار الصدري أعلى سفير في الدولة العراقية، وهو جعفر الصدر سفير البلاد في المملكة المتحدة، فبإمكانه تقديم احتجاج إلى المجتمع الدولي باسم العراق".
وكتبت الناشطة العراقية، رسل الأسدي، تدوينة على منصة "إكس" في 14 أبريل/نيسان 2024، تهكمت فيها على الصدر، بالقول: "زعيم المقاومة الدولية بالعراق، قائد قدسيو الصدر إلى الآن نائم.. هل من أحد يبلغه أن إسرائيل جرى قصفها حتى نراه يفرح بتغريدة".
وتداول ناشطون عراقيون، مقطع فيديو للمعاون العسكري للصدر، أبو دعاء العيساوي، أثناء وجوده في أحد مراز تجميل الأسنان، بعد وضع ابتسامة هوليود، متسائلين: أين لواء "قدسيو الصدر"، الذي سبق أن أعلن فتح باب التطوع له عام 2017؟