من التحريض إلى القتل.. هكذا تلاحق إسرائيل صحفيي غزة في مصادر رزقهم

خالد كريزم | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

ترك التحريض الإعلامي الصهيوني آثارا غائرة لدى الصحفي الفلسطيني عبد القادر صباح، الذي ألغت التعاون معه ثلاث وسائل إعلام عربية وأجنبية، رغم تغطيته من شمال قطاع غزة، إحدى المناطق الأكثر عزلة وخطورة اليوم على مستوى العالم.

وصباح واحد من عشرات الصحفيين الذين ربطتهم إسرائيل بحركة المقاومة الإسلامية حماس، منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، لتبدأ بمهاجمتهم والتحريض عليهم والتضييق على مصادر دخلهم وصولا إلى استهدافهم وقصف منازلهم.

وانتقمت قوات الاحتلال من الصحفيين في الأشهر التسعة التالية، عبر الزعم بأن حماس نسقت معهم من أجل تغطية اقتحامها لمستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهي ادعاءات نفاها الصحفيون وأكدوا أن ما يجرى من استهداف ممنهج لهم ولعائلاتهم ومنازلهم ومكاتبهم الصحفية وملاحقتهم في مصادر دخلهم، يأتي بهدف منعهم من فضح جرائم الاحتلال.

أبرز صور الانتقام من الصحفيين، جرت عبر التحريض الإسرائيلي الرسمي ومن خلال الإعلام والمنصات العبرية على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أضر بهم ودفع القنوات والوكالات العاملين فيها لإنهاء تعاقداتهم معها.

تحريض إعلامي

وكان آخر ذلك ما تعرض له المصور والمخرج الصحفي عبد القادر صباح الذي أنهت التعاون معه على التوالي كل من وكالة أسوشيتد برس ثم شبكة سي إن إن الأميركيتين ثم قناة العربية السعودية.

وجاء ذلك بعد أن ربطت المنظمة الصهيونية لمراقبة الإعلام والدفاع عن جرائم إسرائيل وإنكارها "أونيست ريبورتينغ" في يوليو/تموز 2024، بين صباح وحركة حماس، من خلال النبش في منشوراته القديمة، والتشكيك في مواده.

واستندت في ذلك، إلى صورة التقطها صباح سابقا مع القيادي في حركة حماس محمود الزهار، وإنجازه مشروعا شاركت مقطعه وزارة الداخلية في غزة، ووصف الصحفي عناصر المقاومة بالأبطال.

ويقول صباح لـ"الاستقلال": “استخدمت هذه المنظمة صورا قديمة لي لتوصل فكرة أنني مؤطر في إطار معين، واتهمتني بنشر الأكاذيب عبر وسائل الإعلام الأجنبية”.

وأردف: “بعد نشر المنظمة تقريرها بيوم واحد، أصدرت سي إن إن قرارا بإيقاف التعاون معي، وبعدها بـ4 أيام اتخذت قناة العربية نفس الإجراء بحجة وجود الكثير من العاملين لديها من غزة رغم أنني من القلائل الذين يعملون على تغطية منطقة شمال ومدينة غزة”.

وقبل ذلك، كان صباح يقدم مواد صحفية لوكالة أسوشيتد برس منذ بداية العدوان وحتى مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، ليجرى إيقافه أيضا نتيجة للتحريض الإسرائيلي الذي بدأ مبكرا على وسائل التواصل.

ويعلق بالقول: “أنا أعمل في مجال التصوير والإخراج، ومن الطبيعي أن ألتقط الصور مع الشخصيات التي أقابلها، كما أنني لا أرى مشكلة في تمجيد المقاومة”.

ويواصل في هذه النقطة: “الصحفيون الإسرائيليون يمجدون الجيش الذي يقتل ويدمر ويذهبون في جولات معه داخل غزة، لكن لا أحد يتعرض لهم” من الإعلام الأجنبي.

ونفى العديد مما أسماها الادعاءات الكاذبة التي نشرتها المنظمة الصهيونية بأنه يعمل كموظف حكومي، مبينا أن هناك اتفاقا أميركيا إسرائيليا باستبعاد كل صحفي يريد إيصال الحقيقة بشأن الجرائم الإسرائيلية في غزة.

وألمح إلى وجود انتقام متعمد، حيث جرى استهداف شقته بالتحديد في شمال غزة “في منطقة لم تتعرض لاستهداف عشوائي”.

كما قصف المنزل الذي نزحوا إليه لاحقا مما أدى إلى إصابة زوجته واثنين من أبنائه واستشهاد وجرح عدد من أفراد عائلته.

ويوضح أنه اضطر للوجود بعيدا عن عائلته خوفا من استهداف متعمد يودي بهم جميعا، “خاصة أن الصحفيين الذين يعملون على تغطية شمال غزة قلائل لا يتجاوزون عشرة أشخاص”.

وضمن التحريض الإعلامي الإسرائيلي، سارعت صحيفة جيروزاليم بوست في 2 يوليو، إلى اتهام "سي إن إن" نفسها، بقولها إن تقرير "أونيست ريبورتينغ" "يلقي بظلال من الشك على النزاهة الصحفية للشبكة وعلاقات حركة حماس الإرهابية بها".

وبحسب ادعاءاتها "يثير التقرير أيضا مخاوف بشأن المعايير الصحفية وممارسات التدقيق الخاصة بمراسلي الشبكة الإعلامية، بالإضافة إلى محتوى القصة الذي تنشره الوسيلة الإعلامية".

لكن قالت "أونيست ريبورتينغ" إن سي إن إن ردّت بوقف التعاون مع عبد القادر صباح. ونقلت عن متحدث رسمي أن الشبكة "لم تكن على علم بالمنشورات الاجتماعية السابقة لهذا الشخص وتدرك أنها مسيئة للغاية، وفي ضوء ذلك لن نستخدم مواده بعد الآن". 

وهذ التحريض لم يكن جديدا من قبل المنظمة ذاتها، فقد تسببت أيضا بفصل المصور الصحفي حسام سالم من صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، بعد سنواتٍ من التغطية تحت النار في قطاع غزة.

ويقول سالم لـ"الاستقلال": "بدأتُ العمل في الصحيفة مع انطلاق مسيرات العودة مطلع عام 2018، وغطيت معهم العدوان على غزة في مايو/ أيار 2021.

وأعدت تلك المنظمة تقريرا عن سالم  في 24 أغسطس/آب 2022، بوصفه معاديا للسامية استنادا إلى منشورات على فيسبوك يشيد بها بعمليات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني.

وبعد يومين فقط، نشرت المنظمة خبرا مفاده إيقاف سالم وعدد من المصورين عن العمل، “حتى قبل أن تبلغني نيويورك تايمز بعدها بأيام بإنهاء التعامل معي بسبب معاداتي للسامية”.

وتسبب تحريض نفس المنظمة كذلك بسحب "جائزة الشجاعة الصحافية" المقدمة من المؤسسة الإعلامية النسائية الدولية "IWMF" في واشنطن، من الصحافية والحقوقية الفلسطينية مها الحسيني.

وجرى سحب الجائزة المذكورة من الحسيني في يونيو/حزيران 2024، بعد نحو 10 أيام على منحها إياها تقديراً لتقاريرها التي قدمتها لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني حول الحرب في غزة.

فبعد فوزها بالجائزة، استنفر أنصار الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسهم “أونيست ريبورتينغ” لينبشوا تغريدات ومنشورات كتبتها الحسيني خلال السنوات السابقة، واتهموها بالانتماء لحركة حماس ومعاداة السامية.

استهداف رسمي

وفضلا عن التحريض الإعلامي، أصبح الصحفيون منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، ضمن الفئات الأكثر استهدافا حيث قتل العشرات منهم مع عائلاتهم وأصيب واعتقل آخرون.

وحتى 13 يوليو 2024، ارتفع عدد الشهداء الصحفيين إلى 159 منذ بداية العدوان، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وتقول لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك، إن غالبية ضحايا الصحفيين في غزة منذ بداية الحرب قتلوا أثناء أداء عملهم.

وأخذ الصحفيون في غزة على عاتقهم مسؤولية إخبار العالم بما يحدث، بينما يعانون أيضا من الخسائر الشخصية والمآسي خلال الحرب.

ويواجه الصحفيون في غزة مخاطر عالية بشكل خاص أثناء محاولتهم تغطية العدوان، بما في ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية المدمرة وانقطاع الاتصالات والتيار الكهربائي ونقص الإمدادات.

وقد أصبحت مهمتهم في جمع الأخبار أكثر صعوبة بسبب انقطاع الاتصالات في غزة، حيث انقطعت خطوط الهاتف والإنترنت بشكل دوري طوال فترة الحرب.

وإضافة إلى قتل الصحفيين وعائلاتهم وقصف منازلهم، دمر الاحتلال مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية وصحيفة الأيام وإذاعة غزة ووكالتي شهاب ومعا للأنباء، وقناتي برس تي في والعالم الإيرانيتين، كليا أو جزئيا.

وتقترن هذه الخسائر القاتلة بالمضايقات والاعتقالات وغيرها من عوائق التغطية الصحفية في غزة.

ومنذ السابع من أكتوبر، حاول الاحتلال السيطرة على الرواية العالمية بكم هائل من المعلومات المضللة التي تهدف إلى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتبرير جرائمه بحقهم في قطاع غزة.

وبفعل انهيار صدقية الرواية، يقدر صحفيون فلسطينيون أن الاحتلال يلجأ في عملية بديلة لاستهدافهم والتضييق على عملهم لكشف جرائمه.

ويأتي استهداف قوات الاحتلال للصحفيين رغم أنهم يتمتعون بالحصانة بموجب القوانين الدولية، ويسعون إلى إيصال جرائم الحرب وهجمات الإبادة الجماعية في غزة إلى العالم.

ويواصل الجيش الإسرائيلي، استهداف المدنيين والصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، رغم أن الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين يعد جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.

وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود في تحقيقاتها تعمد القوات الإسرائيلية استهداف الصحفيين رغم وضعهم إشارة "صحافة" على ملابسهم.

وقد شجب المدافعون عن حرية الصحافة أن الصحفيين، حتى عندما يتم تصنيفهم بشكل واضح على أنهم صحفيون، يكونون من بين الضحايا في غزة.

وتشير بعض المعطيات إلى تعمد الاحتلال استهدافهم، فعلى سبيل المثال، رفض الصحفي في قناة الجزيرة أنس الشريف الخروج من شمال قطاع غزة عندما بدأت موجات النزوح القسري إلى الجنوب بفعل القصف الواسع.

وطلب جيش الاحتلال منذ بداية التوغل البري من الفلسطينيين التوجه إلى جنوب وادي غزة، وتزامنا مع ذلك بدأ بشن هجمات من البر والبحر والجو على المناطق الشمالية.

وكشف الصحفي أنس الشريف عن تلقيه تهديدات من ضباط إسرائيليين لوقف تغطيته للحرب الإسرائيلية على القطاع، مؤكدا أنه لن يستجيب لها وسيواصل تغطيته الصحفية.

وخلال العدوان، حرضت وسائل إعلام عبرية على الصحفيين والناشطين وكان من بينهم الصحفي حسن اصليح والناشط صالح الجعفراوي بسبب نشاطهم في كشف جرائم الاحتلال.

وفي 9 نوفمبر، غرد داني دانون ممثل إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، وعضو الكنيست الحالي على إكس بالقول: "أعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي أنه سيقضي على جميع المشاركين في مجزرة 7 أكتوبر، وسيتم إضافة المصورين الصحفيين الذين شاركوا بتسجيل الاعتداء إلى تلك القائمة".

وهو ما يظهر وجود نية إسرائيلية رسمية مبيتة للقضاء على الصحفيين، كما حدث خلال العدوان أثناء قصف خيمتهم الخاصة بالتغطية الصحفية داخل مستشفى الشفاء.