تركيا والتصعيد الإسرائيلي ضد سوريا الجديدة.. أوراق الرد وتحديات الإقليم

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

فيما تؤكد إدارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع حمايتها لجميع طوائف البلاد دون تمييز ضمن وطن واحد، يواصل الكيان الإسرائيلي مزاعمه حول تعرض الدروز في سوريا لاعتداءات، وهو ما تعده دمشق ذريعة لانتهاك السيادة السورية.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "يني شفق" مقالا للكاتب التركي "ندرت أرسانيل" سلط فيه الضوء على تصاعد الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا وردود فعل تركيا حيالها.

وضع غير مسبوق

في مستهل المقال يقول الكاتب التركي: إن المنطقة شهدت تطورات جديدة مع تصاعد التوترات الإسرائيلية في سوريا، والتي كان لها تأثير كبير على العلاقات الإقليمية والتهديدات السياسية بين الأطراف المختلفة. 

ففي 12 مارس/ آذار 2025، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قائلا: "أحمد الشرع، كلما فتح عينيه صباحا في قصر الرئاسة في دمشق، سيرى جيش إسرائيل يراقبه من قمة جبل حرمون". 

وهذا التصريح الذي عده الكثيرون تهديدا مباشرا من إسرائيل لسوريا، لم يمر مرور الكرام في المنطقة.

فلم تقتصر ردود الفعل على دمشق فقط، بل امتدت لتشمل تركيا التي عدت التصريح تحديا واضحا لها. 

وفي أقل من 24 ساعة جاء رد تركيا سريعا من خلال زيارة إعلامية قام بها كبار المسؤولين الأتراك إلى دمشق. 

حيث شارك وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار جولر، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين في زيارة تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل بأن تركيا لن تقبل هذه التهديدات.

وهذه الزيارة تُعد بمثابة رد مباشر من تركيا على التصريحات الإسرائيلية، حيث أكد المسؤولون الأتراك على موقفهم الثابت والصلب تجاه التهديدات التي قد تؤثر على استقرار المنطقة. 

وهذه الإيماءات المتبادلة بين الأطراف المختلفة تشير إلى أن أحد أكبر العوائق أمام بناء نظام إقليمي مستقبلي في المنطقة هو إسرائيل.

ومن الواضح أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تمر بمرحلة حرجة، ويبدو أن التوتر قد وصل إلى ذروته في الفترة الأخيرة. 

حيث يعود هذا التوتر إلى الموقف الثابت لتركيا في قضية فلسطين، والذي يعد سببا رئيسا في العداوة المتزايدة بين البلدين. 

علاوة على ذلك، فإن الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب من جهة ودمشق من جهة أخرى قد أدى إلى خيبة أمل كبيرة لإسرائيل، مما زاد من تعقيد الوضع الإقليمي.

وبعد التغيير السياسي في سوريا، باتت إسرائيل تدرك أنها أمام جيران جدد. 

فتزايد نفوذ تركيا في سوريا وعلى مقربة من حدود إسرائيل يفرض عليها التعامل مع تحديات مختلفة وخوض تجربة مغايرة تماما عمّا اعتادته مع جيرانها السابقين، وهو وضع غير مسبوق بالنسبة لها.

الدور الأميركي في سوريا

وفي هذا الصدد، لفت الكاتب التركي إلى أن السياسة الأميركية في سوريا شهدت تحولا كبيرا، لا سيما في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. 

فبينما كانت الولايات المتحدة قد تدخلت لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب في حربها ضد تنظيم الدولة، أصبح من الواضح أن هناك تباينا في المصالح بين واشنطن وقسد مع تطورات الوضع في سوريا. 

إذ لم يعد الدعم الأميركي لقسد كما كان في السابق، مما يعكس تحولاً في السياسة الأميركية تجاه المنطقة. 

وقد نشرت بعض الصحف الغربية مثل نيويورك تايمز تقارير تشير إلى أن "موقف ترامب أضعف قسد، وقلل من قوتها التفاوضية". 

من جانب آخر، كانت الصحافة التركية تشير إلى أن "الاتفاقية بين قسد ودمشق لم تكن لتتم دون علم أميركا" أو أن "مدير قسد تم جلبه لتوقيع الاتفاقية بواسطة مروحية حربية أميركية". 

وفي المقابل، ظهرت تحليلات إيجابية من صحف مثل غارديان وبي بي سي، التي حاولت تفسير السياسات الأميركية من زاوية إيجابية، مشيرة إلى أن واشنطن قد تدعم تسوية أو حلا سياسيّا للأزمة السورية. 

ومع ذلك، فإن هذه الديناميكيات تثير تساؤلا محورياً: هل تدعم الولايات المتحدة سياسة قد تتعارض مع مصالح إسرائيل في سوريا؟

وقد يبدو السؤال غريبا ولكن التطورات الأخيرة تشير إلى تحولات في السياسة الأميركية قد تعكس تباينا عن المواقف التقليدية التي كانت تدعم إسرائيل بشكل مطلق. 

ففي عالم السياسة الدولية لا شيء ثابت إلى الأبد. فإن العلاقات التي كانت تُعد ثابتة وغير قابلة للتغيير قد تجد نفسها في مفترق طرق.

وعلى الرغم من صعوبة التفكير في تغيير جذري في هذه العلاقة، فقد شهدنا تطورات مشابهة في مناطق أخرى مما يوضح أن التحولات في السياسة الدولية ليست محكومة بقوانين ثابتة.

تحديات معقدة

ووسط ذلك، أشار الكاتب إلى أن تركيا تواجه تحديات معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتستدعي هذه التحديات سياسة مرنة وحذرة في مواجهة المتغيرات السريعة في المنطقة. 

في هذا السياق، تثير السياسات التركية اهتماما واسعا بين المعارضين، الذين يعبرون عن مخاوفهم بشأن أسلوب تعامل تركيا مع هذه التحديات. 

في المقابل، يرى البعض أن هذه الانتقادات ليست سوى تمنيات أو وسائل للضغط على الحكومة.

والمعركة السياسية الحالية في تركيا ليست محصورة في الساحة الداخلية فقط، بل تشمل تحركات واسعة على الساحة الدولية. 

فالقوى الإقليمية مثل إسرائيل وإيران والعراق وسوريا والدول العربية، بالإضافة إلى التوازنات في البحر الأبيض المتوسط تخلق العديد من المشاكل التي يجب على تركيا التعامل معها. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن ضغوط القوى العظمى مثل روسيا والولايات المتحدة يمكن أن تعصف بالخطط التركية بسهولة. 

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال دور تركيا في الأحداث العالمية الكبرى، مثل الحرب الأوكرانية، التي جعلت تركيا تسهم بشكل فعال في ديناميكيات الأمن الأوروبي وكذلك في محاولات إعادة تشكيل معمارية الأمن في الشرق الأوسط. 

فتركيا، التي تجمع بين موقعها الجغرافي الإستراتيجي والسياسي، تلعب دورا مهما في تسوية الأزمات، لكنها تجد نفسها تحت ضغط مستمر من القوى الخارجية. 

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إن الحديث عن تركيا خالية من الإرهاب لم يعد مقتصراً على الشؤون الداخلية فقط، بل نحن نتحدث عن خلق مناطق خالية من الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة. 

فإن إيجاد هذه المناطق في منطقة الشرق الأوسط سيكون بمثابة "كنز إستراتيجي" لتركيا في عالم جديد يسير بسرعة نحو التغيرات الدائمة.