الاهتمام الأميركي المتزايد بلعب دور رئيس في ليبيا.. ما السر؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

يتزايد الاهتمام الدولي بليبيا خلال الآونة الأخيرة، وسط تساؤلات عن مدى الحضور الأميركي وإستراتيجيتها في هذا البلد الغارق بأزمات سياسية وعسكرية واقتصادية.

وترى وكالة الأناضول التركية أن الولايات المتحدة الأميركية تبرز بثقلها المحدد في السياسة الإقليمية وإستراتيجياتها السياسية والأمنية تجاه ليبيا منذ عام 2011.

نقاط الانهيار

وقالت في مقال للكاتب التركي “فؤاد أمير شيفقاتلي”: “الولايات المتحدة شكّلت أولوياتها في ليبيا حول ثلاثة مجالات رئيسة: ضمان أمن الطاقة وموازنة تأثير روسيا المتزايد في المنطقة والحفاظ على وجودها العسكري”.

وفيما يتعلق بهذه النقاط الثلاث، تهدف الولايات المتحدة إلى السيطرة على تأثير تدفق النفط والغاز في ليبيا على أسواق الطاقة العالمية.

كما تهدف إلى إحباط جهود روسيا لكسب النفوذ، خاصة على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، واستخدام موقع ليبيا الإستراتيجي للعمليات العسكرية للقوات الإفريقية (أفريكوم).

وأردف الكاتب: شكل هجوم عام 2012 على القنصلية الأميركية في بنغازي واغتيال السفير كريستوفر ستيفنز نقطة تحول رئيسة في العلاقات الأميركية الليبية. 

بعد تلك الحادثة وضعت الولايات المتحدة إستراتيجيات "التدخل المحدود" و"التوازن عن بعد" على جدول أعمالها في ليبيا. 

وفي هذا السياق، اتخذت واشنطن خطوات لكسر نفوذ الجماعات المتطرفة من خلال التعامل مع ليبيا كساحة لمكافحة الإرهاب. 

واستمرت الولايات المتحدة بالمشاركة منذ عام 2016 في العمليات الدبلوماسية من خلال بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.

كما واصلت اتباع سياستها تجاه البلاد بنهج موجه نحو الأمن بعد إلغاء الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ليبيا عام 2021.

في الفترة التالية يمكن القول إنه خلال زيارات مسؤولين رفيعي المستوى مثل مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز وقائد أفريكوم الجنرال مايكل لانغلي إلى ليبيا، جرى طرح قضايا حرجة.

وذلك مثل توحيد الجيش، وإزالة مجموعات مرتزقة فاغنر الروسية من المنطقة وضمان أمن المنشآت النفطية.

محاولات أميركية

باختصار، شكلت الولايات المتحدة بشكل عام سياساتها في ليبيا على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية وفقا للتوازنات الجيوسياسية في المنطقة، ومن جهة أخرى تحاول تأمين تدفق الطاقة، وفق الكاتب.

وذكر أن هناك نقطة تحول أخرى في العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا، تمثلت في تصفية مرتزقة فاغنر في روسيا. 

وتابع: بعد هذه العملية خفضت روسيا وجودها العسكري في كل إفريقيا خاصةً ليبيا، وحولته إلى خط أكثر مؤسسية وتركت المناطق المتبقية إلى حد كبير لوزارة الدفاع. 

في هذه المرحلة مهد الفيلق الإفريقي الروسي، الذي تأسس في مايو/أيار 2024، ويعد نسخة محدثة من فاغنر، الطريق أمام التحركات الأميركية الموازنة.

وفي الوقت نفسه تقريبا جمعت شركة إمينتوم الأمنية الأميركية بعض قادة الجماعات المسلحة في غرب ليبيا لمناقشة إنشاء هيكل مشابه للفيلق الإفريقي الروسي. 

ولفت الكاتب التركي إلى أن إدارة واشنطن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع عائلة اللواء الانقلابي الليبي خليفة حفتر، التي تعد أهم قوة مسلحة وسياسية في شرق البلاد.

وتابع: من ناحية أخرى أنشأت الولايات المتحدة الفيلق الليبي الأوروبي بقيادة مجموعات المليشيات الموالية للمدن الغربية.

بالإضافة إلى هذه الأنشطة، حاولت الولايات المتحدة أخيرا نزع سلاح المليشيات في ليبيا من خلال كيان آخر، وهي شركة كيمونيكس. 

على وجه الخصوص، في الأخبار التي انعكست بالصحافة المحلية لفرنسا وليبيا، زُعم أن شركة كيمونيكس ستُدخِل الجماعات المسلحة المختلفة في البلد الإفريقي في برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ضمن آلية وجدول زمني معينين.

البحث عن شرعية 

في هذه المرحلة، أدى تراجع سمعة الولايات المتحدة في منطقة الساحل المتاخمة لليبيا إلى إنهاء وجودها العسكري مع الانقلاب في النيجر، ولذلك سارعت اليوم في البحث عن قواعد جديدة في غرب إفريقيا.

وشككت التطورات في النيجر بشكل متزايد في نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين مثل فرنسا في المنطقة. 

في هذا الصدد، لم تعد ليبيا مجرد قضية طاقة وأمن للولايات المتحدة، ولكنها تحولت إلى منطقة إستراتيجية حيث يمكنها إعادة تأسيس نفوذها في القارة الإفريقية.

فبالنسبة للولايات المتحدة، التي تهدف إلى إعادة بناء نفوذها في إفريقيا من خلال إنشاء وجود عسكري دائم وعلاقات دبلوماسية فعالة، فإن ليبيا هي البلاد التي تتمتع بموقع مركزي من حيث طرق الهجرة وإمدادات الطاقة إلى أوروبا. 

كما أن طرق الطاقة والهجرة التي تصل إلى البحر الأبيض المتوسط عبر ليبيا ضرورية أيضا لأمن أوروبا واستقرارها. 

ومن هذا المنظور فإن زيادة روسيا أو أي جهة فاعلة منافسة أخرى من نفوذها وقوتها في الدولة الواقعة، شمال إفريقيا ليس سيناريو مرغوبا فيه بالنسبة للولايات المتحدة.

وأردف الكاتب: تعد تركيا واحدة من الجهات الفاعلة المهمة في ليبيا سياسيا وعسكريا. 

وبالنسبة لتركيا، التي توصلت إلى أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة من أجل استكمال العملية الانتقالية في البلاد، يمكن اعتبار استعادة الاستقرار الدائم في ليبيا من بين الأهداف ذات الأولوية. 

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن رؤية الوجود العسكري التركي في غرب البلاد كعامل ردع يمنع التوترات بين الأطراف من التحول إلى صراعات شاملة منذ ديسمبر/كانون الأول 2019.

لذلك يمكن القول إنّ تحركات الولايات المتحدة في ليبيا، وهي الأكثر توازناً وإفادة للعملية الانتقالية، ستكون موضع ترحيب إيجابي في نظر تركيا.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: إن حالة عدم اليقين السياسي المستمرة في ليبيا واحتمال أن تؤدي المنافسة العسكرية المستمرة بين الفصائل إلى صراعات واسعة النطاق تجعل من الضروري أن تتدخل واشنطن في القوة الناعمة والصلبة لمعالجة الديناميكيات الأمنية الهشة في ذلك البلد. 

لدرجة أن ارتباط ليبيا بالهيكل الأمني الأوروبي في مجالات الهجرة والطاقة وفقدان المرونة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة في إفريقيا كانت إشارات مهمة في هذه المرحلة.